الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المغزى السياسي من استقبال الملك محمد السادس للمنتخب الوطني
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
2022 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية
منْ لم يدرك المغزى السياسي من الاستقبال الملكي للفريق الوطني ، طبعا سيستمر في الهذيان ، وفي التنبؤ ، وسيستمر بعيدا عن فهم ومعرفة أصل النظام السياسي المغربي ، كنظام سلطاني مخزني ، رعوي ، وبطريركي ، وثيوقراطي .
فالنظام السياسي المغربي كنظام فريد ، له خصوصياته وقيمه المخزنية التقليدية ، عصيٌّ عن التنظير للإطاحة به ، لأنه نظام لن يسقط ابدا ، مادام يحتفظ بأصول السلطنة والمخزنية ، التي تجعل العلاقة بينه كنظام رعوي بطريركي وثيوقراطي ، وبين الرعية وليس الشعب ، علاقة تابع ومتبوع ، أي علاقة مباشرة لا تحتاج الى وسطاء او الى أجهزة ، هي دون مستوى التمثيل الذي يعكسه النظام داخل مجتمع الرعايا التي ترتبط بالسلطان مباشرة ، دون غيره من القوى التي تشتغل بالشأن العام .
انّ مناسبة كأس العالم التي حقق فيها الفريق الوطني نتائج أبهرت العالم ، وأبكت كبار اللاعبين البرتغاليين حين خسروا المقابلة مع الفريق المغربي ، أعطت للنظام فرصة لتوظيف الحدث ، بما يزيد من تأكيد الراعي ، والدولة الرعوية ، والرعايا المرتبطة بشخص السلطان لا بغيره . فكان توظيف الاستقبال الملكي للفريق ، والحشد الغفير من الرعايا التي تدفقت طول الأرصفة من مطار سلا حتى دخول باب القصر ، بمثابة بيعة شعبية من الرعايا للراعي ، والأمير ، والامام ، خاصة وانّ من اصطف يهتف ، ويصيح ، ويلوح بيديه ، هم من الفقراء ، ومن أشباه الفقراء ، الذين جاؤوا من تلقاء نفسهم ، ولم يأتوا تلبية لدعوة لم توجه أصلا . وهذا الحشر الشعبي اللاّإرادي يذكرنا بجنازة الحسن الثاني ، الذي خرج وبكاه الرعايا الفقراء رغم تجويعه لهم ، ولم يخرج ولم يذرف دمعة واحدة على غيابه آل الفاسي ، لا كبار البرجوازيين Les supers sujets ، الذين اراحهم موته .. فالحشد الشعبي الذي خرج للقاء الفريق الوطني ، كان مثله او اكثر منه ، من الحشد الذي خرج في جنازة الحسن الثاني ، فكان طوفانا لم يشهده المغرب من قبل ، وهو طوفان كان يردد " عاش الملك " " عاش سيدنا " ، وكلمة سيدنا تعني ان الحشد المصطف ، هم راعيا متعلقة بالسلطان ، الذي يرعاهم في مسراتهم وفي خيباتهم ، وانّ الدولة الحاكمة هي دولة رعوية بطريركية باختيار الرعايا طواعية ، ومن دون جبر أو فرض ، أو إكراه .
ان طريقة خروج الحشد الشعبي ، مثل الحشد الشعبي عند وفاة الحسن الثاني ، وبتلك الطريقة التلقائية ، تذكرنا بالحشد الشعبي الذي خرج كرعايا ، وتوجه الى القصر عند وفاة محمد الخامس ، حيث خرج الفقراء وليس الأغنياء يبكونه ، ويتمرغون من أجله في التراب ، ويندبون وجوههم بأظافرهم التي تركت ندوبا لم تمحوها قساوة العيش وقساوة الزمن ، والفرق انّ خروج الحشد الشعبي للقاء الفريق المغربي ، كان فرحة واحتفالا ، ولم يكن حزنا ولا بكاء ..
وحين يردد اللاّعبون كلمة " سيدنا " ، " سيدنا استقبلنا " " عاش سيدنا " ، وهم الذين ازدادوا في الدول الاوربية ، وعاشوا فيها ، ومنهم من يجهل التحدث بالدارجة المغربية ، فأحرى اللغة العربية ، أكيد انّ هؤلاء رغم حياتهم الاوربية ، فهم يحتفظون بالأصل الذي يميز النظام السياسي المغربي في شكل الدولة السلطانية المخزنية ، خاصة في العلاقة المباشرة بين الراعي والرعية في الدولة الرعوية .. وهذه القاعدة العامة المغربية ، كانت الصخرة التي تحطمت فوقها كل مشاريع التجاوز للدولة ، التي ظلت واقفة صامدة ، واعداءها الذي خططوا لقلبها ، بعد الاستغفار والتوبة ، عادوا ليعيشوا في حضنها كرعايا سلطانيين ومخزنيين .
فما جرى من أرصفة المطار حتى الدخول الى القصر ، لم يكن عاديا ، وكان منتظراً ، لان المخزن الذكي يعرف كيف يوظف الاحداث ، في خدمة مشروع الدولة السلطانية المخزنية ، وبما يجعل المسافة تضيق مع معارضيه جذريين ، أو نصف جذريين ، أو حتى إصلاحيين ، أو عقائديين ..
لقد كان الحشد الشعبي الغفير ، وفتح أبواب قصر " تْوارْگة " الذي يحيل على الطقوس السلطانية ، وطريقة الاستقبال التقليدية ، والعشاء الفاخر ، وتقديم هدايا دار المخزن ، بمثابة بيعة حقيقية للسلطان كحاكم رعوي ، يحكم دولة رعوية ، بطريركية تركز على الأصول ، والثوابت ، والتقاليد المرعية ، والطقوس السلطانية ، في تثبيت دعائم دولة وليس فقط نظام ، لن تهزه الريح العاتية من اين أتت . ولن يسقط مادام يتغلف بأصول الدولة السلطانية ، ومنها التركيز واحتكار الدين في ضبط الدولة ، وضبط النظام ، ولجم الرعية التي وصفها يوما الحسن الثاني ب " الأسد المشدود بخيط " .
ان رفع طوفان الحشد الشعبي المصطف من أرصفة المطار حتى أبواب قصر " تْوارْگة " ، لشعار " عاش الملك " ، وترديد لاعبي الفريق الوطني لمصطلح " سيدنا " " استقبلنا سيدنا " " عاش سيدنا " ، وهم الذي خُلِقوا في اوربة في تقاليد اوربية ، هو اكبر برهان ، على ارتباط الرعية بالراعي الامام ، والأمير ، وبالسلطان ، وبالتقاليد المخزنية التي تربط الكل بعقد البيعة ، الذي يجمع مباشرة السلطان بالرعية ، من دون وساطة حزبية او برلمانية .. وهذه الحقيقة القاعدة ، يؤمن بها الجميع ، بما فيهم " اليسار " الرخوي ، الذي اندمج مع الموروث الأيديولوجي لدار المخزن ، حين بدأ يشارك في استحقاقاتها السياسية والتشريعية ..
ان تقبيل بعض اللاعبين كتف الملك ، وتقبيل آخرين يده ، وترديدهم كلمة " سيدنا " ، وترديد طوفان الحشد الشعبي شعار " عاش الملك " ، وخروجهم تلقائيا ومن دون دعوة ، والتوجه الى القصر ، كان بيعة للراعي ، والامام ، والأمير ، وانّ المغرب لا ولن يكون غير دولة سلطانية ، مخزنية طقوسية ، أميرية .. هذه هي الحقيقة الساطعة التي تؤمن بها الدول الاوربية وعلى رأسها الجمهورية الفرنسية ، التي جاءت وزير خارجيتها Catherine Colonna تتودد للرباط ، وتبشر بالزيارة المرتقبة للرئيس Emanuel Macron الرئيس العصري لمقابلة السلطان التقليدي .. " جايْ بحْدُ بْلا دعوة " ..
فهل فهمتم الآن لماذا كان الحسن الثاني في خطاباتهم يبدئها ب " رعايانا الاوفياء " .. نعم الرعايا دائما وفية لراعيها ، تجوع هي ويشبع هو ، تمرض هي ويصح هو ، تُفقر هي ويغتني هو ..
ما حصل اكيد سيتسبب في هجر النوم عن الكثيرين المصدومين .. لأنها ضربة مْعلّمْ ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. انتخابات تونس.. فوز محسوم لقيس سعيد؟ | المسائية
.. هل من رؤية أميركية لتفادي حرب شاملة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. الهلال والأهلي.. صراع بين ترسيخ الاستقرار والبحث عنه
.. فائق الشيخ علي يوجه نصيحة إلى إيران وأخرى إلى العرب
.. مشاهد لاعتراضات صواريخ في سماء الجليل الأعلى