الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهاشمية السياسية -ملاحظات على ماورد في الحلقتين- 3-3

قادري أحمد حيدر

2022 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


"الهاشمية السياسية"
ملاحظات على ما ورد في الحلقتين.


(3-3)



*ملاحظات على الحلقة الأولى:




في سياق رفض أو نقد، العزيز/ عيبان لمصطلح "الهاشمية السياسية" وفي اتجاه دحضه للبدهيات والمسلمات واليقينيات العالقة في أذهاننا حول مركزية مصطلح "الهاشمية السياسية"، وعدد القرون التي حكمت فيها، فإن لا أحد منا، أو على الأقل في ما أكتبه، يتحدث في الخطاب النقدي عن مجمل أبناء منطقة شمال الشمال، أو ما يسميه البعض بــِ"الهضبة"، لأن الاختلاف منحصر فقط حول معنى فهمنا لــِ "الهاشمية السياسية"، بالمعنى والمفهوم الذي أشرنا إليه في معظم الحلقات. وفي هذا السياق، يورد العزيز /عيبان ليؤكد رأيه في دحض البدهيات والمسلمات، وفي نقد مصطلح "الهاشمية السياسية"يقول: "إن نصيب هذا الإقليم – يقصد شمال الشمال – الباحث – لم يتجاوز 36% في المئة من عدد الدول – يقصد الدول التي حكمت اليمن – الباحث- (إضافة إلى مشاركته السلطة في دولة واحدة مع إقليم آخر، كما لم تصل فترة حكمه إلى نصف فترة الحكم الإجمالية (...) وقد بلغت فترة الحكم من خارج الهضبة 61% في المئة من إجمالي فترة الحكم لجميع الدول. كما أن نتائج كهذه – كما يرى عيبان – تقوض أيضاً دعاوى مركزية صنعاء، فإثنتا عشرة دولة حُكمَت من خارجها، فترة تصل إلى 5و79% في المئة من إجمالي فترة الحكم. ومما يضعف دعاوي مركزية "الهضبة" أن الدولتين المهمتين اللتين نقلتا عاصمتيهما إلى اليمن الأسفل، أي الصليحية والمتوكلية وهما دولتان منشأهما "شمال الشمال" وتنسحب هذه النتيجة على جميع المناطق ، فلا صنعاء ولا "اليمن الاسفل" أو "الهضبة" ولا الغرب ولا الوسط ولا أي منطقة في اليمن استأثرت بالشأن السياسي في البلاد"(١). أنتهى الاقتباس من عيبان.

وتعقيباً على ذلك:

أولاً: إن الكثير ممن يصوبون بالقول: مصطلح " الهاشمية السياسية", لا يسقطون ويعممون ذلك المصطلح على كل أبناء منطقة (جغرافية/ جهة/عرق) شمال الشمال، أو ما يسميه البعض بــ "الهضبة", فقد وصل بنا التحديد والتدقيق في التوصيف إلى أننا ميزنا وفصلنا بين المكون الهاشمي الكريم، وبين جماعة "الهاشمية السياسية"، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة، كما أنني أشرت وكتبت أن ذلك المصطلح، لا يخص ولا يشمل كل أبناء المنطقة الزيدية، عفواً، " الزيود القحطانيين".

ثانياً: قد يكون هناك من كتب عن "مركزية صنعاء"، وهذا رأيهم. على أنني في كل ما دونته لم أتحدث يوماً عن "مركزية صنعاء"، ليس لأن أغلبية الأئمة الزيديين لم يختاوا صنعاء عاصمة لحكمهم كما سبق أن أشرت في الحلقة السابقة مباشرة، وإنما لأن صنعاء كمدينة لم تتخذ كرمزية سياسية لمعظم الأئمة بل هي كانت ضحية لتحالف الإمامة والقبيلة في العديد من المراحل.

ثالثاً: إن القول إن نصيب ذلك الاقليم – شمال الشمال – كان حسب الاحصائيات الرقمية التي أوردها العزيز/ عيبان كانت 36% من عدد الدول، ومن أنه لم تصل فترة حكمه إلى نصف فترة الحكم الاجمالية، ومن أن 61% من فترة الحكم من خارج الهضبة، ومن أن إثنتا عشرة دولة حكمت من خارج منطقة شمال الشمال، فترة تصل إلى 5و79%، فإن كل هذه الأرقام والاحصائيات إنما تؤكد ما نذهب إليه وهو مركزية مصطلح "الهاشمية السياسية"، الذي يجب أن يدرس ويبحث بجدية، وليس العكس، ولا معنى هنا للحديث عن "مركزية صنعاء"، والزيود في العموم .

فأين هم، إذن، اليوم أصحاب نسبة الــ61% ، وأين هم أصحاب نسبة الـــِ 79,5% جميعهم وجدوا وكانوا ضمن معادلات السياسة والسلطة في تاريخ اليمن الإمامي من نهاية القرن الثالث الهجري وما بعده حتى التاريخ الحديث، وانتهى وتوقف دورها السياسي ولم يعد لها/لهم أي حضور ، أو أي حق سياسي/ مذهبي أو ديني أو عرقي (سلالي) في الاستمرار في متابعة ومواصلة حكمهم للناس بتلك الدعاوى المذهبية والسلالية.

ومن هنا تفريقنا بين أبناء المناطق الشمالية أو الهضبة وبين من يستغرقهم مصطلح "الهاشمية السياسية"، وهي الجماعة المذهبية الطائفية التي ما تزال مستمرة في ادعاء القول بحقها في حكم الناس بتلك الدعاوى التي ظهرت قبل قرون، وبذات الطريقة والخطاب والكيفية، وكأن التاريخ الماضي بكل أوزاره واثقاله وحمولاته يعود الينا اليوم، ليفرض ظله الكئيب ونحن في العقد الثالث من الألفية الثالثة!!

أنا في جميع كتاباتي أناقش افكار ومفاهيم وقضايا أرى ضرورة الإضاءة حولها، وحين أرد على بعض الطروحات، أناقش الفكرة والمفهوم، مع احترامي للرأي الآخر حتى وأنا أختلف معه، لا أسفه ولا انتقص ممن أختلف معهم في الرأي، ولذلك أذهب إلى محاججة ومعارضة الفكرة ، لا الشخص. وعلى ضوء ذلك وجدت نفسي أحمل رأيا مخالفا لما طرحه وكتبه العزيز عيبان حول مصطلح "الهاشمية السياسية" وقوله بخطأ المصطلح، كنت كما رأيتم أناقش وأحاجج الفكرة والمعنى والمفهوم، لأن ذلك هو أساس وجوهر ما نختلف عليه وحوله، لا على الشخص القائل .

وستلاحظون أن العزيز/ عيبان، وهو يستعرض الرؤى المختلفة التي ناقشت ما كتبه، قال عنى إنني لست من الإتجاه الهجومي، ولا من الاتجاه الاحتفائي، بل إنني من الاتجاه الثالث النقدي ومن الاتجاه الذي أتخذ منحى مغايراً عن الاتجاهين السابقين(٢), أي الاتجاه النقدي الموضوعي، واتمنى أن لا يدفعه استمراري في الكتابة النقدية حول ما يكتبه إلى التراجع عن الإطراء النقدي الطيب الذي منحني إياه، طبعا، دون أن يتوقف عن دحض المسلمات واليقينيات حيثما وجدت، وفي استمرار رفضه ونقده لمصطلح" الهاشمية السياسية", وهذا حقه، والأجمل أن يقدم رؤيته البديلة، مع استمراري في مواصلة قراءتي، لأن الهدف من الحوار هو إثراء الأفكار والمفاهيم والقضايا المثارة لبحثها، ومناقشتها بعرض رؤى مقابلة أو موازية لها.

وبهذا المعنى من القول ومن الخطاب، نحن لا نغلب القراءة المذهبية والطائفية السطحية على القراءة المستوعبة لجوهر الصراع وخصائصه السياسية والاجتماعية والطبقية، ومن أن الصراع سياسي/ أيديولوجي وليس مذهبياً طائفياً.

في كل ما أكتب، خاصة في هذا الحوار، أنا اتحدث عن تسلط "الهاشمية السياسية" وليس عن تسلط كل مكون الهاشمية، هذا أولاً، وهو حديث سبق أن أشرت اليه في أكثر من موضع. وثانيا، لم أكتب بل ولم أشر إلى تسلط الزيدية أو أبناء منطقة شمال الشمال أو "الهضبة"، ولم أذهب مع القول في أنها حكمت وتسلطت على اليمن طيلة (1200عام)، كما جاء في بداية الحلقة الثانية من مقالة العزيز/ عيبان . كل الخطاب النقدي موجه صوب " الهاشمية السياسية" .

وفي فقرة أخرى من نفس الحلقة الأولى، وفي تواصل مع ما سبق ذكره، يورد العزيز/ عيبان نصاً يقول: "إن نصيب "السنة " من السلطة سوى من حيث عدد الدول أو من حيث فترة الحكم يفوق بفارق كبير نصيب "الشيعة" بفرعيهم "الزيدي والإسماعيلي" . وهذا – كما يقول عيبان – يناقض بصورة درامية التصورات السائدة والدعاوى القائلة بسيطرة "الزيود" على السلطة في اليمن أكثر من ألف عام"(٣) .

والرد على هذه الفقرة متضمن في ردنا السابق كما تضمنته الحلقات الأسبق.

والسؤال : أين هي "السنة"، التي أشار اليها العزيز/ عيبان وكان نصيبها من عدد الدول، ومن عدد السنوات التي حكمت بها، وكان هو الأطول والاكبر من حيث عدد السنوات، ومن حيث عدد الدول؟ كما وردت في الاحصائيات التي أوردها عيبان, جميعها توارت عن مشهد السياسة والسلطة من قرون (سادت وبادت)، ولم يبق منها سوى الأثر، كحضور؛ في صورة المذهب والطائفة، أي كمكون اجتماعي، سواء أبناء المذهب الشافعي، أو المذهب الإسماعيلي، المضطهد دينيا من الجميع . . ولم يتبق من تلكم الدول سوى إنجازاتها الثقافية والمادية والحضارية،(أثرها الطيب), ولم نسمع ونرى أنها عادت مطالبة في حقها بحكم البلاد، تحت أي مسمى كان، وهنا يكمن الفارق بين تلك الدول وجماعة " الهاشمية السياسية" .

ما أود قوله وتأكيده إن قضية خطأ أو صواب مصطلح "الهاشمية السياسية"، لا ينفي وجودها كفكرة / أيديولوجية، وكممارسة ، ومن أنها احتكرت السلطة، وتحكمت بها لعشرة قرون أو لخمسة قرون، أقل أو أكثر، وفرضت حكمها بمنطق أيديولوجية الإمامة "الحق الإلهي" التي سميتها أنا جرياً على ما تم التعارف عليه، بــ"الهاشمية السياسية"، وليطلق عليها من يشاء ما عَنَّ له من الأسماء والصفات والمصطلحات ، كما أنه لا يعنيني -كما سبقت الإشارة - عدد السنوات والقرون التي استمر فيها حكم هذه الجماعة أو تلك ، قدر ما يعنيني ويهمني منطق التفكير في حكم الناس، وما تم إنجازه لصالح تنمية المجتمع والإنسان.

وهنا أشير إلى أنني أتفق مع الطريقة والمنهج الذي اتبعه الباحث الأستاذ/ أحمد علي الأحصب، في ما ذهب إليه من قراءة في التحقييب الزمني، وفي المسح الزمني (الإحصائي)، إلى جانب توظيفه أكثر من منهج في البحث الاجتماعي، فقد بذل جهداً طيباً، والذي قد نتفق أو نختلف مع بعض التفاصيل معه هنا أو هناك، دون إنكار لمساهمته البحثية المقدرة، من خلال منهج البحث الذي استخدمه.

إن السؤال الذي علينا أن نواجه أنفسنا به، هو: لماذا استمرت الإمامة، كقضية سياسية وسلطة، حاضرة في التاريخ السياسي والاجتماعي اليمني طيلة هذه القرون ، مع أنها لم تنجز شيئاً له معنى في كل تاريخها السياسي كإمامة، تاريخ سياسي قضت معظمه في حروب بين الأئمة، ومع الآخرين، هي فترات تسلط متقطعة، لم تؤهلهم لإنجاز أي تطور أو تقدم أو تنمية (عمرانية)، يدل على معنى حضور الدولة "الإمامة"، خلال فترة حكمهم؟ هذا هو السؤال ياعزيزي، عيبان ، مع أن الأيديولوجية، والممارسة التسلطية ل، "الهاشمية السياسية"، ما تزال حاضرة ، وقائمة حتى اللحظة، وكونك لا تراها، أو لا تعترف بها لا يعني أنها غير موجودة.

"فليس حدود وحجم ونفوذ سلطات الدول وحكامها هو من يعطي أي سلطة وزناً وقيمة"(٤)، كما يرى العزيز/ عيبان، وكما يبدو أنه اقتباس، فعمر النفود وحجمه ما كان يعطي قيمة ووزناً لأي سلطة أو دولة، ولكنه معنى وحجم الإنجاز العائد على الناس، والذي يترك أثره في حياة المجتمعات والشعوب والدول، هو ما يعطي قيمة ووزناً، وما تزال حتى اليوم الكتابة التاريخية المعاصرة تشير إلى المنجزات العلمية والثقافية والتعليمية والاقتصادية (المادية)، والعمرانية، (الحضارية), التي تركتها الدول: الصليحية، والرسولية، والطاهرية- وقس على ذلك في كل العالم- وحتى بعض الدول الأجنبية كالدولة العثمانية، وذلك مرتبط ليس بعدد السنوات، أو القرون التي حكمت فيها، أو بحجم مساحة التمدد العسكري في الجغرافيا. وهنا تكمن القيمة والمعنى في الإنجاز السياسي والفكري والثقافي والعمراني (الحضاري)، الذي يطال حياة المجتمع، وبناء الدولة فيه.

أنا شخصياً أتفق مع من يقول إن "الهاشمية السياسية" لم تحكم، لا كل اليمن، ولا بعضه (1250) سنة. وكما سبق أن أشرت إلى أنه حتى الفترات التي حكمت فيها، هي في معظمها سنوات صراع وحروب أو "خروج"، لم تعرف خلالها حالة طويلة نسبياً من الاستقرار السياسي، ومن ترسخ بنية ومعنى "النظام السياسي"، كبنى ومؤسسات، ولم يتأسس فيها أي معنى من معاني الدولة، كبنى وأنظمة وقوانين وتشريعات، فقد قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م، ولم يكن هناك أي مقوم من مقومات بناء الدولة، بل ولا أي أثر يدل على ذلك، ووجدت ثورة ٢٦ سبتمبر،١٩٦٢م، نفسها تقوم ببناء الدولة من الصفر.

والمفارقة الدراماتيكية، والمأسوية، أن المقارنة بين الإمامة كنظام، وبين دول اليمن القديم، يأتي لصالح دول،ودويلات اليمن القديم على الصُّعد كافة!!.، بل والمأسوي أكثر أن المقارنة بين الأئمة، والاحتلال العثماني على هذا الصعيد، يأتي لصالح الاحتلال العثماني!!، على سبيل المثال، حتى أن البعض يكتب من أن الإمامة، قتلت إحساس اليمنيين بوطء الاستعمار على بلادهم، سواء الاحتلال العثماني، أو الاستعمار البريطاني.

إن دحض القول بأن بالإمامة لم تحكم (1200) سنة، لا ينفي ولا يلغي تاريخ حضور ووجود "الهاشمية السياسية"، وفي استمرارها في الممارسة الثقافية والاجتماعية عند قطاع معين من السكان. ليس ذلك فحسب، بل ومحاولة فرض الذي كان، على كل أبناء اليمن اليوم، وإلا كيف نفسر عودة ووصول " الهاشمية السياسية", إلى السلطة والحكم كرة ثانية، وبذات المفردات وذات الخطاب، والعالم بدأ يتخطى عتبات العقد الثالث من الألفية الثالثة !!

وفي تقديري أن القراءة الزمنية (المسح الاحصائي)، لقضية وجود السلطة، أو هويتها السياسية، وتوزعها بين المناطق والأقاليم والجهات والمذاهب والأعراق، كل ذلك لا ينفي وجود "الهاشمية السياسية"، كواقع، وكمصطلح، كما أن مثل هذه القراءة التي تؤكد تواجد وحضور الهويات السياسية المختلفة: الجهوية والمناطقية والأقاليمية والقبائلية، والمذهبية، والعرقية في التاريخ السياسي اليمني، لم يلغ حضورها في التاريخ، وهو عمليا ما تبقى لها، وفيها، إلى جانب المنجزات المادية والحضارية التي ارتبطت ببعضها . أما الإمامة الدينية (الهادوية) أو "الهاشمية السياسية"، فلم تنته لا كأيديولوجية، ولا كممارسة، بل هي لم تتطور على مستوى الفكر السياسي تحديدا، بما يلبي ويجسد احتياجات ومصالح الناس في تاريخهم السياسي الاجتماعي، وكأننا أمام لحظة ساكنة في التاريخ، ما تزال مستمرة وحاضرة بذات المنطق من التفكير الذي كانته وعبرت عنه قبل قرون ، والذي ما يزال البعض يحاول إعادة انتاجه في صورة ما يجري اليوم. وهنا يكمن السؤال المطلوب البحث عن اجابة له وعنه، وهو : لماذا استمرار حضور "الهاشمية السياسية"، دوناً عن جميع الدول التي حكمت اليمن؟ ! وهي الدول التي أشار إليها العزيز/ عيبان.

وحول تاريخ حكم الأئمة بالسنوات والقرون، واضح أن هناك خلطاً بين فترة حكم الأئمة، وبين عمر وتاريخ نشأة المذهب الشيعي، والزيدي، الهادوي، وقد ساعد على ذلك الخطأ الشائع الذي نجده في كتابات محسوبة على الزيدية، تقول بذلك التاريخ الطويل، لتعطي لنفسها شرعية في حكم البلاد، وفي استمرار حكمها، كما نجد تكراراً لمثل ذلك القول في بعض كتابات الطرف الآخر، المعارض لــ"الهاشمية السياسية"، من زاوية نقد حكمها لليمن، بل إنني أقرأ مثل ذلك التحقيب بالقرون في حكم الإمامة لليمن في كتابات أجنبية، وعربية، وبين يدي كتاب أو أكثر على درجة من القيمة المعرفية، والسياسية والتاريخية يقول بذلك(٥) .

حاولت في سياق هذه الفقرة تقديم إجابة سريعة عابرة عن ذلك ، ولكن ما يزال السؤال مطروحاً بصورة جدية للبحث حوله.

إن توزع الهوية السياسية للسلطة في اليمن بين أطياف سياسية، واجتماعية وأيديولوجية ومذهبية، وعرقية ومناطقية وجهوية مختلفة أمر لا نستطيع إنكاره، لأنها حقائق موضوعية وتاريخية كانت وانتهت، ويبقى السؤال. لماذا الهوية السياسية للسلطة الإمامية في صورة "الهاشمية السياسية"، هي الوحيدة الباقية، ومطالبة في "حقها" في استمرار حكمها للناس – كما سبقت الإشارة - ؟! ذلكم هو السؤال المطلوب الإجابة عنه، من العزيز/ عيبان، وحينها سيتضح لنا أكثر، معنى ومفهوم استمرار "الهاشمية السياسية"، حتى اليوم، وهو ما ينكره علينا البعض .

إن ما يتحقق في قسم من البلاد اليوم، هو محاولة لتعميم حالة خصوصية "الهاشمية السياسية"، وتحويلها إلى ظاهرة تاريخية عابرة للمجتمعات، والدول وللزمن !!، ومحاولة فرضها على كل المجتمع، وهو أمر ليس فحسب صعباً، بل ويدخل في عداد المستحيلات، ستكون من ثماره المرة تدمير وحدة المجتمع الدينية والثقافية والاجتماعية والوطنية على المدى البعيد، وهو مالا يدركه البعض، أو يدركه ومقتنع في قرارة نفسه أن مصطلح "الهاشمية السياسية" غير موجود في الأصل لا تاريخياً، ولا راهناً، ومن أنه ليس أكثر من مجرد تنظير نخبوي يعكس واقع الأزمة الوطنية الراهنة.

وعند هذه النقطة أو المسألة من القراءة، والبحث تلتقي كتابات، لرموز "هاشمية سياسية"، متعصبة، وحتى كتابات لرموز من المكون الهاشمي الذين يتسمون بعدم التعصب الطائفي، إلى جانب كتاب محسوبين على الزيدية عموماً، فضلاً عن كتابة العزيز/ عيبان المحسوبة على اليسار، ولم أطالع حتى الآن على الأقل كتابة لغير عيبان تقول: بخطأ القول: بمصطلح "الهاشمية السياسية"، ولا يعني عدم اطلاعي على كتابات مماثلة أن ليس هناك كتابات تقول بما يقول، كما أن ذلك لا يعطينا "فرمان صدقية"، بالقول: أن كتابته ورأيه وموقفه غيرصائب. هي كتابات ورؤى ستؤكد الحياة من هي الأكثر موضوعية، وصدقية وواقعية في التعبير عن جوهر المسألة : من يقول : بخطأ مصطلح "الهاشمية السياسية"، أو من يقول: بصواب المصطلح، لأن للقول بالصواب، أو بالخطأ، له تداعيات تفسيرية وتحليلية على المستويات كافة: السياسية، والفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، في صورة كل ما يحصل في البلاد اليوم، شمالا وجنوبا .

وحين أجد من خلال الممارسة الفكرية والسياسية والعملية ما يقول لي بخطأ ما أذهب إليه اليوم والآن، فإنني على استعداد كامل للأخذ بالأصوب .

إنني أبحث عن مفاهيم نظرية، وأفكار، ورؤى علمية واقعية نقدية تقربني من نقد مصطلح "الهاشمية السياسية" تطويره وتجديده بل وتجاوزه، معرفياً ونظرياً وفكرياً وواقعياً، تجاوز إبداعي خلاق يتسق مع تقدم في النظرية والفكر السياسي فلستُ متمسكاً بمصطلح "الهاشمية السياسية" إلا بقدر ما أرى فيه تجسيداً وتعبيراً نظرياً وفكرياً وسياسياً عن ما هو قائم.

"إذا كانت الغايات لا تدرك، فاليسير منها لا يترك"، ولذلك لم أجد بداً من القول: بصوابية مصطلح "الهاشمية السياسية" وعلى من يدعونا إلى تركه أن يقدم لنا مصطلحه البديل، وحتى لا يتحول حوارنا إلى سفسطاء.

وما أود تأكيده هنا جرياً واتفاقاُ مع قراءة المفكر ابن خلدون هو، أن النسب العرقي (السلالي)، لوحده، ولأي جماعة كانت لا يمكنه أن يقيم السلطة/ الملك، والهاشمية السياسية"، لا يمكنها أن تكون قوة وسلطة بدون عصبية تشكل رافعة وحاضنة اجتماعية لها، فكان عليها البحث تاريخيا عن "العصبية"، أو صناعة عصبية خاصة بها، وما كان متوافراً أمامها واقعياً وتاريخياً، كما أوضحنا في الحلقة السابقة، هو العصبية القبلية المسلحة في مناطق "صعدة" و"حجة" وما حولهما، فالنسب، كما عند ابن خلدون مرتبط بالعصبية، كقضية، سوسيولوجية، وليست قضية عرقية،"لأن النسب لوحده علم لا ينفع وجهالة لا تضر، وهناك حديث للرسول الكريم (ص) يقول: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"(٦)

وفي النص السابق نقرأ بعمق معنى "ثنائية الإمامة والقبيلة" وهي الصيغة التي تفسر وتشرح ظاهرة استمرار الإمامة عبر القرون، من خلال مسمى أو مصطلح "الهاشمية السياسية".

في تقديري أن " الهاشمية السياسية", ما كان لها أن تكون، لولا واقع استمرار تحالف الإمامة بالقبيلة، , في التاريخ السياسي الاجتماعي في اليمن، وفي تلك المناطق، من شمال الشمال اليمني وهو ما أشار إليه (لسان اليمن) أبو الحسن الهمداني، حين أشار إلى دور (همدان) في ذلك ويقصد هنا دور القبيلة/ القبائل عموماً.

ستلاحظون أنني حددت وحصرت حواري – كما بدأ – حول مصطلح "الهاشمية السياسية"، أبعادها وتداعياتها، ولم أتوسع للدخول في القضايا السياسية والوطنية والاقليمية والدولية المحيطة والمتصلة بالأزمة السياسية والوطنية الراهنة، إلا من خلال بعض القضايا المتصلة بقضية/ عنوان هذا الحوار دون البحث في بعض تفاصيل الأزمة الوطنية الراهنة، ذلك أن رأيي وموقفي السياسي حول ذلك قد عرضته وقدمته في عشرات المقالات طيلة الفترة الماضية، هذا فقط للتوضيح.

ختاماً: لهذه الفقرة، وحول ثنائية الإمامة والقبيلة والعصبية، فإن للدكتور حمود العودي ملاحظة فكرية وسوسيولوجية حول مسمى بعض المناطق اليمنية، التي يختلط فيها اسم ومسمى القبيلي، بالسيد، في تسمية بعض المناطق اليمنية (التي يسميها البعض القحطاني/العدناني)، وهي إشارة جميلة وعميقة، وبحاجة إلى بحث مفصل، قادني إلى ذلك مفهوم العصبية الخلدوني، في صورة علاقة الإمامه بالقبيلة، في السياق الذي أشرنا إليه.

حيث رأى محقاً د. حمود العودي أن استاذ النقوش المسندية/ مطهر الإرياني أشار إلى نص مسندي حول منطقة "الكبس"، باعتبارها منطقة يمنية تاريخية قديمة، "حميرية" حيث (يقول النقش حول منطقة الكبس) : "آل كبسم في خولنم. ومراعيهم ووديانهم وحصونهم........... إلخ"،وهو نص نقشي مسندي طويل، وإلى كيف تحولت هذه المنطقة اليمنية التاريخية(القديمة), (الكبس)، إلى منطقة بأكملها للسادة (أو تشير إليهم فقط كسادة) مع أنها منطقة مكانية (جغرافية) تاريخية يمنية قديمة، ثم يشير إلى مناطق يمنية تاريخية تحمل ثنائية التسمية: سيد وقبلي، إمامي، وقبلي - حتى لا أقول قحطاني فيتهمني البعض أنني أنبش في بقايا تاريخ ميت لا أؤمن به شخصياً - حيث هناك مناطق فيها, كما يقول، د. حمود العودي "حوثي سيد وحوثي غير سيد، وحيمي سيد وحيمي غيرسيد، أو " قبيلي مقطع"، وجرموزي سيد وجرموزي غير سيد، ووشلي سيد ووشلي غير سيد، وكحلاني سيد وكحلاني غير سيد، وشهاري سيد، وشهاري غير سيد، وشامي سيد وشامي غير سيد وهلم جرا"،.(٧)

مع تأكيد د.حمود العودي كباحث في السوسيولوجية "إلى الإنتماء إلى المكان الاجتماعي، وإلى العمل وإلى المهنة والوطن وليس إلى العرق والسلالة المصطنعة سياسياً - كما يرى .

وحول بيت الجرموزي، أو آل الجرموزي، ونسبهم ومنطقتهم، يورد د. حسين عبدالله العمري، وهو يحقق، ويشير إلى المؤرخ المطهر محمد بن أحمد بن عبدالله المنتصر الهدوي الجرموزي يورد، القول التالي : " وقد سكن بعض هؤلاء الأشراف في بني جرموز شمال صنعاء، فنسبوا إليها "(٨)
وحتى نسب، ابن الأمير، محمد بن إسماعيل بن صلاح، يعود إلى الأمير الكبير الإمام الشهير يحي بن حمزة الحسني، الكحلاني، الصنعاني (٩), وهكذا في عديد من التسميات، التي تجمع السيد، والقبلي، وشخصيا لا ادعي أنني امتلك تفسيرا لذلك، فقط، اطرح ذلك كقضية حوارية للبحث الاجتماعي التاريخي .

والسؤال : هل لكل ذلك صلة بمحاولة الإمامة البحث عن عصبية اجتماعية لها في اليمن؟

هذا سؤال افتراضي/احتمالي، أو أن هناك أسباباً وعوامل ودوافع أخرى هي التي أفرزت وأنتجت هذه الظاهرة في تسمية العديد من المناطق، بهذه التسميات المزدوجة، والموزعة بين اسم السيد، وبين اسم المنطقة/ المكاني. ويشير د. العودي في السياق بما معناه إلى أن الإمامة كيف تقبل بما تراه وتعتبره الأدنى، بأن يلحق بأسمها ، وهي الأعلى دائما بالحق الإلهي.
وحسب معلوماتي وقراءاتي المحدودة، في هذا المجال، فإن هذه الظاهرة، أو هذه النماذج من الحالات/القضايا، لم تدرس وتبحث بما فيه الكفاية في أبحاث سياسية واجتماعية وتاريخية ونقوشية مستقلة توضح أسباب وجود هذه الظاهرة، أي أبحاث تدرس المسألة من زاوية سياسية اجتماعية تاريخية، في صورة، علاقة ثنائية الإمامة والقبيلة، في صلتها بالعصبية، لأن الأصل العرقي وحتى المذهبي/ الديني غير كافيين لصناعة السلطة وإنتاج الدولة.

الإشارة إلى ما سبق هي دعوة للقراءة وللحوار، وهو سؤال مفتوح للبحث السوسيولوجي والتاريخي العقلاني النقدي.


الهوامش:
1-عيبان السامعي/ الحلقة الأولى، 12/9/2022م.

2-عيبان ، نفس المرجع.

3-أنظر هامش الحلقة الأولى من مقالة عيبان بتاريخ 12/9/2022م.
عيبان السامعي: نفس المصدر

٥ - أولهما كتاب د. أشواق أحمد مهدي غليس : (التجديد في فكر الإمامة عند الزيدية في اليمن) مكتبة مدبولي ط(1)، 1997م،ص 138-139، والثاني رسالة الماجستير للأستاذة سلوى سعد الغالبي: (الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم ودوره في توحيد اليمن)(١٠٥٤١٠٨٧ه/ ١٦٤٤١٦٧٦م) ط(١),١٩٩١م، ص3

٦ - جورج لابيكا (السياسة والدين عند ابن خلدون),تعريب، د. موسى وهبة،د. شوقي الدويهي، دار الفارابي/ بيروت ط(1)، 1980م، ص20.

٧ أنظر حول ذلك، د.حمود العودي ( المدخل الإجتماعي في دراسة التاريخ والتراث الاجتماعي العربي والإسلامي/دراسة عن المجتمع المدني، كنموذج)، الناشر، عالم الكتب / القاهرة ط(١) ١٩٨٠م ، ص

٨ د. حسين عبدالله العمري( مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني)دار المختار للتأليف والطباعة والنشر والتوزيع/دمشق، ط،١٩٨٠م، ص ٧٨.
٩ د. حسين عبدالله العمري، نفس المصدر،ص ٢٩٥








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة