الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلاسيكية الجميلة في رواية -أجفان عكا- حنان بكير

رائد الحواري

2022 / 12 / 23
الادب والفن


الكلاسيكية الجميلة في رواية
"أجفان عكا"
حنان بكير
تواصل القارئ فيما بينهم يختزل الوقت للوصول إلى ما هو جميل وممتع أدبيا، صديقي فؤاد نقارة رئيس نادي حيفا الثقافي أهداني مجموعة كتب قيمة، منها هذه الرواية التي تقرأ في جلسة واحدة، فرغم أنها تتحدث عن العقد السابع من القرن الماضي، وما فيه من أحداث مؤلمة وموجعة، إن كان على صعيد الشخصية المركزية في الرواية "أجفان" أو على صعيد الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، إلا أن طريقة تقديم الأحداث، واللغة الأدبية، وشكل تقديم السرد أسهم في التخفيف على القارئ، وجعله ينسجم مع الرواية يأخذها على أنها أحداث حقيقية، لوجود علاقة وطيدة بين البطلة الساردة والكتابة، شكرا لنادي حيفا الثقافي، وشكرا للصديق "فؤاد نقارة" على هذه المعرفة، وعلى هذه المتعة التي وجدتها في هديته "أجفان عكا".
غالبية ما صدر من أعمال أدبية في النصف الثاني من القرن الماضي فيها جمالية استثنائية، على النقيض مما يصدر الآن، فهناك أعمال لا نجد لا صوت ولا صورة ولا متعة، وهذا يعود إلى شح المخزون الثقافي والمعرفي عند الكاتب الجديد، وإلى تسرعه في إخراج ما يكتبه دون تمحيص أو تقيم، بينما أدباء الماضي، كانوا يتعبون على أنفسهم ويجتهدون في تنمية مواهبهم، فكان إنتاجهم يمر على أكثر من شخص قبل أن يقدم للقراء، لهذا أدب القرن الماضي اتسم بالنضوج.
الفدائي
تعرفت على "حنان بكير" من خلال صفحتها الأسبوعية في جريدة الحياة الجديدة، فوجدتها تمتلك مخزون من التاريخ فلسطيني ما يجعلها مؤهلة لتكون أرشيف لمسار القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، في هذه الرواية تأخذنا "أجفان/عكا" إلى بداية العمل الفدائي وكيف كانت صورة المقاتل الثوري: "لم نتوقع أن تتحول الالتفاتة الخاطفة والابتسامة الربيئة التي منحتها لذلك الفتى المزهو بالبدلة المبرقعة التي يرتديها، إلى بداية السير في درب لا نعرف نهايته.
... أنظري إليه سبحان الخالق.. كأنه عبد الحليم حافظ.. الصراحة أنا مستغربة كيف أنه فدائي" ص9، في هذا المشهد يكتمل الجمال الخلقي بجمال الأخلاق، فالبراءة مقرونة بالهيئة اللافت، والشكل الأخاذ مرتبط بجهور نبيل، هكذا هو الفدائي، هذا على صعيد المعرفة الأولية، أما أعماله وأفعاله فكانت: "كان كمال متهما بأنه يختلس من وقته ومن عيون الليل بعض الساعات ليقرأ...حتى رفاقه في الموقع كانوا يقدرون فيه حبه لقراءة... فهو أنقذ الموقع من كارثة محققو بفضل عاة السهر لديه... استطاع أن ينبه رفاقه الذين أفشلوا محاولة إنزال إسرائيلي لمهاجمة الموقع" ص49، كما كانت ثنائية الشكل والجوهر حاضرة في البداية، ها هي صورته تتضح أكثر فهو قارئ نهم، بمعنى انه يبني ذاته معرفيا وثقافيا، وهذا يعد ميزة لشخصيه، وأيضا يقوم بالحراسة باحترافية متناهية، بحيث يكتشف أن هناك عملية إنزال ويفشلها وينقذ رفاقه من قتل محتم.
مقاومة العدو ومواجهة مسألة طبيعية بالنسبة للمقاتل، فالعدو اضح وصريح، لكن عندما يكون هناك من يغذي الآخرين بوجود عدو داخلي ويجب أن يواجه بالسلاح والقوة، فكيف سيكون عليه حال الفدائي الثوري؟: "لكني كنت مؤمنا أن الدم الذي أعددناه لكي يسيل على روابي الجليل ليحررها، لن يسيل على الإسفلت البارد وبلا جدوى" ص54، هذه لرؤية المتقدمة للمقاتل هي الحصن المنيع الذي حال دون سفك الأخوة، وكما فعل ابن آدم الذي رفض قتل أخيه فعل كمال، فكان استشهاده هو الثمن نبله وموقفه الثابت من قتال الأخوة.
ولم تقتصر صورة الفدائي على شخصية "كمال" فحسب، بل هناك القائد الذي: "يرعاهم مثل أخ كبير، يتقدمهم في الدوريات ويحرس في الليل مثلهم، ولا يأكل إلا بعد أن يطمئن إلى أنهم أكلوا، ولا يرونه نائما أبدا" ص111، بهذا الشكل والجوهر كان الفدائي، التفاني في العطاء، ونكران الذات، والإخلاص للعمل، من جعلته يتألق ويجذب مزيدا من الفدائيين ليساهموا في التحرير.
الواقع الفلسطيني
رغم هذا العطاء والتفاني، إلا أن واقع الصراع مع العدو كان صالحه، ولم تكن إمكانيات المقاتل الفلسطيني تسمح لتغيير محطيه العربي ولا الدولي: " أشفق على نفسي من ثقل ما أعرفه... وأنا وأفكر بالناس في مخيماتنا.. الذين يهتفون للثورة كأنهم في كرنفالات النصر ولا يدرون أننا نلهث في غرف معلبة ونصرخ كي نسمع صوتنا" ص63، لا شك أن تكرار المشهد منذ عام 1921 وحتى الآن، يشير إلى أننا مازلنا نقنع أنفسنا بأننا نسير على الدرب الصحيح، لكن الواقع غير ذلك، فنحن من بداية الثورة الفلسطينية نعيش حلم/وهم أكثر منه واقع يتجه نحو التحرير والبناء، وذلك لوجود (طبقة) تدعي الثورية، لكنها في حقيقتها عميلة للمحتل وتعمل لصالحه، من هنا جاء نقد الذات وتبيان عيوب وأخطاء الثورة والثوار وحتى جرائها ضد الآخرين.
النقد الذاتي
ما يحسب للفلسطيني أنه لم يقدم الثورة ورجالها على أنهم أنبياء/قدسيين، بل قدمهم كبشر، منهم الصالح ومنهم الطالح، منهم من يعمل لصالح شعبه، ومنهم من يعمل لمصلحته الشخصية، حتى لو اقتضى ذلك إلحاق الأذى بالأخرين وتحطيم الثورة ذاتها، فالخلافات الداخلية أصبح عند البعض تناقضات مفصلية، وكان اللجوء إلى استخدام السلاح وهو الحل بنظرهم: "أخشى أن أجد نفسي مضطرا لإطلاق النار في اشتباكات الموت المجاني، أو أوجه الرصاص دفاعا عن النفس ضد نفس أخرى كانت معي قبل أيام، أكاد اجن يا أجفان، أصبحنا نخشى من انفسنا، ومن ظلنا، من القواعد المحيطة بنا" ص55، إذن عدم وجود رؤية واضحة عند القيادة جعلت الثورة تتجه نحو القضايا الجانبية، من هنا كانت الانتخابات أحد هذه المعارك الجانبية، الوهمية التي انشغلت فيها القيادة على حساب المعركة الحقيقية مع العدو: "فالانتخابات الطلابية ليست أكثر من غبار للمعركة المحتدمة بين قيادة التنظيمات" ص91، هذا كان على مستوى القيادة وعدم وضوح رؤيتها للعدو الحقيقي، فكانت الاشتباكات المسلحة، والصراع على عضوية الاتحادات والنقابات والجمعيات مقدمة لوجود مجموعة من الانتهازية تعمل لضرب الثورة من الداخل وتحطيمها، بحيث يكفر العضو بالثورة وبالثوار.
من أشكال الانحراف عن الثورة طريقة تفكير وتعامل "أديب الناصح" مع "أجفان" في الإعلام الموحد: "الإعلام الموحد مركب للجميع ومنبر إعلامي حر ولكن لا يجوز للسمك الصغير أن يتحرش بالسمك الكبير" ص98، منطق الكبير/الرئيس/الزعيم كان احد مشكلات الثورة، فقد أوهمت القيادة أنها هي وحدها صاحبة الرؤية الناضجة والصحيحة للعمل، وعلى العضو أن يلتزم بما يملى عليه، وأن ينفذ التعليمات والقرارات الصادرة له، بمعنى أنها أرادت منه أن يكون جنود رسمي عربي، ينفذ دون نقاش.
يصدر قرار بتعين أجفان مسؤولة المكتب الإعلامي، علما بأن هناك الدكتورة "رسمية" الأكثر خبرة ومعرفه منها، تحاور أجفان "أديب الناصح حول هذا القرار:
"ـ هل يعني ذلك أنني سأحل محل الدكتورة رسمية؟
ـ بالضبط فأنت أميز منها
ـ وهي اين ستذهب؟
ـ ستكون تحت أمرتك
ـ شكر لك حسن الثقة هذه، ولكن اسمح لي أن أعتذر عن هذه المسؤولية، فأنا أعرف نفسي وأعرف أيضا الدكتورة رسمية أقدر مني بعشرات المرات ولا أسمح لنفسي أن أقارن بها" ص102، نلاحظ أن العضو أكثر شهامة واتزانا وحكمة من (القائد) الذي يسعى لفرض هيمنته حتى لو كانت على حساب مصلحة الثورة والثوار، فهمه يمكن في إثبات سلطته وهيمنته ليس أكثر.
ولم يقتصر الأمر على التعينات، بل طال أيضا التدخل في شؤون العمل والعاملين، فها هو "نذير" المسؤول الأمني يخترق أمنية العمل الإعلامي، ويريد من "جنان" أن تكون فتاته اللعوب متى يطلبها تعطيه جسدها: "وجاء دوري في الرعب أراد الاطلاع على الأرشيف واكتشفت أنه أراد أن يطلع علي.. أن أستمتع إلى شغفه بالقراءة والصحافة...
ـ أكنت أفضل أن أدعوك لنتناول العشاء معا لكن أحول البلد لا تشجع على النزهات الليلية، والفضل أن نذهب حاليا للعداء معا لقد دبرت مكانا أمنا" ص 116، بهذه القذارة كان رجال الأمن في الثورة، فهو يتعاملون مع الآخرين على انهم ملكا لهم، من حقهم أخذ ا يريدون منهم دون رفض أو امتعاض، لهذا عندما رفضت "جنان" الانصياع "لنذير" وواجهته بصلابة وقوة، استخدم نفوذه (الثوري) ملصقا بها تهمة الخيانة: "انتصبت أمام ثلاثة عناصر من رجال نذير وسأل أحدهم
ـ من تكون أجفان
ـ أنا أجفان
ـ أنت مطلوبة للتحقيق
ـ هذه المرأة مطلوبة للتحقيق بتهمة عملها للمخابرات العربية" ص 117و118، رغم فشل محاولة اعتقالها أو توقيفها في مكتب الإعلام، إن أن "نذير" يلاحقها إلى بيتها لينفذ قرار باعتقالها وإخضاعها بالقوة لتكون تحت رغباته وشهواته ونزواته: "ـ أمامك دقيقتين فقط للخروج من البيت.. أي عناد يعني أننا سنجرك من شعرك أمام الناس." ص120، هكذا كان رجال الأمن والمتنفذين ينخرون الثورة الفلسطينية، ولهذا سقطت الثورة قبل أن تصل إلى هدفها بتحرير فلسطين، فكان الأولى بالقيادة أن تتابع أحوال المتنفذين فيها، ومعرفة كيف يقومون بالمهام الموكل لهم، وكيف يتعاملون مع المواطنين، هذا الخلل لم يقتصر على وجودهم في لبنان أو سورية أو أي مكان أخر، بل تكرر واستنسخ بشكل متطور مع مجيء السلطة إلى غزة والضفة، فكان سلوك أفرادها لا يقل قذارة عن سلوك "نذير" في لبنان.
الفلسطيني والمكان
هناك حميمة تجمع الفلسطيني بوطنه فلسطيني، لهذا أقرن اسمه بالمكان: " ـ من لا يعرف الحاج أبو جابر العكاوي تاجر الزيت المشهور" ص10، ولم يقتصر الأمر على الآباء بل طال الأبناء أيضا: "كان الحاج العكاوي يصر على مناداة أجفان باسم عكا" ص35، وفعلا تم إلصاق المكان بأجفان حتى أن جاراتها نادينها بالعكاوية: "كانت أجفان تسر لسماع لقب العكاوية الذي تطلقه عليها النساء" ص40، هذا على مستوى الأسماء والتسميات.
لكن هناك علاقة أخرى تجمع الفلسطيني بالمكان، ففلسطين القريبة من الأردن كانت محطة أنظاره أينما كان: "...إننا نستطيع روية عكا من أربد بالعين المجردة، لكننا لا نستطيع الوصول إليها" ص 87، وهذا يشير إلى أن الفلسطيني لم يكن يريد الإظهار الشكلي ـ من خلال الاسم ـ حبه لفلسطين وتعلقه بها، فهي التي كانت جزءا منه ومن كيانه، لهذا لا يتوانى عن ذكرها والتطلع إليها أينما كان.
المرأة والسرد
الرواية رواية المرأة بامتياز، حيث كانت حاضرة من بداية الرواية وحتى نهايتها، فقد جاء في فاتحة الرواية: ؟... عطش جسدي للماء، لنسمة هواء باردة يثيرني ويحرك أكثر مما يخفف من حرارة هذا الجو الضاغط على صدري ... أنت مهوسة بالماء بالرذاذ المتساقط فوق ظهرك وصدرك" ص5، لغة المرأة حاضرة وواضحة في هذا المقطع، فاستخدام "عطش جسدي للماء" يأخذ المتلقي إلى أن هناك امرأة وليس رجل، وعندما تكرار لفظ "الماء" أصبح هناك رسوخ عند القارئ أن الساردة هي المرأة، من هنا نقول أن الساردة كانت موفقة في فاتحة الرواية، حيث بينت أن الأحداث والشخصية المركزية في "أجفان عكا" متعلقة بالمرأة.
علاقة الكاتبة بالساردة
هناك علاقة بين الكاتبة والساردة تظهر للمتلقي من خلال طريقة تقديم السرد، فجعل "أجفان مهتمة بالكتابة يشير إلى أنها تعكس شخصية الكاتبة نفسها: "بدأت أجفان تنثر أفكارها على ورقة تخاطب نفسها، وتبث الورقة حكايتها، تؤنس ليلها الطويل" ص42، هذا المقطع كاف لإعطاء صورة عن طبيعة العلاقة التي تجمع الكاتبة بالساردة، فعندما جعلتها تكتب، أعطتها شيئا من شخصيتها، وهذا الأمر نجده عندما تحدثت "أجفان" بصيغة أنا السارد حيث قالت: "لمن سأكتب هذه المرة، في السابق كنت أكتب لسماح ولوالدي.. كنت اكتب لأتحايل على الوقت بانتظار عودتك، أما وقد رحلت فسأكتب لك لأتحايل على دموعي وعلى ألمي" ص66، استخدام صيغة أنا الكاتب وتكرار لفظ الكتابة يؤكد أن هناك جامع بين الكاتبة والساردة، وعلى أن اهتمامها بالكتابة لم يكن إلا نتيجة انحياز الكاتبة ل"أجفان" التي تسرد الأحداث.
إذا ما توقفنا عند ما جاء عن الكتابة سنجدها كانت كتابة شخصية، بمعنى أن البطلة تكتب لنفسها، لكن نجد أن هذه الكتابة أخذ في النمو والازدهار حتى أن الدكتورة "رسمية" والمتخصصة في الإعلام أعجبت بما تكتبه "أجفان": "...عن أعجابها الشديد بكتاباتي، تحدث إلي عبد الفتاح مرة قائلا بالأمس قرأت ما كتبت...لكثرة إعجاب رسمية بلغتك أثارت رغبتي بالاطلاع على ما تكتبين" ص97، تنامي فعل الكتابة بهذا الشكل (السريع) يشير إلى العلاقة التي تجمع الكاتبة بالساردة، وإلى أن الكاتبة تعطي بطلة الرواية صفات من شخصيتها، بحيث تريدها أن تأكون مثلها متألقة في الكتابة.
ما أخذنا من أمثلة في السابق جاء بصورة (واضحة) عن تلك العلاقة التي تجمعهما، لكن بعد أن تتعرض "أجفان" للاعتقال على يد عناصر "نذير" وبعد أن فقدت اتزانها وأخذت تصرخ: "يا أولاد الكلب افتحوا الباب يا ناس... يا عالم.. أريد طفلتي "وين أنت يا ماما" ص122، حيث كان السارد بمجمله على لسان "أجفان" ولأكثر من فصل تقطع (الكاتبة) عملية السرد، وتدخل سارد خارجي إلى الأحداث حيث يبدأ في الحديث عما جري ل"أجفان": "دوى صوت انفجار ضخم.. اهتزت الأرض تحت أجفان" ص123، هذا التداخل من السارد الخارجي وبهذا الشكل|، يأخذنا إلى أن الكاتبة/الساردة لم تستطع أن تتحدث عما جرى لها أثناء الاعتقال، فارتأت أن تأتي بسارد آخر يتحدث عما جرى، فكان السارد الخارجي هو المنقذ لساردة وللكاتبة التي تماهت مع البطلة بحيث لم تستطع أن تروي تلك الأحداث الدامية والمؤلمة.
من هنا من أن يتم الانتهاء من مشهد الاعتقال ـ صفحتين فقط ـ تعود أجفان إلى سرد الأحداث وتنهي الرواية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود