الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصب وعودة الحياة في قصيدة -يا أجراس الله- محمد فرطوسي

رائد الحواري

2022 / 12 / 26
الادب والفن


الخصب وعودة الحياة في قصيدة
"يا أجراس الله"
محمد فرطوسي
يا أجراس الله"
أمطري
ظلي أمطري أملا
حتى تستفيق من رماد سعارها
أرواح الخطاة
ويبعث النور في وطن القيامة
من جديد
تنزل نجمة في رحم المجيء
ليضيء العراق
سوف لا نحتاج إلى حكمة القادمين
من فارس
ولا نحتاج الشهود
لمعجزة الكلام
فالطين القديم مهد لوليدنا
والمريمات جميعهن
أمهات الأرض
أعطين السواد
سواده وبهائه
فلا أسماء سوى أسمائنا
ولا هواء سوى أشيائنا الخضراء
في وطن لا يشيخ
امطري
يا أجراس المحبة
ظلي امطري
لتولد سنبلة المعنى
((مرة أخرى))
في تفاصيل ... العراق

سكان منطقة الهلال الخصب أوجدوا فكرة بعث الحياة بعد الموت في أدبهم، فقد كانت عودة الحياة جزءً من العقيدة الدينة لهم، من هنا نجد فكرة عودة الإله تموزي، والإله البعل والربة أنانا والربة عشتار حاضرة في العديد من النصوص التي تركوها لنا، وقد جاء السيد المسيح ليدعم هذه الفكرة من خلال إحياءه الموتى وشفاءه المرضى، وأيضا خروجه من القبر وصعوده إلى السماء.
فكرة العودة/الانبعاث بعد الموت تعد جزء من نظر السوري/العراقي للحياة/للطبيعة، وأن يأتي شاعر يقدمنا من تلك الفكرة جامعا ورابطا وموحدا بين عودة تموزي/البعل وعودة المسيح هو شيء يستحق التوقف عنده، ليس لأن الفكرة قديمة وتاريخية فحسب، بل للجمالية التي قدمت بها.
في فاتحة القصيدة يستخدم الشاعر الفكر الديني المسيحي، "يا أجراس الله" ثم ينتقل إلى "تموزي/البعل من خلال "أمطري" ونلاحظ أن هناك تكرار (للدعاء) "أمطري" وكأن الشاعر أراد به تأكيد فكرة السوري/العراقي القديم، عن الخير والخصب الذي يأتي به "تموزي/البعل".
ولا يكتفي الشاعر بهذه الرمزية، بل يتوغل أكثر ليتناول فكرة انبعاث طائر الفينيق من الرماد، من خلال "تستفيق من رماد سعارها" فهذا التناول يؤكد أن الشاعر يردنا أن نتقدم من فكرة العراقي/السوري القديم عن الموت والحياة.
بعدها مباشر يأخذنا إلى مولد المسيح والنور القادم معه، وأيضا عودته من الموت:
"ويبعث النور في وطن القيامة
من جديد
تنزل نجمة في رحم المجيء
ليضيء العراق"
تركيز الشاعر على العراق دون سواه يأخذنا إلى حجم الألم الواقع عليه، لهذه خصه دون بقية البلدان، فهو يستعين بنور المسيح وبخصب تموزي/البعل لإضاءة العراق وتقدمه من الحياة.
يتقدم أكثر حتى أنه يتحدث عن المجوس/فارس الباحثين عن النجم/النور الجديد الذي سينتشر على الأرض/العراق، لكن يقدمه بصورة التغريب:
" سوف لا نحتاج إلى حكمة القادمين
من فارس
ولا نحتاج الشهود
لمعجزة الكلام" فالشاعر يدعو إلى حرية العراق وحرية العراقي القادر على الوصول إلى الحقيقة وعلى ممارسة الحياة، دون مساعدة الفرس، فهو يقدم فكرة سياسية من خلال تناص ديني وبهذه الطريقة الرائعة، يعد إبداع وتألق يحسب للشاعر الذي تحدث عن مشكلة سياسية بصيغة دينية.
وإذا علمنا أن تغريب الحدث يراد به دفع المتلقي للتوقف وللتفكير، أكثر منه التعبئة وحشو المتلقي بأفكار مباشرة وجاهزة معدة مسبقا، نصل إلى ذكاء الشاعر في هذا الطرح ، حيث يُوصل فكرة الانعتاق من الهيمنة الفارسية بطريقة غير مباشرة.
يبرر الشاعر دعوته لانعتاق العراق من خلال الفكرة والخير الموجود فيه، فيقول:
"فالطين القديم مهد لوليدنا
والمريمات جميعهن
أمهات الأرض
أعطين السواد
سواده وبهائه"
نلاحظ أن الشاعر يتماهي مع فكرة المخلص/المسيح من خلال "لوليدنا" وبما أنه استخدم صيغة الجمع: "لوليدنا، المريمات، جميعهن، أمهات" فهو يريدنا أن نكون معا ومعه في دعوته للخلاص والانعتاق من "الفرس".
وعندما نتوقف عند عدد الألفاظ المتعلقة بعراق/بالأرض سنجدها( كثيرة): "فالطين، الأرض، السواد/سواده، وبهائه" وهذا يأخذنا إلى علاقة الشاعر الحميمة بالمكان، بالأرض، بالعراق، وإلى رغبته الجامحة في أن يراه حرا مزدهرا ينعم بالحياة.
الشاعر لا يتعامل مع المكان على أنه جماد لا حياة فيه، بل ينطر له على أنه مكان اجتماعي، بمعنى وجود علاقة تربط الإنسان بالمكان، لهذا أتمم نظرته ورؤيته بقوله:
"فلا أسماء سوى أسمائنا
ولا هواء سوى أشيائنا الخضراء
في وطن لا يشيخ"
فكرة الارتباط بالمكان واضحة وجلية في هذا المقطع، لكن هناك دعائم لها تكمن في الألفاظ المستخدمة: "أسماء، أسمائنا، سوى (مكررة) "وجود حرق السين في هذه الألفاظ يشير إلى تماهي الشاعر مع الفكرة التي يريد طرحها، فكرة ارتباطه وتوحده مع المكان، ونلاحظ أن المقطع يتضمن كافة عناصر الخصب/الحياة، من خلال: "الهواء، الأشجار/الخضرة، التراب والماء /الطين" وعندما ختم المقطع "في وطن لا يشيخ" أكد العلاقة التاريخية بين الإنسان والأرض والتي أوجدها العراقي القديم والمعاصر من خلال عودة وقدوم الخير/الخصب/الحياة من جديد.
يختم الشاعر القصيدة بهذا المقطع:
"امطري
يا أجراس المحبة
ظلي امطري
لتولد سنبلة المعنى
((مرة أخرى))
العراق
في تفاصيل"
مختزلا التاريخ القديم "أمطري، تولد سنبلة" تموزي/البعل، ورابطا إياه مع ما هو الحديث ومعاصر: "أجراس المحبة" وبهذا تكون الخاتمة صدى لفاتحة القصيدة، التي تحدثت أيضا عن فكرة الخصب عند تموزي/البعل/أمطري، وعند المسيح/ أجراس المحبة.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر


Mohammed Fartoosy








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود