الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جردة نقدية لقوى التغيير في لبنان

فؤاد سلامة

2022 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة نوعان من الأحزاب والمجموعات التغييرية في لبنان:

١ القديمة أو التقليدية:
الحزب الشيوعي، الحزب القومي السوري، حزب الطليعة (بعث العراق)، حركة الشعب، التنظيم الشعبي الناصري، منظمة العمل اليساري (منظمة العمل الشيوعي سابقاً)...

٢ الجديدة:
تحالف وطني، الكتلة الوطنية (المجددة)، ممفد ( مواطنون ومواطنات في دولة)، حزب سبعة، المرصد الشعبي (لمكافحة الفساد)، حركة التجدد (؟)، لحقي، لنا، تقدم، خط أحمر، عامية ١٧ تشرين (؟)، شمالنا ( أسس)، تيار التغيير في الجنوب (نبض الجنوب، نجم)، شبكة مدى (النوادي العلمانية)...
وهناك مجموعات تشكلت قبل وبعد ١٧ تشرين ٢٠١٩، ثم تفككت واختفت، ومجموعات طور التشكل..

إذا وضعنا جانباً الأحزاب التقليدية، القديمة، غير المتجددة أو القريبة من خط "الممانعة" السلطوي في العمق، باستثناء منظمة العمل اليساري والتيار ال "١٧ تشريني" داخل الحزب الشيوعي.
وإذا حاولنا دراسة البرامج المعلنة لتلك القوى والمجموعات والأحزاب التغييرية، فإننا نجد القليل من الفوارق في المضمون البرنامجي لمعظم تلك التشكيلات.

ما نلحظه من تمايزات يتعلق بالموقف من المصارف و"توزيع الخسائر"، ومن البنود الاجتماعية التي يصطلح تسميتها بالتمايزات ذات اللون اليساري. هذا ما نجده عند "لحقي" وعند "شبكة مدى" و"ممفد"، حيث أن هؤلاء يتجنبون استعمال كلمات مثل يمين ويسار التي برأيهم لم تعد ملائمة، علماً بأن اليساري يتباهى عادة بصفة اليسار، ولكن هذا التوصيف بات يزعج بعض الناشطين لأنه يضع لهم "أتيكيت" أو "لايبل" وهم يرفضون أي "تصنيف" يمكن أن يشكل نفوراً لدى البعض، علماً بأن التصنيف لا يعني أكثر من تحديد لهوية سياسية أو لمضمون إجتماعي محدد.
رغم العديد من المآخذ عليه يبقى اليسار نهجاً لكشف الحقائق ولتغيير السائد، وبرنامج اليسار لتعزيز وضع الطبقات الشعبية يبقى البرنامج الأكثر صواباً.. ولكن.. هل نحن في وضع يسمح بتعزيز أوضاع الفئات الشعبية، بل وضع الطبقات الوسطى، في غياب دولة حديثة تلعب حداً أدنى من أدوارها بما يسمح بتطبيق إصلاحات هيكلية لصالح المواطنين؟

بالنسبة لمجموعات وأحزاب الوسط فإننا لا نلمس أي انزعاج من وصفهم بالوسط أو يسار وسط، وهم يشكلون غالبية المجموعات والأحزاب الجديدة. ونظراً لعددهم الكبير بالنسبة لبلد صغير كلبنان، سيكون من الضروري طرح سؤال لماذا هذا العدد الكبير لقوى وأحزاب لا تتمايز عن بعضها بشكل مؤثر؟ هل هي الصبغة المناطقية، أم هي النزعة المتأصلة عند بعض المتعاطين بالشأن السياسي لتأسيس مجموعات تدور حولهم وتدين بالولاء الشخصي لهم؟ الجواب قد لا نجده ونحن نعذر أولئك الناشطين، ونتفهم حاجتهم للبروز كقادة مؤثرين لهم جمهور، فهذه قد تكون القاعدة العامة في العمل السياسي.

نعود قليلاً إلى الوراء: عشية انتفاضة ١٤ آذار ضد نظام الوصاية السوري. كيف كان المشهد لناحية قوى الاعتراض والتغيير؟
كان هناك حزب ناشئ عرف يومها باسم اليسار الديمقراطي. نشأ هذا الحزب نتيجة انشقاق كبير داخل الحزب الشيوعي، واستطاع في فترة وجيزة بناء حزب عابر للمناطق والطوائف والأجيال والجندر كما صار يقال اليوم. لعب هذا الحزب دوراً هاماً في انتفاضة ١٤ آذار، وما كان ليلعب هذا الدور لولا التقاء شخصيتين مؤسستين هما سمير قصير (وحوله أصدقاء مميزون)، والياس عطالله المسؤول العسكري في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي. إغتيال سمير قصير أفقد الحزب الجديد هالته الكبيرة وبالأخص مع انسحاب عدد كبير من الكوادر من الحزب وابتعادهم عن لبنان لدرء مخاطر الاغتيال. سرعان ما تلاشى الحزب وما سرَّع بالتلاشي انفضاض الكثير من المفكرين عنه ووقوع الحزب في أسر التمويل من تيار المستقبل..
بعد غياب اليسار الديمقراطي لم ينشأ حزب "تغييري" يتمتع بنفس القوة والإشعاع. بل نشأت مجموعات كثيرة أخذت تتناسل بعد حراك عام ٢٠١٥ الذي سطع خلاله نجم "طلعت ريحتكم"، و "بدنا نحاسب".. وهذه وتلك بدورها أصابها التشظي والتفكك والتلاشي.

قبل، وبالأخص بعد انتفاضة/ثورة ١٧ تشرين تشكل جو عام داعم للتغيير ومنشط للتنظيمات التغييرية التي شهدت نمواً ومنافسة من مجموعات تقول إنها تنتسب لروحية ١٧ تشرين.
كانت الانتخابات النيابية فرصة لتثمير وتظهير حجم وقوة التنظيمات التغييرية. زيادة عدد تلك التنظيمات لم تكن مؤشراً إيجابياً لأنه انعكس تنافساً في الساحات وفي الانتخابات. حتى المستقلون أخذوا يؤسسون مجموعات يقولون إنها مستقلة بل وتُشهَّر بالقوى المنظمة باعتبار أنها ليست "ثورة".. هذه النغمة تحولت لاتجاه معادٍ للتنظيم لأنه حسب أولئك "المستقلين" فإن كل تنظيم حزبي يؤدي للوقوع في حبائل السلطة والانتهازية..

اليوم، ماذا تبقى من كل ذاك المخاض الثوري؟ القليل على صعيد التنظيم، والكثير من الخيبة والإحباط. وهناك تقاذف للمسؤولية، أطراف وأشخاص يلومون الآخرين ولا يلومون أنفسهم.
رهانات كثيرة ثبت افتقارها للجدية. مراجعات تجري هنا وهناك ودعوات للتلاقي والتنظيم والاتحاد.. يقابلها دعوات للفرز والتنقية والاستبعاد.. نحن الأفضل، ونحن الأحق بالقيادة، ونحن من يدعو للتشاركية وللديمقراطية ولانتخاب القيادات وتشكيل أحزاب جديدة أفضل مما هو موجود. وبالنتيجة ينشأ حزب جديد يدعي أنه تشاركي، من دون إضافة نوعية تستحق التنويه.
المتابع الموضوعي لأحوال أهل وقوى الاعتراض والتغيير لا يمكنه إلا أن يلاحظ الفوضى التنظيمية والفيض الكبير من الادعاءات الثورية والتغييرية التي غالباً ما تختبئ خلفها أو تحتها النرجسية والفردانية وتضخم الذات وادعاء التميز..

هذه بعض ملاحظات وصفية ونقدية لأوضاع التغييريين وثوار ١٧ تشرين. ما العمل ومن أين نبدأ وإلى أين نذهب؟ ليس في مقدور أحد إعطاء وصفات جاهزة ولا تقديم اقتراحات خلاقة كفيلة بالخروج من مأزق تشظي وشرذمة وتناسل وتعدد قوى الاعتراض والتغيير. البعض يقول هذا أمر إيجابي لأن تعدد الأحزاب يعكس غنى وتنوع الناس والدعوة للتوحيد القسري لا تؤدي لغير الفشل. وليعمل كل واحد وكل طرف كما يرتئي وكما تسول له نفسه، وليتنافس المتنافسون ويبقى الأكثر جدارة.

صحيح، ولكن ليس كل تنافس مفيداً دائماً، ولنا في تضافر قوى المنظومة السلطوية درس وعبرة. ما كانت لتستمر تلك المنظومة لولا توحدها عند المنعطفات الهامة وفي مواجهة كل تهديد جدي لها. حتى الرهان الكبير على الانتخابات النيابية لم يدفع بعض التغييريين لإبداء قدر من التواضع والتعاون فيما بينهم، ما أفسح المجال لخسارة عدد لا بأس به من المقاعد النيابية. ألم يكن جديراً بتلك القوى ان تفعل ما فعلته قوى التغيير في دائرة الجنوب الثالثة، ما كان يعني عدم المكابرة وأن تجد تلك القوى مكاناً لها داخل لوائح مشتركة تجمع الأطياف المتنوعة لقوى التغيير في مواجهة لوائح السلطة؟
ألا يتطلب إنجاز هدف كبير مثل إسقاط أو إضعاف المنظومة السلطوية المعادية لمصالح الناس حالياً؟
أليست مهمة انتخاب رئيس مستقل وشجاع وصاحب برنامج إصلاحي مهمة سامية تتطلب التلاقي المؤقت حولها بين قوى الاعتراض والتغيير صاحبة المصلحة؟
ألا يتفهم القادة المتعالون على نظرائهم أن النجاح في مهمة كبيرة يتطلب شكلاً من أشكال التعاون مع أفرقاء أقل شراسة في مواجهة الحلف المافيوي الجهنمي الحاكم بل وكانوا خارج السلطة منذ سنوات وشاركوا في نشاطات الانتفاضة بدرجة أو بأخرى، وعلى الأقل لم يتفننوا في محاربتها في الشارع؟

اليوم، في مواجهة تعطيل وشلل وموات الدولة والمؤسسات وإفقار الشعب وضياع مدخرات الأفراد والعائلات، أليس حرياً بنا أن نجد دافعاً قوياً للتعاون بين مختلف قوى الاعتراض والتغيير في لبنان ضمن أطر تحفظ الخصوصيات والألوان المميزة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا