الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع عباس وحماس وعقم حلول القطبية الثنائية

عامر راشد

2006 / 10 / 10
القضية الفلسطينية


أين الحقيقة مما جرى ويجرى من صدامات دامية بين أجهزة الأمن المتعددة الولاء في السلطة الفلسطينية، وذهب بنتيجتها قتلى وجرحى، وتسببت في ارتفاع شدة التوتر والاحتقان إلى درجة باتت تلوح جدياً في الأفق نذر حرب أهلية فلسطينية. إن الاكتفاء بقراءة المواقف المعلنة من قطبي الصراع (فتح وحماس) لتبرير ما جرى، بعيد كل البعد عن إعطاء إجابة شافية لتفسير ما حدث ويحدث، ومرشح لأن يستمر، كل طرف يحمل الآخر مسؤولية التصعيد الدموي، رئاسة السلطة الفلسطينية تعتبر أن تراجع حماس عن ورقة التفاهم (محددات الوفاق الوطني لحكومة الوحدة الوطنية) بين عباس وهنية أعاد الأمور إلى نقطة الصفر السياسي، وعطل جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتسبب في تفجر الأوضاع التي تعيش حالة غليان بفعل الحصار السياسي والمالي للسلطة الفلسطينية، وحماس تتهم رئاسة السلطة الفلسطينية بالضلوع في مخطط للانقلاب على نتائج انتخابات 25/1/2006 التي فازت فيها حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وتتهمها أيضاً بأنها تستجيب للضغوط الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية.
ظاهرياً قد يبدو أن كلا الطرفين يمتلكان حجية منطقية في سوق الاتهامات المتبادلة، لكن بقليل من التدقيق سنكتشف خلاف ذلك.
لقد كان من المنطقي أن تصل ورقة المحددات بين محمود عباس وإسماعيل هنية إلى طريق مسدودة، لأنها مثلت خروجاً فاضحاً عن وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني، ولا يمكن لها أن تشكل محل إجماع شعبي ووطني فلسطيني، أو اعتبارها بكل بنودها مجتمعة ترجمة مشتقة من وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني، فهي من حيث الشكل تمثل عودة إلى القطبية الثنائية والمنافسة الاحتكارية بين فتح وحماس، وتشطب دور باقي مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، وتكرس الاحتكار سبب المصائب التي حلت بالعمل الوطني الفلسطيني خلال الأعوام الماضية.
وورقة المحددات من حيث المضمون حملت تنازلاً خطيراً من قبل حماس حيال اتفاقيات أوسلو التي ما تزال محل خلاف وشقاق وطني كبير، فما تضمنه البند الثالث منها يضع عمل حكومة السلطة الفلسطينية برمته تحت سقف اتفاقات أوسلو، والأخطر من ذلك إذا ما كُرس سيشكل سابقة تجعل مسعى إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية منضوياً تحت ذات السقف، وهذا ما يريده بالضبط تيار محمود عباس، ودليل ذلك استمراره بتعطيل اللجنة الفلسطينية العليا المكلفة بوضع الآليات لإعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، والمنبثقة عن إعلان القاهرة آذار/مارس 2005، بانتظار حسم الأساس السياسي لحكومة الوحدة الوطنية. وهو ما يدفعنا للحكم أن الخلاف المعلن عنه بين حماس وفتح حول ورقة التفاهم، لا يكشف عن حقيقة وجوهر الصراع، إذ لا يبدو مفهوماً أن تعترض حماس على مبادرة السلام العربية المنصوص عليها في البند الرابع من ورقة عباس ـ هنية كأحد أسس خطة فلسطينية للتحرك السياسي في مواجهة الحلول الإسرائيلية أحادية الجانب، وأن تصمت صمت القبور عن البند الثالث من ذات الورقة على خطورته، التي تصل إلى حد سقف النضال الوطني الفلسطيني بالاتفاقات الجزئية الأوسلوية، رغم وصولها إلى طريق مسدود بفعل التعنت الإسرائيلي. وإذا أردنا أن نحاكم المواقف الأخيرة لحركة حماس، حتى مع افتراض حسن النوايا، لا يمكن تفسير تكتيكات حماس سوى كونها مجرد محاولات التفافية للحفاظ على مصالحها، والتشبث بموقعها في قيادة السلطة ومؤسساتها، بثمن تقديم تنازل لمحمود عباس، الذي لم يكن راضياً عن وثيقة الوفاق الوطني، وأعلن صراحة بعد أيام من توقيعها ضرورة أن تأخذ بعين الاعتبار الملاحظات الأمريكية والأوروبية والمصرية والأردنية التي أبديت عليها، حتى تكون (من وجهة نظره) قابلة للتسويق، فالرفض الأمريكي والإسرائيلي للوثيقة جاء قاطعاً، ولا يترك مجالاً للمناورة، وغالبية الدول العربية ليست بوارد دعم موقف الإجماع الوطني الفلسطيني في مواجهة الرفض الأمريكي والإسرائيلي. عطفاً على ما سبق يتشبث عباس باتفاقه مع هنية على ورقة المحددات، لأنه يشكل بالنسبة له خشبة الخلاص من التزامات وثيقة الوفاق الوطني المتعارضة مع خياراته وقناعته السياسية. وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظة جوهرية، وهي أن البند الثالث من ورقة المحددات بين عباس وهنية تتطابق إلى حد بعيد مع البند الثالث من الفقرة الأولى من خطة تفعيل وثيقة الوفاق الوطني، الصادرة عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 30/8/2006، وهذه مفارقة مُرَّة، إذ كيف يمكن أن نفهم إقدام اللجنة التنفيذية على نقض أساس جوهري في وثيقة الوفاق، ولم يجف بعد حبر التوقيع عليها ؟ً!، وهي بفعلها هذا تتحمل المسؤولية الأولى في فتح باب تهرب البعض من نصوص الوثيقة تمهيداً للانقلاب عليها.
إن العودة إلى وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني بالنصوص التي تم التوافق عليها، والالتزام بالآليات التي تضمنتها للتنفيذ، هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الاقتتال والاحتراب، ومنع استمرار تعطيل الوحدة الوطنية الفلسطينية نتيجة احتدام صراع القطبية الثنائية، بين فتح وحماس، وما بات يشكله من خطر اندلاع حرب أهلية فلسطينية. ومن أجل تحقيق ذلك على الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية الفلسطينية أن تضغط على طرفي القطبية الثنائية المتناحرة، لا أن تصطف إلى جانب أي منهما على أساس الموقف من ورقة المحددات بين عباس وهنية، لأن هذه الورقة (وخاصة بندها الثالث) بوابة لبحر من الأزمات، وليس كما حاول البعض تسويقها كمخرج من المأزق الراهن الذي تعيشه الحالة الفلسطينية سلطة ومعارضة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس