الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصريون الصحابة في فجر الإسلام

صبري فوزي أبوحسين

2022 / 12 / 30
الادب والفن


إن القوة الناعمة لمصرنا كانت -ولا تزال وستبقى على مر العصور، إن شاء الله تعالى- الحافز الذى يشحذ الهمم المصرية، ويدفعها لتكون منبع التنوير والثقافة والإنسانيةمن خلال مصابيح تاريخية وروحية وفكرية، طالما أنارت لنا الطريق منذ قديم الأزل!
وإن مصرنا تملك قوة ناعمة جاذبة جعلتها حاضرة حضورًا بارزًا عبر العصور التاريخية التي مرت بها، خلالما يزيد عن سبعة آلاف عام قبل الميلاد،ومن ثم كانت ذات أقدم حضارة في التاريخ الإنساني. ويكفي في هذا المقام أن نستدعي من التاريخ السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل، التي تذكر كتب التاريخ أنها كانت أميرة مصرية، وتحديدًا كانت شقيقة الملك المصري سنوسرت، وعندما أتى الهكسوس ليحتلوا مصر استحوذوا على بلاط الملك ومن فيه فقتلوا الرجال واستبقوا النساء.وجيء بالسيدة هاجر إلى بلاط ملك مصر، ولكنها كانت مستعصمة ذات شرف ومكانة حماها الله من صغرها، تزوجها سيدنا إبراهيم –عليه السلام- وصارت مثال الزوجة المؤمنة العظيمة التي تملأ قلبها الثقة بالله -عز وجل-ويملأ نفسها الطاهرة الإيمان به، وبأنه سبحانه وتعالى لن يضيعها أبدًا، وجاء في معجم تاج العروس للزبيدي أنها مِنْ قِبْطِمصْرَ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقالُ لَها: أُمُّ العَرَبِ قُرْبَ الْفَرَما. وقد ولدت لسينا إبراهيم سيدنا إسماعيل–عليه السلام- عندما كان إبراهيم في السادسة والثمانين من العمر، وَهُوَ الجَدُّ الثَّلاثُونَ لِسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِصلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعالَى إِلَى أَخْوالِهِ، وَإِلَى الْعَمالِيقِ الذينَ كانُوابأَرْضِ الحِجَازِ، فآمَنَ بَعْضُهم، وكَفَرَ بَعْضُهم، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلادِ أَبِيهِ، وبَيْنَ وَفَاتِهِ ومَوَلِدِنَبِيِّنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوٌ مِنْ أَلْفَيْنِ وسِتِّمَائِةِ سَنَةٍ. وقد جاء ذكر سيدتنا هاجر بهذا الاسم في الأحاديث النبوية، وذكرها نبيناالخاتم-صلى الله عليه وسلم- باسم أُم إسماعيل، وأُشِير إليها دون تسمية في القرآن.رضي الله عنها.
وهذه القوة الناعمة لمصرنا جعلتها حاضرة-مكانًا وإنسانًا- في عصر صدر الإسلام حضورًا فاعلاً؛ حيث نقرأ في كتب التراجم الخاصة بصحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- جملة من الأقباط المصريين الذين عاشوا في الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية ثم أسلموا، أو أتوا مع السيدة مارية والسيدة سيرين هديتي المقوس عظيم مصر إلى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقف في هذا المقال معهم وقفة تاريخية موثقة موجزة على النحو الآتي:
1- السيدة مارية القبطية(ت16هـ-637م):
هي مارية بنت شمعون القبطية، من سراري النبي- صلى الله عليه وآله-. وهي مصرية الأصل، بيضاء، ولدت في قرية " حفن " من كورة " أنصنا " بمصر، مولاة رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وأم ولده إِبْرَاهِيم، قدم بها النبي المدينة سنة ثمان من الهجرة، وماتت بعده بخمس سنين، ولم يصب رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد إلا من خديجة ومارية، رضي الله عنهما.و عن ابن عباس، رضي الله عنهما،قال: ولدت مارية القبطية لرسول الله إبراهيم بالعالية، في المكان الذي يقال له مشربة أم إبراهيم، بوادي القف بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن له لمرضعة في الجنة، ولو بقي لكان صديقًا نبيًا، ولو بقي لأعتقت كل قبطي( ).
وقد أهداها المقوقس القبطي (صاحب الإسكندرية ومصر) سنة 7هـ إلى النبي، صلى الله عليه وآله، وأهدى معها أختها سيرين وخصيًّا، يقال له مأبور.قال: ياقوت: إن الحسن ابن علي، لما علم أن مارية من قرية حفن، كلم معاوية، فوضع عن أهل القرية خراج أرضهم.ولما توفي النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- تولى الإنفاق عليها أبو بكر، ثم عمر. وقد توفيت السيدة مارية-رضي الله عنها- فِي خلافة عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وذلك فِي المحرم من سنة ست عشرة، وَكَانَ عمر يحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها، وصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع، وإليها تنسب " مشربة أم إبراهيم " في العالية - بالمدينة - وكان أول نزولها فيها( ).
2- سِيرِينُ الْقِبْطِيَّةُ:
هي أُخْتُ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَهْدَاهُمَا الْمُقَوْقِسُ مَلِكُ الْقِبْطِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَسَرَّى مَارِيَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَوَهَبَ سِيرِينَ مِنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، رضي الله عنه، فَوَلَدَتْ لِحَسَّانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ( ).
3- جبر بن عبد الله القبطي(ت63هـ):
وهو مولى بني غفار،وهو الذي أتى من عند المقوقس بمارية القبطية إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مع حاطب ابن أبى بلتعة؛ فهو رَسُول الْمُقَوْقس بمارية إِلَى رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-.روى أبو نعيم عنِ الزُّهْرِيِّ، أن أَنَسًا قال: إَنَّ صَالِحًا الْقُبْطِيَّ، خَرَجَ مَعَ مَارِيَةَ، وَلَمْ يُهْدِهِ الْمُقَوْقِسَ، وَإِنَّمَا كَانَ اتَّبَعَهَا مِنْ قَرْيَتِهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ. وَأهل مصر ينسبونه إِلَى وَلَاء أبي بصرة الْغِفَارِيّ وَمُسلم بن يَعْقُوب القبطي مولى لبني فهر وَأَبوهُ يَعْقُوب كَانَ أحد رسل الْمُقَوْقس ( ).
4- مأبور الخصي:
مَأبُورُ الخَصي أهداه المقوقس، صاحب الإسكندرية إِلَى النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعن عروة، عن عائشة، قالت: " أُهديت مارية ومعها ابن عم لَهَا"، ويقال إن شيخ كبير، وإنه قريب مارية أو نسيبها أو ابن عمها، وقيل إنه أخوها لأمها( ).
5- باقول القبطي:
باقوم ويقال باقول باللام والقاف مضمومة النجار مولى بني أمية، أخرجه ابن منده، وأَبُو نُعَيمٍ،وسماه ابنُ شهاب في قصةِ بناء قريش الكعبة: بلقوم الرومي النّجار الذي بنى الكعبة لقريش قبلالبعثة بخمس سنوات. وقد روى الْبُخَارِيُّ بسنده عَنْ سيدنا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ –رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ لِي غُلامًا نَجَّارًا[اسْمُ هَذَا الْغُلَام النجار مينا القبطي!] قَالَ: إِنْ شِئْتَ، فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النِّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَخَذَهَا؛ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَالَ بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ... حدثني بأقوم مولى سعيد بن العاصي قال: صنعت لرسول الله -صلى الله عليه و سلم- منبرًا من طرفاء الغابة، ثلاثَ درجات: المقعد ودرجتين...وروى أَبُو نضرة عَنْ جابر: «أن النَّبِيّ كان يخطب إِلَى جذع نخلة، فقيل له: قد كثر الناس ويأتيك الوفود من الآفاق فلو أمرت بشيء تشخص عليه، فدعا رجلًا فقال: أتصنع المنبر؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: فلان: لست بصاحبه، ثم دعا آخر فقال له مثل ذلك، ثم دعا الثالث فقال: ما اسمك؟ قال: إِبْرَاهِيم، قال: خذ في صنعه، فلما صنعه صعده رسول الله، فحن الجذع حنين الناقة، فنزل إليه فالتزمه فسكن.وقد رواه أيمن عَنْ جابر، فقال: صنع المنبر غلام امرأة، وفي رواية أَبِي سَعِيد: عمله رجل رومي، وفي رواية اسمه: باقوم، وقيل: باقول الرومي، غلام سَعِيد بْن العاص... وصانع المنبر مختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا مبين في شرح الإمام العسقلاني لصحيح البخاري( )!
6- أَبُو رَافع القبطي[ت: 35 - 40 ه]:
وهو مولى النَّبِي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- اسمه إِبْرَاهِيم، وقيل: أسلم.، وقيل: هرمز، وقيل: ثابت القبطي. وكان عبدًا للعباس، فوَهَبَه للنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمّا بشّره بإسلام الْعَبَّاس أعتقه.روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عبد الله بن مسعود. ورَوَى عَنْهُ: ابنه عُبَيْد الله، وحفيدُه الْحَسَن بْن عليّ بْن أبي رافع، وحفيدُه الفضل بْن عُبَيْد الله بْن أبي رافع، وعليّ بْن الْحُسَيْن، وأبو سَعِيد المَقْبُرِيّ، وعمرو بْن الشَّريد الثَّقفيّ، وجماعة كثيرة. وشهِدَ أُحُدًا والخندق.تُوُفيّ بعد مقتل عُثْمَان. ورواية عليّ بْن الْحُسَيْن عَنْهُ مُرْسَلَة.وقيل: تُوُفيّ سنة أربعين بالكوفة( ).
7- مذكور القبطي:
مذكور القبطي. أورده جَعْفَر، وروى بِإِسْنَادِهِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عطاء، عَنْ جابر قَالَ: أعتق رجل من الأنصار غلاما لَهُ عَنْ دبر، يسمى مذكورًا، قبطيًّا، وكانمحتاجًا، وَكَانَ عَلَيْهِ دين، فباعه رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم- بثمانمائة درهم، وأعطاه، فقال: «اقض دينك، وأنفق عَلَى عيالك» .رواه أَبُو الزبير عَنْ جابر، وقال: اسم الغلام يَعْقُوب. وَالَّذِي أعتقه يكنى أبا مذكور، وكأنه الأصح. ( ).
8- يَعْقُوب القبطي:
هو يَعْقُوب القبطي، مولى أبي مذكور من الأنصار. رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ، روى أبو الزبير، عن جابر قَالَ: أعتق أبو مذكور غلاما يقال لَهُ «يَعْقُوب القبطي» ، عن دبر، فبلغ النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم فقال: لَهُ مال غيره؟ قالوا: لا. قَالَ: من يشتريه مني؟فاشتراه مِنْه نعيم النحام بثمانمائة درهم. فقال النَّبِيّ -صلى الله عَلَيْهِ وسلم-: أنفق عَلَى نفسك، فإن كَانَ لك فضل فعلى أقاربك، فإن كان لك فضل فامنح هاهنا وهاهنا. وقد روي ولم يسم المعتق ولا المعتق.أخرجه ابن منده وأبو نعيم، وقد ذكر ابن ماكولا يَعْقُوب القبطي، وقال: بعثه المقوقس مع مارية القبطية والهدية إلى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم فأسلم، وتولى بني فهر، فلا أعلم هَلْ هُوَ هَذَا أو غيره؟. وقيل: كان ممن بعثه المقوقس مع مارية، فيقال:إن له صحبة. وقيل: إنه لما أسلم، تولّى بنى فهر. ( ).
وهكذا نعلم أن للمصريين حضورًا في ظلال الإسلام؛ فسيدتنا هاجر أم سيدنا إسماعيل-عليه السلام- جد العرب وأصلهم جميعًا، وأمنا مارية-رضي الله عنها- أم سيدنا إبراهيم بن سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهذا (باقول النجار القبطي) يشرف بالمشاركة في بناء الكعبة قبل الإسلام، وببناء المنبر النبوي الشريف، ومن ثم شرفنا بأن أوصى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنا خيرًا كل المسلمين والمسلمات في كل عصر ومصر، إلى أن تقوم الساعة، وبشر بأننا سنكون عدة وقوة للمسلمين، وقد حدث وسيحدث إن شاء الله. بارك الله مصرنا أرضًا وشعبًا في كل زمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي