الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكتب لكم من الجنوب ( 10 )

علي فضيل العربي

2022 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


و أخيرا انتهت بطولة كأس العالم في دوحة قطر الساحرة .. و لكنّ الحرب الروسيكرانيّة لم تضع أوزارها بعد .. و كأنّ العالم الخيّر عجز عن إطفاء نيرانها ، و عجزت معه منابر السلام و دعاته عن صبّ مياه الرحمة على لهيبها . و يبدو أنّ المتحاربين لم يتعبوا من التقاتل ، و لم يشتاقوا إلى السلام . إلى أين المسير ، يا سادتي ؟ متى تعود أسراب الحمام الأبيض إلى ساحات كييف و خاركيف و أوديسا ، و عموم المدن و القرى ؟ و يعود الفلاح إلى مزرعته ليزرع القمح و البازلاء و الفول ؟ و تعود الأمّهات إلى بيوتها ، لتعيد نصب أصص الورد و الحبق و النعناع على شرفات المنازل و النوافذ ؟ و يخرج الأطفال إلى مدارسهم و ساحات ألعاب الأراجيح و التزحلق و الأحصنة الخشبيّة ؟
انتهت معركة الجلد المنفوخ ، و سخّر لها العالم ترسانة من وسائل الإعلام و الإشهار ، و نفخ في نفوس المشجعين آهات الفرح و الحزن و النشوة و الندم و الحبّ و الكراهيّة . لكنّ الحرب في الشمال ، مازالت تدور رحاها على قدم و ساق ، و كأن العالم نسيّها أو تناساها من أجل الاستمتاع بجولات الجلد المنفوخ و صولاته .. هناك ، يا سادتي العقلاء ، في الشمال ، آلة الحرب المجنونة ماضيّة ، دون هوادة ، في حصد الأرواح البريئة . هناك ، يا سادتي الحكماء ، في الشمال ، أطفال رضّع و شيوخ و نساء و مرضى و جرحى ، مكدّسون كالركام في كهوف مظلمة ، لم يجدوا شمعة ، و لم يروا الشمس و لا زارتهم أشعتها منذ أشهر عدّة . اشتاقوا لطعم الدفء ، بعدما داهمهم برد الخريف ، و سيقرصهم برد الشتاء و صقيعه و ثلوجه ، التي لن تكون – هذه السنة – بيضاء ناصعة ، بل ستكون ملطّخة بدماء القتلى و أدخنة المدافع و القنابل و الصواريخ و الرعونة ..
خسرت فرنسا كأس العالم ، و كأنّها خسرت حربا . و ألصقت تهمة الخسارة و أسبابها بأبناء إفريقيا . و ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي الفرنسيّة بالسباب و العنصريّة ... و كان رئيسها ، ماكرون ، حاضرا في المدرّجات ، يناصر فريق بلده بكل قواه العاطفيّة و البصريّة - و الذي لا يضمّ سوى لاعبين اثنين من أصول فرنسيّة - . و لكنّ الهزيمة ، لم تخطئ فرنسا هذه المرّة ، فبكت ، كما بكت ذات يوم من أيام الخامس جويلية 1962 م على رصيف ميناء الجزائر ..
تلك هي فرنسا النابليونيّة ، التي بنت أمجادها العسكريّة و الاقتصاديّة و أخيرا الرياضيّة على كواهلنا ، نحن أبناء الجنوب ، أبناء إفريقيا ، و خلّفت وراءها نسبة تسعين بالمائة أو أكثر من الأميّة المميتة ..
و كادت أن تفوز بالكأس الغاليّة ، بأقدام أبناء إفريقيا البربريّة السمراء ، و كان الفتى الجنوبي كيليان امبابي ، ذو الدماء الجزائريّة الإفريقيّة نجمها الأول دون منازع ، مثلما كان قبله الفتى الأمازيغي الأصلع زين الدين زيدان أسطورتها الأولى ..
أجل ، يا سادتي في الشمال ...
كادت فرنسا أن تظفر بالسيّدة الكأس الغاليّة ، و تعود بها إلى الشانزيلزيه و قوس النصر بفضل مهارات أقدام نخبة من اللاعبين الجنوبيين - الذين وصفتهم بعض مواقع التواصل الاجتماعي ، بأنّهم " قردة " و " عبيد " بسبب لون بشرتهم و أصولهم الإفريقية ، والذين في نظر العنصريين لا مكان لهم في الفريق الفرنسي - لكنّ ميسي و رفاقه أخذوها – عن جدارة و استحقاق – لتتربّع على عرش بوينس آيرس أربع سنوات ، و يباركها خورخي فرانسيسكو إسيدورو لويس بورخيس أسيفيدو .
لست - أنا الجنوبيّ الموسوم بالتخلّف و البربريّة - أكره فرنسا أو أحقد عليها ، رغم ماضيها الأسود في الجنوب . طبعي الإنساني العفو و التسامح . لكنّني لا أنسى ما اقترفته من مجازر فظيعة في حقّ الأبرياء ؛ من الرجال و النساء و الأطفال . لا يمكنني أن أصم أذني و أضرب على سمعي ، عن أنّات المعذّبين و المقهورين و الشهداء و المنفيين .
أجل ، يا سادتي ، انتهت مغامرة كأس العالم ، و لم تنته حرب الإخوة الأعداء ( الإخوة كارامازرف ) . و في انتظار صافرة نهاية الحرب الروسيكرانيّة الداميّة . فليصلّ كل مؤمن صلاة السلام ثم السلام ثم السلام ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة