الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العربية ومرحلة الضياع

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2006 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لابد من الاعتراف أن الثقافة العربية في هذه المرحلة هي ثقافة مهزومة أمام الثقافة الغربية والأمريكية وخاسرة للعامل الزمني. وكأن الزمن قد تحول إلى طير هجرها منذ مدة. وعلى النقيض من ذلك نرى أن الثقافة الغربية قد قطعت أشواطا من السنين وأخذت تنهش في جسمنا كالداء . تبدأ في أسخف الأشياء مثل الجينز والمالبورو وتنتهي بتعليق صورة الرئيس الأمريكي في بعض الدول العربية وشوارعها بالحطة والجلباب. ومن أجل الاعتراف فقط فنحن مجتمعات مستهلكة متطفلة ومقلدة قشور الغرب . وهكذا أصبحت الثقافة العربية في وضع الهارب وفي وضع الضحية الضعيفة .
عصر النهضة الثقافية :
منذ عصر النهضة التي قام بها جيل مثل الافعاني ومجمد عبده واليا زجي والكواكبي وغيرهم وما زال المثقف العربي رهينة لذلك الزمان أي أنه لم يتجاوز مرحلة القرن الماضي، فقد تم والسعي وراء العامل السطحي للحضارة الغربية وبالتالي تم الاستسلام للغير والاستناد إلى منهجيته وخاصة السلبية منها . وقد احتك المثقف العربي بالغرب بواسطة البعثات التي أرسلها محمد علي إلى أوروبا والبعثات التبشيرية ومن ثم بدأت تخرج شبابا مشبعين بالثقافة الغربية ، فكانت صورة الغرب خلابة للشاب العربي ومفعمة بالرومانسية خاصة وهو يعيش تحت رحمة الاحتلال العثماني بجميع صوره المظلمة وكأنه وجد الشيء الذي كان يبحث عنه ، ألا وهو القيم الغربية والشعارات التي تنادي بالعدالة والحرية والمساواة. ونقيضا لذلك كان مجتمعه الغارق بالجهل والتخلف تحت سيطرة الأتراك، ولذلك دعا هذا المثقف بالإصلاح والتجديد إما بالرجوع إلى الأصل أو برفض كل هذه القيم القديمة واستبدالها بالقيم الغربية كونها المثل الأعلى مثل قاسم أمين مع العلم أن فريقا دعا إلى أخذ الجيد ورفض السيئ، وهكذا بدأ الجدل بين هذه التيارات، إلا أنه لم يحسم الأمر لأي فريق . فمن البستاني (1819-1883) الذي دعا إلى الاقتداء بالغرب ورجح المجتمع العلماني ومن ثم أديب إسحاق الذي رفض المفاهيم الغربية كونها العدو وهو صاحب فكرة الجماعة العربية، وهناك عبد الله النديم الذي رأى أوروبا كعدو سياسي لكنه معلم في مجال آخر. بالطبع خلق هذا حالة من الاضطراب في الفكر العربي رغم أنه كان صحيا في تلك الفترة وطبيعيا في طريقة فهم الثقافة الغربية، ولا يغرب عن بالنا أن الكثير من هذه الأفكار كانت مصطحبة في الظرف والحدث. فالمفكر العربي يرى أوروبا في الطريقة التي تعامل معها. فتنعكس أفكاره مترجمة مشاعره وتحليلاته. فكما رآها تحمل مشاعر الديمقراطية والعدالة وجدها أيضا كيانا استعماريا بغيضا كذئب في ثوب حمل وخاصة فكرها العنصري والذي من أهدافه إرضاخ الشعوب واستغلالها.
الثقافة الغربية كظاهرة استعمارية :
إن الذي خلق التشويش الفكري عند المثقف العربي في بداية هذا القرن هي تلك الازدواجية التي حملتها الثقافة الغربية، هي من جهة تنادي بالأخوة وحقوق الفرد والعدالة الإنسانية وبنفس الوقت تشن حربا دامية ضد الشعوب وتستنزف خيراتها وتستعبدها. وهكذا وجدها المثقف بأنها العدو والمعلم في آن واحد. ومنذ أن دخلت جيوشها إلى كل من الجزائر ومصر والعقل العربي يتعامل مع هذا الكيان كعدو حضاري وخاصة عندما وقف كسد في وجه المجتمع العربي الباحث عن التحرر والارتقاء. وبالطبع حاول المستعمر أن يستغل طيبة وبساطة المجتمعات العربية بالظهور بوجه بريء محب للآخرين كما ادعى نابليون يحبه للإسلام عندما كان ينشر يوميا آيات قرآنية في الصحف المنتشرة في تلك الفترة. وهذا ما جعل تلك المرحلة تتميز بضبابية لأنها لم توظف العقل بكامل قواه، وخاصة في الاستقراء والاستنباط والتحليل. وطرح المثقف العربي هذا السؤال في تلم الفترة : لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب؟ فلم تكن الأجوبة مقنعة وكافية ومازالت هكذا إلى يومنا هذا. وربما يختفي الجواب بأن أوروبا لم تدع الفرصة لنا بالتحليل لأنها دخلت بجيوشها ثم تلت هذه الجيوش بغزو فكري بشع مثل الجرّافة تأخذ بطريقها ما تستطيع وتترك الباقي لعوامل الزمن . فهذا هو الغرب الذي حاول أن يفرض علينا ثقافته المشحونة بالعنصرية والكراهية.
ثقافة الهزائم العربية :
طالما أن المثقف العربي رأى نفسه من خلال مرآة الغرب فهو سجل أول هزيمة ضد نفسه. فالهزيمة أمام الغزو الاستعماري لم تكن عابرة، فقد تحول الغرب بالنسبة له خصم دائم وقد سجلت الصهيونية العالمية نجاحا في تطبيق مشروعها على الأرض العربية ووجد هزيمته أمام عدو حاذق وقوي (فكريا وسياسيا وعسكريا) حتى أتى عام 1948 ليكون منعطفا في عالمه الفكري ، وأخذت الهزائم تتكدس الواحدة تلوى الأخرى. ليدخل هذا المصطلح في قاموسه الانهزامي. ولم تعد الهزيمة محدودة بإطار واحد بل أخذت تشمل جميع نواحي الحياة من سياسية واجتماعية وغيرها. ورغم كل المحاولات التي أبداها الإنسان العربي في المقاومة ومحاولة فهم ما يدور حوله ، لكنه فشل في إيجاد الحلول والمسوغات ، بدأ اليأس يحيط به واحتفظ بوضع استسلامي . ومن جهة أخرى نظر المستعمر للإنسان العربي بحذر تارة وباحتقار تارة أخرى . فهو قد أنشأ مراكز أبحاث يحلل فيها العربي ويفهم نقاط ضعفه وقوته ، وعلى الجانب الأخر كان الفهم معدوما للأوروبي بالنسبة للمثقف العربي، وقد اتبعت أوروبا الفلسفة البرغماتية منذ انتشار أطماعها الاستعمارية، بأنها إذا لم تستطع استغلال فئة من الناس أو ترقيقهم فمن الأفضل قتلهم. فكانت عبارة (الهندي الأحمر الجيد هو الهندي الميت) التي عممت وطغت في جميع المستعمرات. ولم يستسلم العربي بل عبر عن تمرده بوسائل عدة. فكانت الوحدة السورية-المصرية وكانت الجامعة العربية ودول المواجهة. وأتت حرب 67 لتعبر عن هزيمة حقيقية تفرعت أثارها في ذهنية العربي. ولا يغرب عن بالنا أن النفط في المنطقة زاد من تكالب الدول الأجنبية وسطوتها على حياتنا. فالنفط افرز في الواقع حالة من الإتكالية وثقافة استهلاكية زادت من الضياع في هذا العالم عوضا عن إيجاد حلول أو أن تكون أداة للتنمية الحقيقية في البلاد. فالنفط كرس مفهوميه لم تكن موجودة ألا وهي أن الثروة ممكن أن تأتي دون عمل ولذلك حمل النفط مفاهيم تبخيس العمل وتحقيره لأن الحياة الكريمة بهذا المفهوم هي الاتكالية المطلقة على الصدف الطبيعية والتي ممكن أن تنتج. ولذلك بدل أن يكون النفط عامل ووسيلة لتنمية البشر أصبح عامل استمرارية لهذه الاتكالية.
البدائل الثقافية الضيقة :
ما بات واضحا هو أن الثقافة العربية ليست إمامها بدائل كثيرة. فهناك مازال البعض يعمل على أن الثقافة الصحيحة هي ثقافة المقاومة وهي ثقافة جزء ولن تكن كل شيء نفعله . وكل ما هناك محصور في استعادة العقل الهارب إلى أوروبا في القرون السالفة. وباستعادة تتجاوز مطبات الركود والنوم التي ابتلينا بها في هذا العصر. نحن بحاجة إلى نموذج صحيح وسليم نستطيع أن نبني مثله صرح خصوصيتنا وبدائلنا الثقافية. بدائل تجمع مابين الماضي المغربل والمستقبل المتفهم والمعتمد على التواصل مع الآخر وفهم دون رفضه كليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني