الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المضمون التقدمي والفنية الأدبية في كتاب -ساعات في الجحيم- يوسف عيسى البندك

رائد الحواري

2022 / 12 / 19
الادب والفن


المضمون التقدمي والفنية الأدبية في كتاب
"ساعات في الجحيم"
يوسف عيسى البندك
أجزم أن مشروع وزارة الثقافة الفلسطينية بطباعة الأعمال الأدبية التي صدرت قبل محو فلسطين من الخريطة السياسية عام 1948 هو من أهم المشاريع الثقافية والوطنية، فهناك أعمال إبداعية على مستوى الشكل والفنية الأدبية وأيضا ذات مضمون وطني تقدمي، من هنا فلسطين كانت ومازالت متألقة في الأدب كحال الشعوب الحية.
اللافت في هذا الكتاب أن المؤلف يتناول الخلل الذي يحدثه تدخل رجال الدين في السياسية وفي حياة المجتمع في أكثر من موضع، من هذه المواضع: "... الدين الذي بعث نورا وهدى قد صار وسيلة إلى التضليل والجلل، و ما في ذلك الدين من التسامح والإخاء والحب يضحى انتقاما فظيعا وطغيانا جامحا شديدا على أيدي وحوش الكنسية الذين ابتدلوا الدين واتخذوه ذريعة إلى التفرقة وخلق الضغينة، وسفك الدماء ومجازرهم الفظيعة" ص18، رغم أن هذا الكلام كتب قبل عام 1938 إلا أنه يحاكي ما حدث في بلادنا من خراب وتدمير وقتل وتهجير وتشريد في عام 2010، على يد من يدعون أنهم حماية الدين ورجاله، ولم يقتصر الأمر على تناول خطورة الدين السياسي على المجتمع بل تعداه إلى تناوله لمميزات المجتمع المدني الذي لا يفرق بين أبناءه، ويتعامل معهم على أنهم متساوين أمام القانون، فيأخذ نموذج من المكسيك: "...قد حرروا أرواحهم من قيود الكنيسة فلا ضرر أن يتزوج المسلم من المسيحية ما دام الزواج قائما على أساس الحب، والدين شيء متعلق بالله وبالأمور السماوية، بينما الزواج يتعلق بالإنسان والجماعة الإنسانية، لذلك لا ينبغي أن يفسد المجتمع من أجل اختلاف المذاهب الدينية" ص77، بهذه الروح الاجتماعية كانت " يوسف عيسى البندك" سابق عاصره متجاوز كل رجال الدين الذين يفصلون بين أبناء المجتمع الواحد على أساس ديني أو طائفي، فهو كان من دعاة المجتمع المدني، وهذا الرؤية لوحدها كافية لنقول أننا أمام شخص متنور فكريا، وكان يمكن أن يبنى على طرحه ليكون المجتمع الفلسطيني مجتمعا مدنيا مثاليا في المنطقة العربية.
أما بخصوص الاشتراكية ودورها في تنمية المجتمع فقد تناولها بأكثر من موضع في هذا الكتاب، منها: "في النظام الاشتراكي فقط، يزول الاستعمار، لأن البلاد التي تطبق فيها المبادئ الاشتراكية تطبيقا صحيا تحيا حياة رافهة سعيدة تغمرها الطمأنينة، من غير أن تحتاج إلى الاعتداء على حريات الغير وغصبهم أوطانهم" ص88، فالكاتب كان يعي أهمية الاشتراكية دورها في تحقيق حريات الشعوب في الحياة بسلام وبعيدا عن تدخل القوى الاستعمارية، فهو يعيش في الضنك نتيجة الاستعمار الإنجليزي والهجرة الصهيونية لفلسطين، من هنا عندما وجد في الفكر الاشتراكي ما يدعم حق الشعب الفلسطيني في الحياة بحرية وكرامة لم يتوانى على الاستعانة بما صدر من أول دولة اشتراكية: "...فقد أعلنت الحكومة المؤقتة حال تأليفها بعد تحطيم الاستبداد القيصري، أنها لا تنوي اقتسام أية أرض أو ضمها إليها على حسب المعاهدات والاتفاقيات التي تمت في عهد الاستعمار القيصري" ص90، كل هذا يجعلنا نقول أن هناك كتاب توصلوا إلى أهمية المجتمع المدني، وأن هناك ثورة عالمية ـ الثورة البلشفية ـ تمثل أهم رافضا ونقيض للاستعمار الجديد، ويجب على الشعوب المضطهدة أن تتحالف معها ضد الاستعمار الغربي.
الصيغة الأدبية
هذا على مستوى الفكرة، أما على الفنية الأدبية فقد كانت حاضرة كحال المضمون والفكرة، فنجد اللغة الأدبية الناعمة في هذا الكتاب بأكثر من موضع، منها: "انطلقت أحداثه عن المتعة التي تغمرني حين يظللني الليل، ويخلبني ضوء القمر المنعكس على الماء، وسط السكينة الشاملة" ص20، الكتاب، تأتيه أوقات الإشعاع الكتابي في حالات معينة وبوقت محدد، بحيث تكون ملكية الكاتبة في أوجهها، فينطلق قلمه ليخرج ما جاءه من وحي الكتابة لتكون بشكل لائق، وبما أن الليل هو أكثر الأوقات هدوء وجمال، خاصة عندما يكون الماء والأنور تتخلله، فيأتي الكلام جميل وهادئ وكأنه صورة عن المكان: "..حين يغو الكون ويسي شعاع القمر على النيل فيمتزج بالماء فإذا هو يكاد يضيء، وإذا بنسيم يخفق من فوقه خفقان القلب اليائس وقد لاح له إشراق الأمل من وراء الأفق، فما هي إلا يغسل هذا الماء المذهب الذي انحل فيه شعاع القمر الزاهي، عسلانا يبعث على الغبطة" ص24، في هذا المقطع يمكننا القول أن الكاتب لم يكتب من قلمه بل من قلبه، فقد انصهر بالمكان وتماهي معه فكانت كلماته وكأنه لوحة فنية تعكس طبيعة المكان الخلاب وأثره على الكاتب.
وبما أن الطبيعة تؤثر إيجابيا على الكاتب، فقد تناول أيضا المرأة في كتابه بحث أعطاها دورا حيويا فيه من خلال المراسلات التي تمت بينه وبين "أمل" ومن خلال محاورته مع المرأة مباشرة كما هو الحال في هذا المقطع: "ـ هل تعلمين أن في شفتيك معينا في هذا اللون الأحمر؟!
فابتسمت ابتسامة تفيض إخلاصا وقالت:
ـ تريد أن تقول إنك ترغب في رضف شيء من هذا المعين لتقوى على صبغ إنتاجك بهذا اللون الأحمر، الذي تسميه أنت لون الحياة والثورة وأسميه أنا لون الحب" ص29، المرأة بهذا القول خرجت لتضيء شمعة في ليل الكاتب المظلم، ولتقويه على مواجهة الاستعمار وتعطيه أمل/طاقة ليستمر في مقاومة الاستعمار، فهنا امتزج الجمال الأدبي بالجمال الفكري، فكانت رمزية اللون الأحمر تشير إلى الثورة البلشفية وأيضا إلى حرية المرأة وتحررها من قيود المجتمع والاستعمار معا، وهذا ما يجعل الجمال متعدد الأبعاد.
في الخاتمة أقول أننا أمام كتاب رائع، سلس، ممتع، على صعيد الفكرة والشكل طريقة التقديم.
الطبعة الأولى من الكتاب صدرة عام 1939 عن مطبعة صوت الشعب بيت لحم، والطبعة الثانية عن وزارة الثقافة الفلسطينية 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود