الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الجليل و أيلول

سليم البيك

2006 / 10 / 9
الادب والفن


- حان الرحيل يا فينوس..

تعبتْ من الجمال, فعَدَلت عن وقفتها و سحبت انحناءات جسدها الملتوية على مفترقات أزمنة, أحجبت عن العشاق نهديها المتهدلين ككثبان على مساحات من الرمل, التقطت يد كيوبيد الشقي و تنهدت:

- ارم سهامك بعيداً و لنرحل, فلا جميلات بعدها و لا عشاق تَصيبهم..

كان الزمان يتأهب لرحلة أخرى, لحفلة أخرى, إلى فلسطين هذه المرة, ليحاصر جليلها, فما فتئت هذه الأرض تثير فيه شيئاً من العجز. اعتاد على تعثره الدائم بالأيام, فما استطاع المشي بدونها, و الأيام تتناوب في عشق الأرض, فلكل يوم ساعاته التي يعشق الجليلَ فيها و يمارس عشقه كيفما اتفق و الجليل, و لم يرق للزمان أن يسود عشقٌ على الأيام.
لم يفرّق الزمان بين جنبات الأيام لازدحامها على مدخل الأمل. كانت كلها أيام, نهارات و ليالي, لا تمييز بين يوم و آخر, لا أساس للون و لا لطقس. كان يتوجس من فتنة الأيام بالجليل و العلاقات المؤقتة بين كل منها, و بين الجليل. ارتعش قلقاً, و هو حامي فينوس, أن تأتي الأيام أو أحدها بما أودعه الجليلُ فيها, فلا مؤقت و لا زمان و لا فينوس بعد الآن.

- و لكنك الأجمل, لا عشق بدونك و لا عشاق أقنصهم, ارفعي الشال عن نهديك ليجد التائه عشيقة تلمه..
- ألم ترها حين مررنا على غربي الجليل؟ لن يتوه أحد هناك مهما رفعتُ و مهما قنصتَ.

في يوم لم يته من أواخر الشهر..
اختار الله أن ينازل براعته في أيلول. حاول أن يلحق الشهر قبل تمرير الأخير الحمل للتشرينين, أن يلحق السنة, أن يلحق بنفسه ولادة تلك الجليلية. همس: هي آتية, لم لا تكون في عهدي إذاً؟ أراد أن يختلي الجليل بالأيام عن كل الأمكنة و كل الأزمنة, و عزف أحلى مقطوعاته ليلتحفوا بها, و رقّص كورال البرتقال على نغم الأنوثة في بياراته لتهلهل للمولود الجديد.
أراد, بعد كل هذا الزمان, أن يَطمئن بأنه سينتشي يوما بخلقه, بأن جمالاً يُخلق الآن يستحق كل هذه القرابين من الخلق, من جمالات نسبية منسية, على مذبح جمال أوحد, فكفر الله بنسبية الجمال التي جربها في خلقه, و اهتدى في أيلول للطريقة الأمثل لخلق أنثى. فهمَ, ليس متأخراً, بأن الجليل و أيلول إن لحقهما, لحق ملكة جديدة تُسبّح فينوسُ بجلالها.

شدها من يدها و دموعه كالتائهة على خدوده:

- لن أغادر الجليل..
- لم أكن بجماله.. قلت أبقى لأجلك, تحب اللهو بسهامك على تلاله.. لم أكن بجمال بحره و جباله و أشجاره و صخوره... أما و أن أجد من تخجلني بجمالها تولد و تكبر في حضرتي و أبقى, فهذا ما...
- لن أقنصها, أعدك, لن تجد من يعشقها.
- وفر سهامك لتجارب ربها, آه يا "زيوس" كم أنت قاصر.

تصر فلسطين على أن تزداد قدسية و أنوثة بنسائها الجدد, تصر على اللجوء من جمال لآخر, و لا مكان للتخييم على أرصفة أي من الجمالات المؤقتة إلى أن تعود لذاتها وطنها في أنثى أخرى ولدت حين أحب الجليل أيلولة.
هناك في الجليل حيث تلاحقت الأيام لتسبق الزمان إلى جمال كان رماه مرة على إحدى رفوفه, جاء ينفض ما تكالبت عليه من غبرة النكبات, عله يكفّر عن خطاياه, يلحق أياماً كان يوماً سيدها. تتعثر الأيام بساعات بعضها و تتيه فيما بينها ليضل كلٌّ طريقه لأمل نُسي على الرف محتضناً الجمال بعيداً عن أعين الزمان.
وحده "السابع و العشرون" نجا بساعاته من الزمان و سطوته, اهتدى لجمال أمل ظل يبحث عنه مرة كل شهر كل سنة, إلى أن بانت بشائره فرقص منتشياً على موسيقى الله مبشراً بحب جديد, رقص لفلسطين حين تجلت أنوثة, مع الجليل المتيم بلاجئ.

- ألن نرقص معهم؟
- ألديك ما يكفي من السهام؟ ارمها على الأشجار و الصخور, فللعشق كل الأمكنة في الجليل, كل شيء عاشق و معشوق هنا. أما الناس, فـ "السابع و العشرون" أعفاك منهم, كما أعفاني من وحدتي. فلنرقص إلى أن يزدحم الجليل بمن كان لاجئاً, لنبدأ حينها الرقص من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | الصين تحافظ على فنون العمارة التقليدية رغم تس


.. لمواجهة عائق اللغة.. تعليمات من خبير السفر إبراهيم توتونجي ق




.. نور خالد النبوي يساند والده في العرض الخاص لفيلم ا?هل الكهف


.. خالد النبوي وصبري فواز وهاجر أحمد وأبطال فيلم أهل الكهف يحتف




.. بالقمامة والموسيقى.. حرب نفسية تشتعل بين الكوريتين!| #منصات