الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغامرات الالهية(اليسو سوبيلا): نحن لسنا الا معطيات حلمية لإله لا يولي لهذا الامر الكثير من الأهمية

بلال سمير الصدّر

2022 / 12 / 23
الادب والفن


المغامرات الالهية(اليسو سوبيلا): نحن لسنا الا معطيات حلمية لإله لا يولي لهذا الامر الكثير من الأهمية
يبدأ الفيلم مع اقتباس حرفي من اندريه بريتون:
لتعيش،ولتجعل الآخرين يعيشو،هناك حل خيالي...الوجود في مكان آخر
بالتأكيد،اليسو سوبيلا يفترض وجود عالم آخر،ولكن ماهية هذا العالم اشكالية وعصية على الفهم أو التحديد نوعا ما،على انه متكون-مهما كانت طبيعته وطبيعة وجوده-من عناصر سوريالية واضحة،وتشير الشخصية الرئيسية في الفيلم -غير المسماة- بأنه عالم حلمي،والحلم هو مفهوم مختصر لشرح السوريالية.
وكان من الممكن تحليل الفيلم من خلال هذه النقطة بطريقة اقل تعقيدا لولا اقحام سوبيلا المفهوم الديني الالهي الوجودي في الموضوع،ولا نستطيع ان نلومه على هذا،لأننا نعتقد ان سوبيلا يتحرك صوب هذه القصدية من منطلق ومنطق الحادي،كما ان المقدمة التي وضعها سوبيلا عن اندريه بريتون صاحب البيان السوريالي الشهير،ستساعدنا خاصة أنها من الممكن أن تترجم حرفيا على احداث الفيلم....
هناك شقة كئيبة يجلس فيها شخص في اواسط الثلاثينات من عمره،محمولا بالكآبة ومتاملا لفترات طويلة،واول ما نحكم عليه أن هذه الشقة هي في العالم الطبيعي-المتداول-ولكن بطلنا يغرق في الذهن ليعمق صفة الخيال(الحلمي) عنده...اغلاق عمدي للعينين لمحاولة التخيل والانطلاق ومن ثم في رحلة حلمية تحدث في عالم النوم....
ثم،ووكانه قادم من اعماق البحر يحمل متاعه على ظهره الى هذا العالم صعب التكوين،ومع قدومه...تحركه في البحر يبرز العنوان الغريب:مغامرات الاله
وهذه الشخصية لايمكن الحكم عليها ابدا بالألوهية ، او بأنها تمثل الألوهية
هنا يصل-كما يبدو وكما يوصف-الى فندق كبير اشبه بالمتاهة المليء بالأمتعة،ومن ثم يلتقي بشخص يبدو ارستقراطيا يحمل سيجارا في فمه:لا تقل اي شيء،سوف يصبح من التاريخ بمجرد النطق به...
ولكن،ماذا تعني هذه الجملة أعلاه خاصة بأنها باتت مثل اللازمة:نفي الكلمة المنطوقة؟
والأدلة التاريخية تشير الى ان النطق كان قبل الكتابة....هل الكلمة مجرد انتقالات ليست ذات اهمية في الحياة
كما ان نفي الكلمة المكتوبة تقرر نفي الدين بكامله...؟!
الأمتعة التي يحملها على شكل كيس قماشي،يلتقي بموظف الاستقبال مع عامل فندق كبير في السن الذي يضع الامتعة على عربة ويلاحقه بها لفترة طويلة،كما ان هناك شخصان وكانهما ينتظرانه يقرآن الجريدة وكأنهما يتقمصان شخصية التحري الخاص.
هناك ممر طويل مليء بالغرف...هل انت في اجازة؟! يسأله عامل الفندق
لا...في الحقيقة أنا لا اعرف لماذا انا هنا،لذا ربما اكون في اجازة...أنا لا أتذكر
أنا اتفهم...إنه يحدث لنا جميعا
الفكرة هنا،بأننا لانستطيع ان نحكم بأن هذا العالم هو عالم انتقالي برزخي بين الحياة والموت،أو حتى عالم ما قبل التكوين وفقا للمعطيات القادمة على سبيل المثال.
هناك اشخاص يتوقفون على باب وينظرون من خلال ثقب الباب،وهم كلهم من الرجال...وهذا المشهد سوف نحيله على مشهد قادم...من الممكن ان يقودك الممر الى المكان الذي اتيت منه حتى نصل الى قاعة الفندق
شخصان يرتديان اقنعة الوقاية من الغازات السامة ويرقصان رقصة غريبة،وامرأة خمسينية تداعب شابان وهناك شخص يتحدث الى قس:انت تعلم يا سيدي بأني احتضر
هل هو الايدز...؟!
لا ياسيدي،أنه مجرد استمناء حزين....سوف اساعدك
ومن ثم يبدأ بالتهام قطعة من الزجاج بشرهة شديدة...
فجأة يمر قطيع من الخراف ويبدأ الجميع بالتصفيق
الاحالات الدينية تقودنا الى ان نفسر الخراف بالتفسير المألوف والمنطقي،فالناس خراف في مواجهة ذئاب والراعي هو المسيح...ثم يظهر نفس الرجل ويردد نفس الكلمات:
لاتقل اي شيء،كل ما ستقوله سيصبح تاريخا
يلتقي بفتاة تدعى فاليري...ماذا تفعلين في هذا الفندق؟!...مثل كل الآخرين:أنتظر
كل شيء يستعيد الذكريات،منذ لحظة وصولي وانا اعتقد بأن شيئا ما على وشك الحدوث...
لن يلتزم الفيلم بمعطيات محددة،ولن يخرج الفيلم عن النسق العشوائي الفوضوي السوريالي،فمن الطبيعي اذا ان نصادف إمرأة تبحث عن نفسها...
وسيتداخل العميق الحياتي للشخصية مع هذا التكوين السوريالي،لأن هذا الحلم ليس سوى انعكاس لشخصية الحالم الذي هو نفسها حسب رؤيتنا الخاصة للفيلم....
فإن ظهرت والدته في كيس قماش الذي كان يحمل فيه امتعته ثم يقوم بذبحها واكلها فهذا ما يدعى بالحلم...قطعا بالحلم،لأن في الحلم هناك انعكاس رمزي للحدث داخل الحلم نفسه،وهذا الحدث يظهر بغرابة دائما ما تحتاج الى تفسير ينطوي على طبيعة وحياة الحالم نفسه-هذا مخالف نوعا ما لنظريات فرويد حول تفسير الاحلام-،وبما ان قصدية النص هنا مفقودة تماما،فالنص يحمل كل الثيمات التي تخص النقد التفكيكي للنص...
هنا النص يطبق مقولة نيتشة الشهيرة:الاله قد مات ونحن الذين قتلناه
لا من حيث الرؤية الالحادية للمقولة نفسها،بل من حيث ان هذا النص الفيلمي وهذه الرؤية فاقدة للمرتب...للشخص الذي يحكم صياغتها ويلجم انطلاقتها من عقالها...القصدية ضائعة تماما.
اليسو سوبيلا يحاول ان يخضع الحبكة لشيء مجرد من خلال توكيده على نظرية الكهف الافلاطوني بان الاشياء ليست الا انعكاس أو ظواهر للاشياء الحقيقية،ومن خلال ايضا النزعة السوريالية التي سيحاكيها كفن لدرء المنطق...أي منطق..
تتبلور في ذهنه فكرة:هناك شخص يحلم بنا ولا بد لما من قتله،على ان هذه الفكرة التي ينطق بها تجعلنا نتساءل نحن الآخرين:لماذا هو الوحيد الذي يمتلك هذا الشعور الادراكي حول الوضع الحقيقي للعالم الذي يعيشون به وللحياة التي يحيونها كما هو مقصود...لماذا لايستطيع الحياة فقط من دون ان يشغل نفسه بهذه الاسئلة؟!
بالنسبة الينا نقول بانه هو الحالم على ان للفيلم وجهة نظر اخرى....
هناك ايدي تخرج من اللامكان لتداعب جسد امرأة مسكونة بالرغبة،فالنظرة كافية في هذا العالم لتحقيق فعل جنسي،كل نظرة عبارة عن يد أو يدين تحققان الفعل،وهذا الفعل سينتتج الذرية،فالمرأة المسكونة بالرغبة هي امنا الطبيعية التي قد تنجب من خلال فعل مجرد،مثل الاستماع الى موسيقى مودزارت وهذه احالة على فاليري نفسها.
ولكن...هناك كتاب ضخم وحيد في احد خزانات الفندق:المغامرات الالهية
يقول موظف الاستقبال:الكتاب قضية كبيرة...مستحيل...أنا لا املك المفاتيح يجب ان اسأل المدير
لكن،من هو المدير...هل هو الاله نفسه...؟
تتبلور الحقيقة الالهية في عالم مكنوناته سوريالية،فهناك العين التي تفتح وتنظر...ترمش وتنظر
وهناك يد مقطوعة تتحرك وتقوم بنشاطاتها مثل جمع رمال البحر
هذه المعطيات السوريالية تتداخل مع الزمن،فالزمن منفي ولا يمكن الوثوق به أبدا...الزمن هو الشاطئ الذي نلقي عليه الصور والذكريات...
ومن ثم تخرج يد من تحت الانقاض،يسألها صديقنا:هل انت بحاجة الى مساعدة...؟!
الوقت متأخر جدا،ولكن شكرا لك على اية حال...إذا انت واحد من اواخر الحمقى الذين لازالو يسألون إذا كان شخص ما بحاجة الى مساعدة....
ألا يحمل المشهد السابق معنى على شاكلة الاهمال الوجودي...؟
خاصة،ان سيدنا المسيح يعمل في كازينو الفندق ويدير نوعا من الياناصيب،بحيث يوزع طريقة موت كل شخص بطريقة ذات قرار مرجعي واضح...فالقرار ليس عبثيا.
كما قلنا،القصدية ليست واضحة تماما،والعالم مرتبك على اننا نقول ان الفيلم ليس معفي من التجديف أبدا.
والمتابع للفيلم سيحصل على جرعة دسمة في حين ان الكون برمته ليس الا حلم...ربما أثناء الاستراحة السبتية وفقا للكتاب المقدس...
عبثية الحياة...عبثية الكون...نحن لسنا الا معطيات حلمية لإله لا يولي لهذا الامر الكثير من الأهمية
بطلنا مع فاليري،ويسوع يطلب توصيلة ...يعطي جسده على شكل الخبز ويأكل هو خبزه أيضا
النهاية المفتوحة للفيلم لاتشي بأي شيء،ولا تقول او توضح اي شيء،نص في غاية الغموض لايوجد له اي
استنادات تقريبا....
يا للهول....عن ماذا سنكتب إذا؟!
ثم،لماذا لم تقتل شخصيتنا نفسها لتعرف ان كانت ستستيقظ أم لا...؟!

24/7/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته