الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخطوطات نجيب سرور

محمد فرحات

2022 / 12 / 20
الادب والفن


في بدايات العقد الأخير من القرن العشرين(التسعينيات) كنا في إحدي المخيمات اليسارية ببيروت لبنان العريقة، وكنت ،حينئذ، في نهايات العقد الثاني من عمري؛ فتًى يساريًا متحمسًا، في التاسعة عشر من عمره، جاء لتوه من مصر، في أول رحلة له خارج البلاد، وما أن وطأت قدمي أرض المخيم، حتى سمعت لأول مرة أبيات شعر وقعت في أذني، فأثرت بنفسي، وأسرت روحي:
"لا حق لحي إن ضاعت في الأرض
حقوق الأموات..
لا حق لميت إن هُتكت عرض الكلمات..
إن كان عذاب الموت..
قد أصبح سلعًا..
أو أحجبة..
أو أيقونه..
فعلى العصر اللعنة ..
والطوفان قريب.."
فسألت من ألقى هذه السطور الشعرية عن كاتب هذه السطور، فنظر إليَّ متعجبَا، وقال لي بلهجته البيروتية الشامية، "من مصر، ولا تعرف من قالها؟!"، "إنه نجيب سرور يا زلمة!!"..
كنت أول مرة أسمع اسم نجيب سرور، مع ولعي، وتبحري،النسبي، وقتئذ بعالم الأدب في مصر خاصة، فعلمت أن هذا الشاعر العظيم له قصة، وأن قصته واسمه وشعره كانوا محل تشويش وتعمية وتجهيل بمصر، فأخذت في البحث عن نجيب سرور، فوقعت في يدي طبعة بيروتية من ديوانيه"لزوم ما يلزم" و"برتوكولات حكماء ريش" فعكفت على قرائتهما، فإذا بي أمام شاعرفذٍ، ليس فقط بمجال الصياغة الشعرية من شكل جديد، ولكنه مضمون بكر لم يسبقه إليه أحد.
وأخذت بسؤال الرفاق الشوام عن نجيب سرور، وقصته، فعلمت الكثير عن مأساته الشخصية، والتي كان سببها الأول؛ عدم انفصام ما يعتقده نجيب سرور عن قوله وفعله وحتى ممارسات يومه الصغيرة، هذا التطابق بين الاعتقاد والممارسة في بلادنا هو تذكرة الدخول لأبواب الجحيم الدنيوية، وذلك العالم السفلي لممارسات السلطوية التي لن ترحم شاعرًا يساريًا صادقًا مؤمنًا كل الإيمان بقضيته، وحريصًا على طرحها كشاعر وممثل ومخرج ومؤلف مسرحي وناقد وأستاذ لفنون المسرح، وعلمت ساعتها لماذا كان نجيب سرور ومنجزه محل تجهيل وتعمية من قبل الأنظمة السلطوية في عالمنا الرأسمالي المتوحش.
وحينما عدت إلى القاهرة، عكفت على قراءة ما أتيح لي من مسرحيات مطبوعة لنجيب سرور، فوقعت على رباعيته المسرحية الشهيرة، فزاد يقيني بعبقرية هذا العملاق.
علمت الكثير والكثير حينما طالعت رباعياته الهجائية غير المسبوقة في تاريخ الأدب قديمه وحديثه"أميات"، وكنا وقتها في مرحلة غليان سياسي وحراك اجتماعي بدأ في 2005 بحركة"كفاية" وانتهت بذلك الحراك الثوري المجهض ب 25 يناير 2011، وكانت "أميات" توزع كمنشورات سرية على رفاق الحراك، وكانت نبوءة صادقة لما سيحدث وما حدث بالفعل.
كان "نجيب سرور" أيقونة روحي وفكري، ربما فقط على النظاق التنظيري، فلا طاقة لي على هذا التطابق الصارم بين الاعتقاد والممارسة كما فعل نجيب!
وفي يناير 2022، تموت "ساشا كورساكوفا"، زوج نجيب سرور وحافظة خزينته الأدبية وناشرتها الأولى، إيزيس العصر الحديث، في أجواء حزينة مأساوية، فأتعرف على الأستاذ "فريد نجيب سرور" أعلم ساعتها أن روح نجيب سرور قد اختصني بدور وبرسالة، وبالفعل يعلن "فريد سرور" مشروعه لرقمنة تراث "نجيب سرور"، فأجد نفسي مدفوعًا بقوة للمشاركة، وأنا كهل في نهاية الأربعينيات من عمري.
فإذا بي أمام كنز من المخطوطات التي تحمل أفكار ومعتقدات "نجيب سرور" الشعرية والمسرحية والنقدية، مخطوطات تربو عن الخمسين ألف ورقة، تحتوي على المسودات والأعمال الكاملة وحتى الوريقات الصغيرة المتناثرة التي كان يكتب عليها "نجيب سرور"، كعادته حينما يكون في مكان غير ملائم للكتابة.
هذا الخزانة تعد بتقديم الجديد من أعمال لم يعرفها القارئ العربي من قبل لنجيب سرور، وجدت نفسي وبتوصية من الصديق فريد نجيب سرور، أمام ثمانية كراريس مخطوطة بخط نجيب سرور، الكراسة الأولى والتي تحتوي على أربعين صفحة مكتملة تحكي عن مأساة القبض على نجيب سرور وإيداعه مستشفى العباسية عام 1969، وفلاش باك، تحكي عن لمحات من حياته في قريته، وحكاية أبيه وأمه، بطفولته المبكرة، وهي المخطوطة الوحيدة المكتملة من التسعة مخطوطات، والتي لم تأخذ شكل المسودات التي سادت في باقي المخطوطات، ولعل ما يثبت ذلك أن إحدى المخطوطات هي فوتو كوبي لذات تلك المخطوطة الأم المكتملة، ربما صورتها ساشا لتقديمها لأحد الأدباء أو الصحفيين.
* دراسة ظاهرية مختصرة للمخطوطات.
عنون الصديق فريد نجيب سرور المخطوطة الأولى باسم "فارس آخر زمن"، وهي عبارة عن ثلاثة وأربعين ورقة فلوسكاب، عنونها الراحل "نجيب سرور" بخط يده، "فارس آخر زمن" "رواية".
أما المخطوطة الثانية فقد عنونها الصديق فريد سرور تحت عنوان،"مشروع كتاب جديد، 4a00" وهي عبارة عن تسع عشرة صفحة فلوسكاب، تسودها روح المسودة، إذا يكثر فيها تكرار العبارات، والشطب والإثبات.
وقد كانت المخطوطة الثالثة هي ذات المخطوطة الأولى ولكنها فوتوكوبي، ربما صورتها السيدة الجليلة ساشا كورساكوفا، لتقديمها لأحد الأدباء، خاصة وأن الأستاذين طلال فيصل وحازم خيري يكثران من الاقتباس منهما، بدون إشارة للمصدر!
والمخطوطة الرابعة عبارة عن عشر صفحات فلوسكاب، بخط يد الأستاذ نجيب سرور، عنونها فريد "مشروع كتاب فارس آخر زمن" a4. وهي أيضًا مسودة بخط يد الأستاذ، يكثر فيها الشطب، وإعادة الفقرات والعبارات.
والمخطوطة الخامسة عبارة عن صفتحين من مسودة كتاب"دراسة في ثلاثية نجيب محفوظ" وهي رسالة الدكتوراة التي كان ينتوي الراحل تقديمها لكلية آداب ولغات جامعة موسكو، الاتحاد السوفيتي.
والمخطوطة السادسة وهي الأضخم وهي عبارة عن تسع وخمسين صفحة، ولكنها وللأسف عبارة عن دراسة نقدية عن الشاعر "مالك نوري" ولا تمت لموضوع مشروع الرواية بصلة. وقد عنونها الصديق فريد تحت اسم"كراسة حساب بني".
أما المخطوطة السابعة التي عنونها الصديق"كراسة حساب سوداء" فهي عبارة عن صفحتين كراسة حساب مربعات، وهي مخطوطة لقصيدة من ديوان "إنه الإنسان" والتي سبق أن حررناه في عمل مستقل.
والمخطوطة الثامنة وهي عبارة عن ثلاث عشرة صفحة من الرواية، وهي بخط يد الأستاذ عبارة عن سرد عن أوصاف أبيه وعلاقته بزوجاته وأبنائه وبناته، وعنونها فريد تحت اسم "كراسة حساب كبيرة".
أما عن المخطوطة التاسعة والأخيرة "فهي عبارة عن صفحتين، تحكي عن لقاء الأستاذ نجيب سرور بمدير المخابرات المصرية آواخر ستينيات القرن الماضي"أ. ه" والسبب الرئيسي لاحتجازة بمستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية، وعنونها فريد تحت اسم""من مشروع كتاب فراس آخر زمن."
منهجنا في التحرير.
وقد حرصت كل الحرص على إثبات كل كلمة كتبها الأستاذ بخط يده، حتى العبارات والفقرات المشطوبة أعدت تحريرها، التي ربما كررها الأستاذ حوالي الخمس مرات، بألفاظ وأساليب مختلفة.
مما أسفر عن أبع وخمسين صفحة a4، وحوالي تسع عشرة ألف كلمة، هي كل ما كتبه الأستاذ بمشروع روايته الوحيدة، مما يعد مذكرات حقيقية كتبها الأستاذ، وقد اقتبس منها الكثير كلٌ من الأستاذين حازم خيري في مقدمة دراسة الأستاذ نجيب المعنونه"تحت عبائة أبي العلاء المعري"، والتي حررها الأستاذ حازم خيري، ونشرها المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2008، القاهرة، مصر.
وربما اقتبس منها طلال فيصل، من المخطوطة مباشرة أو من مقدمة حازم خيري الآنفة الذكر، في روايته "سرور" الحائزة على جائزة ساويرس، ونشرتها دار "خان للنشر والتوزيع" 2013.
وعلى الرغم من عدم اكتمال المخطوطة، إلا إنها تعد وثيقة ثرية، ونادرة عن تفاصيل من حياة الشاعر والمسرحي والناقد العظيم نجيب سرور، تستحق بكل جدارة نشرها، واطلاع القارئ العربي عليها، لأنها تؤرخ عن فترة تاريخية كبرى من تاريخ مصر والوطن العربي من الفترة 1932 إلى 1969.
20 ديسمبر 2022.
موسكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??