الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الايرانية و الاتحاد السوفياتي

وكزيز موحى

2022 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


وكزيز موحى، فرنسا، 21/12/2022

أعتبر أن الاهتمام و الاشتغال على موضوع علاقة الإتحاد السوفياتي وموقفه وتأثيره على الثورة الإيرانية لم ينل الاهتمام والعناية لاستخلاص العبر وتفادي السقوط وتجنب الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الحزب الشيوعي الإيراني.
قد يعتبر الكثير أن موضوع الثورة الإيرانية لسنة 1979 وما آلت إليه شاخ لكونها إنتاج شروط مادية ماضية وأن آلام وأحلام الشعب الإيراني لا تعنينا الان بعد كل الوقت الذي مضى والتحولات التي جرت. بالعكس، ان هذا الحدث التاريخي لازال يلقي بضلاله وتبعاته على ساحات النضال والسياسة على الصعيد الدولي، الجهوي والمحلي.
أود بداية أن أشير وأثير الانتباه لصعوبات وعراقيل تناول الموضوع من حجم علاقة وتأثير الإتحاد السوفياتي على الثورة الإيرانية. أول هذه الصعوبات : المراجع و مصادرها ولغاتها. ثانيا ترجمة المراجع من لغات مختلفة .ثالثا دراسة المراجع وتأكيد مصادرها. رابعا الوقوف واستشفاف أحكام القيمة التي تطبع مابين أيدي من مراجع واستبعاد تلك الإحكام. خامسا الوقوف عند الأحداث وتجنب التحامل على تجربة الإتحاد السوفياتي والثورة الإيرانية بدعوى فشلهما. وأخيرا تنضاف صعوبة الكتابة باللغة العربية نظرا للعراقيل المذكورة أعلاه وكذلك لأسباب تقنية وتكنولوجية. رغما عن ذلك سأعمل على تلبية مقومات الموضوع والمساهمة في تلبية مبتغياته ودلك بشكل مقتضب ومركز.
الكل يعلم أن الحزب الشيوعي الإيراني قد أخطأ القراءة والرؤية إن على المستوى الإستراتيجي والتكتيكي قبل وبعد الثورة وسلم وقدم قيادة الثورة في طبق من دهب للقوى الرجعية لتتسلم الحكم والسلطة بإسم الإسلام لتغتال الثورة وقدمت الحزب الشيوعي قربانا لها. تم اعتقال وتعذيب وإعدام العشرات من قياديي الحزب الشيوعي، اعتقال الاف الأطر المدنية والعسكرية للحزب ورغما عن ذلك إستمرت قيادة الحزب في رفض استعمال العنف كإستراتيجية ثورية طمعا في العمل الشرعي وصرح رئيس الحزب الشيوعي آنداك السيد نورالدين خيانوري N.Kianouri أن مؤيدي ومناصري الإشتراكية العلمية لا يشكلون أي خطر على إيران والدولة الإسلامية. إنقلبت رؤية وسياسة الحزب الشيوعي الإيراني رأسا على عقب مما كانت عليه مند تأسيسه سنة 1920 حيث ساهم في حمل السلاح وشارك في تأسيس الجمهوريات الاشتراكية بدءا من المناطق الشمالية لإيران مدينة بعد مدينة وخصوصا بأقاليم أزربدجان.
طرأ التحول في سياسة وممارسة وتكتيك الحزب الشيوعي الإيراني مند 1941 وتغير إسم الحزب الى حزب الجماهير ( تودا les masses). وإنتهى به الإمر الى تبني وممارسة سياسة التحالفات مع القوى الرجعية الظلامية التي انقضت على الثورة الإيرانية سنة 1979 بمساعدات فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وأصبحت الشيوعية تهمة وسادت الإعدامات والتصفيات والإعتقالات والإضطهاد في صفوف قيادات وأطر الحزب المدنية والعسكرية وكذلك في صفوف قواعده التي كانت تعد بالألاف ولم ينجو أي معارض لنظام آية الله الخميني.
تحققت التحولات السياسية العميقة بالحزب الشيوعي الإيراني والتي أودت بحياته وبالثورة لعدة اعتبارات وأسباب وعوامل وما يهمنا هنا هو عامل الإتحاد السوفياتي لأن هدا الموضوع لم يحض بما يستحقه من إهتمام لتكتمل الرؤية لدى القوى المعنية حاضرا بالتغيير. والملاحظ هو أن البعض قد تناول الموضوع ليس من باب استنتاج الدروس الموضوعية بل أحيانا من أجل إسقاط ذاته وتلبية أحكام قيمة وهذا حال أغلب المراجع والمصادر بما فيها المحسوبة على دفة اليسار.

يقول أستاذ علوم الإقتصاد السياسي و عميد جامعات طهران في عهد الشاه السيد هوتشانغ نهاوندي Houchang Nahavandi أن لقاءا تم بالعاصمة الجزائر بين من جهة الوزير الأول الإيراني السيد مهدي بازارخان Mehdi Bazargan ووزيره للخارجية المواطن الاميريكي من أصل إيراني السيد ابراهيم يازدي Ybrahim Yazdi ومن جهة أخرى مستشار الأمن القومي لرئيس الولايات المتحدة كارتر. الهدف من اللقاء هو قطف ثمار تغيير النظام الملكي وتصفية الحزب الشيوعي. وتم تعيين السيد ابراهيم يازدي Ybrahim Yazdi أول رئيس المحاكم الإسلامية وأنزلت عقوبات الإعدام في حق مئات المدنيين والضباط العسكريين الشيوعيين.
توثق المصادر كذلك بما فيها مذكرات الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان Valery Giscard d’Estaing للقاء يوم 5، 6 و7 يناير 1979 الذي جرى بغوادلوب la Gaudeloupe وجمع كل من الرئيس الفرنسي المذكور، رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر Jimmy Carter ، الوزير الأول البريطاني جيمس كالاهان James Callaghan والمستشار الألماني هيلموت شميث Helmut Schmidt. موضوع اللقاء المعلن عنه هو مساعدة إيران إلا أن الحقيقة هي أولا تناول مصير محمد رضا بهلوي ملك ملوك (شاه) إيران وتانيا تنصيب خلفه روح الله موسوى خميني الذي أسس لجمهورية آيات الله وتقلد سلطاتها العليا اية الله العظمى وثالثا الوقوف سدا مانعا أمام الحزب الشيوعي الإيراني لكي لا يضفر بالسلطة مهما كلف ذلك من ثمن ورابعا الاستمرار في نهب خيرات وثروات إيران من طرف الشركات الأروبية والغربية عامة وذلك عبر عقد صفقات وعقود تجارية وأمنية وعسكرية (Aibus, Thomson, RATP, Spie-BAtignolles, Peugeout …etc).
أجمعت المصادر كذلك أن الأمر على الصعيد النظري و الاستراتيجى كان محسوما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.يكمن ذلك في نظرية وتطبيق التحالف مع الإسلاميين ومحاربة الشيوعيين. كتب بيير وكريستيان بهلوي Pierre et Christian Pahlavi في مستنقع آيات الله le marécage des ayatollahs ما مفاده أن السياسة الأمريكية تتجلى في تشجيع التنظيمات والحركات الإسلامية بطريقة تولد الفوضى لتنتشر الى المقاطعات والأقاليم بالإتحاد السوفياتي وتسبب دمار هذا الأخير.
أرست بريطانيا قواعدها البحرية بميناء انزليAnzli في البحر الأسود لحماية أسطول الجيش الأبيض الروسي les armées blanches tsariques المعادي للثورة البولشوفية المتكون من 29 سفينة، إلا أن البلاشفة في شخص رئيس مكتب القوقاز للجنة المركزية للحزب البلشفي أعلن وقرر مواجهة البحرية البريطانية ليلا وأحرز الأميرال فيدور راسكولنيفوك على إنتصار مدوي حيث فرت القوى العسكرية البحرية البريطانية وعملائها الجيش الأبيض تاركين ورائهم الأسطول ومعداته وتجهيزاته بما فيها العسكرية. وتم بعد ذلك إعلان السلطة السوفياتية والجمهورية الإشتراكية السوفياتية لأزربدجان. إنتهت هذه التجربة بالفشل وهذا موضوغ اخر يستحق الدرس.
منذ بداية أربعينيات القرن الماضي 1940 تبنى الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي طروحات سياسية ونظرية انعكست على مجمل الحركة الثورية على الصعيد العالمي. يمكن اختصار رؤية الحزب ودولة الإتحاد السوفياتي في مقولة وأطروحة طريق التطور اللارأسمالي.
انعكست طروحات القيادة السوفياتية على أغلبية الأحزاب الشيوعية بما فيها الحزب الشيوعي الإيراني الدي دعى وعمل على التحالف مع الإسلاميين رغما عن قوته ومؤهلاته لقيادة الثورة (صحافة قوية متسعة الانتشار، آلاف القواعد العمالية والإدارية والعسكرية بالإضافة الى أطر وقيادات رفيعة المستوى في شتى المجلات بما فيها المجال العسكري).
كانت سياسة الإتحاد السوفياتي تجاه إيران هي سياسة حسن الجوار ودلك منذ الستينات. رغما عن علمه بالتواجد البريطاني والأمريكي بإيران كان يمتنع التحريض ضد الشاه قبل رحيله 16يناير 1979، كان الإتحاد يتوخى بهذه السياسة إبعاد الشاه من بريطانيا مثلا وفي هذا المنحى تراجع النشاط الثوري للحزب الشيوعي الإيراني وتراجعت دعايته الى الخلف او الى ماوراء الستار لصالح التعاون بين الدولتين ومصالحهما وابان وقبل الثورة أبعدت العناصر الملتزمة والمتشبثة بالطروحات الثورية للحزب والرافضة لسياسة التحالف مع التنظيمات والقوى الرجعية. إسترجع الحزب بعض الحيوية واستمر في حدود وأمام صمت نظام آيات الله المحسوب عملا بمبدأ التقية والحرب خدعة الى غاية 6 ماي 1985 قبل القمع والاضطهاد والتصفية. كما تجنب النظام مواجهة الحزب نظرا لتخوفه من الإتحاد السوفياتي الذي يملك كل مقومات الضرب. كما سمح النظام بالتواجد الرسمي والعلني للحزب الشيوعي بعدما تأكد النظام من أن الحزب قد تخلى عن استعمال العنف كاستراتيجية ثورية ولعزل وتصفية كل العناصر والتوجهات الراديكالية داخل الحزب والتي تشكل خطرا على النظام.
انسجاما مع طروحاته (طريق التطور اللارأسمالي) فضلت القيادات السوفياتية التعامل الاقتصادي والتجاري والعسكري والدبلوماسي مع نظام آيات الله كما كان الحال مع نظام الشاه سابقا بدعوى قطع الطريق عن تحالفات إيران مع الدول الإمبريالية والدفاع عن الإتحاد من خطر الإمبريالية بالمنطقة وكذلك الدفع بإيران الى تبني الحياد والانضمام الى أطروحة عدم الانحياز.
صحيح أن إيران كادت أن تكون مسرحا للمواجهة العسكرية بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية التي زادت وعززت من قوتها العسكرية بالمنطقة وصحيح كذلك أن التدخل السوفياتي بأفغانستان كان بدافع سد الطريق أمام الحركات الإسلامية الدراع الواقي للولايات المتحدة الأمريكية في وجه الشيوعية والقوى الثورية بالجمهوريات الإسلامية المحاذية والمجاورة جنوبا للاتحاد السوفياتي كتادجاكستان مثلا، لكن لماذا تحالف السوفيات مع نظام آيات الله وأرشد ووجه الحزب الشيوعي الإيراني مع هذا النظام وتم تقديم الحزب ذاته ومعه الثورة الإيرانية؟
ما موقع القيادات السوفياتية من تصريح الخميني سنة 1964 عندما قال أن «أنجلترا أسوأ من الولايات المتحدة والولايات المتحدة أسوأ من انجلترا والإتحاد السوفياتي أسوأ من كلاهما»؟
ربط الإتحاد السوفياتي علاقات اقتصادية مع إيران في عدة مجالات من ضمنها الغاز والبترول حيث باعت إيران ذهبها الأسود بمعدل 2،2 مليون طن لسنة 1981، زد عن ذلك المساعدات التقنية في جل قطاعات الصناعة والطاقة والمعادن والمواد والمعدات العسكرية. شيد الإتحاد السوفياتي مصانع من حجم مصنع الصلب والفولاذ المشهور Aciérie-Ispahan وذلك قبل الثورة المغدورة, ورفضت القيادات السوفياتية اعتبار المجاهدين من الثورة المضادة.
تبقى الإشارة أخيرا لختم هذه الورقة أن قوى يسارية في العالم، كحزب الإتحاد الإشتراكي مثلا، صفقت وأيدت روح الله موسوى خميني الذي أصبح اية الله الخميني وكذلك شخصيات بارزة مثل Michel Foucault,Jean-Paul Sartre, Simone de Beauvoir ou Roger Garaudy,. أما أغلب الأحزاب الشيوعية باروبا فقد تبنت الطروحات السوفياتية ، الحزب الشيوعي الفرنسي مثلا .و حتى في المجال الفني والأدبي يمكن سرد اغنية فؤاد نجم اه ياخي واه ياخي التي تعكس أجواء المرحلة.
صرح أحد مناضلي الحزب الشيوعي الإيراني بهزل وحسرة على موقع L’Orient-Le Jour الذي لم يكشف عن اسمه لأنه يعيش بطهران أن «إنتفاضة 1979 بالنسبة الينا هي مرحلة أنتقالية نحو الإشتراكية…لقد أخطئنا تماما». أما سعيد پيوندي Saeed Paivandi لاجئ سياسي وأستاد العلوم الإجتماعية بجامعة نانسي بفرنسا فهو يقول «كان علينا ان نقوم بنفس الشئ الذي عمل به لينين». ويضيف «لقد اقترفنا أخطاء قاتلة» وفي مكان اخر من الحوار يقول « انها ورطة كبيرة… لم نكن نعتقد ان الثورة ستتحول الى كابوس إسلامي». ساد الشك في صفوف الحزب شهور قبل هروب الشاه وكان رأي الكاتب الأول للحزب Iraj Eskandari التحالف مع القوى العلمانية عوض التحالف مع الخوميني والقوى الرجعية (ندكر ان الخوميني لم يحض انذاك باي حزب) وأوصى بذلك ونبه الحزب انه يسلك طريقا خاطئا وعمل على ابلاغ الحزب الشيوعي السوفياتي بتوصياته وحثه على وقف الدعم لخوميني. تم إبعاد وإزالة السيد Iraj Eskandari من مهامه ككاتب أول أياما قليلة قبل فرار الشاه.
والان ما رأي القوى اليسارية الحالية بالمنطقة المغاربية والشرق التي تدعو للعمل يدا في يد مع القوى الظلامية والتحالف معها؟ الم تنتبهوا الى الثورة الإيرانية المغدورة وتصفية الحزب الشيوعي الإيراني رغما قوته انذاك؟
المراجع :
1- Le marécage des ayatollahs, pierre, Chistian Pahlavi, 2017, ed Perrin
2- Yvonnick Denoêl, Guerres secretes au moyen orient, 2019 edi Nouveau monde
3- N. Kianouri, la révolution iranienne : ses amis et ses ennemis, La nouvelle revue internationale, novembre 1981
4- Révolution iranienne : pourquoi l’occident a joué avec le feu, Jean Jacque Allevi, 21/08/2019, geo.fr
5- On ne pensait pas que la révolution allait se transformer en cauchemar islamiste, Paul Singare, Téhéran, 12 fevrier 2019, lorientlejour.com
6- Révolution dans la révolution de 1979 à 2009, de l’islamité à l’iranité, Ramin PArham, Outre-Terre 2011, n°28
7- L’évolution du parti communiste iranien, le Toudeh, de 1920 à 1981, Houchang Nahavandi, Politique étrangère, Annéee 1981, pp651-668, persse.fr
8- HOuchang Nahavandi, l’-union- soviétique et la révolution iranienne, revuedesdeuxmondes.fr
9- l’U.R.S.S et la révolution iranienne, Ahmad Faroughy, monde diplomatique, juillet 1980, p1 et 12
10- marxists.org, Mansoor Hekmat, 1951-2002
11- la Révolution Islamique d’Iran face à l’U.R.S.S ( 1979-1984) : Realpolitik ou répulsion,
Semih Vaner, Etudes internationales, erudit.prg
12- Islam and revolution : writings and declaration pf imam Khomeyni, traduit et anoté par H. Algar, Berkeley, Mizan Press 1981, cité par Semili Vaner, Etudes internationales, la République Islamique d’Iran face à l’URSS( 1979-1984)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا