الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل مواقف الدول الإقليمية والنخب اليمنية متطابقة إزاء وحدة الوطن؟

منذر علي

2023 / 1 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في البَدْء من المهم الإشارة إلى أنَّ إجابتي على السؤال أعلاه لا تهدف إلى إرضاء من يتفقون معي، وإغضاب من يختلفون معي من أبناء الوطن، ولا تدفعني الرغبة في التهجم على الدول الشقيقة، فلستُ متحيزًا للاعتبارات الجهوية والطائفية والقبلية، ولستُ متعصبًا قوميًا، ولكنني مُتحيزٌ للشعب اليمني، وتحركني دوافع وطنية وأممية وأخلاقية، و قبل ذلك وبعده، أسعى في قراءتي للتمسك الصارم بالموضوعية، والتحيز للحقيقة.
***
وعليه، يمكنني القول بثقة ومسؤولية إنَّ الدول الإقليمية، ولا سيما إيران والإمارات تتعاملان مع وحدة اليمنيين، بشكل ماكر، وفقَا لمصالحهما المتقلبة، والسعودية التي خَبرتِ التعامل مع اليمن منذ زمن طويل، ترفض، بشكل قاطع، وحدة اليمنيين، دفاعًا عن مصالحها، وبعض النخب اليمنية الشوهاء التي تتكسب من السياسة، تتجاهل مصالح الشعب اليمني، وتدافع عن مصالح أعداء الشعب اليمني. ولكن إذا استثنينا هذه القلة الضئيلة من المتطرفين اليمنيين المُرتهنين للقوى الإقليمية، الذين يستبدلون، بشكل صبياني، هويتهم الوطنية بأهْوَائِهِمْ العمياء، الطائفية والجهوية والقبلية، فاليمنيون لا يُجَارُونَ مواقف الدول الإقليمية، ولا سيما الموقف السعودي المناهض لوحدة وطنهم. اليمنيون تتعدد رؤاهم حول الشكل السياسي للوحدة، بسبب ما مرت به التجربة الوحدوية من انتكاسات من جرّاءِ فشل النخب السياسية الشوهاء المدعومة من قبل القِوَى الخارجية التوسيعية، ولكنهم في أغلبيتهم الساحقة يؤيدون وحدة وطنهم على قاعدة العدل والمواطنة المتساوية والحرية.
***
الشعب اليمني في غالبيته المطلقة كان مع إسقاط نظام الإمامة الكهنوتي في الشمال اليمني، وكان مع طرد المستعمر البريطاني من الجَنُوب اليمني، وكان مع وحدة السلطنات في الأقاليم الجنوبية من الوطن، وبناء دولة فتية على أنقاضها سنة 1967، وكان مع وحدة شطري الوطن وبناء دولة ديمقراطية حديثة على أنقاض الدولتين الشطريتين سنة 1990.
***
واليمنيون اليوم عازمون على مواصلة مسيرتهم الظافرة، ولن يَرْتَدُّوا قِيد أنملة عن أهدافهم التقدمية المشروعة، و لن يقبلوا، تحت أيِّ ظرف من الظروف، العودة إلى النظام الكهنوتي الفاسد، والسلطنات المتعفنة بشكلها البائد، والتشطير الدامي بوجهه الكالح، فاليمنيون يتطلعون، مثلهم مثل روسيا والصين وكوريا وفيتنام وغيرها من الشعوب الحُرَّة، إلى استعادة الأقاليم المحتلة من وطنهم، ولا سيما جيزان ونجران وعسير والوديعة وغيرها، وبناء اليمن الديمقراطي الموحد، فيما الدول الإقليمية التوسعية؛ وأعني هنا على وجه التحديد، قادة إيران والإمارات والسعودية، فهم وإنْ تباينت مواقفهم إزاء الوحدة السياسية لليمنيين، وفقًا لخلفياتهم الأيديولوجية و مصالحهم المؤقتة والدائمة، وأساليبهم التكتيكية والاستراتيجية، فأنهم، في المجمل، يقفون بالضد من تطلعات شعبنا المشروعة، ويستهدفون اليمن، أرضًا وإنسانا.
***
فإيران، التي لا تربطها حدود جغرافية باليمن، تريد اليمن أنْ يكون دولة موحدة وقوية، ولكنها تريد الدولة اليمنية أنْ تكون تابعة بالمطلق لدولة ولي الفقيه في طِهران، ليس فقط لكي تكون الدولة اليمنية الموحدة خنجرًا في خصر عدوها اللدود، المملكة العربية السُّعُودية، وأداة للفتح والانتقام من أتباع معاوية بن أبي سفيان، بل لتجعل منها وسيلةً لتوسيع نفوذها الديني، المذهبي الشيعي، والجغرافي، والسياسي، والإستراتيجي في المنطقة. وهذا التوجه يتجلى بوضوح في الدعم الإيراني الواسع لحكومة صنعاء، ومساعدتها على التصنيع الحربي، وبناء قوة عسكرية ضاربة كما ظهرت في الاستعراض العسكري في صنعاء يوم 21 سبتمبر من الشهر الجاري.
***
والإمارات، الناهضة والطموحة، التي لا تربطها حدود جغرافية باليمن، لا تمانع أنْ يكون اليمن موحدًا، ولكن بشرط أن يكون تابعًا لها، لكي توسع دائرة نفوذها الجغرافي والسياسي والتجاري في المنطقة، ولكن بما أنها غير قادرة على ابتلاع اليمن في الظرف الراهن، فأنَّ الواقعية السياسية، فرضت عليها تأجيل مشروعها الطموح للسيطرة على كل اليمن، والاكتفاء بالسيطرة على جزء منه؛ أي بتأييد مشروع انفصال الجَنُوب اليمني عن الشمال اليمني، وإقامة دولة تابعة لها في الجَنُوب اليمني، ترتبط معها بوشائج سياسية واقتصادية قوية، و تُحْكَم ظاهريًا من قبلِ القِوَى السلفية الموالية لها. والإمارات تعمل في المدى القصير، على دعم الجيش الموالي لها في الشمال، وأعني الجيش التابع لطارق صالح في المخاء والساحل الغربي، لحماية دويلتها المرتقبة في الجَنُوب، ولمواجهة أنصار الله وحزب الإصلاح في الشمال. وعلى المدى البعيد تسعى الإمارات، بتعاون إسرائيلي بريطاني وأمريكي وثيق، للسيطرة على البحر الأحمر والشمال اليمني، وضمه مع الجَنُوب اليمني كي يكون اليمن، بجزأيه، تابعًا لها في إطار المحور الرَجعي والصهيوني والإمبريالي لكبح جما ح السُّعُودية المحاذية لها و مواجهة التوسع الإيراني الأشد خطرًا على دول المنطقة، بما في ذلك على إسرائيل.
***
من جانب آخر فأنَّ السُّعُودية المجاورة لليمن والمرتبطة مع اليمن بحدود جغرافية طويلة، لها موقف مختلف عن موقفي إيران والإمارات، فهي قد جرَّبتِ السيطرة المطلقة على اليمن وفشلت، ولذلك فأنها ترفض الوحدة اليمنية، حتى وإن تظاهرت بغير ذلك، وتسعى إلى تجزئة اليمن وضم كل أجزائه المبعثرة إليها، وفي أسوأ الأحول ضم بعض أطرافه المنسلخة أو شبه المنسلخة، جزئيًا أو كليًا، عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء، مثل حضرموت والمهرة، ومأرب والجوف، و سواحل البحر الأحمر، الممتدة من جيزان إلى الحديدة، و جعل بعض المناطق الوسطى، مثل البيضاء وإب وتعز، مناطق عازلة بين سلطة أنصار الله في الجبال والكيانات التابعة للسعودية في الشرق و الجَنُوب، وإعطاء الإمارات بعض المناطق الساحلية مكافأة لها، وترك المناطق الجبلية المغلقة والفقيرة للسلطة الزيدية الوحيدة في العالم، الموالية لسلطة الشيعة الجعفرية الحاكمة في إيران، محاصرة لكي تختنق وتذعن في نهاية المطاف لمشيئة السلطة السُّعُودية. إذن هدف النظام السعودي هو منع وحدة اليمن، وتفتيته، وضمه إليها، كأجزاء متفرقه وبشكل تدريجي، كما يجري اليوم على قدم وساق في المهرة وحضرموت، وكما جرى في الماضي لمناطق يمنية واسعة، مثل جيزان ونجران وعسير حيث تم ضمها إلى مملكتها العدوانية التوسعية سنة 1934.
***
إذن يمكننا الاستخلاص مما تقدم أنَّ الصراع في اليمن له أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: صراع بين الرؤى المختلفة لليمنيين إزاء ما يجري لوطنهم و في وطنهم.
البعد الثاني: صراع بين الدول الإقليمية، إيران والسعودية والإمارات، الساعية للسيطرة على اليمن.
البعد الثالث: صراع بين اليمنيين الساعين للدفاع عن وطنهم ضد الطامعين في وطنهم.
***
هذه هي صورة المشهد المأساوي للأوضاع المحدقة بالوطن، وتغيير المشهد البائس مرهون بموقف النخب السياسية الوطنية اليمنية إزاء ما يجري في وطنهم وما يحيط به من أخطار. ولكن النخب اليمنية ليست كتلة واحدة، ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة فرقاء:
الفريق الأول من النخبة: هو الفريق الأسير، الذي لا فكاك له، لأنه يتكون من العملاء الذين وقعوا في فخ العمالة للدول الإقليمية، وأصبحوا مخصيِّين كالعبيد في العصر العباسي.
الفريق الثاني من النخبة، هم البُلهاء (حتى وإنْ لُقّبوا بالنخبة) وهؤلاء خفيفي العقل، حمقى، لا يعرفون ما يخرج من أم أدمغتهم المجوَّفة، وهم متسكعون في ميدان السياسة، ولذلك لا يُرْكَن عليهم البتة، لأنهم أتباع من غلب.
الفريق الثالث من النخبة: وهؤلاء ليسوا عملاء أو بُلهاء، فهم يتكونون من اليمنيين الأحرار الذين يحملون هَمًّا وطنيًا عظيمًا، و وعيًا سياسيًا رفيعًا، يدركون ما يجري في وطنهم، ويقاومون القبح السائد بوسائلهم المختلفة، وهم في أقسى الظروف، والأمل مرهون بهذا الفريق المكافح والثابت في تغيير المشهد السياسي.
***
وعلى هذا، فالمسؤولية الوطنية الكبرى تقتضي بأنَّ يعمل اليمنيون الأحرار في الفريق الثالث على ثلاث جبهات:
الأولى: تضييق البعد الأول من الصراع، وأعني تضييق الصراع بين اليمنيين من مختلف الاتجاهات السياسية وتوسيع جبهة المعارضة للتدخل الخارجي، ثم تصدَّر المشهد السياسي، والانطلاق بالعمل الكفاحي الشعبي والسلمي ضد أعداء الوطن.
الثانية: توسيع البعد الثاني من الصراع، وأعني توسيع الصراع بين أعداء اليمن من أطراف القِوَى الإقليمية الضالعة في جريمة العدوان ضد الشعب اليمني.
الثالثة: تعزيز البعد الثالث من الصراع؛ أي بين اليمنيين من جهة وبين أعداء اليمن من جهة أخرى، من أجل هزيمة القِوَى التوسعية في اليمن وانتصار المشروع الوطني اليمني.
***
في الأخير، نختتم حديثنا بالسؤال التالي: تُرى ما الشواهد الموضوعية التي تؤكد أنَّ السُّعُودية هي الأخطر على استقرار و وحدة اليمن؟ هذا ما نعتزم نتناوله في مقالة أخرى في المُستقبل القريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة