الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اضراب الممرضات الحالي في بريطانيا وانعكاساته على المراة العاملة وحقوقها في بريطانيا والعالم

شيرين عبدالله
(Shirin Abdulla)

2023 / 1 / 2
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة


18.12.2022
بدأت الكلية الملكية للتمريض* في بريطانيا يوم 15.12.2022، وللمرة الاولى في تاريخها الممتد لمئة وستة (106) اعوام، بتنظيم اكبر اضراب عام لكوادر التمريض على صعيد البلاد، وستشارك حوالي 100.000 من اعضائها في انكلترا وايرلندا الشمالية وويلز في ما هو مُتوقع ان يكون المرحلة الاولى من الاضرابات حول الأجور وظروف العمل وسلامة المرضى- وذلك في يومي 15 و 20 من شهر ديسمبر- كانون الأول الحالي، ومن المُتوقع أن يكون هذا مجرد بداية لفترة أطول من الاضرابات إذا لم تحدث المفاوضات الرسمية، أو لم تسفر عن نتيجة مرضية. وسوف يلتحق بهم المسعفون وفرق الاسعاف الفوري والاطفاء وقسم من الاطباء كذلك فيما بعد.
تطالب الكلية الملكية على لسان السكرتيرة العامة للنقابة بات كولين، بزيادة في الاجور بنسبة 19% اي اكثر من حد التضخم ب 5%، وتحسين شروط العمل لضمان الأحتفاظ بالكوادر العاملة وجذب الموظفين الجدد للمهنة وضمان سلامة المرضى.
تأتي هذه الاضرابات ضمن سلسلة من الاضرابات التي تجتاح العديد من المؤسسات الكبرى في بريطانيا حاليا، يُقدّر وقعها على اقتصاد البلاد باكثر من مليون و 400 الف يوم عمل (هذا الرقم متكون من مجموع عدد العمال المضربين من كل القطاعات وعدد ايام توقفهم عن العمل، فمثلاً اذا اضرب ألف عامل لثلاثة ايام يعتبر هذا 3000 يوم عمل)، يشارك فيها عمال شبكة السكك الحديدية، وعمال التعليم العالي والمحاضرين وغير الاكاديميين، وعمال البريد الملكي، وموظفو الخدمة المدنية في وزارة الداخلية، وسائقي بعض خطوط الحافلات، وعمال المحاكم وغيرهم. هذه الموجة من الاضرابات تأتي على خلفية أكثر من عقد من تجميد رواتب القطاع العام (برفض الدولة منح العلاوة السنوية تماشياً مع التضخم) وتقليص الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية ومستحقات الضمان الاجتماعية كنتيجة للسياسات النيوليبرالية وأخضاع كل الخدمات العامة بضمنها الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والبريد والمواصلات...الخ لقوانين السوق والمنافسة وتكديس الأرباح على حساب الملايين المفقرة.
تشير التقارير الى أنه في بداية العام الحالي كان هناك 22% من المواطنين في بريطانيا يعيشون في الفقر. بضعة ملايين، من بينهم نصف مليون طفل، عانين حالة (الفقر المدقع)، وذلك في ال 12 عشر شهرا قبل جائحة كورونا. يعتبر حالة (الفقر المدقع) من اسوأ حالات الفقر والذي يفتقر فيه الانسان لكل ما يكفل له المسكن والملبس والغذاء والتدفئة، وان الوضع يسير نحو الاسوأ ويخشى ان يكون هذا الشتاء معتمأ وقاسيا على شرائح كبيرة من المجتمع البريطاني بكل معنى الكلمة.

اسباب وتداعيات اضراب الممرضات:
الاجور وشروط العمل:
ان أعدادا كبيرة من الممرضات تركن المهنة في السنوات الاخيرة بسبب قلة الأجور، ولكن الأجور ليست وحدها هي السبب. أذ يعاني اعضاء الكلية مثل جميع موظفي الصحة والرعاية الأجتماعية في بريطانيا من أرهاق شديد بسبب ضغط العمل بلا هوادة، وأن هذا الضغط قد تفاقم لدرجة كبيرة خلال جائحة كورونا. وبسبب هذه الظروف، يصعب ملئ الشواغر الوظيفية مما يزيد العبئ على الموظفين الباقين في المهنة.
يشير بيان قدمته الكلية للبرلمان البريطاني في يناير، كانون الثاني 2022 بأنه هناك 39.813 (معدل 10.5%) شاغرا في القوى العاملة التمريضية في أنكلترا في الخدمة الصحية العامة حاليا (ناشنال هيلث سيرفس - أن أج أس).
كما يشير البيان الى أن كوادر التمريض في ال ( أن أج أس) لا تكافأ بشكل عادل على الدرجة العالية من المهارة المهنية والخطورة المهنية مقارنة بالقطاعات الاخرى والقطاع الخاص.
فالمطالبة بزيادة في الاجور ب 19% هو للتغلب على الاستقطاعات بالقيمة الحقيقية نتيحة سياسات (التوفير لازدياد الكفاءة) وتجميد الرواتب للقطاع العام منذ سنة 2010 حتى الان، ونتيجة لهذه السياسات اصبح وضع رواتب الممرضات المتمرسات اسوأ بنسبة 29% (مقارنة ب 2010). وتؤكد التقارير الى انه حتى لو حصلت الممرضات على ال 19%، فان القيمة الحقيقية لأجورهم سوف تكون أقل من 2010.

التمريض وحقوق المرأة العاملة:
مهنة التمريض تاريخيأ كانت مهنة خاصة بالنساء، تمتزج فيها ارقى السمات الانسانية مع المهارة المهنية والتطبيق العلمي. وبالرغم من التغيير في هذا النمط وانظمام العديد من الرجال للمهنة في عصرنا، وبالرغم من التطورات العلمية الهائلة الذي حصلت منذ ايام فلورنس نايتنكيل، رائدة التمريض الحديث، فلازالت النظرة التقليدية سائدة، التي ترى المهنة كخدمة او "دعوة انسانية" أو "واجب من طيبة القلب" تقوم به المرأة بدافع التفاني وحب مساعدة الاخرين، بدلا من النظر إليها كمهنة محايدة بين الجنسين، يجب الدفع لها تماشيا مع مستوى المهارة العالية، والجهد الجسدي والنفسي والذهني، وهذه النظرة هي ما ساهمت في التقليل من شان المهنة واحباط معنويات كوادرها.
من الصعب دائما تنظيم اضراب لكوادر الصحة، كون توقفهم عن العمل ولو لوهلة قصيرة، سيمسّ حياة المرضى مباشرة وبما أن اغلبية العاملين في هذا المجال ينخرطون فيه بدوافع انسانية وحبأ بمساعدة الاخرين، يصعب عليهم جدا ترك مرضاهم في وقت الحاجة. فالاضراب في مستشفى او عيادة طبية ليس مثل اضراب عامل في معمل للسيارات مثلا.
ومن هنا تسئ الانظمة الصحية ليس فقط في بريطانيا، بل في جميع انحاء العالم، الأستفادة من الاخلاص وروح التضحية لكوادرها، وتسحق حقوقهم المهنية وإن النظرة الدونية للمرأة في المجتمعات الأبوية السائدة تقوي وتغذّي هذا النمط من التعامل مع المهنة.
فأن اجور وحقوق المرأة المتدنية والغير متساوية في جميع القطاعات تتجلى بشكل بارز في قطاع التمريض، ولكن المرأة الممرضة هي مرأة عاملة شانها شان اي عامل اخر ومن حقها الاضراب والمطالبة بالحقوق المتساوية وتقدير عملها حسب ما تستحق.
سياسات التفريق بين المضربين والجماهير:
تستغل الحكومات هذه النقطة بالذات من اجل اثارة الرأي العام ضد العمال المضربين والحد من تعاطف الناس مع اي اضراب للكوادر الطبية وتشتيت صفوفهم، كما حصل في الاضراب العام للممرضات في 1988، اذ أتهمت تاتشر العاملين المضربين ب "معاداة المرضى عمداً" و "ازدياد العبء على الممرضات اللاتي لايحلمن بالاضراب ابدا لانهن لن يتخلّين عن مرضاهن". كما أن رئيس الوزراء الحالي في بريطانيا، ريشي سوناك، شجب الاضرابات الحالية قائلأ بانها "تهديد كبير للعوائل الكادحة" وكأن كوادر الصحة والتمريض وعمال الاسعاف والسكك الحديدية والمواصلات والبريد ليسوا من العوائل والافراد الكادحة وهم خارج هذا التصنيف. هكذا تحاول الحكومات بث التفرقة بين قطاعات الجماهير المعترضة وتشتيت صفوفهم، ولكن الجماهير باتت واعية بهذا ويزداد التعاطف مع قضايا المضربين بصورة عامة يوما بعد اخر.
تُتّهم الممرضات بالتخلي عن وعدم الأكتراث بسلامة مرضاهن، ولكن تقول المضربات بان مرضاهن يموتون الآن بسبب ظروف العمل المزرية والضغط الوظيفي وقلة اعداد العاملين مقابل اعداد المرضى والبيروقراطية المفرطة. وأن مسؤوليتهم أن يرفعوا صوتهم الآن من اجل حماية مرضاهم ومستقبل مهنتهم ومستقبل الخدمة الصحية العامة.
الاضراب والتنظيم كوسيلة مهمة لتحقيق المطالب وتحقيق مجتمع تسوده المساواة:
يعلم المضربون بان الاضرابات طريقة مثبتة لإحداث التغيير. فقد ساعد إضراب أعضاء الكلية الملكية للتمريض في أيرلندا الشمالية في عام 2019 في تحقيق التكافؤ في الأجور مع إنجلترا وويلز. وبالرغم من أن اضراب عام 1988 لم يحقق التكافؤ في الاجور مع المهن الاخرى او تحسين ظروف العمل ولكن اُجبرت تاتشر حينها على رفع الاجور بنسبة 15.3%. كما ان تحديد ساعات العمل اليومي والحق في عطلة نهاية الاسبوع ماهي الا من مكتسبات للنضالات المنظمة للقرنين الماضيين.

أن تحقيق مطالب الممرضات في بريطانيا سوف يكون انجازا كبيرا ويقوي من عزيمة القطاعات الاخرى بأمكانية تحقيق مطالبها. بالأضافة الى ذلك، سيساعد في الرفع من شأن مهنة التمريض كمهنة ذات درجة عالية من المهارة يسخّر فيه العلم من اجل سلامة ورفاهية الانسان، وبما انها المرأة تشغل النسبة الاكبر من العاملين فيها، فأن هذه الخطوة نحو الاقتراب من التكافؤ في الاجور وشروط العمل قد تكون خطوة في تحقيق المساواة لها ومعيار يحتذى به في جميع انحاء العالم.
علينا جميعا ان نتضامن مع نضال الممرضات في بريطانيا.

***************************
* الكلية الملكية للتمريض في بريطانيا هي أكبر نقابة للتمريض في العالم. وهي هيئة مهنية ونقابة عمالية في نفس الوقت. لها اكثر من 450 الف عضوا من كوادر التمريض والقبالة والطلبة ومعاوني التمريض.
ومن الجدير بالذكر أنه كانت لدى الكلية الملكية للتمريض سياسة منع الاضرابات حتى عام 1995، وشجبت الكلية أضراب عام 1988 التي بادرت بتنظيمها ممرضات الصحة النفسية وأنتشرت في جميع انحاء البلاد انذاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال