الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى السابعة والثلاثون لوفاة الرئيس المجاهد فرحات عباس

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


احيت يوم السبت 24 ديسمبر 2022 ، السلطات الولائية الذكرى 37 لوفاة المجاهد فرحات عباس أول رئيس الحكومة للجمهورية الجزائرية المؤقتة و اشرف علي هذه الفعالية شخصيا السيد الوالي أحمد مقلاتي و رئيس المجلس الشعبي الولائي، إضافة الي السلطات المحلية و الامنية والعسكرية والاسرة الثورية وذلك بمتحف المجاهد بالكيلومتر الثالث بجيجل ، فعاليات احياء هذه الذكرى ببهو المتحف شهدت زيارة معرض خاص بالصور التاريخية المعبرة عن مسيرة نضال وكفاح المجاهد فرحات عباس وكذلك زيارة معرض خاص بالكتب التاريخية التي ألفها المجاهد من إصدارات وزارة المجاهدين وذوي الحقوق ومختلف الكتب التي تناولت مسيرته النضالية والسياسية كما تم على مستوى قاعة المحاضرات للمتحف القاء كلمة من طرف السيد مدير المجاهدين وذوي الحقوق وكذا عرض شريط مصور حول المجاهد بعنوان ( فرحات عباس قبس من نور الفكر النضال والكفاح).
ليتخللها بعد ذلك حضور الندوة التاريخية الأكاديمية حول هذه الشخصية الفذة التي تم فيها تقديم مداخلات تاريخية من طرف أساتذة جامعيين منها مداخلة الدكتور والباحث في التاريخ معزة عز الدين من جامعة جيجل بعنوان الفكر السياسي لفرحات عباس ومداخلة الأستاذ كمال خليل أستاذ قسم التاريخ بجامعة محمد لمين دباغين بسطيف بعنوان “الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كما تم تقديم شهادة حية من طرف المجاهد لطرش عمار حول مسار المجاهد فرحات عباس.
طالعت ارشيف الشرطة الفرنسية في كتيبات تعرف le carnet rouge
يضع فرحات عباس في المرتبة الاولى من حيث درجة الخطورة على الاستعمار الفرنسي في الجزائر، قبل مصالي الحاج، وقبل ابن باديس باعتباره يهدد السيادة الفرنسية، والغاشي عندنا خاصة اشباه بعض الدكاترة المؤرخين أخذوا عنه كلمة la France c est moi والصقوها به بعد ان اخرجوها من سياقها التاريخي، أما عامتنا فلا لوم عليهم، فهم تُبع لوسائل الاعلام، ومحبون للطعن في كل رموزنا الوطنية التاريخية، صراحة، ربما لا يوجد شعب في العالم مثل الشعب الجزائري يكره الناجحين والمثقفين.
مع العلم أنه يوجد في أرشيف ما وراء البحار ب اكس ان بروفانس أكثر من 600 وثيقة ارشيفية خاصة ب فرحات عباس منذ بداية نشاطه السياسي في ثلاثينات القرن الماضي إلى غاية انضمامه لجبهة التحرير الوطني في افريل 1956
فرحات عباس الذي يعد من ضمن الرجالات والرموز الذين تعرضوا لتشويهات التاريخ الرسمي في الجزائر، فمصطلح "التاريخ الرسمي" لا يستخدم إلا في الدول الشمولية أو ذات النظام الأحادي، وهو في الحقيقة ترويج لخطاب تاريخي يخدم المجموعة التي تسيطر على الدولة، فهو خطاب تشوبه الكثير من المغالطات والتزوير والأكاذيب، وطبعا هذا ينطبق على الجزائر خاصة قبل 1988، ولهذا أقصي وشوه فرحات عباس مثل الكثير من الرموز المعارضة للسلطة، بالرغم من أن فرحات عباس وقف إلى جانب تحالف بن بلة-بومدين ضد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أثناء أزمة صيف1962، وهذا الموقف للأسف لم يكن عن قناعة، ويعتبر فرحات عباس موقفه هذا في 1962 أكبر خطأ استراتيجي أرتكبه، وندم عليه كثيرا بعد ما رأى لما آلت إليه السلطة والدولة في الجزائر بعد استيلاء هذه المجموعة التي دعمها على السلطة، ويعتبرها سارقة للثورة، وعبر عن ذلك بوضوح في كتابه "الاستقلال المصادر".
لكن تحالفه مع بن بلة وبومدين في 1962 مكنته من الوصول إلى منصب رئاسة المجلس التأسيسي الجزائري عام1963 الذي كان من المفروض أن يصيغ دستور الجمهورية، لكن تحالف بن بلة-بومدين تجاوز هذا المجلس الـتأسيسي، ليكلفوا مجموعة أشخاص موالين لهم بوضع دستور على مقاسهم في إجتماع لهم في قاعة سنيما الماجستيك المسماة اليوم بقاعة الأطلس بباب الواد، فبسبب ذلك استقال فرحات عباس من المجلس التأسيسي، وصاغ رسالة خاصة بإستقالته يمكن أن نعدها اليوم وثيقة مرجعية في الديمقراطية وكيفية وضع الدساتير والقانون الدستوري، فمنذ إستقالته أي في اليوم الموالي يصبح فرحات عباس هدفا لحملة إعلامية شرسة لتشويهه، فمن هنا ستظهر هذه الأكذوبة التي يرددها الكثير عنه اليوم، وهو القول ب "إنكاره لوجود الأمة الجزائرية"، وهي مغالطة كبيرة للرأي العام، ففي الحقيقة هذه الفقرة التي يستند عليها هؤلاء، وروجوها أخذت من نص طويل جدا نشره في جريدته "الوفاق الفرنسي ـ الإسلامي " في فيفري 1936 أيام طرح مشروع بلوم-فيوليت وانعقاد المؤتمر الإسلامي لتدارس المشروع، لكن مشوهوه أخذوا تلك الفقرة التي يقولون بأنه كتب بأنه بحث في المقابر وغيرها، ولم يجد الأمة الجزائرية، لكن هذا الكلام المروج عنه قد تم عزله عن سياقه، ليظهر بهذا الشكل، وقد طبق عليه نفس طريقة الاكتفاء ب"ويل للمصلين" في القرآن الكريم، هذا ما وقع للأسف لهذا الرجل، وطبعا هذه الطريقة يتعرض لها الكثير من المثقفين والسياسيين عند الرغبة في تشويههم ، وهو ما وقع لفرحات عباس، فما قاله هو في الحقيقة أنه أشار في مقالة طويلة بأنه لم يجد عبر التاريخ اسم "الجزائر"، بل كانت تسميات أخرى ك"المغرب الأوسط" في إطار أمبرطورية إسلامية مترامية الأطراف، ويرى في مقالته أن مفاهيم الأمة والوطنية وغيرها هي مفاهيم جديدة أنتجها الفكر الأوروبي في القرن 19، ولم تكن موجودة من قبل، لكن تم تحريف هذا الكلام بتأويله بعد إخراج تلك الجملة من سياق مقالة طويلة جدا، لكن ما يؤسف له هو إبراز أكذوبة أخرى تقول بأن بن باديس قد رد عليه، فهذا يجب مناقشته، لأن فيه إلتباس، فكم من مقالات ظهرت نسبت لفلان وعلان وأخرى أختفت لأنها لا تخدم فلان أو علان، ، لكن لماذا يخفي هؤلاء علينا أن بن باديس وجمعية العلماء كانوا حلفاء مع فرحات عباس، بل يمكن لنا القول أن كل التنظيمات السياسية التي أسسها فرحات عباس سواء "الاتحاد الشعبي الجزائري" أو "الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" كانت هي الواجهة السياسية لجمعية العلماء بحكم أن الجمعية هي جمعية لا سياسية بحكم المادة الخامسة من قانونها الأساسي؟، لما لا يقولون لنا هؤلاء أن جمعية العلماء دعمت فرحات عباس ومرشحيه في كل الانتخابات؟، لما نقول عن فرحات عباس أنه اندماجي، وهو ليس صحيح، لأنه كان مؤمنا فعلا بالأمة الجزائرية والشخصية الوطنية مثل مصالي الحاج وجمعية العلماء، بل ما كان عليه في بدايات حياته السياسية هو أنه إدماجي، وليس اندماجي، ونفس الأمر ينطبق على الجميع بما فيها بن باديس باستثناء التيار الاستقلالي بقيادة مصالي الحاج، فالإدماج ليس معناه الاندماج، ويعني إمكان إنشاء دولة واحدة هي فرنسا، لكن بأمتين جزائرية وفرنسية، وتشبه نفس ما كانت عليه الإمبراطورية النمساوية-المجرية، أي بأمتين في دولة واحدة، لكن لماذا نتحدث عن إدماجيه فرحات عباس، ونسكت عن نفس إدماجيه بن باديس وجمعية العلماء في تلك الفترة؟، لكن كلاهما سيتطوران فيما بعد إلى المطالبة بالمساواة ثم التحاقهما بالثورة في نفس الوقت تقريبا، هذا هو تزوير التاريخ، نشوه فرحات عباس، ونبحث عن مبررات ل بن باديس وجمعية العلماء، طبعا كل هذا كان نتيجة لهذه الاستقالة في 1963 وتحوله إلى معارض شرس لبن بلة وبومدين وللنظام برمته.
لم تتجذر أفكار ورمزية فرحات عباس في المجتمع بسبب التشويه الذي تعرض له سواء بعد 1963أو قبله، فيتهمونه ب "التغريبي"، فاليوم كل مستنير مقلق لبعض التيارات الأيديولوجية في الجزائر توجه له هذه النعوت، فهل فرحات عباس تغريبي لأنه متأثر بأفكار أوروبية وبالديموقراطية الليبيرالية الغربية، وكرهه للديكتاتوريات العربية ؟، فلماذا لا نقول أيضا عن التيار الاستقلالي ومؤسسي نجم شمال أفريقيا في فرنسا في 1926 الذين هم الأوائل والوحيدون الذي دعوا إلى إسترجاع الجزائر استقلالها أنهم "تغريبيون"، فحتى هم كانوا متأثرين جدا وأكثر من فرحات عباس بالأفكار الأوروبية؟، لماذا لا نقول نفس الكلام عن محمد عبده وكل من نعتبرهم رواد الإصلاح الديني اليوم، فكل هؤلاء تأثروا بأوروبا وأفكارها؟، هناك رواية رواها المجاهد العقيد عمر اوعمران الذي كان مع مصالي الحاج، وكان في الجبل مع كريم بلقاسم منذ 1947، بعد ما هرب من الكلية العسكرية في شرشال آنذاك بسبب اكتشاف السلطات الاستعمارية ، أنه كان بصدد تشكيل خلايا لحزب الشعب الجزائري داخل هذه المدرسة العسكرية، يروي اوعمران، ويقول أنه بعد ما ألتقى هو وعبان رمضان بفرحات عباس لإقناعه بالالتحاق بالثورة المسلحة وجبهة التحرير الوطني، ثم لازماه كثيرا فيما بعد في الخارج، فلاحظوا أنه ما كان يشاع عن فرحات عباس أنه لا يتحدث إلا بالفرنسية وأنه لا يصوم ولا يصلي وضد الدين ومفرنس في كل شيء وغيرها من الأكاذيب، يقول بأنه تعجب هو وعبان من سلوكاته المناقضة لكل ما كان يشاع عنه من قبل، فسألوه كيف أنهم ما كانوا يسمعونه عنه، وهم لا يعرفونه مناقض تماما لما رأوه فيه بعد ما عرفوه عن قرب، فيقول أوعمران بأنه رد عليهم "أنها أكاذيب البولتيك"، معناه الصراع السياسوي الذي كان آنذاك وأنه تعرض للتشويه من خصومه في إطار صراع سياسوي لا أكثر ولا أقل، وأضاف لهم إن أردت ان تقتل خصمك في مجتمعاتنا فقل عنه أنه "ضد الدين"، هذا ما يجرنا إلى مسألة إستغلال الدين وضرب الخصوم به في إطار الصراعات السياسيوية، فقد بقي فرحات عباس يعاني من ذلك إلى اليوم، بل هي معاناة الكثير من المثقفين والسياسيين بسبب انعدام روح النقد والتحليل والتفكير السليم في مجتمعاتنا للأسف الشديد، وهي نفس الرواية التي سينقلها فيما بعد بنجامين ستورا وزكية داود عن فرحات عباس نقلا عن أوعمران،
لا ننفي أن فرحات عباس كان إدماجيا في ثلاثينات القرن الماضي ، لكنه تطور، فهناك مثل معروف يقول بأن فقط الغبي لا يطور أفكاره ومواقفه، طبعا فرحات عباس تطور سياسيا من إدماجي ثم المساواة، وهذا كان يشترك فيها مع أغلب التيارات الموجودة آنذاك باستثناء نجم شمال أفريقيا بقيادة مصالي الحاج الذي يدعو صراحة إلى إسترجاع الأمة الجزائرية استقلالها، ففرحات عباس و الدكتور ابن جلول أو ما نسميهم بالمنتخبين او النخبة آنذاك، ومعهم أيضا جمعية العلماء هم في الحقيقة استمرارية لفكرة الأمير خالد بعد الحرب العالمية الأولى في المطالبة بالمساوة مع الأوروبيين في الحقوق والواجبات شريطة الحفاظ على الأحوال الشخصية الإسلامية، وهنا نتوقف عند هذه المسالة والخلط الذي نشره البعض عند أبنائنا، فالكثير يعتقدون أن الحديث عن الأحوال الشخصية معناه الدين الإسلامي، وكأن فرنسا الاستعمارية كانت تطلبهم بالتخلي عن الإسلام، هذا ليس صحيحا، هذا الشرط الذي وضعه دعاة المساواة كالأمير خالد وفرحات عباس وجمعية العلماء وغيرهم يوضع كرد على قانون سيناتوس كونسولت الفرنسي في1865 الذي كان يشترط على المسلم واليهودي الجزائري التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية أو اليهودية إن أراد أخذ الجنسية الفرنسية، وطبعا في 1871 صدر قانون كريميو الذي جنس كل اليهود الجزائريين بقرار على عكس المسلمين الجزائريين الذي ابقت عليهم هذا الشرط، لكن التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية ليس معناه الدين الإسلامي كما يشاع، بل معناه عدم الاحتكام في مسائل الزواج والطلاق والميراث إلى الشريعة الإسلامية لا غير، أي ما نسميه اليوم بقانون الأسرة، فالكثير لا يعلمون أن في الفترة الاستعمارية هناك نوعين من القضاء، هناك قضاء فرنسي يطبق القوانين الوضعية الفرنسية وقضاء إسلامي تسمى بالمحاكم الشرعية تحتكم إلى الشريعة الإسلامية، وبالتالي يشترط على متخذ الجنسية الفرنسية أن لا يحتكم في هذه الأمور إلى هذه المحاكم الشرعية، طبعا بقي فرحات عباس مع العلم أن فرحات عباس لم يتجنس ابدا بالجنسية الفرنسية ولم يطلبها يوما ، باستثناء دستور الجزائر او قانون الجزائر الذي منحت فيه فرنسا الجنسية الفرنسية لجميع الجزائريات والجزائريين ، على هذا المطلب حتى الحرب العالمية الثانية بعد اطلاق سراحه من السجن بسبب مجازر 8 ماي 1945 ،أين سيدعو إلى جمهورية جزائرية لكن في إطار فيدرالي مع فرنسا، وأسس حزبه "الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" بصحيفته "الجمهورية الجزائرية" التي كتب فيها الكثير من السياسيين والمثقفين، ومن أشهر كتابها كان مالك بن نبي، أي معناه العمل في إطار القانون الاستعماري، أي إسترجاع الاستقلال تدريجيا دون اللجوء إلى العنف، فقد عرف عن فرحات عباس انه إنسان جد مسالم، حيث كان دائما يقول ، اكره العنف بقدر ما اكره الظلم ، لكن بعد اندلاع الثورة في1954، سيقنعه عبان رمضان بالالتحاق بالثورة، بعد فشل مشروعه الثورة بواسطة القانون ، وقال لم يبق لنا إلا الرشاش لنيل حريتنا واستقلالنا ، فتم ذلك حتى أصبح أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية،
نعتقد ،ان الجزائر اليوم في أمس الحاجة إلى رجال من طينة فرحات عباس وآخرون، فقد ضيعت الجزائر فرصتها في عام 1962، حيث كانت تتوفر على نخبة سياسية عالية المستوى، فكان بإمكاننا إقامة ديمقراطية ناجحة بها آنذاك، لكن بمرور الزمن قمعت تلك النخب السياسية، واستبعدت تدريجيا، لتحل محلها نخب مزيفة، ففي 1962 آلت السلطة لأناس ليسوا جديرين بها، بل أخذوها بالقوة وبانقلاب على الحكومة الشرعية الممثلة في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، فمنذئذ لا زلنا في مشكلة الشرعية والانقلابات المباشرة وغير المباشرة، وما يؤسف له هو دخولنا الأحادية التي أقصت كل المعارضين والنيرين، وأصبحت الانتهازية والولاءات والرداءة والجهوية هي العوامل التي تتحكم في تولي المناصب والمسؤوليات، نعتقد أنه لو أخذنا بأفكار فرحات عباس لكان للجزائر اليوم مسار آخر، فالرجل كان ديمقراطيا ومثقفا وسياسيا ومتفتحا على العالم، فلو حكم لن تكن إطلاقا لدينا مشكلة الهوية اليوم التي أصبحت تهدد وحدتنا الوطنية بسبب أناس منغلقين تكونوا في مدرسة منغلقة، ولقنوا أيديولوجية وهوية تقصي مكونات أخرى للهوية الجزائرية، ففرحات عباس مؤمن بالأمة الجزائرية بكل مكوناتها الثقافية دون إقصاء، ولم يكن يقص مثلا البعد الأمازيغي أو أي بعد آخر من أبعاد الأمة الجزائرية المتمثلة في المثلث الذهبي الإسلام والأمازيغية والعربية، كما كان أيضا متفتحا على أوروبا، هذا على عكس بن بلة ثم بومدين اللذان أقصو أبعادا في هويتنا، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم رغم كل محاولات إصلاح تلك الأخطاء الفادحة التي وقعت آنذاك، فلو أخذنا بأفكار فرحات عباس لتجنبنا الكثير من المشاكل الهوياتية والانتقال الديمقراطي السلمي السلس والتفتح التي تعاني منها الجزائر اليوم، كما يعتقد البعض أن فرحات عباس كان ليبراليا بما فيها الجزء الرأسمالي منها، فهو في الحقيقة ليبراليا في المجال السياسي ومدافعا عن الحريات والقيم الديمقراطية، لكنه في الحقيقة ضد الرأسمالية المتوحشة ، فهو اشتراكي على الصعيد الاجتماعي، فهو يدعو إلى الاشتراكية الإنسانية مثل اشتراكيات بعض الدول الإسكندنافية، فهو كان دائما في خدمة المحرومين، وقد وضع بما يسميه بثلاثية الطريق والمدرسة والمستشفى وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين، وكل ذلك لخدمة الريف وإخراجه من تخلفه وفقره، وقد أعاد نفس ما كتبه في مشروع اجتماعي لخدمة الجزائر في تقرير له إلى بيتان عندما كان رئيسا لفرنسا في 1941، وهو نفسه ما أعاده فرحات عباس في كتابه "غدا سيطلع النهار"، وهو مشروعا متكاملا منتقدا سياسات النظام الجزائري التي أعتبرها ديكتاتورية.
يبدو أن كل ما طرحه فرحات عباس في الماضي هي حلول لمشاكل الجزائر اليوم التي ولدت بسبب إهمال أفكاره سواء على صعيد الهوية أو الديمقراطية والتوزيع العادل للثورة، فأنا دائما أقولها وأكرر أن فرحات عباس مسلم عصري وديمقراطي ليبيرالي مسلم ،ورجل دولة وذو أخلاق عالية ومثقف متفتح، وكم الجزائر بحاجة اليوم إلى سياسيين وقادة من طينة فرحات عباس، لكن يبدو أن هذا الصنف من السياسيين من الصعب عليهم البروز بسبب أخلاقهم العالية على عكس الإنتهازيين عديمو الأخلاق الذين يستخدمون كل الأساليب من أجل السيطرة، وليس لهم خطوط حمراء يراعونها في ذلك، ودائما في الأنظمة غير الديمقراطية يبرز هؤلاء على حساب رجال دولة ذوي الأخلاق الرفيعة مثل فرحات عباس.
رحمه الله ورحم كل حر في هذا الوطن وقف ضد الاستعمار والظلم.
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة