الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )

علي فضيل العربي

2023 / 1 / 1
الادب والفن


كانت تلك المدرسة بمثابة عروس الدوار ، تبدو كأنّها معلم بورجوازيّ في حيّ شعبي عتيق ، و قطعة اسمنتية مهرّبة من نسيج المدينة . فهي البناء الوحيد في الدوار المشيّد بالطوب الأسمنتي و القرميد الأحمر و البلاط . مزوّدة بالكهرباء في الدوار كلّه . كانت الساعة قد جاوزت العاشرة ، و الغيوم الدكناء مازالت تتكدّس في كبد السماء ، كأنّها على موعد ..
عندما أشرفت على بلوغ باب المدرسة الرئيسي ، تنفّست الصعداء . أحسست أنّ حملا ثقيلا قد انزاح عن كاهلي و صدري . و جدت رجلا ، قد جاوز الثلاثين ، لكنّ هيأته تنم على أنّه قد بلغ الخمسين ، و قد علمت ذلك فيما بعد ، يومها قيل لي أنّ ملامح أهل الريف أكبر من سنّهم البيولوجي ، نظرا للمشقات التي يكابدونها منذ الصغر . فهم لا يعرفون الراحة م المهد إلى اللحد . كلّهم ؛ رجال و نساء و شباب و أطفال ، منخرطون في الزراعة و الفلاحة و الرعي و الاحتطاب . لأن الحياة في الريف عسيرة المراس ، لا تحتمل الكسالى و المتواكلين . و العمل في الريف لا يعرف انقطاعا أو هدنة خلال فصول السنة ، و لكل فصل نشاطه و نتاجه .
كان ذلك الرجل هو الحارس المكلّف بحراسة المدرسة ليلا و نهارا . كان يملك أتانا . يتركها ، في الغالب ، سارحة ترعى أمام المدرسة ، أو في أحد الحقول البور الحكوميّة نهارا و لكنّه يضطّر إلى عقلها أمام باب المدرسة ، خاصة في فصل الربيع ، حيث يينع الزرع ، مخافة أن تطعن في حقل من حقول الفلاحين ، فتأكل من زرعه أو تعبث فيه فسادا . كانت هي وسيلته و مطيّته الوحيدة في التنقّل من البيت إلى المدرسة أو إلى السوق الأسبوعي كل يوم اثنين ..
و أضاف صديقي ( ج ) :
كانت المدرسة تتكون من أربعة أقسام للدراسة و ساحة للتلاميذ و مكتب للمدير و قاعة مستطيلة ، تُستغل في وظائف عدة ؛ فهي قاعة للمعلّمين ، و عند منتصف النهار تتحوّل إلى مطعم للتلاميذ ، و مراحيض معدودة ، للذكور و الإناث .. لقد بُنيّت تلك المدرسة بعد عشر سنوات من الاستقلال لتستقبل أبناء الدوار ، بعدما كان معظمهم محروما من التمدرس ، و خاصة الإناث . و كانت قلّة قليلة من الذكور تتمدرس ضمن النظام الداخلي في مدن مجاورة ، أقربها تبعد عن الدوار عشرين كيلومترا . أما الإناث فقد كنّ محرومات من التعليم ، إلاّ من حالفهنّ الحظ و توفرت لهن إقامة عند قريب في المدينة ، و عندما تبلغ الفتاة سنّ الثانيّة عشرة ، تمنع من مواصلة الدراسة ، بعد تلك السنّ ، حتى و لو كانت متفوّقة في دراستها . و يقوم أهلها بتزويجها لبناء بيتها كما يقال عند الريفيين ..
و كم كانت صدمتي قويّة ، قال صديقي ( ج ) ، عندما علمت أنّ مدرسة الدوار - التي انتدبت لأكون معلّما فيها – خاليّة من الإناث ، ما عدا عاملة واحدة في سنّ الستين ، تقوم بمهام النظافة في الأقسام ، و هي أرملة شهيد من شهداء الثورة ، وُظّفت لإعالة نصف دزينة ( ستة أبناء ) ، استشهد والدهم من أجل ان يعيشوا أحرارا في وطن حرّ و مستقلّ .. فقد أنبأني أحد شيوخ الدوار ، و هو طالب حافظ لستين حزبا من كتاب الله ؛ القرآن الكريم ، أنّ تعليم البنات في المدارس المدنيّة ، العصريّة خطر محدق على أخلاقهنّ ، و أنّ البنت خُلقت للبيت و رحى الطحن و العجين و الإنجاب ، فهي لا تغادر بيت والديها إلاّ إلى بيت زوجها أو إلى حفرة لحدها ..و خلصت منه ، أنّ الأنثى في الريف ما هي إلاّ آلة للنسل و الغسيل و العجين . فلا فرق بينها و بين إناث الكائنات الأخرى ، إلا من جهة العقل . و لكنّ عقلها عطّله الذكر ، و ألغى مفعوله في الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل