الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمزية في رواية -العائد إلى سيرته- باسل عبد العال

رائد الحواري

2023 / 1 / 3
الادب والفن


الرمزية في رواية
"العائد إلى سيرته"
باسل عبد العال
يعرف الكاتب روايته بقوله: "رواية واقعية بسردية التركيب الشعري" وهذا يأخذنا إلى أننا أمام واقع وشعر، أو تقديم الواقع بصيغة شعرية، كلنا يعلم أن واقعنا بائس، ولسنا بحاجة إلى من يذكرنا به، فنحن نهرب منه محاولين تجاوزه/نسيانه، فحجم الضغط والسواد الذي نمر به لم يعد يسمح لأي حال ضغط إضافية، وهذا يجعل مهمة السارد صعبة وحتى شبه مستحيلة، إلا إذا استطاع استخدام عناصر تخفيف تمحو وتزيل ذلك السواد العالق بالواقع.
بعد قراءة الرواية يتبين لنا أننا أمام لغة شعرية مغمسة بالرمزية، فالسارد لم يستخدم المباشرة في تقديمة للأحداث، وجعل الرمز هو الوسيلة التي تمهد وتصف الواقع، وهذا اسهم في الخفيف على المتلقي الذي لم يشعر بأن الأحداث متعلقة به مباشرةً، وعندما اقتصر الشخصيات المركزية على "كاتم الصوت وأبنه والعجوز" سهل على نفسه من التوسع في الحديث عن أحداث أو شخصيات جانبية، فكان التركيز على هؤلاء يعني تكثيف الأحداث والاختزال قدر الإمكان.
رمزية المكان ورمزية أهله
بما أننا أمام رواية رمزية فلم يتم تحديد أي مكان، وكان المكان عام، حتى أن القارئ في بداية الرواية يشعر أن السارد يتحدث عن الواقع العربي، لوجود ذكر للصحراء والرمال والبحر، لكن بعد أن يتعمق فيها يجد إشارات إلى أن المقصود فلسطين من خلال "الزعتر والزيتون والبرتقال، فهي كانت العلاج من الرمال التي تحول دون نطق "كاتم الصوت". "... وما زال طعم الرمل الجاف في فمي، حقا؟ نعم سيدي، طيب، ليس لك إلا الزعتر البلدي وبعض أوراق الزيتون في ماء حار، والمزيد من البحث وحاول أن تحلم، لأن الأحلام رؤية الهواجس المستقبلية" ص32، كان يمكن أخذ هذا الكلام على انه عادي ولا يحمل إشارات رمزية، لكن تكراره في أكثر من موضع في الرواية، وربطه بالحلم يشير إلى أننا أمام رمزية أراد السارد إيصالها للمتلقي.
تم تكرار ذكر الزعتر البلدي وأوراق الزيتون في أكثر الصفحة، كحال البرتقال: "... بعيدا إلى ما نحب
بلادا وشمسا على البرتقال
وشمسا لشرق المكان" ص35، هذا على صعيد رمزية فلسطين، فقد رمز لها بالبرتقال قبل عام 1967 من خلال مجموعة أعمال أدبية أشهرها مجموعة غسان كنفاني "أرض البرتقال الحزين" لكن بعد عام 1967 تحول الرمز إلى الزيتون، اعتقد أن تذكير المتلقي بالرمز الأول لفلسطين يحسب للرواية وللسارد، الذي أعادتنا إلى (سيرتنا الأولى) عندما فقدنا الجزء الأكبر منها في عام 1948.
ومن المواضع التي ذكر فيها البرتقال رمز فلسطين الأول: "شاب في العشرين من عمره، لا يتذكر شيئا عن البرتقال الآتي من الأثر المقدس، ويقول له البائع: هذا برتقالنا يا غبي" ص92، قد يبدو أن هناك وضوح في هذا المقطع، لكننا نجد حرص السارد على عدم ذكر المكان مباشرة، واكتفى "بالأثر المقدس، برتقالنا".

ومن الإشارات إلى أن السارد يتحدث عن فلسطين:
" بعيد هناك
على قلق من كلام الرسول
ولو اقتربت هذه الأرض شبرا
لسرنا ‘ليها حفاة حفاة" ص35، فهذا المقطع يحسم أمر الرمز تماما، وعلى أن السارد لا يخاطبنا بصورة مباشرة، وإنما بواسطة الرمز، وهذا ذكاء يحسب له، فهو يحترم عقلية المتلقي الذي لا بد أن يصل إلى ما يُراد طرحه في الرواية.
الرواية لم تتناول المرأة إلا في مواضع تخدم الفكرة الرئيسة في الرواية، من أشكال حضور المرأة هذا المشهد: " وكتبت رسالة للفتاة التي لمعت وغابت مثل نجمة في المفترق، ولم تكلمني، الفتاة ذات الثوب الزهري الفاتح، والوجه البرتقالي المائل للغروب" ص 46، أيضا نلاحظ أن المرأة جاءت لخدمة الرمز في الرواية، فالسارد حريص على البقاء ضمن أطار الرمز الذي حدده في تقديم أحداث ومكان الرواية.
السارد يقدم أفكارا للمحافظة على (الثوابت الوطنية الفلسطينية) لكنه لا يتحدث بصورة مباشرة، وأنهما من خلال هذا الشكل: "الكارثة هي أننا سننسى كل شيء فعلا، من نحن؟ من أين جئنا، وسننسى السير المعلقة على مقصلة الخيمة، وسننسى أسماءنا الأولى، وسننسى الطريق الطويل إلى أثر الدم على الزهر وسننسى العجوز "عامود الخيمة" وشاهدة قبره، وسنصبح جميعا اسم واحد "كاتم الصوت" ص50، فهنا لا يوجد ما يشير مباشرة إلى أن المقصود فلسطين والفلسطيني، لكن وجود "سننسى (مكرر)، الطريق الطويل، عامود الخيمة" تأخذنا إلى أن هذا الخطاب موجه للفلسطيني ويتحدث عن فلسطين.
(يكشف) السارد هذه الرمزية بقوله: "...هي كلمة تدغدغ لساني بكثرة، حين أتخيل أن أنطق بها: وجدتها؟ هي الكلمة المفتاح في بحثي الطويل، وجدتها ويكفي، فهي تفرح القلب مثل رائح الزعتر، وتضعني أمام نفسي بفرح لم أعرفه منذ زمن، ا ل س ر ي ر، متعدد المعاني والرموز، ولكنه يثير فضول الباحثين، حروفه سلسة على النطق" ص72، نلاحظ أن السارد حتى عندما يري الإشارة إلى الرمز لا يتحدث بصورة مباشرة، وإنما بواسطة الرمز أيضا.
وعندما يتحدث عن الفرح القادم بقوله: "...لكنه سيصرخ بها يوما ما، إن صرخ حقا، وستفوح من فمه رائحة الزعتر، ونشم الرائحة من التراب إلى التراب، ونجد الطريق الضائع إلى الأثر المقدس، ونشهد العثور المقدس على السير المعلقة على مقصلة الخيمة" ص73، تكرار "التراب والمقدس" وذكر الخيمة، والزعتر كلها إشارات إلى أن الحديث متعلق بفلسطين والفلسطيني.
العنوان "العائد إلى سيرته"
عنوان الرواية يأخذنا إلى العودة إلى البداية بعد أن نصل إلى النهاية، أو نصل إلى مرحلة/مكان نشعر بأنه غارق في تيه وليس له منفذ، وهذا ما فعله السارد في الرواية، فهو يتناول البدايات، مرورا بمراحل الصراع مع العدو ووصولا إلى أوسلو وما بعد أوسلو، كما أنه يتناول استشهاد عرفات العجوز "عامود الخيمة". فمراحل الثورة الفلسطيني مرت بحالات متعددة منها صعودا ومنها نزولا، منها إنجازات ومنها إخفاقات. لهذا نجد الأحداث فيها المد والجزر، وبما أن تاريخ المقاومة الفلسطينية يحمل العديد من المواجهة مع النظام الرسمي العربي والمحتل الإسرائيلي، فقد كان النطق بالمقاومة يعرض صاحبها للملاحقة الأزمنة.
يتحدث السارد عن هذا الأمر بقوله: "...وتحسست فمي، سالما وسليما.. جربت أن أنطق، فنطقت بارتباك شديد حرفا وحرفا...ل ع ا ئ د إ ل ى س ي ر ت ه ." ص14، هذا الشكل يخدم فكرة انطلاقة الثورة الفلسطينية وكيف أنها بدأت بصورة متواضعة حيث كانت الرقابة الرسمية العربي تطارد كل من يتجاوز السقف الموضوع له.
انطلاقة الثورة الفلسطينية كانت عيدا عند الفلسطيني، لأنها أوجدت له املا حقيقيا في العودة: "هل تريد شيئا قبل أن أخرج؟ الجواب: نعم، أعدينني إلى سيرتي.
...أحتاج أن أنتصر على تمرد الريح في سجن هذا المكان، " ص18، تركيز السارد على العودة إلى السيرة يأخذنا إلى الباديات الصادقة، عندما كان الفدائي يقدم روحه لتحقيق أهدافه الوطنية وأمانيه، لهذا كان "العائد إلى سيرته" هي الخلاص مما وصلنا له من خراب وضياع، وكانت هذه الصرخة: "أعيدوا إلينا سيرتنا كي نستعيد أسماءنا الأولى" ص21، بمثابة تأكد على نقاء البدايات ووفاء القائمين عليها.
الرواية من منشورات الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال


.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان




.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ