الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قناة السويس خط احمر

احمد البهائي

2022 / 12 / 26
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


مشروع قانون صندوق قناة السويس يعيد الى الاذهان قانون تنمية اقليم قناة السويس الاخواني ، كذلك حقبة الاستعمار الاجنبي على مصر، بل يذكرنا بفرمان 1867 الذي بمقتضاه منح الاجانب حق التملك في مصر بدون قيود ، وكان من أثر هذا الفرمان ان تكونت شركات عقارية بأموال أجنبية ضخمة لشراء الشركات واصلاح الاراضي وللرهن العقاري ،وكيف استطاعت في وقت وجيز ان تحصل على امتيازات بإمتلاك اراضي واسعة وامتيازات تجارية وصناعية ومالية ، كما استطاعت شركات الرهن العقاري عن طريق استغلال الحاجة الى المال وخاصة عند وقوع الازمة الاقتصادية العالمية عام 1930 أن تنتزع ملكيات كبيرة من الاراضي والمشروعات والمباني والبيوت وصلت في بعض الحالات الى الخيال .

ناقش مجلس النواب خلال جلسته العامة، برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالى، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الاقتصادية ومكتبي لجنتي الخطة والموازنة، والشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، ويهدف مشروع القانون حسب اقولهم إلى إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس لزيادة قدرة الهيئة على المساهم في التنمية الاقتصادية المستدام لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية، كما يساعد على تميكن الهيئة من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء في الأحوال الاقتصادية.
ويتضمن مشروع القانون إضافة عدد من المواد الجديدة إلى القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، من اهمها واخطرها مادة (15 مكرراً"2") التي تنص على ان يكون للصندوق في سبيل تحقيق أهدافه المشار إليها بالمادة (15 مكرراً"1") القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك: 1- المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رءوس أموالها. ۲ الاستثمار في الأوراق المالية. ۳ شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.
ومن هنا نقول ان التسمية الحقيقية " الابداع المسرحي الاقتصادي الاحتكاري " كما هى لم تتغير منذ القدم بل تغير فقط المشخصاتية والكومبارس والمؤثرات والبهرجة الضوئية والصوتية لتواكب العصر ، لتنتج الان فن اخراج مسرحي الرأسمالي جديد ذاد الحبكة ، عناصر نصها بنود عقود يليها قوانين امتياز، وخير دليل على ذلك العرض المسرحي الجديد تحت اسم " صندوق هيئة قناة السويس "" بمواده وقوانينه التي هي في الحقيقة عقود امتياز بامتياز.
من فينا لا يتذكر مسرحية تاجر البندقية لشكسبير ، فمصر كانت ومازالت مسرح كبير لاعمل من اهم اعماله( تاجر البندقية ) فقد اعاد تشخيص دور تاجر البندقية على مسرح الاحداث المصرية عدة مرات حيث موقع ومكان العرض متفق عليه وان تكون خشبة عرضه قناة السويس ،* الاولى عندما تقمص " دليسبس الفرنسي " شخصية تاجر البندقية بان يحصل من صديقه محمد سعيد والي مصر وقتها على عقد امتياز اشتمل على مجموعة كبيرة من التنازلات والامتيازات المجحفة بحقوق وسيادة مصر ، حيث اقنع سعيد بما يمكن ان تقدمه حفر قناة السويس لمصر من منافع ومزايا تمكنه من الوصول الى مركز قوي يضارع وينافس مركز التاج العثماني " القسطنطنية " وقتها، وان مصر اذا ما شقت القناة سوف تنتقل الى الوقوف على قدم المساواة مع القسطنطينية بتحكمها في جانب هام من حركة الملاحة الدولية ، ** الثانية الان بتقمص " صندوق النقد الدولي " سفير النظام العالمي الجديد في المنطقة نفس دود تاجر البندقية ولكن بادوات اقناع اخرى لتواكب العصر ، فالقناة بالفعل موجودة والامتداد الجغرافي والتاريخي يمكن ان يتلاقيا معا ويتطوعا لخدمته بان يزين للمصريين من خلال الحكومة ومجلس النواب وهذا هو المحزن ما يمكن ان يقدمه مشروع قناة السويس لمصر من مزايا إنشاء صندوق مملوك لها، تسعى من خلاله إلى تحقيق عدد من الاهداف مثل زيادة قدرة الهيئة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها والمساعدة على تمكين هيئة قناة السويس من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء في الأحوال الاقتصادية، تجعلها في المقارنة تتفوق على هونج كونج وروتردام ، والمسيطرة والمتحكمة الاولى على البوغازات الاقتصادية في العالم !! ، يالها من سذاجة ويالها من عقول لاتفكر بعواقب الامور.
فقوانين المشروع ومواده ، الكل يعرفها بل نحفظها ونرددها ليس حبا فيها بل تنديدا بها ولكل من اشترك في وضعها ويريد تقنينها ، فالهدف منها واضح للعيان هو فصل جزء عزيز وغالي من ارض الكنانة مصر تحت مسمى “ صندوق” له قوانينه الخاصة به والمنفصلة عن قوانين الام ليندرج تحت قوانين الاقاليم الدولية ليكون خارج سيطرة مصر.

فعندما تقرأ مواد المشروع تجد انك امام متاهة قانونية متعمدة ، ومن هنا لا تقرأها متعجلا وإنما اقرأها على مكث ورتلها ترتيلا لتعرف مدى ما قبع في ثناياها من افتيات ثقيل الوطأة ، فهي بالفعل مواد تقودنا في نهايتها الى قوانين بيع وخصخصة وابرام عقود امتياز ، فهى شبيهة ولا تقل في خطورتها وحبكتها عن عقود الامتياز التي ابرمت وعلى اثرها تم حفر قناة السويس ، ولان احداث التاريخ لا تنبع فجأة من مكامنها ، ولا تسقط من مخابئها عفو اللحظة ، فانه من قبيل هذه الوقائع التى تمتد بجذورها في تربة الافعال وردات الافعال ولتدليل على ذلك وربطه بالواقع وحدث الان لوضع مقارنة الهدف منها اخذ العبر ودروس لكي لا يتكرر المحظور، فمن ضمن المزايا التي منحت لشركة دليسبس اثناء حفر القناة ، مزية الاستمتاع بحقوق الاعفاء من سداد الرسوم والضرائب الجمركية عن جميع الآلات والمعدات والمواد والمهمات التي تستوردها من الخارج بقصد استهلاكها او استخدامها في اغراض المشروع ، وان يكون للشركة كامل الحق في ان تستخرج بدون مقابل مالي او عيني شتى المواد اللازمة لاعمال القناة والمباني المنشئة والتي ستنشأ تبعا لما تقتضيه الحاجة ، والمناجم والمحاجر المملوكة للحكومة ، وهذا ما تجده منقولا في المادة (15 مكرراً"1" ) من قانون صندوق قناة السويس والتي تنص على ذلك صراحتة وخاصة في فقراته من تلك المادة ، كذلك عند اتمام حفر القناة وتشغيلها حصلت الحكومة المصرية وقتها على 15% سنويا من صافي ارباح القناة ، اما باقي الارباح وزع بين الاعضاء والمؤسسين وحاملى الاسهم بنسبة 10% للاولين و75% للاخرين ، وهذا ما نخشاه من قانون الصندوق فلم ينص فيه صراحتة على نسبه مساهمة الحكومة في الشركات التي سوف تأسس مع الغير او نسبة الزيادة في رؤوس اموالها ، وكذلك نسبة الحكومة من صافي ارباح المشروع المبرم مع الغير ،كذلك لم توضع معاير واضحة بموجبها تحدد مدد حق الانتفاع للاراضي والمرافق التي تؤول للمشروع وهذا ما لم توضحه المادة من القانون ، مما جعلنا نتذكر المنحة السخية التي وهبها الوالي محمد سعيد لشركة دليسبس ممثلة في مساحات شاسعة من الاراضي في منطقة القناة على اساس انها المجال او الحرم اللازم للشركة لتنفيذ المشروع ومرافقة ، وكان الاشد طرافة وغرابة من ذلك كله عندما سُمح لدليسبس اذا ما رأى لمصلحة المشروع حفر ترعة لجلب المياه العذبة تصل ما بين النيل ومنطقة مشروع حفرقناة السويس فان الحكومة سوف تتنازل للشركة عن الاراضي الموجودة على امتداد شاطئ الترعة ، ليس ذلك فحسب بل سُمح ان تبيع مياه النيل التي تمر في ترعة المياه العذبة ، وهذا ما يجعلنا نتسأل ما هو وضع ترعة " السلام " التي كلفتنا الكثير اذا ما دخلت في الحرم اللازم لمشروع الاقليم وهل سوف تغذى بماء النيل ويباع مائها للمصريين ، فهل رأيتم ما هو افدح من ذلك ظلما ، وابعد منه استغلال .
فالمواد التي عرفناها وقوانينه التي لم نعرفها بعد لم توضح نوعية الاسهم التي ستطرح وسوف يقوم عليها المشروع ، وطريقة الاكتتاب بها والحصص المخصصة وفي اي ايدي يمكن بقائها وهل يمكن تداولها والمضاربة فيها ، ففي التاريخ عبر، اثناء ترويج دليسبس لاسهم شركة قناة السويس كانت المالية المصرية في حالة من الضيق كحالها الان ، وبالفعل لم تستطيع مصر ان تشتري من الاسهم سوى اربعة وستون الف سهما من عدد الاسهم البالغ عددها 400 الف سهم ،التي ذهبت كلها للاجانب خارج مصر، وخلص الى ان تبيع مصر باقي اسهمها بـ 560 فرنك للسهم الواحد ليصبح سعرها بعد ذلك ب 5010 فرنك فرنسي للسهم، وحصتها من أرباح القناة التي باعتها ب 22 مليون فرنك أصبحت فيمتها 300 مليون فرنك فرنسي ، فقد ذكر عبارة “ الغير” في مشروع القانون المقدم دون توضيح من هو الغير ، وهذا المشهد الان يمكن ان يحيا ويعاد من خلال نصوص تلك المواد وقوانينه التي ستكتب لاحقا.
فالمادة 15 مكرر2 من مشروع قانون قناة السويس الذي اعدته الحكومة لها من الخطورة بمكان فهى إلتفاف لتأكيد وتطبيق قوانين البيع والخصخصة والامتيازات، فهى تنص على يكون للصندوق رأسمال يتكون من الاموال والاصول العينية التي تؤول اليها من الدولة وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، وهذا معناه انه يمكن وضع مجرى قناة السويس الذي يمتلكه الشعب بكل مرافقه كأصل عيني تحت التصرف لخدمة بنية المشروع .
فنصوص مواد صندوق قناة السويس بقوانينه التي ستوضع بعد هي جلها مخالفة للدستور المصري ،وخاصة نص المادة (٤٣) من الدستور التي تلزم الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، كما ألزمها بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً .

فالمنطقة بداية من بورسعيد حتي حدود اقليم غزة عائمة على بحيرة من الغاز والنفط هذا برا ، اما من ناحية البحر فهى اضعاف ذلك وهذا هو ما بينته خرائط ورسومات الاقمار الصناعية ، قناة السويس الان هي التجسيد العملي لحلم النظام العالمي الجديد الذي يتشوق الى الهيمنة الكاملة على المحيط الهندي وما وراءه ، فالقناة جاء حفرها وليد عصر البخار لتزداد اهميتها الان لتكون بوصلة وبؤرة الانطلاق الاحتكاري المسيطر على الاقتصاد العالمي فهي تعد حجر الزاوية بين القارات الثلاث اسيا وافريقية واوروبا اي هي قلب المعمورة ، وهذا ما يجعل حوض القناة من الناحية الاقتصادية والتجارية يمتد بنفوذه الجغرافي والسياسي الى امتدادات بعيدة تنداح دوائر تنظيم العالم بأجمعه .

لقد كانت مصر في كل عصور تاريخها مطمع الطامعين والبقرة الحلوب ، والشاة التي يجز صوفها جزا ، وهنا يستحضرني ما قاله عثمان بن عفان وهو يباهي بدرة تاج الامبراطورية الاسلامية مصر في حديث له مع عمرو بن العاص بعد ان عزله معرضا بسياسة عمرو الشغوفة بفرض الضرائب على المصريين قائلا " لقد درت اللقحة بعدك ياعمرو "- فيجيبه عمرو بحنكة - قائلا " ولكنها اضرت بوليدها " .
ها هو العاهل الروماني تيباريوس يقول لعامله في مصر " لقد اوفدتك لتجز صوف الشاة لا لتسلخها " ، على هذا المنوال كانت تجري النظرة الى مصر ، وعلى هذه الحال كان يعيش اهل مصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في