الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشاء حق الملكية ومدى إمكانية ممارسته في ضوء اجتهاد القضاء؟ قراءة في قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 7126/2022 في 5/9/2022

سالم روضان الموسوي

2023 / 1 / 2
دراسات وابحاث قانونية


إنشاء حق الملكية ومدى إمكانية ممارسته في ضوء اجتهاد القضاء؟

قراءة في قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 7126/2022 في 5/9/2022

أصدرت محكمة التمييز الاتحادية قراراها العدد 7126/الهيئة المدنية/2022 في 5/9/2022 الذي جاء فيه الاتي :-

(تشكلت الهيئة المدنية في محكمة التمييز الاتحادية بتاريخ 5/9/2022 برئاسة القاضي نائب الرئـيس السيــد زيدون سعدون وعضويــة القاضيين السيدين صباح رومي وحجاب ابراهيم المأذونين بالقضاء باسم الشعب وأصدرت القرار الآتي :-

المميز/المدعي / م. ط. ف. / وكيله المحامي / ح. ك.

المميز عليه/المدعى عليه/ ب. س. ح

ادعى المدعي بواسطة وكيله لدى محكمة بداءة الكرادة ان المدعى عليه غاصب لجزء من العقار المرقم (22/16بتاوين) من فترة انتقال ملكية العقار للمدعي وممتنع عن تخلية العقار، عليه طلب دعوته للمرافعة والحكم بمنع المعارضة وتسليمه خالياً من الشواغل وتحميله الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة. أصدرت محكمة الموضوع بالعدد 300/ب/2022 وبتاريخ 27/7/2022 حكماً حضورياً برد دعوى المدعي وتحميله الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة. ولعدم قناعة المدعي بالحكم طعن به تمييزاً طالباً نقضه للأسباب الواردة بلائحة وكيله المؤرخة في 24/8/2022.

القــــــــــــــــــــــــرار/// لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية لذا قرر قبوله شكلاً وعند عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام القانون ذلك ان دعوى منع المعارضة المقامة من قبل المدعي (المميز) استندت إلى الحكم البدائي الصادر عن المحكمة بالعدد 1889/ب/2015 في 25/10/2015 والقاضي بتمليكه العقار المرقم (22/16 بتاويين) وان حكم التمليك هو انشأ حق الملكية للمدعي فمن حقه إقامة دعوى منع المعارضة ضد المدعى عليه (المميز عليه) لان عدم التنفيذ لا يفقد حقه بالانتفاع واستغلال ملكه وفقاً لنص المادة (1048 مدني) اذا كان حكم التمليك لم تمضي عليه مدة التقادم المنصوص عليه في المادة (112) و (114) من قانون التنفيذ النافذ فأن مضت عليه مدة التقادم فعندئذ تقضي المحكمة برد الدعوى للأسباب التي استندت اليها محكمة الموضوع في حكمها المميز وحيث ان محكمة الموضوع حسمت الدعوى دون مراعاة ما تقدم لذا قرر نقض الحكم المميز وإعادة اضبارة الدعوى إلى محكتها لاتباع ما تقدم على ان يبقى الرسم التمييزي تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 5/9/2022م(

أولا: القراءة الفقهية لقرار الحكم أعلاه

تضمن الحكم عدة مبادئ تتعلق بأنشاء حق الملكية والكشف عن هذا الحق ومن ثم بيان كيفية استعمال الحق وتلخصت هذه المبادئ بالاتي (1- قرار الحكم بالتمليك منشئ لحق الملكية 2- عدم تسجيل الحكم لدى التسجيل العقاري لا يمنع من ممارسة حق الملكية وتفرعاته) وسيكون العرض على وفق الاتي:

1. اكتساب حق الملكية: ان حق الملكية يكتسب أهمية كبيرة لأنه أوسع الحقوق العينية نطاقاً، ويرى السنهوري انه جماع هذه الحقوق وعنه تتفرع جميعا[1]، ومن يكتسب حق المكية يستطيع ممارسة سائر الحقوق الأخرى مثل الاستعمال والانتفاع والتصرف فيه وعلى وفق أحكام المادة (1048) من القانون المدني العراقي 40 لسنة 1951 المعدل التي جاء فيها الاتي (الملك التام من شأنه ان يتصرف به المالك، تصرفاً مطلقاً فيما يملكه عيناً ومنفعة واستغلالاً، فينتفع بالعين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة)، وأسباب كسب هذا الحق وردت في القانون المدني، حيث اعتبر العقد سبب من أسباب كسب الملكية وعلى وفق أحكام المادة (1126) مدني التي جاء فيها الاتي (1 – تنتقل الملكية بالعقد في المنقول والعقار.2 – والعقد الناقل لملكية عقار لا ينعقد إلا اذا روعيت فيه الطريقة المقررة قانوناً) ، كما ورد سبب اخر لنقل الملكية وهو صدور حكم قضائي حيث تتولى دوائر التسجيل العقاري نقل الملكية استناداً إلى حكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية وعلى وفق ما ورد في المادة (208) تسجيل عقاري التي جاء فيها الاتي (يجرى تسجيل البيع او الإفراغ المستند الى حكم قضائي حائز درجة البتات وقابل للتنفيذ بدون حاجة إلى الإقرار ولا يخضع التسجيل في هذه الحالة إلى القيود المفروضة قانونا على التصرفات الرضائية)، والحالة محل البحث الواردة في قرار محكمة التمييز الاتحادية أعلاه ، كان يتعلق بنقل ملكية عقار بموجب حكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية وعلى وفق ما ورد فيه (استندت إلى الحكم البدائي الصادر عن المحكمة بالعدد 1889/ب/2015 في 25/10/2015 والقاضي بتمليكه العقار المرقم (22/16 بتاويين) وان حكم التمليك هو انشأ حق الملكية للمدعي) ، وبذلك فان الحكم اعلاه اعتبر الحكم القضائي منشئ للحق واحد مصادره.

2. استعمال حق الملكية: بعد ان صدر الحكم القضائي وإقرار حق الملكية للمدعي في دعوى منع المعارضة محل البحث، وينهض السؤال الاتي" هل القانون أجاز نقل الملكية بمجرد صدور الحكم ويصبح مالكاً يستعمل حقه بوصفه مالكاً"؟ مثلما قررته المادة (1048) من القانون المدني التي جاء فيها الاتي (الملك التام من شأنه ان يتصرف به المالك، تصرفاً مطلقاً فيما يملكه عيناً ومنفعة واستغلالاً، فينتفع بالين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة)، والاجابة تكون على وفق الاتي ، ان القانون الذي ينظم اليات نقل الملكية هو قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل حيث منع اجراء أي تصرف ناقل للملكية على الحقوق التي صدر بها حكم قضائي إلا بعد تسجيل ذلك الحكم في السجلات العقارية وعلى وفق أحكام المادة (4) من قانون التسجيل العقاري، بمعنى لا بد لمن اكتسب حق الملكية ان يسجل الحكم القضائي لدى دائرة التسجيل العقاري ويمنح صورة قيد للعقار باسمه استناداً إلى ذلك الحكم القضائي، ويقول احد شراح قانون التسجيل العقاري (ان القانون أوجب هذا التسجيل لتمكين المحكوم له بالحق العيني من التصرف فيه)[2]، بمعنى لا يتمكن من ممارسة حقه في الاستعمال والانتفاع ونقل الملكية وغير ذلك إلا بعد تسجيل الحكم القضائي لدى دائرة التسجيل العقاري.

3. طبيعة دعوى منع المعارضة: وبما ان الحكم محل البحث يتعلق بدعوى منع المعارضة فان تلك الدعوى من الدعاوى المتعلقة بحق الملكية، وهذه وان لم يرد اسمها ضمن النصوص القانونية النافذة، إنما العرف القضائي والاجتهاد الفقهي هم من أشاروا اليها، وانها من الدعاوى التي تتصل بأصل الحق وتقام على الغاصب للحق، وعلى وفق ما أشارت اليه المادة (197) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل التي جاء فيها الاتي (المغصوب ان كان عقاراً يلزم الغاصب رده إلى صاحبه مع اجر مثله واذا تلف العقار طرأ على قيمته نقص ولو بدون تعد من الغاصب لزمه الضمان) ومن يقيم الدعوى هو المالك للحق المغصوب وفي حالة غصب العقار يكون مالك العقار هو من يملك حق إقامة الدعوى، لأنه صاحب المصلحة الوحيد في الانتفاع بالعين التي يملكها، وحق المنفعة المتفرع عنها. وبما ان الملكية بموجب قرار حكم قضائي بات ، فان التصرف باستعمال الحق يكون موقوف على تحقق شرط التسجيل في سجلات التسجيل العقاري، ويشير احد شراح قانون التسجيل العقاري بان التصرفات القانونية على العقار وحدها لا تكسب المتصرف اليه الحق العيني إلا بالتسجيل في التسجيل العقاري[3]، وفي قرار سابق لمحكمة التمييز الاتحادية اعتبرت المدعية خصومتها صحيحة طالما هي المالكة للعقار في التسجيل العقاري مع ان ملكية العقار قد انتقلت إلى شخص اخر بموجب حكم قضائي الا انه لم يسجل في سجلات التسجيل العقاري وعلى وفق ما ورد في قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 3565/هيئة استئنافية عقار/2010 في 22/12/2010.

4. نقل ملكية العقار: قانون التسجيل العقاري وهو قانون ينظم أحوال العقار ويوضح كيفية انتقال حق الملكية ومتى يستطيع المالك الانتفاع بملكه، وفي هذا الصدد فانه فرق بين حالتين من الحق الثابت بموجب حكم قضائي، فان التسجيل فيه وان اعتبر كاشف للحق ، إلا ان النصوص الأمرة ملزمة وواجبة الاتباع، لذلك فانه في حالة صدور الحكم القضائي بالتمليك فان الحق ينتقل إلى المالك إلا انه لا يستطيع التصرف به إلا بعد تسجيله وعلى وفق ما ورد في المادة (4) من قانون التسجيل العقاري، لأنها نهت عن إجراء أي تصرف عقاري على الحقوق إلا بعد التسجيل وعلى وفق النص الاتي (لا يجوز إجراء التصرفات العقارية على الحقوق التي صدر بها حكم قضائي حائز على درجة البتات او قرار قانوني له قوة الحكم القضائي إلا بعد تسجيل تلك الحقوق في السجل العقاري) ويذكر ان محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية قد جاء في قرارها العدد997/م/2017 في 17/12/2017 (لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية ولكونه مشتملاً على أسبابه قرر قبوله شكلاً , ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون اذ راعت المحكمة في إصداره أحكام المادة (4) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 التي منعت إجراء التصرفات العقارية على الحقوق التي صدر بها حكم قضائي حاز درجة البتات أو قرار له قوة الحكم القضائي إلا بعد تسجيل تلك الحقوق)، كذلك ما جاء في قرار محكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية العدد 240/م/2009 في 16/9/2009 (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي واقعاً ضمن المدة القانونية قرر توحيده وقبوله شكلاً ولدى عطف النظر الى القرار المميز وجد أنه صحيح وموافق للقانون لاحكام المادة /4 من قانون التسجيل العقاري لأن السهام المشتراة من قبل المدعي من العقار المرقم / 73 عمو البقال بالمزايدة العلنية في تنفيذ الموصل لم يتم تسجيلها في مديرية التسجيل العقاري المختصة باسمه، وبالتالي لا يجوز له إجراء التصرفات العقارية عليها وأن طلب إزالة شيوع العقار بيعاً، هي من ضمن هذه التصرفات) ومن الجدير بالذكر ان التصرف العقاري يقصد به كل تصرف من شانه إنشاء حق من الحقوق العينية الأصلية والتبعية او نقله او تغييره او زواله وكل تصرف مقرر لحق من الحقوق المذكورة، وعلى وفق أحكام المادة (3/1) من قانون التسجيل العقاري، وبذلك فانه ممنوع من إجراء الوقف على العقار اذا لم يسجل الحكم القضائي لدى دائرة التسجيل العقاري، ومثله حق المنفعة لا يتمكن من ممارستها سواء بالإجارة او تمليكها للغير، لا نها من الحقوق العينية المترتبة على العقار ومصدرها حق الملكية[4]، ومن شروط الدعوى ان يكون المدعي مالكاً للحق الذي يطلب حمايته، لان القانون عرف الدعوى بانها طلب شخص حقه من اخر أمام القضاء وعلى وفق ما ورد في المادة (2) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، ويقول احد شراح قانون المرافعات المدنية ان استحقاق الحق ليجب ان لا يكون على اجل[5]، كما ان المادة (3) من قانون المرافعات اشترطت في من يقيم الدعوى ان يكون متمتعا بالأهلية اللازمة لاستعمال الحقوق المطالب بها[6]، وحيث ان استعمال حق الملكية المكتسب بموجب الحكم القضائي محل البحث لم يسجل في سجلات التسجيل العقاري فانه مقيد ولا يجوز استعماله ويكون صاحبه غير مؤهل لإقامة الدعوى وعلى وفق أحكام المادة (4) من قانون التسجيل العقاري المشار اليها في أعلاه.

5. ان السير مع الاتجاه الذي سارت عليه محكمة التمييز الاتحادية في قرارها اعلاه سوف يفرض على المختص دراسة الفرضيات الآتية:

‌أ. لو فرضنا ان المالك الأول الذي ما زال العقار مسجل باسمه في سجلات العقار باسمه وان هذه السجلات لها حجية تجاه الكافة على وفق أحكام المادة (10/1) من قانون التسجيل العقاري[7] ، وقام بنقل الملكية الى شخص اخر، فما هو مصير الحكم بالتمليك، حيث ان الحكم يصبح غير قابل للتنفيذ إلا اذا اتبعت طرق قانونية منها عدم نفاذ التصرف أو الإبطال وغيرها من الإجراءات القضائية الطويلة.

‌ب. ان تراخي المحكوم له في تنفيذ الحكم يكون سبباً لإسقاط قوته التنفيذية بمضي المدة المحددة في قانون التنفيذ، هذا دليل على ان الحق في الملكية الذي مصدره الحكم القضائي غير المسجل لدى التسجيل العقاري ذو مركز قلق وغير مستقر وقابل للنقض او عدم التنفيذ، وهذا يتقاطع مع شرط الأهلية اللازمة لاستعمال الحقوق الواردة في المادة (3) من قانون المرافعات المدنية

ثانياً: الخلاصة: أرى من خلال ما تقدم ان النص القانوني الوارد في قانون التسجيل العقاري لا يكفي لضبط الاجتهاد القضائي مما يتيح الفرصة للتوسع ومن ثم التباين مثلما ورد في العرض المتقدم، ولابد من تعديله حتى تتفق المحاكم بكافة درجاتها على حكم ثابت ومنسجم.

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد


الهوامش==================

[1] الدكتور عبدالرزاق السنهوري ـالوسيط في شرح القانون المدني ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت عام 2000ـ ج8 ـ ص479

[2] مصطفى مجيد ـ شرح قانون التسجيل العقاري ـ منشورات مطبعة الإرشاد عام 1972 ـ ج1 ـ ص74

[3] مصطفى مجيد ـ شرح قانون التسجيل العقاري ـ منشورات مطبعة الارشاد عام 1972 ـ ج1 ـ ص 44

[4] مصطفى مجيد ـ مرجع سابق ـ ج1 ـ 39

[5] القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ توزيع المكتبة القانونية في بغداد ـ ط2 عام 2008 ـ ج1 ـ ص 45

[6] نص المادة (3) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل (يشترط ان يكون كل من طرفي الدعوى متمتعا بالاهلية اللازمة لاستعمال الحقوق التي تتعلق بها الدعوى والا وجب ان ينوب عنه من يقوم مقامه قانونا في استعمال هذه الحقوق)

[7] نص المادة (10/1) من قانون التسجيل العقاري رقن 43 لسنة 1971 المعدل (تعتمد السجلات العقارية وصورها المصدقة وسنداتها اساسا لإثبات حق الملكية والحقوق العقارية الأخرى وتعتبر حجة على الناس كافة بما دون فيها ما لم يطعن فيها بالتزوير، ولا يقبل الطعن بالصورية في التصرفات المسجلة فيها.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية




.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور