الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة نتنياهو الجديدة وحقيقة الصهيونية

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2022 / 12 / 28
القضية الفلسطينية



مع تشكّل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة الجديدة وإعلانه تشكيلها بمهاتفة مع رئيس الدولة أظهر من خلالها مرة أخرى قدرته غير المحدودة على النفاق، وذلك بعد أيام قليلة من إطلاقه كذبة جديدة من الأكاذيب المعادية للعرب التي تخصّص في ابتكارها (الكذبة الأخيرة تقول إن العرب هم الذين طردوا اليهود من فلسطين التاريخية)، ساد قلقٌ شديد معظم أوساط مؤيدي الدولة الصهيونية. ذلك أن غالبية أنصار دولة إسرائيل يزعمون أنهم حريصون على أمنها وسلامتها وقوتها لأنها جزيرة ديمقراطية وسط بحر استبدادي هائج.
هذه الصورة هي التي رسمتها الصهيونية السياسية عن نفسها منذ نشأتها، عندما وعد مؤسسها تيودور هرتزل بإقامة مخفر أمامي للحضارة وسط الهمجية، مستعيراً التحجج الاستعماري المعهود. وتبعه الذين التحقوا بالصهيونية آتين من اليسار والذين تمكنوا من الهيمنة على الحركة الصهيونية في مرحلة تأسيس دولتها وخلال العقود الثلاثة الأولى لتواجد هذه الدولة، فأضافوا زعماً اشتراكياً إلى الأسطورة الحضارية. وقد غدت الصهيونية تحت قيادتهم تدّعي تحقيق حلمٍ اشتراكي رمز إليه «الكيبوتس»، جامعاً بين درجة متفاوتة من الاشتراكية بين أعضائه اليهود ودرجة عليا من الاستعمار إزاء الفلسطينيين العرب، مثلما خصّت الديمقراطية الصهيونية اليهود دون سواهم وانكشفت تمييزاً عنصرياً إزاء العرب.

وطالما تذرّعت بذلك الادّعاء الديمقراطي والاشتراكي المزدوج الاشتراكية الديمقراطية الدولية في تضامنها مع الدولة الصهيونية، وكذلك الحركة الشيوعية بعد قرار ستالين دعم تأسيس هذه الدولة (بل مدّها بالسلاح لهذه الغاية). فكان الشيوعيون الموالون لموسكو يشرحون أن الدولة الصهيونية تشكّل مخفراً متقدماً للحركة العمالية وسط منطقة عربية يسودها الإقطاعيون الموالون للاستعمار الأوروبي. واحتفلوا كل عام بعيد «استقلال» إسرائيل، ثم غدا معظمهم لاحقاً يميّز بين الدولة التي نتجت عن نكبة 1948 وبين الأراضي المحتلة عام 1967 التي رأوا أن احتلالها يجب أن يزول وفقاً للقانون الدولي، في ركاب الاتحاد السوفييتي الذي تبنّى هذا الموقف.
وقد بات التمييز بين دولة 1948 بوصفها دولة مشروعة يجب الدفاع عن «حقها في الوجود» وبين الأراضي المحتلة عام 1967، بات هذا التمييز ركناً أساسياً في منظور سياسي شمل جملة واسعة من التلاوين السياسية من الشيوعيين التقليديين إلى الصهاينة الليبراليين، مروراً بالموقف الرسمي لمعظم دول العالم على اختلافها. وإثر وصول اليمين الصهيوني المتشدّد إلى الحكم بعد «النكسة» بعشر سنوات، أصيب جميع أنصار هذا الموقف بالإحراج، لاسيما بعد أن أخذ الليكود ينزع من جديد نحو أصوله الفاشية، وهو النزوع الذي نتج عنه ترؤس نتنياهو للحزب وانزلاق هذا الأخير المتواصل نحو أقصى اليمين، وصولاً إلى تشكيل حكومة تضمّ نازيين جددا ممثلين بحزب «العظمة اليهودية».
جرى ذلك على خلفية تحجّر الاستيلاء الصهيوني الاستعماري الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967 بحيث بات وصف إسرائيل بأنها دولة «أبارتهايد» على غرار نظام الفصل العنصري الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا منذ سنة نكبة فلسطين حتى أوائل التسعينيات، بات هذا الوصف بديهياً إلى حد أن منظمات حقوق الإنسان قد تبنّته رسمياً وكذلك المقرّرة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 في تقريرها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومثلما أدّى النشاط الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في أراضي «النكسة» إلى تأكيد حقيقة كانت قائمة أصلاً في الدولة الصهيونية منذ النكبة (كان التشبيه بين الدولة الصهيونية ودولة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا حجة رئيسية من حجج الحركة الوطنية الفلسطينية لسنوات طوال قبل حرب 1967)، فإن بلوغ انزلاق المجتمع الصهيوني إلى أقصى اليمين حدّاً أتاح وصول من يتجاهرون بعدائهم العنصري للفلسطينيين ويدعون إلى قتلهم، وصول هؤلاء إلى سدة الحكم، إنما يؤكد حقيقة الصهيونية الأصلية بوصفها أيديولوجيا وحركة استعماريتين عنصريتين كما لم ينفك مناهضو الصهيونية يعلنون منذ تأسيسها.
فإن الصهيونية بوصفها عقيدة ترمي إلى تأسيس دولة خاصة بأناس لا قاسم مشترك بينهم سوى انتمائهم إلى ديانة واحدة، وذلك بقوة السلاح على أرض مأهولة بسكان لا بدّ من تهجير غالبيتهم وإخضاع من تبقّى منهم لتحقيق الغاية المذكورة، إن الصهيونية السياسية إذاً حركة تاريخية عنصرية الجوهر، مهما ادّعى أربابها من جمع بين يهودية الدولة وديمقراطيتها. فإن طبيعة الصهيونية تؤدّي بالضرورة إلى تجلّي حقيقتها العنصرية بحيث يتوارى الادّعاء الديمقراطي حتماً أمام غلبة التعريف العرقي اليهودي.
هذا الواقع يثبت ما لم ينفك مناهضو الصهيونية يؤكدونه منذ قيام دولتها، حتى وإن حاد بعضهم عن المناهضة ليتبنّى أسطورة «السلام العادل» مع تلك الدولة، وهو أن السلام الدائم يستحيل ما دامت الدولة الصهيونية قائمة. فإن المشكلة ليست في طبيعة الحكومة الجديدة، بل في طبيعة الحركة التاريخية التي أنجبت الدولة التي ولدت هذه الحكومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران