الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول المانعة الثقافية

عذري مازغ

2022 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لم أقرأ يوما شيئا عن المناعة الثقافية وتبلور المفهوم عندي كان زمن مخاض عسير عشته في شبابي بين ما نسميه بالثقافة السائدةن ثقافتنا الاجتماعية التي تشكل البيئة التي ولدنا ونشأنا فيها والثقافات المستورة والتي بطبعها تخضع لتوافقاعت معينة بين الثقافة السائدة والثقافة "الممانعة" لا يمكن من البداية الدخول فيها. تبلورة لدي فكرة المناعة الثقافية في مراهقتي بالتحديد في زمن تبلور فيه مفهوم المناعة الجسمية ضد الأمراض والفيروسات التي تهاجم الجسم بمفهومها الطبي إبان النقاشات والندوات حول التوعية ضد مرض السيدا الذي طرح كتحدي للمناعة الجسدية زمن الثمانينات ، حينها وعلى المستوى الأيديولوجي ظهر صراع بين الأيديولوجية الشيوعية والاشتراكية من جهة وبين الإسلام والرأسمالية وانا هنا سأنقل التجربة كما عايشتها وكيف انول في ذاتي مفهوم المناعة الثقافية الذي أسميه أحيانا بشكل غير مؤسس بثقافة الممانعة التي في شقها السياسي تبلور هذا الموضوع ضد الصهيونية الإسرائيلية وشخصيا لم أنتبه إلى هذا الموضوع إلا أخيرا بينما تبلوره في وعيي سواء نطقت "المناعة الثقافية" أو "الممانعة الثقافية" كان هو التسلح فكريا ضد الفكر المناهض بناء على أساس علمي.
لقد كان الإشكال بداية عندي هو صراع وجداني في المراهقة حول الوجود قبل أن يتبلور عندي مفهوم المناعة الذي لا أنكر اني اقتبستة من سياقه الطبي، جسميا هو تقوية الجسم ضد الأمراض، فيزيائيا تقوية مناعتي في الخصومات الفيزيائية بيني بين أفراد آخرين من نفس الحي أو الدوار او المدينة وطبيعي هنا ان ندخل في السياق التأثيرات الهرمونية الذكورية والجنسية وغيرها والتي لم نكن نعيها في وقتها، هذا الامر لم يكن مستوعبا لضعف تعليمنا العلمي امام قوة التعليم الإسلامي الذي يؤسس ل"قواعد اشتراط السلوك" حسب مفهوم احد الزملاء في الحوار المتمدن في نسفه لمفهوم "المناعة الثقافية"ودعوني أقول لكم الحقيقة كاملة: في المدارس المغربية كانت مادة التربية الإسلامية تثير فينا أكثر من شك بسبب تلك الشحنة المتدفقة من الأسلمة بشكل تثير الشكوك من خلال مفهوم غامض يسمى التصحيح: كانت مادة التربية الإسلامية تشكك في تربيتنا الاسلامية التي تلقيانها من أسرنا، في السياق ذاته تبلورت تيارات إسلامية أخرى في المغرب تشكك في إسلامنا الفطري وإسلام آبائنا (إن ظاهرة الأخونة في المغرب تأسست على مبدأ التشكيك في إسلام آبائنا من خلال بلورة مفهوم الإسلام الصحيح، وهنا لا أتكلم عن صحيح البخاري بل أتكلم عن عملية تعليب لإسلام يخدم قيام الدولة الإسلامية التي يبشر بها إخوان الإسلام من خلال قيام دعوة تطيح بالإسلام المخزني بالمغرب وهذا نقاش آخر) بشكل يطرح التساؤل الوجودي حول إسلام آبائنا، صرنا بالإسلام المدرسي ننتقد إسلام آبائنا المبني على البساطة والتلقائية اما إسلام التيارات السلفية فزاد من تعقيد الأمر: إنه يشكك حتى في إسلام الدولة من خلال تناقضات أساسية من خلال تأويل أحاديث ونصوص معينة. في السياق التاريخي صاحب ذلك مد الفكر القومي الاشتراكي الناصري والبعثي من خلال ما يصلنا من لبنان من مجلات متعددة: كان الإعلام المغربي يهيمن عليه بشكل كبير الإعلام البعثي وإن لم تكن لديه نتائج كبيرة على المغرب فلأن ذلك يرجع للغة العربية ذاتها كلغة بعثية: كان اغلب الشعب المغربي امازيغي في مجمله وكان حتى المعربون فيه تغلب عليهم الأمية وكانت المجلات التي تصلنا من مصر ولبنان والكوبت والعراق وغيرها من المشرق، كان تأثيرها قليلا وفقط في بعض الفئات المتعلمة، كان المجتمع المغربي المتعلم منقسما أصلا بين تيار مشرقي وتيار الثقافة الغربية الفرنسية بالتحديد وعمليا كان تاثير ثورة الطلاب في فرنسا في المغرب أكثر من ثورة جمال عبد الناصر في مصر على المغرب، بعد استقلال المغرب كان الفكر المناهض للفكر المخزني الإسلامي هو الفكر التحرري التقدمي قبل عملية شيطنته مع بداية الحرب الأفغانية الروسية (الاتحاد السوفياتي بالتحديد)، مخاض هذه الحرب صاحبه مخاض في تكويني بين تقاذفات التيارات الإسلامية والتيارات الإشتراكية ولن اتكلم هنا عن التجربة كسيرة ذاتية بل أردت أن اشرح كيف تبلور لدي مفهوم المناعة الثقافية.
في المدارس كنا نعيش هذا المخاض ومسألة الوجود والإيمان كانت مرتبطة بهذا المخاض: بين الإسلام الصحيح وإسلام آبائنا، بين إسلام أفغانستان وإسلام أمريكا والسعودية، لقد لامست تحولا في وعيي بين إسلام النظام الجزائري وإسلام المخزن، لقد تحولت من إسلامي بالفطرة إلى إسلامي بالأيديولوجية بدئيا. حتى سنة 1978 سألتني أختي التي لم تدخل المدرسة أصلا وتكبرني سنا: فرنسا منا أم من الجزائر؟ سؤال بريء لكن له خلفيات وعلى ضوء الحرب الأفغانية الروسية، قبل دخولي المدرسة كان العالم مقسما بين دولتين: دولة المخزن التي هي المغرب ودولة العسكر التي هي الجزائر: هكذا كان تاثير الإعلام وقتها: العالم مقسم بين دولة شر هي الجزائر ودولة خير هي المغرب وكان حين يظهر اسم جديد لدولة تسالني أختي : هل هي من المغرب أم من الجزائر وكان من الصعب حينها ان اجعلها تستوعب ان العالم متعدد الدول.
في تلك الفترة من المخاض وبناء على تلك الأمواج من التاثيرات، وفي المدرسة خضنا حوارات بريئة تتسائل حول الوجود وبين التيارات التقدمية (اليسارية الإشتراكية هنا) والتيارات الراسمالية بشكلها الإسلامي والليبيرالي خضعت لشيء اسمه "قواعد الإشتراط السلوكي"، حينها كان المغرب مع افغانستان وفق تلك الشروط، لكن الوضع العمالي لوالدي باعتباره عامل منجمي يحتم الطموح فيه تحسين الوضع، فطريا كنت مع ابي ضد افغانستان لسبب ايديولوجي: كان المنجم يبيع للغرب اطنانا من المواد المعدنية مقابل قطعة غيار وزنها اقل من 200غرام. هذا فقط شيء يظهر التناقض لكن اعرف مؤاخذة على سبيل تحليل ماركس للسلعة: اعرف أن قيمة القطعة التي وزنها 200 غرام دخلت فيها قيم اخرى: قيمة اليد العاملة التي حولت المنتوج لكذا، الإضافات من قيم اخرى وغير ذلك، لكن في كل هذه السلسة من التحول هناك قيم مهضومة لعمال هذه السلسلة من المنجم حتى هذا المصنع فماركس أرضنا او لم نرد اطهر ان في كل سلسلة عمل إنتاج، في كل تحول بضاعة معينة، دائما هناك شيء مسروق بشكل يمكنني القول أن هناك في البنية الإنتاجية، في التحول من إنتاج خام غلى غنتاج خاص هناك تحول بنيوي: سرقة بنيوية وهذا لا يحيده من ذاكرتي اي شخص، هذا ما أسميه بالمناعة الفكرية او الممانعة الفكرية.
لن تزيح عني فكرة إنسان راسمالي طيب،من خلال أعماله الطيبة انه إنسان لص. سيبقى بالنسبة لي لص والمناعة الفكرية هذه تمنعني ان أسميه من خلال أعماله الخيرية بأنه خير .
تبلور المفهوم عندي في مراهقتي، في الثانوية بالتحديد عندما تملكت القليل من المعارف العلمية: حتى في طفولتي كانت اطرح تساءلات (يمكن اعتبارها ميتافيزيقية لكن كانت مشروعة) حول الروح وهنا لا أتكلم عن روح الإنسان بل الحيوان: روح الكبش في عيد الأضحى: كيف تكون لله قدرة على الخلق ويتسبب الناس في قتل كبش من خلال ذبحه ولا يستطيع الإله إطالة عمره لأننا ذبحناه، ولن ادخل هنا في ميتافيزيقا القدرية: حين نمنع الدم عن الوصول إلى مخ الضحية يموت: ليست هناك روح بل هناك طاقة حين نقطعها على عضو ينتهي دوره، لا اردي هل اوصلت الفكرة لكن بمقدار ما نسقط في السببية بشكل نحن البشر نقدر حياة حيوانات آخرى.
لكن هذا لا يشرح المناعة الفكرية، بل اطرح هذه الامور تمهيدا للتأسيس عليها.
على مستوى الحرب الأيديولوجية الموازية لحرب الروس مع أفغانستان، لقد وظفت في عالمنا ومن الجانب الأمريكي هكذا: أن تقف مع السوفيات انت ملحد!
ان تقف مع امريكا، أنت مسلم والحال أن الموقف اقتصادي بيترودولاري بمنطق النفع.
لكن في سياق الملهاة الأيديولوجية، في سياق التدبير المحكم للرأسمالية ومن خلال موت الاتحاد السوفياتي انتصر الخير، في سياق المناعة الثقافية لم يتغير في قناعتها اي شيء: فقط حدث هناك تحول.
سأعود إلى مراهقتي في بناء مفهومي للمناعة الفكرية، في الدراسات الإبتادية (أقسام الإبتدائي ولن اتكلم عن أقسام الثانوي والجامعة وغيرها) كان النص القراني يطرح إشكال الماء: ما قوله (لا أحفظ الآية هم ظهر قلب): أرأيتم الماء الذي تشربونه انتم انزلتموه أم نحن النازلون .. في دروس الجغرافيا هناك شرح مقنع لكيفية تبخر البحار وحدوث المطر (العلم نزع هذه الخاصية من الإله) وهذه فكرة منطلقة في تفكير الطفل إذ أردنا إنشاءه على أساس علمي رغم وجود التربية الإسلامية: إما ان الله هو من يسقط الأمطار او ان الطبيعة لها عقل خاص بفضل القوانين الفيزيائية؟
سأنهي هذا الإشكال : حين تتسلح بالعلوم فأنت تصنع مناعة فكرية اتجاه الفكر الديني.
اتجاه العقل الأفغاني الوهابي وغيره: والدي مسلم بالفطرة ولا يعاب عنه انه يجهل الفكر الأفغاني والوهابي، المهم انه مسلم بغض النظر عن وجهتي الشخصية كابنه مختلف عنه كثيرا، كونه امازيغي لا ينفي عنه أنه مسلم وهو في كل الأحوال تلقى الثقافة الإسلامية من اجداده بغض النظر عن تقييم الإسلام السياسي في عصره: مناعته الفكرية تمنعه ان يخضع ويستسلم على انه كافر: تكفير بعض المسلمين لا يعني أكثر من بيعة دعوة معينة.
سياق الإلحاد والإيمان موضوعه هو قيمة الإقناع: الذي يتسلح بثقافة مقنعة لا يستطيع ان يتقبل ثقافة غير مقنعة ويمكنني هنا ان اتكلم عن سياق التفاوت التطوري الذي صاغه مهدي عامل بشكل رائع، بخصوص الوعي، يمكنني ببساطة الاستناد إلى وعي أختي التي حتى حدود 78 من القرن الماضي كانت تعتقد أن العالم مقسم إلى قسمين: "دولة الشر الجزائر" ودولة الخير "المملكة المغربية" وهنا لن ادخل في سياق تحليل من اوصل شعبين شقيقين إلى هذا المستوى من نكران الذات التاريخية والمشترك وغيره.
هناك إشكالية بين معطيات العلوم الطبيعية ومعطيات العلوم الإسلامية جول حتى كوكبنا بين أن نعتبره مسطح او نعتبره كروي: المناعة الفكرية استنادا إلى المعطيات العلمية تمنع ان نومن بسطحية الأرض، هذا ما أقصده بالمناعة الفكرية: هي القصد من ان نمتنع عن الإيمان بأمور غير عقلانية وغير علمية.
في سياق آخر وهذا هو اختلافي مع من ينكرون المناعة الفكرية، في الصراع الإيمبريالي لا أحجم عن ذكر اللاعدالة حين تتعلق المشاكل بعالم يوغل في استغلالنا، وهنا ضد المنتفعين باللجوء السياسي في الغرب ضدا على مصالح شعوبنا في الجنوب حتى وإن كنت اعيش بالغرب وهناك فرق شاسع بين مهاجر عامل بالغرب وبين لاجئ سياسي : ما يسميه البعض بالعطايا لعمال مهاجرين في وضع بطالة او تقاعد ليس كمثل من لجأ إلى الغرب متسولا عطاياه كلاجئ سياسي . العامل المهاجر يستجق تلك العطايا باعتباره مواطن مدني دفع نفس الضرائب التي يدفعها اي مدني باوربا، اللاجئ السياسي، خصوصا الذي يشمت في مجتمعاتنا ليس اكثر من متسول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول المناعة الفكرية
عذرى مازغ ( 2022 / 12 / 24 - 23:46 )
عنوان المقالة: حول المناعة الفكرية
حصل خطا إملائي، لم انتبه للعنوان إلا حين نشر المقال
اعتذر للقراء مسبقا

اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف