الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان العسل البري نمر سرحان

رائد الحواري

2022 / 12 / 21
الادب والفن


ديوان العسل البري
نمر سرحان
الجميل في هذا الديوان أن غالبية القصائد جاءت متعلقة بامرأة، وهذا ما جعله سهل التناول ولما فيه من متعة، كما أننا نجد مجموعة من الومضات الشعرية التي تتناسب وطبيعة عصر النت والسرعة، وقصائد جاءت على شكل قصة، وإذا ما علمنا أن الشاعر استخدم التناص القرآني في أكثر من قصيدة، نصل إلى نتيجة، أننا أمام ديوان حداثي معاصر، ممتع، وسهل التناول.
سنحاول التوقف عند شيء مما جاء في الديوان ونبدأ من قصيدة "قال وقالت":
" خلعت معطفها البني الغامق
ورفعت خصلات الشعر الأملس إلى أعلى
كسنابل قمح ذهبية
في يوم صيفي رائق

قال لها:
يعجبني هذا العالم
لولا كل الناس هنا
لعصرت قصبات السكر
بأسناني
وفرضت حبيبات الرمان
ورويت الظمأ
أوار جهنم
بالماء الدافق
قالت:
مهلا وكيف أدفئ جسدي
إذا تبرد نيران جنون ماحق؟" ص34و35،
اللافت في مقدمة القصيدة أن الشاعر جمع الشتاء/معطفها الغامق، والصيف/يومي صيفي معا، وهذا الجمع جاء بصورة رومنسية حيث هناك جلسة حب بين عاشقين: "خلعت معطفها" وأيضا هناك جمال الصيف وما فيه من خير وخصب: "كسنابل ذهبية/يوم رائق"، فالجمال الكامن في مقدمة القصيدة/القصة يدفع بالمتلقي ليتقدم من الأحداث أكثر، فالحوافز الكامنة في المقدمة "خلعت معطفها" كافية ليتابع القارئ ما سيؤول إلى اللقاء بينهما.
ونلاحظ أن الشاعر يستخدم القص الخارجي، فبدا وكأنه قاص محايد ليس له علاقة بهذا اللقاء، من هنا أكد على الحيادية من خلال: "قال لها وقالت" وإذا ما توقفنا عند قوله نجده فيه التورة، بحيث يوصل فكرة متطرفة بطريقة أدبية: "لعصرت، وفرطت، ورويت" وإذا ما توقفنا عند هذه الأفعال نجدها متعلقة بزراعة الأرض/رويت، وجني الثمار/وفرطت، وأخذ عصارة الخير منها/لعصرت، لكنه قدمها بطريقة معكوسة فبدأ: "لعصرت" وختمها: "رويت" بهذا القلب أوصل الشاعر فكرة خصب الطبيعة/الأرض وخصب البشر معا من خلال الإيحاء باللقاء الجسدي، وهذا له علاقة برمزية الخصب عند عشتار التي أشار إليها الشاعر في المقدمة:
"كسنابل قمح ذهبية"
وإذا ما توقفنا عند القصيدة/القصة نجد أن هناك تركيز من الشاعر لإيصال فكرة اللقاء الجسدي، فهو يوظف كل مكونات القصيدة/القصة لخدمة جماح اللقاء بينهما، من هناك جاء اندفاع الحبيب نحوها:
" أوار جهنم بالماء الدافق"
وشبقها هي من خلال: "مهلا وكيف أدفئ جسدي إذا تبرد نيران جنون ماحق؟"
فالحوار أوصل الفكرة اللقاء وأكدها، لكن الإيحاء في طريقة التقديم، من خلال خصب عشتار ومن خلال الرمز، أعطا المشهد لمسة طبيعية جعلته يخرج عن الفحش والسفور.
قلنا في المقدمة أن الشاعر يستخدم التناص القرآني في الديوان وهذا نجد في: "بالماء دافق" وبهذا يكون الشاعر قد جمع أكثر من فنية في القصيدة/القصة.

الشاعر يجعل المرأة هي مركز الديوان، حتى عندما يتحدث عن المسائل الوطنية يربطها بالمرأة، يقول في قصيدة "شرف":
"الشرف أن تدافع عن لقمة طفل جائع
عن وطن ضائع
عن ارض سلبها شلومو
حجزها خلف جدار مانع
ليس الشرف أن تذبح ليلى
المحجوزة خلف الشباك
إذ تنظر نحو الشارع" ص65، الفكرة واضحة في القصيدة، ولا تحتاج إلى شرح، لكن اللافت في هذه القصيدة تلاقي أفعال الاحتلال وأفعال الجاني المتخلف، فهما يكملان بعضهما بعضا: "حجزها خلف جدار مانع/المحجوزة خلف الشباك"، فنجد التماثل بين الفعلين، وأيضا نجد التكامل في "سلبها وتذبح" فكثرة استخدام الأفعال: "تدافع، سلبها، حجزها، تذبح، تنظر" في القصيدة (القصيرة) يشير الشاعر إلى أنه مهتم بالحدث ومنزعج منه، لهذا قلل من الوصف وركز على الفعل.
ومن جمالية هذه القصيدة أن صيغة الخطاب كانت موجهة لأكثر من جهة، القارئ ـ المنحاز لقضايا المرأة ـ يجدها موجهة لغيره، حيث يرى نفسه متفق ومؤيد لما يطرحه الشاعر، فتكون القصيدة موجهة لمتلقي آخر ـ مفترض ـ، وللقارئ العادي الذي يقرأ القصيدة أو يسمعها، وهذه الثنائية تحسب للشاعر الذي جعل المتلقي المباشر ينحاز للمرأة ويقف ضد المجتمع الذكوري وما فيه من سادية تجاه النساء.
في قصيدة "جسدك" نجد الألوان وما فيها ما تحمله من معنى:
"جسدك
رسالة شوق في مظروف أخضر
مهمور بالختم وبالشمع الأحمر
جسدك مسجون
خلف جدار من حجر
ونحاس أصفر" ص121، نلاحظ الألوان في "أخضر، أحمر، أصفر" فالأخضر يأخذنا إلى الحياة والجمال والخير والنعومة، والأحمر إلى الإثارة والاندفاع، والأصفر إلى الموت والركود، فترتيب الألوان وما تحمله من معنى له علاقة باللقاء الجسدي، الذي يبدأ بالانجذاب نحو الجمال/الأخضر، ثم يأخذ في النضوج والإثارة/الأحمر، وينتهي بالركود بعد الاكتمال/الأصفر.
وبما أن مضمون القصيدة يحمل معنى الحرمان وعدم القدرة على الوصول إلى الحبية: "بالختم، مسجون، جدار" مما جعل وجع/ألم الشاعر يصل إلى المتلقي، ويشعر بحجم المعاناة التي يمر بها.
الديوان من منشورات مركز أوغاريت الثقافي للنشر والترجمة، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2004.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود