الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثامن من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة

أمين أحمد ثابت

2023 / 1 / 3
الادب والفن


***
من وقت . . تسربت قناعة تكاد تأسر عقلك – سقط رهانك الاول لحل معضلتك . . لا نفع من اليسار المصري ، الفاقد قدرة الفعل – لكنك في وضعك المجهول ، تظل تتعلق بما يرد في طريقك خلال جرف التيار لك ولا تعرف الى اين يصل بك ، وهل يبقيك حيا أم ميتا أو يرميك جثة مهشمة لم تفارقها الحياة على ضفة من الضفاف ، فتتغذى عليك الكواسر و . . تفقأ عينيك العقبان الجائعة . . وما يتبقى لها من جيفة جسدك – ستعاود البحث عن الدكتور تليمة ، يمكن أن يقوده القدر أن تجده . . فيأخذ بيدك أو أن يقطع الامل منه – هو من عول عليه لحل هذه المشكلة الصغيرة لشاب تعطى له منحة مجانية للدراسة العليا . . لا أقل ولا اكثر – لا تضغط بالإلحاح . . حتى لا تفقد تعاطف الاخرين . . بعمل شيئا لك – لا تمل ، لا يقبل الزيارة في بيته ولا يرد على اتصال إلا نادرا من اشخاص لا يزيدون عن عدد أصابع الكف الواحد ، يكون عارفا مسبقا بهذا الاتصال ومن المتحدث معه – لن تجده إلا حين تقابله في الجامعة . . وسيحل مشكلتك – واصل التردد على مكتبه . . ولا تتوقف – هو وحده من يحل مثل هذه المشكلات – لا جدوى من الاخرين ، هي حقيقة ادركتها خلال بضعة الشهور الماضية ، كل من تلتقيهم يعاملونك كمثقف منهم ولست غريبا عنهم – إنه اقصى ما يمكن أن يمنحوك اياه – حتى حين تحاول نادرا التكلم في حالتك ، لم يعد لأحد اهتمام بالوقوف عليها ، تجد حديثا مبهما و . . سريعا و يسرح بك الى جدل النقاش في امور اخرى – لن اعود أسأل احدا أو اشكو اليه – اتريد رفقة ووسطا ثقافيا يزيح عنك شعور الغربة و . . ما يتلاءم معك . . تعال لقضاء متعتك وممارسة نشوتك ، فأنت ادرى بنفسك من غيرك بما تستروح به نفسك – وبما احسست به من شعور عدم الراحة في زياراتك الاخيرة الى الجامعة للسؤال عن الدكتور . . خير أن تترك عودة السؤال عنه لشهرين . . حتى لا يكون ترددك منظورا ومثير للتساؤل ، فأنت غير مسجل للدراسة العليا من العام المنصرم و . . هذا العام في الكلية ، اسمك غير موجود مع من انهى السنة التحضيرية الاولى بامتحانات مقرراتها . . لتبحث عن الدكتور ليكون مشرفا على رسالتك – كيف تتكرر باحثا عنه وليس لك صفة به . . فأنت عرفت بنفسك طالب دراسات عليا – هناك اشتباه في الامر . . .



عدت الى نقطة البداية ، قضاء ايامك بما لا يجعل اقامتك كضيف ثقيل بالنسبة للآخرين – انها ازمتك وحدك . . ووحدك من يفكها – بدأت قناعتك تترسخ ببحث طريقة للسفر الى عدن ، لكنك صرت تعرف أن المقاطعة بينها والنظام المصري مصحوبا بعدم وجود رحلات طيران ابدا بين البلدين – لا طريق اخر إلا السفر الى دمشق من القاهرة ، فهي البلد العربي الوحيد توجد فيه سفارة لدولة الجنوب – ماذا تعمل ، ليس معك مالا لشراء تذكرة ذهاب ، . . بل ليس معك غير عشرين دولارا في جيبك . . ظلت على حالها من بعد وصولك القاهرة – كان ترددك للسؤال في مكاتب شركات الطيران لتعرف ارخص ثمن تذكرة الى سوريا المختلفة ، كانت عروض اسعارها اغلى بثلاثة الى اربعة اضعاف من ثمن تذكرتك التي قطعتها الى القاهرة من اليمن ذهابا واياب – دولتك موضوع مغادرتك الى دمشق . . إذا يمكن للزملاء التبرع لشراء تذكرة ذهاب فقط – لم يكن سهلا عليهم ، فما يتحصلون عليه كمنحة مالية من الداخل لكل ثلاثة اشهر . . ويتم تأخير استلامها من الطلاب بعد شهرين اضافيين او اكثر . . لا تغطي نفقات معيشتهم غلا بصعوبة ولفترة لا تصل الى ثلاثة اشهر – أكيد عندك تذكرة عودة الى اليمن ، فهناك لا يبيعون تذكرة one way الى أي بلد ، نفتحها على طيران غير اليمنية . . ما دمت تحمل جوازا شماليا ولا تشعر بالأمان في السفر عليها الى دمشق – كانت هناك قلة من خطوط الطيران تقبل التحويل الى خطوطها ، لكن ما يلزم دفعه من فارق السعر . . قريبا من شراء تذكرة ذهاب فقط الى دمشق . . كما لو ان تذكرة الاياب الى اليمن لا ثمن لها – لا حل إلا بالسفر عبر اليمنية نفسها وتحويل خطها الى دمشق بدلا عن اليمن ، والعذر بأنه سيتم شراء تذكرة العودة الى اليمن من سوريا . . حتى لو كان سعرها بالدولار اغلى من ثمن تذكرة كاملة من اليمن – ظللت اهوم لأشهر . . كيف حل هذه المعضلة – لن اعود ابدا الى خالي او خالتي لمساعدتي ، فلقائي اليتيم معهما قد استنفذ كل شيء . . حتى المجيء زيارة للإحساس بعاطفة رابطة الدم ، ما يخفف عنك عذابات ضياعك في بلد دون سند – كلامه الاخير ما زال محفورا في دماغك ، لا تمر ثانية الى هنا ، يكفي انك ادخلتني في مشكلة كبيرة و . . مجيئك يعني اني وراء تهريبك والتستر عليك وحمايتك – ماذا سيقول إذا اخبرته اريد مساعدة للسفر الى سوريا ومنها الى عدن عبر السفارة هناك ، غير بعيد أن يتصل خفية للقبض علي في بيته – أن ازور بيته ثم اغادر الى دمشق ، خاصة واكيد أن من المخبرين الذين يكتبون التقارير ولا نعلم بهم . . قد ابلغوا بذلك وأن مشكلتي الفلوس ، والتي من المؤكد قد حلها السفير – ستلصق به تهمة الخيانة والعمل لنظام اليمن الجنوبي سرا . . لأنه هربني مجددا الى سوريا للجوء الى سفارة الجنوبي – لن اذهب اليه . . وإن كان على قطع رأسي ، هو ما كررت قوله لكل صديق يعرف درجة قرابتي بالسفير واقترح ذهابي اليه ، ثلاثمائة او اربع مبلغ تافه بالنسبة له ، على الاقل تخلص من وجودك من القاهرة و . . وهو اتفه شيء يمكن أن يقدمه – الواحد يستغرب . . كيف تترك هكذا دون مساعدة لتعيش . . حتى يتدبر حلا لمشكلتك ! ! 1 . . .




















***

دخل شهر نوفمبر – انهيت شهرك العاشر منذ وصولك قاهرة المعز بالله – خلع عنك أحد اغطية تعذيبك النفسي ، لم تعد مشاعر الغربة بأفكارها السوداء موجودة فيك ، ألفت البلد والناس و . . هم ألفوا وجودك – مثل كل يمني يأتي طبيعيا الى مصر - ليس هاربا – لديه هدف لوجوده فيها ، مكان اقامة ووضع معيشي – عرفت الان فقط هدف وجودك ، القاهرة بلد عبور . . يطول بقاؤك او يقصر .
خفضت سيرك للقاء النخب المصرية ، فالاحاديث والنقاشات وطابع الفعاليات . . ذاتها الملاكة منذ الشهرين المنصرمين و . . يبدو انها ستستمر على حالها لأشهر كثيرة قادمة – هي ذات الخصيصة المشتركة بين النخب العربية ، والتي ألفتها في اليمن – كنت ورفقتك تفجرونها . . بتمردكم الفكري الناقد المتحدي في مجالس مختلف اوساط النخبة . . السلطوية والمعارضة والاسلاموية ، وكنتم تذيبون متكرر الجمود بالهاب الواقع كتابة ونشرا . . يضج مضاجعهم جميعا – كنتم جماعة شابة لا تحبكم كافة الاطراف المتصارعة ، لم تتركون طرفا إلا وعريتموه . . حتى من الورقة الساترة لعورتهم ، وجميعهم يقدمون الجزرة بأطباق من ذهب لاستمالتكم . . حتى فردا فردا منكم ، عداهم اوصياء الرب على كتابه – كما يوهمون انفسهم . . كمختارين من الخالق على كتابه وعباده . . يوجب الطاعة لهم ومن رفض فقد عصى الله والرسول – لا جزرات يمدونها لمارقين كفرة مثلنا . . اعداء الله والرسول وأولوا الامر ، يمدونها فقط للمغفلين والسذج من العامة و . . الانتهازيين من القوميين ، القابلين رفع الدين نيابة عن اسيادهم الاحبار . . كأساس كل شيء و يحتوي كل العلوم والمعارف والابداع والابتكار – يتصدرون تكفير من يدعون الى العلم والتكنولوجيا بمعزل عن الدين و . . الافكار المتحررة دون أية وصاية وخارج ما قال به وعمله الاولين من السلف الصالح – وحين يتغير المناخ و . . يكون لافظا لسوط الدين ، يعودون كمتصدرين للوطنية بشعارات المدنية المتحررة عن طاغوت الماضي المتخلف والدعوة للعلم كحال للمشكلات والتقدم . . ولا شيء غيره – هو ذ1ته حين اصبحت حالا بين اهلك ووطنك الثاني . . ولم تعد غريبا عنهم – عدت للطفو في اختلائك بنفسك . . كما اعتدت إتباعه من بعد وصولك مدينة قلب الكنانة ، وكما كان سر تمتعك السحري بجمال الحياة في واقع اسير بالتخلف والاستبداد وضيق العيش لمن لا يقبل أن يكون خادما و . . قوادا طيعا لوال عليه ، تفكر كأنك خارج نفسك لتعينها كما تعين غيرك ، تعيد ترتيب الوقائع والخبرات والاحكام العاطفية المتسرعة الماضية حتى اللحظات الاخيرة من الان . . لتكتشف ما كان غائبا عليك ومستورا عنك وعن من حولك من الاصدقاء المنقذين لك من التشرد ككلاب الشوارع ، تبني افتراضات جديدة يلزمك اتباعها . . محاولة اثر اخرى إن فشلت سايقتها في انتاج الثمار المطلوبة ، ثمار فتح المسار الى ما يحرك نفسك واشباعها . . لتمنحك حق الوجود . . بذاتك الفارضة نفسها دون خنوع أو بتفضل لأحد – وتحظى كما انت دائما بلذاتك في تلوين كل ما حولك ونقشه بمزاجك واحلامك . . كالفراشات حين تطير بغنجها الاسر لتحط على زهرة بعيدة مخلفة ما كانت امامها ، تتنقل بأسر ألوانها المتعددة . . بحرية عن شبح الجوع الامر لها اسقاط حالتها من الدلال والغنج اللاهي بالتنطط من زهرة الى اخرى – ادركت مؤخرا سرك الشخصي الذي لم يرد الى مخيلتك قبلا ، الذي يحمل اجابة غير مباشرة عن عدة تساؤلات ، لماذا ينهار الكثير ممن يكبرونك سنا وخبرة معرفية واعتناقا ايديولوجيا . . تحت ظروف اقل قساوة وقبحا من التي تطوقك وتسد كل المنافذ عليك . . تظل مقاوما الخوف . . غير منهزم واشد اصرار وتحدي عن قبل ، رغم ما تحمله من عذابات متنامية وحصار اكثر خنقا من سابقه . . ؟ ! ! – هناك من يقول أن ذلك يعود لشجاعتك وجرأتك الشخصية ، لكن الحقيقة ليست في ذلك ، بل في طقوس طفوك الذي خلقته بنفسك واصبح مختبرك السري دون تخطيط منك ، يجرك الى داخله دون وعي ، يصعد احساس التأذي والمشاعر الخانقة انفاسك ، يوصلك الى نقطة انعدام الوزن ، يذوب في منطقتها الزمن وواقعك المحسوس لعيشك ، تتحرر روحك من قيد جسدك و . . يتحرر عقلك من تابو وجودك الراهن وأوجاع نفسك العاطفية الصارخة بصمت كل ثانية لماذا كل هذا العداء والكراهية المساطة عليها ، الى متى ستظل مطية لاستهداف هذا او ذلك ، كل من اراد أن يدلل لنفسه ولغيره . . مدى قوته وفرض مشيئته ومزاجه وتذرعاته . . انها الصحيحة . . لكونها مثبتة بقوة ارادته ، حتى لتوهيم من هو اشد منه . . انه نافذ قطعي في فعله – يتحرر دماغك من سجن حصارك الى سدرة لا يشاركك فيها احد ، ترى نفسك والاخرين وكل ما هو متمدد من الكون ، تعيد صياغة ما تريد دون الم او اثار فاجعة تعتريك ، تستفيق في لحظتك المحسوسة من وجودك في عالمك المحيط . . دون شعور الاحباط والالم وانغلاق المسار عليك – تعود مولودا من جديد خال من كل ما كان يقرب من نهايتك – نعم . انه الطفو الذي طبعته على نفسك في حياتك المعذبة . . يقيم لك التوازن اثر كل انسداد يستهدف طريقك و . . يعذب روحك الى فوق ما تحتمله كإنسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص


.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود




.. تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على آلة العود.. الموسيقا


.. الموسيقار نصير شمة: كل إنسان قادر على أن يدافع عن إنسانيته ب




.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 202 مليون جنيه خلال 3 أسابيع