الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضرر البيئي والجيوسياسة - 3-

بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ

(Abouyasmine Khawla)

2023 / 1 / 4
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


في فرنسا ، تكمن المشكلة البيئية في نشوء عودة "المسألة الكورسيكية" في سبعينيات القرن الماضي. خلف "إدمون سيموني" - Edmond Simeoni - وحركته الإقليمية الكورسيكية ، تجندت الحركة القومية حول محاربة "الطين الأحمر" (1) - “boues rouges“ - (نفايات من مصنع ينتج ثاني أكسيد التيتانيوم والفاناديوم) التي تم تصريفها ، من عام 1972 إلى عام 1974 ، قبالة "كاب كورسيكا" من قبل شركة - Montedison- وجعلت من هذه رمز التمييز والتهميش الذي لحق بكورسيكا وسكانها. منذ ذلك الحين ، احتل موضوع البيئة مكانًا مهمًا في الجدل السياسي في كورسيكا وكان لمطالب الحركة القومية تداعيات على الحياة السياسية الوطنية الفرنسية.
_______________________
(1) - تسرب "الطين الأحمر" هو تلوث صناعي من قبل شركة - Montedison - الإيطالية والذي حدث في خليج جنوة وبدأ في مايو 1972. كانت هذه القضية بمثابة بداية الاعتراف بالضرر البيئي. قامت هذه الشركة بتصريف ألفين إلى ثلاثة آلاف طن من النفايات اليومية على بعد عشرين ميلاً من Cap Corse ، وهي مخلفات مصنع ينتج "ثاني أكسيد التيتانيوم" و" الفاناديوم". وكان هذا تفويضا مؤقتا. على الرغم من الاحتجاجات ، فإن التفويض - المؤقت من حيث المبدأ - ظل قائما. ونددت شخصيات بارزة وعلماء المحيطات وعلماء الأحياء بهذا التصرف غير المسؤول. كانت حالة "الطين الأحمر" في كورسيكا هي التي طرحت لأول مرة على المستوى القانوني مسألة "الضرر البيئي".
________________________________

كما يمكن التذكير بالمشكلة الكلاسيكية للصيادين الذين يقتلون ويذبحون الأنواع المحمية في إفريقيا. قد ينتمون إلى مجموعات مهملة من قبل حكوماتهم ويشعرون أنه ليس لديهم طريقة أخرى للبقاء على قيد الحياة. لذلك من الضروري دراسة السؤال بعناية وموضوعية قبل الاستنتاج بأن هناك افتراسًا إجراميًا بحتًا. وهناك أيضا، الحالة الأقل شهرة، لقبائل الأمازون في البرازيل ، التي تعرضت لحظر بيع مصنوعاتها المزينة بالريش، وذلك لأن الدولة موقعة على اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض. وهو إجراء قد يقبلونه على مضض، لكنهم يلاحظون في نفس الوقت التدهور الهائل والسريع وبدون أي عائق قانوني حقيقي للغابة التي تشكل موطنهم الطبيعي دون أن تحرك الدولة ساكنا.

في الإكوادور ، تجد الحكومة نفسها هدفًا للنقد الشديد بسبب إدارتها لجزر "غالاباغوس". وتعاني بيئتها الفريدة والهشة من غزو الأنواع الخارجية والتلوث المرتبط بالسياحة. ومع ذلك ، يبدو أن السلطات الإكوادورية تختار طرد بعض العمال الذين يأتون للاستفادة من النشاط السياحي ، بدلاً من تنظيمه. من الواضح أن السلطة تتخذ خيارًا اقتصاديًا على حساب شريحة ضعيفة من السكان: فما هي المصلحة التي تحفزها ؟

في كمبوديا ، على الرغم من إجراءات الدولة والمنظمات الدولية ، يقوم صيادو - Tonlé Sap - بمطاردة الثعابين. هكذا، يتعارض رأسا الحفاظ على النظام البيئي الهش والتنوع البيولوجي – من جهة - مع مخاوف الأمن والبقاء الاقتصادي للسكان من جهة أخرى. فما هي الأولوية التي يجب أن تسود وبموجب أي تحكيم، ومن يصدره ؟ تتجاوز هذه الأسئلة الإطار البيئي.

أثارت سياسة التنمية الاقتصادية المتسارعة للدول الناشئة في إثارة الانتقادات إن لم تكن المعارضة.
ففي الصين ، أثارت ردود الفعل ضد التكلفة البشرية والبيئية لبناء سد الخوانق الثلاثة - Three Gorges Dam - قلق السلطات. لقد أدى تهجير أكثر من مليون شخص ، وتلوث المياه والانهيارات الأرضية تقابل فوائد إنتاج الطاقة الكهرومائية ، مما أدى إلى سخط جزء من السكان والنقد الآتي من الخارج. وتواجه السلطة معضلات هائلة: المصلحة العامة (ولكن من يحددها ؟) مقابل المصالح الخاصة (من يدافع عنها ؟) ، والمضايقات المرتبطة بالفحم والوصم من قبل المجتمع الدولي أو المضايقات الناتجة عن الطاقة الكهرومائية والتي ينتقدها الصينيون؟ وفيما وراء مسألة سد الخوانق الثلاثة ، فإن السؤال المطروح هو: طبيعة النظام.
______________________
(2) - هو سد على نهر "يانغتسي" ، يقع في مقاطعة "هوبى" ، وسط الصين. تم تشغيله على مراحل من 2003 إلى 2012 وأنشأ خزانًا بطول 600 كيلومتر. إنها أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في العالم من حيث القدرة المركبة. يبلغ طوله 2335 مترًا وارتفاعه 185 مترًا. الحد الأقصى لمستوى المياه للخزان بالنسبة للبحر هو 175 أو 185 م. تطلب بناؤه 27 مليون متر مكعب من الخرسانة.
_________________________

في الهند ، لا يزال ضحايا الكارثة التي سببها الحادث الذي وقع في مصنع "يونيون كاربايد" - -union- Carbide - للكيماويات في "بوبال" - Bhopal - عام 1984 (3) ينتظرون التعويض المالي الموعود. وتظل التربة والمياه الملوثة بواحد أو أكثر من مكونات مبيد "سيفين" - Sevin - دون علاج. ومع ذلك ، فقد أنشأت الحكومة الهندية لتوها مناطق اقتصادية مخصصة للصناعات الكيماوية ، مما أثار ردود فعل قوية في جميع أنحاء البلاد. وهنا، تواجه الحكومة معضلة: تعزيز التنمية الاقتصادية التي تعود بالنفع على الجميع، أو لصالح مصالح سكان الجهات التي تقع فيها هذه "المناطق الاقتصادية". وقد تسمح الطبيعة الديمقراطية للنظام بالنقاش والجدال، لكن الحل لا يبدو سهلاً.
________________________________________
(3) - كانت "كارثة بوبال" عبارة عن حادث كيميائي وقع ليلة 2-3 ديسمبر 1984 في «بوبال"، وهي مدينة في وسط الهند. إنه نتيجة لانفجار مصنع تابع لشركة "يونيون كاربايد الأمريكية" لإنتاج المبيدات الحشرية وأطلق أربعين طناً من "ميثيل أيزوسيانات" - isocyanate de méthyle - في الغلاف الجوي فوق المدينة. يُعد هذا الحادث أحد أسوأ الكوارث الصناعية في التاريخ ، فقد أودى بحياة 3828 شخصًا رسميًا ، وقد تم تعديل هذا العدد في عام 1989 إلى 3598 حالة وفاة ، ثم إلى 7575 في عام 1995. وهناك 3500 حالة وفاة في الليلة الأولى وعدد كبير بعد ذلك: نصفها في الأسابيع الأولى والنصف الآخر بسبب الأمراض الناجمة عن التعرض للغازات. وحسب وسائل الإعلام بلغ عدد الضحايا على الأقل 12000 شخص" في كارثة بوبال. هناك أيضًا 300 ألف مريض بسبب الكارثة. ووجهت للرئيس التنفيذي للشركة آنذاك ، "وارين أندرسون" - Warren Anderson - تهمة "الموت بسبب الإهمال" ، وأعلن "هاربًا" من قبل رئيس قضاة بوبال في فاتح فبراير 1992 لعدم مثوله أمام المحكمة أثناء المحاكمة. توفي في 29 سبتمبر 2014 ، في فلوريدا في الولايات المتحدة ، ولم يُحاكم قط من قبل العدالة الهندية.
___________________________________________

تؤدي المصالح المتعارضة والمتضاربة إلى تأثيرات متناقضة ، مما يفرض النظر في المشكلات من جميع جوانبها وتوسيع مجال المعلومات والتفكير بخصوصها.


إن "أكبر مطرح للنفايات في أفريقيا" يقع في كينيا ، في "داندورا" - Dandora - في ضواحي "نيروبي". بمساعدة المجتمع الدولي ، خطط المسؤولون في العاصمة لتنظيف الحي وبناء مركز حديث لإعادة تدوير النفايات. لكن يبدو أن المصالح الفردية والسياسية تمنع أي محاولة لتحقيق هذا المشروع. وكان كلما ذكر إغلاق موقع "دندورا" ، ترتفع أصوات الساكنة قائلة : "إذا حدث ذلك ، فسيصبح من الصعب علينا كسب لقمة العيش. حتى لو كان الأمر خطيرًا ، فليس لدينا خيار: يجب أن يبقى مطرح النفايات هنا ".

أصبحت القضايا البيئية أساسًا للاشتباكات ، في الوقت الحالي ، على الصعيد القانوني، لكنها قليلة العدد ، بين الدول.
على سبيل المثال "حرب السليلوز" بين "الأرجنتين" و"أوروغواي" في نوفمبر 2007 ، إذ قامت الأخيرة بتشغيل مصنع لب أو عجين الورق، والذي يزعج دخانه وأبخرته سكان الأرجنتين المقيمين في "ريو دي لا بلاتا". ويقوم المدافعون عن البيئة بمنع الوصول عبر الطرق إلى "أوروغواي" ، من أجل ثني السياح الأرجنتينيين عن الذهاب إلى هناك في إجازة. وينتج عن هذا توتر بين البلدين. عجزت الدبلوماسية الإقليمية عن تسوية النزاع ، وتم عرض القضية على أنظار محكمة العدل الدولية في لاهاي.

نظرًا لأهميتها في تغذية جزء من البشرية، يبدو أن مستقبل موارد مصايد الأسماك مقدر له أن يصبح موضوعًا تتم مناقشته بشكل متزايد بين الدول. ومع ذلك، فهي في الأصل قضية بيئية: "تصحر" بعض المناطق البحرية بفعل التلوث، تهديد النيل من تكاثر بعض الأسماك بسبب "الصيد الجائر" على وجه الخصوص. فهذه المشكلات لا يمكن حلها إلا في إطار دولي، مع مراعاة أبعادها المتعددة.

لا تزال نسبة الأضرار البيئية في الأزمات والصراعات منخفضة. ولكن إذا قمنا بدمجها مع القضايا المرتبط الاحتباس الحراري وجوانب معينة من القضايا بشأن الموارد الطبيعية أو الغطاء النباتي، فهي جزء من كل أكبر بكثير. علما،ن نضيف أن كل شيء يشير إلى وجود وعي واستغلال في نفس الوقت، الأمر الذي يتطلب إعطاء مساحة أكبر للقضايا البيئية في سياسة الدولة. علما ، أنه من الملاحظ أن حجم المساحة المتضررة يختلف اختلافًا كبيرًا حسب الجوانب التي يتم النظر فيها (البيئة ، الأشخاص ، الأنشطة ، المجتمع ، التأثير السياسي ، البعد العسكري المحتمل...) والتي تتطلب عبور مستويات مكانية مختلفة. وهذا ما يفتح مجالا جديدا للدراسة أمام الجيوسياسيين.

يعد الضرر الذي يلحق بالبيئة ظاهرة حديثة، ولا يُنظر إليها أو الاعتناء بها على نحو متكافئ.
عموما يتم استخدام المعلومات التي تم جمعها لتحديد تأثير الضرر الذي يلحق ببيئة البلد أو الإقليم عبر مسار الأحداث، و في أغلب الأحيان عبر واحدة أو أكثر من الإشكاليات التالية:
- وصف الضرر الذي يلحق بالبيئة ؛
- تصرف أو تقاعس المجتمع الدولي، الدول والسلطات المحلية؛
- تصرف أو تقاعس الوكلاء الاقتصاديون (الزراعة، الصناعة، التوزيع، الخدمات...) حسب الأولوية ؛
- عمل أو تقاعس الهيئات و الأحزاب السياسية ، ؛
- عمل أو تقاعس المجتمع المدني ؛
- التوترات الداخلية، التوترات الدولية.
لذا فالمعلومات الجيدة والدقيقة وذات صلة تساعد في إلقاء الضوء على الأزمة أو الصراع الكائن أو قيد الدراسة.
_______________________ انتهى ___________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا