الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات التّشريعيّة في تونس/ الواقع أصدق إنباء من الخطب

الطايع الهراغي

2022 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


"حبل الكذب -وإن طال- قصير".
(حكمة شعبيّة)
"إذا أردت أن تعرف عقل الرّجل في مجلس واحد فحدّثه بحديث لا أصل له .فإذا رأيته أصغى إليه وقبله فاعلم أنّه أحمق.وإن أنكره فهو عاقل"
(الأصمعي)
"تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى".

يوم الامتحان يُكرم المرء أو يُهان. 17ديسمبر 2022 قيس سعيّد يُخضع نفسه لأصعب امتحان ويُدخل البلاد في أعسر تحدّ. امتحان اختار هو الجهاز البشريّ المشرف عليه وحدّد توقيته وقنّن آلياته والإجراءات الموصلة إليه.ومع ذلك ماذا كانت النّتيجة؟؟ بكلّ المقاييس حكم الرّئيس على نفسه بالفشل وارتضى أن يُهان وأن لا ينجح إلاّ في وضع تونس في عنق الزّجاجة . أكبر ترذيل للفعل السّياسيّ وأفظع تسطيح للمشهد تكاد تختزله نسبة المشاركة المذلّة والمخجلة. 17 ديسمبر2022 سيظلّ حدثا فارقا في التّاريخ السّياسيّ لتونس ما بعد ثورة 14جانفي 2011.حدث مارق عن كلّ مألوف،خارق لكلّ الأعراف،متنطّع على كلّ منطق.
عاشت تونس منذ 25جويلية 2021(لحظة الوعي كما يحلو لأنصار قيس سعيّد تسميّـتها والإشادة بها)على وقع ترسانة الفرمانات السّلطانيّة وما صحبها من استشارة واستفتاء في انتظار الانتخابات التّشريعيّة، الحدث الأعظم الذي سيبدّل معالم تاريخ تونس والمنطقة والعالم بأسره كما بشّر بذلك صاحب الدّستور الطّغرانيّ في كم مناسبة أحيانا بدون موجب، رهان الرّهانات وفاتحة العهد السّعيد. حدث (ككلّ الأحداث الفارقة)أريد له أن يتوحّد مع تاريخ دلاّل ومحفور في وجدان وذاكرة تونس شعبا وناشطين سياسيّين وفاعلين اجتماعيّين ومفكّرين (17ديسمبر2010)،حدث كان يوما ما منعرجا مفصليّا في رسم مسيرة التّنطّع على آل بن علي وفيالق الطّرابلسيّة .
17ديسمبر2023 كما هو مرسوم في أذهان مريدي سعيّد وأنصاره وطابور مفسّري خطبه وإجراءاته سيعيد الدّرّ إلى معدنه والتّاريخ إلى صوابه،
ويدشّن إطلالة فجر جديد يقطع مع ليل تونس الأليل ويضع حدّا لترّهات ما بعد14 جانفي ويعود بالثّورة إلى صفائها الأوّل.

01/جملة من "الإنجازات".
دعك من نسبة المشاركة. فهي بكلّ المقاييس نسبيّة.تكون في مثل هذه الرهانات آخر المعايير. وقد يكابر البعض ممّن صدمتهم النّتيجة ويصرّ على أنّها حمّالة أوجه. وتبقى العبرة في دلالاتها ورمزيّتها. فالأغلبية ما كانت يوما على صواب(ولا يهمّ ما قيل بشكل متواتر عن "الشّعب يريد") ما دامت الكثرة ليست علامة من علامات الحقّ ولا القلّة دليلا من أدلّة الباطل على رأي المعتزليّ القاضي عبد الجبّار. عرس انتخابيّ أنصف فيه التّاريخ الرّئيس بنصرته على ما سواه والانتصار لإرادته.وأيّ مانع في أن تكون الغلبة للرّئيس على شعبه؟؟. جوهر القضيّة(الباقي جزئيّات وتفاصيل لا تفيد في عالم السّياسة ولا معنى لها) ما تحقّق من قهر للخصوم والمنافسين. النّجاح يكتسي قيمته من الملابسات التي تحفّ به.فقد تحالفت على فخامته كلّ الفئات الضّالّة،الإنس والجان/ الأوس والخزرج/ الشّيعة والسّنّة /العرب والعجم)فما افلحوا. تلك هي طبيعة الخوارق، اختلافها عن كلّ فعل إنسانيّ يتمثّل في تعاليها وتفرّدها، إذ البطولة بطبعها مأساويّة أو لا تكون.ذلك ما تجزم به أساطير الأوّلين. فأيّ معنى لانتصار يكون منتظرا ولا تحفّ به مخاطر؟؟
17ديسمبر 2022 دشّنّا فعليّا رحلة العبور إلى برّ الأمان.هذه لوحدها تخرس ألسنة التّافهين من القوم الضّالّين.انتصر المشروع العُلْويّ للرّئيس على إرادة شعبه ليكون للغلبة رونقها وللعرس بهرجه.
أمّا نسبة الإقبال على المشاركة فسرّها دفين،جزء من أسرار الدّولة وهيبتها وأصل من أصول السّيادة الوطنيّة . من يدري، لعلّ سيادته تعمّد أن يوعز لشيعته بمقاطعة الانتخابات ضمانا لهيبة الدّولة بإنقاذ المعارضات من فضيحة وسدّ الباب أمام ما قد يُفتعل من مطاعن؟؟. هذه تفوق قدرات العقول المعطّلة عن كلّ تفكير تأسيسيّ استبصاريّ. فالرّهان عظيم والأمانة أعظم، إذ الانتخابات في العهد السّعيد ليست لعب عيال كالتي تعوّد عليها التّونسيّون في محطّات سابقة .فالبناء الشّاهق إعجازيّ أو لا يكون. ثمّ أليس من المشروع للرّئيس وأنصار الرّئيس ومريديه ومن انتصب مفسّرا وشارحا لما غمض من فلسفته وتعاليمه أن يحتفلوا بالاكتشاف الجديد المتمثّل في أنّه باعتماد التّصويت على الأفراد المجرّدين من كلّ انتماء حزبيّ نضمن غياب المال الفاسد وعدم شراء الذّمم ؟. وأروع من ذلك التّأكّد بشكل جزميّ من فساد الانتخابات السّابقة حيث اقترنت نسبة الإقبال بمدى تدفّق السّيولة الماليّة المشبوهة بما ينزع عن العمليّات الانتخابيّة السّابقة كلّ مشروعيّة .

02 / المخاض الانتخابيّ
سبعة عشر شهرا هو عمر المخاض الانتخابيّ المؤدّي إلى كرنفال 17ديسمبر2022.مخاض كان فيه الرّئيس-على خلاف ما هو مألوف في المسارات الانتخابيّة لاعبا أساسيّا وعنصرا محدّدا(سلبا وإيجابا) في معالمه، كلّف نفسه بما اعتقده- وتمثّله- تفويضا شعبيّا بمهمّة أعلاها إلى مستوى الرّسالات السّماويّة،مهمّة تطهير الحياة السّياسيّة ممّا لحقها من تلوّث وفساد بالاتّكاء على سلطان المراسيم وما يترتّب عنها من إجراءات نافذة، تستمدّ فاعليّتها من ذاتها، لا مكان فيها للأحزاب يسارها ويمينها ولا للمنظّمات ،أيّا كانت هوّيتها وعراقتها، لتأثيث المشهد السّياسيّ والاجتماعيّ والفكريّ.
البناء القاعديّ هو الحلّ السّحريّ،عماده الأفراد كذوات متذرّرة،ككائنات هلاميّة وليس ككتل اجتماعيّة.
رهان الرّئيس هو تدعيم الشّرعيّة المراسيميّة الرّسميّة بمشروعيّة شعبيّة من خلال الانتخابات،سلاحه في ذلك التّفرّد بالسّلطة واحتكارها وتوظيفها في تشكيل الخارطة السّياسيّة والمجتمعيّة على هواه باستهلاك شعار مخاتل "الشّعب يريد". شعار بدا برّاقا وأصبح، بفعل الإفراط في توظيفه والتّباين بين الخطاب وموجبات الإكراهات ، ممجوجا إن لم يكن في مواضع معيّنة محلّ تندّر وسخريّة ونقد جارح.
نجح قيس سعيّد بالتّعويل على منطق القوّة ودفع الأمر الواقع إلى أقصاه في تقزيم الأحزاب وترذيلها والانتقام من الفعل السّياسيّ في ما يرقى إلى درجة العقاب والتّأديب كما تترجمه حالة النّفور من المشاركة في انتخابات البرلمان، ولكنّه بالمقابل فشل فشلا ذريعا في الحدّ من تأثيرها، ونسبة المشاركة في رهان الرئيس دليل ساطع، وحتّى إرجاع تدنّي النّسبة إلى حالة العزوف وليس المقاطعة الواعيّة والمدروسة فإنّه يصبّ في خانة المعارضات وليس في جراب الرّئيس .آية ذلك أنّ الانتخابات يحكمها مناخ عامّ من الثّقة والاقتناع بجدوى العمليّة الانتخابيّة كفعل مواطنيّ وتأثيث لتنافس تُحترم فيه قوانين اللّعبة ويُترجم في فعاليّات برنامجيّة وتظاهرات وتنشيط للسّاحة. وهو ما حكم علبه قيس سعيد بالموت السّريريّ وسعى عمدا إلى إجهاضه.
أمّا المعارضة - يمينها ويسارها- فقد وزّعها اختلاف المقاربات والتّموقع والموقف من المنظومة الحاكمة ووحّدها الهدف ،إيقاف القطار السّريع لقيس سعيّد، وفي أسوإ الحالات إجباره على أن يسير فارغا إلاّ من نفر من عتاة المغالين في مبايعته،مبايعة تبيّن حجم غربتهم عن دهاء الفعل السّياسيّ وجهلهم بأبجديّات قراءة الإكراهات

3 0/ مأزق ما بعد 17ديسمبر
بقطع النّظرعن ذروة الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تردّت فيها تونس فإنّ كلّ الدلائل تجزم بمزيد اسفحال الأزمة السّياسيّة وتعقّدها وانغلاق دائرتها.فالرّئيس بما بات معروفا عنه من مكابرة سيمضي قدما في معاندة التّيّار ومعاكسته،سلاحه خطاب التّجريم لمن يرى أنّهم تعمّدوا إفشال عرسه الانتخابي.
"شرعيّة " المؤسّسات التي كان يتمّ الاحتكام إليها والتّحصّن بها زمن حقبة "التّعايش" بين مؤسّسة الرّئاسة ومؤسّستيْ البرلمان والحكومة ستنوبها "شرعيّات" مأزومة ،هي إحدى إفرازات جموريّة قيس الجديدة.
أسباب موضوعيّة وذاتيّة خاصّة بشخصيّة قيس سعيّد حالت دون تفاعله مع أيّة لحظة .فماذا يملك الآن غير التّمترس خلف شرعيّة رسميّة (الانتخابات الرّئاسيّة) وبعضا من شرعية مهزوزة لمجلسه التّشريعيّ.؟؟الشّرعيّة الأولى تطرح نقاط استفهام عديدة . لعلّ أهمّها أنّ النّسبة التي يتباهى بها الرّئيس -وأنصاره- ينازعه فيها خصومه اليوم ماداموا انحازوا إليه في الدّور الثّاني على حساب منافسه. في حين سيكون عود الشّرعيّة الثّانية طريّا بحكم محدوديّة تمثيليّته ونوعيّة من سيوكل إليه أمر تأثيثها.في الجبهة المقابلة ستتمترس معارضة أفقدها سعيّد شرعيّة كانت تستمدّها من تواجدها في المؤسّسات ومكّنها من "مشروعيّة" التّحدّث باسم الدّيمقراطيّة المجهضة والحرّيات المفقودة.
ما أفرزته محطّة الانتخابات التّشريعيّة المنقوصة(في انتظار إفرازات مجلس الجهات والأقاليم) يسمح موضوعيّا بالحديث عن تقاطبات متشعّبة تشعّب المشهد السّياسيّ :
ضلعه الأوّل قيس سعيد كرئيس وكفاعل سياسيّ-بقطع النّظر عن حداثة عهده بعالم الشّأن العامّ –فما بالك بالسّياسة- أمّا مناصروه بلا شروط والمتحمّسون للتّواجد في المجلس النّيابي فليسوا إلاّ واجهة من واجهاته. قطب درجة فاعليّته ستحكمها وجوبا نسبة المنخرطين فيه، نسبة عمليّا لم تبلغ العشرة بالمائة رغم أنّ مايسترو الحملة رئيس جمهوريّة مارس كلّ الخروقات وحصّن نفسه بكلّ السّلطات الممكنة وغير الممكنة ووظّف أجهزة الدّولة بشكل غير مسبوق .
ضلعه الثّاني المعارضة اليمينيّة المنحدرة من منظومة ما قبل 25جويلية مترجمة في جبهة الخلاص بقيادة حركة النّهضة، وحزب عبير موسي الحالم بافتكاك زعامة اليمين من الإسلام السّياسيّ . بعض من نجاحاتها يعود فيه الفضل إلى قيس سعيّد ذاته بما راكمه من أخطاء بدائيّة.
ضلعها الثّالث الأطياف الدّيمقراطيّة والتّقدّميّة على محدوديّة فاعليّتها وإشعاعها، خاصّيّتها التّباين مع كلّ المنظومة التي تقاسمت الحكم قبل أن ينقلب مكوّن من مكوّناتها على بعض من "رفاق الأمس".
ضلعها الرّابع جمهور العازفين عن كلّ ما له صلة بالشّأن العامّ، جمهور غلبه الشّأن اليوميّ وشغله عن كلّ ما سواه. لعلّه يمثّل القسط الكبير ممّا حُسب على أنّه تدعيم لجبهة المقاطعة.
هذا المعطى رغم أنّه إدانة لكّل الطّبقة السّياسيّة واحتجاج على تعفّن كلّ المناخات فإنّه يشكّل حجّة على إفلاس سياسات جماعة لحظة الوعي ويخدم موضوعيّا خصوم ومنافسي قيس سعيّد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح