الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة رثاء الزوجة في شعر الدكتور محمد الغرباوي ص

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 1 / 4
الادب والفن


تجربة رثاء الزوجة في شعر الدكتور محمد الغرباوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للأستاذ الدكتور محمد محمد الغرباوي الأكاديمي الأزهري تميز غريب في موضوع رثاء الزوجة؛ فقد روى لنا الدكتور محمد الغرباوي-عميد كلية اللغة العربية بالزقازيق- أنه عندما كان يسجل موضوعه للماجستير عن رثاء الزوجة في الشعر العربي ذهب إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة ليأتي بخطاب البراءة منها، فسأله الموظف: هل زوجتك ماتت لتختار هذا الموضوع؟ فأجاب الدكتور بكل عفوية لا، لم أتزوج بعد.
ويكتب القدر لأستاذنا وصديقنا أن يبتلى برحيل زوجته فيكتب ديوان شعر طريف في رثائها تحت عنوان"عشرون ليلة في الأحزان". ليجمع أستاذنا بين الدراسة الأكاديمية لرثاء الزوجة، والإبداع الشعري لهذا الغرض، محدثًا فرادة وتميزًا في تاريخ الشعر العربي بهذا الجمع الغريب الفريد.

وديوان "عشرون ليلة في الأحزان "كتيب صغير" مكون من ثمان وستين صفحة من القطع الصغير لأخي الأكبر وزميلي/ محمد محمد محمود الغرباوي أخذته منه, وطالعته في رحلتي من الزقازيق إلى المنوفية في المواصلات, تلك الرحلة الشائقة والشيقة والإيجابية جدًّا, والفاعلة في سيرة حياتي: قراءة, وبحثًا, وإبداعًا, وتحضيرًا, وتقدمًا وتقديمًا!
وإثر انشغالي في المواصلات، سألني السواق: هل هذا كتاب حب؟! منفعلاً بإخراجه الطباعي البارز المتأنق!
فقلت: سؤال عجيب. إنه ديوان حب حزين أو غزل أليم. إنه تجربة شعورية إنسانية سامية فذة، تمتع بما فيها من صدق ووفاء وميل واستدعاء وتذكر وبوح وزفرات وأنات!
لمن هذا الديوان؟
لإنسان عاشرته في رحاب كلية اللغة العربية بالزقازيق تجمع بيننا حرفة الأدب, وعشق الجمال، النشوة بالحداثة والعصرنة، والرغبة في التطور والتطوير, والتألق والتنقية في إطار من الأصالة الرصينة والحداثة المنضبطة، إنسان شرقاوي جميل أصيل نبيل، تراه تتذكر القوام الأصيل، إنسان عربي الوجه واليد واللسان! تنظره فتلقى البشاشة والوضاءة والإقبال والكرم والصفاء والصدق.
كتب الله لنا -بلا تخطيط منا- أن نشارك في أعمال تعليمية وعملية كثيرة, فكشفت لي تلك المشاركات عن جانب آخر في حياته جانب الحزم والجد والصرامة وإبراء الذمّة والإتقان, يصنع كل أموره العلمية والتعليمية بيده, ولا يترك شيئًا ينسب إليه إلا مصنوعًا على عينه وبقلمه...وأخذ يترقى أمامي سعادة وحيوية وباستحقاق! إلى أن كان الحدث العجيب: توليه العمادة ووفاة زوجه في يوم واحد. وما أدراك من هي زوجه؟
قصة رومانسية ملتزمة عجيبة منذ مطلعها حتى ختامها الدرامي هذا!
ماذا أفعل في هذه الحالة العجيبة؟ بأيهما أبدأ بالتهنئة أم بالتعزية. تذكرت ابن نباتة في قصيدته الطريفة:
هناء محا ذاك العزاء المقدما فما عبس المحزون أن يتكلما
لكنني ألغيت التهنئة وقصرت مهاتفتي إياه على التعزية والمواساة, ثم ذهبت إليه أتألم له ومعه, فكان أن قلت له:
أمسك القلم يا شاعرنا فالقلم سلواك ونجواك!
وما قلتها إلا لعلمي أنه لن يفعل غير ذلك, ولا يملك إلا القلم والدموع!
فكان هذا العمل الشعري الفريد الذي يأتي درة وغرة في مدونة فن رثاء الزوجة في شعرنا العربي بدءًا بجرير الأموي, وابن جبير الأندلسي، ومرورًا بعزيز أباظة في أناته الحائرة, وعبد الرحمن صدقي, ومحمد رجب البيومي, ثم كانت "عشرون ليلة في الأحزان" عبرات شعرية وزفرات نفسية تنتمي إلى المدرسة الرومانسية الحالمة الهائمة المنطلقة ذاتيًّا, المتدفقة وجدانيًّا!
وقد حدث ربانيًّا تميز غريب للدكتور محمد الغرباوي في غرض رثاء الزوجة؛ فقد روى لنا الدكتور محمد الغرباوي-عميد كلية اللغة العربية بالزقازيق- أنه عندما كان يسجل موضوعه للماجستير عن رثاء الزوجة في الشعر العربي ذهب إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقهرة ليأتي بخطاب البراءة منها سأله الموظف: هل زوجتك ماتت لتختار هذا الموضوع؟ فأجاب الدكتور بكل عفوية لا، لم أتزوج بعد.
ويكتب القدر لأستاذنا وصديقنا أن يبتلى برحيل زوجته فيكتب ديوان شعر طريف في رثائها تحت عنوان"عشرون ليلة في الأحزان". ليجمع أستاذنا بين الدراسة الأكاديمية لرثاء الزوجة، والإبداع الشعري لهذا الغرض، محدثًا فرادة وتميزًا في تاريخ الشعر العربي بهذا الجمع الغريب الفريد.
ولعل الخواطر النقدية التالية تدل على ما قلته!
عتبة الغلاف:
غلاف مصنوع بفنية عالية, يغلب عليه اللون الأسود, وفي أعلاه صورة قلب مشروخ نصفين, وفي وسطه صورة عين دامعة، بادِ عليها الإرهاق والضنى والسهاد والأرق, والشحوب والنضوب!
وفي تذييل الغلاف صورة إنسان جالس منكسر أرق قلق, يهيمن عليه شعور ما وتفكير ما!
ولعل قصيدة (إظلام) تعطينا دلالة هذا الغلاف وتفسيره. يقول منها:
الصمتُ خيّم في الظلام الدامي
طُولُ البناء وعَرضه في ناظري
غُرُفاتُه مشدوهة مما جرى
تتسكَّع الآمال في طرقاته
وتَحوم ذكرانا تُهوّم نحوه
فَتَرُدُها الآلام يدفعها البِلى
يا حَسرتى في وَحْدتي دون الّلقا
والبيتُ صُمّ ولا يُجيب كلامي!
كالنُّقطة السّوداء في الأحلام
وأثاثُه الوَسْنَانُ في إحجام
ثكلى من الزمن المريض الدامي
كفراشةِ النُّور الخَفِيتِ الظامي
فَتَدور تسأل عن قرار حِمامي!!
مَنْ لي بردّ حُشاشتي وقِوامي؟
فالإظلام ناتج عن "صمت إنساني وجمادي, وصمت في الأحلام والآمال, والزمن المريض!
ومن ثم كانت حسرته من وحدته وتمنيه عودة حشاشته وقوام حياته وروحه و أنيسه!
أتَلمَّسُ الأشياء في لَمَساتها
أَتَصيَّد الكلمات داخل خاطري
أَتَنَسَّم النفثاث في ثوب الدجى
يا غايةَ الأمل الفقيد ومُنيتي
أشكو إليكِ صبابتي ومرارتي
كُنَّا ُتقاسم عِلَّةً في علّةٍ
فَأُحِسُّ بَرْدَ سلامها بسلامي
من يوم أنْ كُنَا بغير فطام
عَّلي أفوز بريحك البَسّام
جُودي عليّ بزوْرةٍ بمنامي
وقساوةَ الآهات بَعْد سَقامي
فغدوتُ أشقي بِابْتياع سهامي
وما لها من هنا، و كل غال ونفيس وأصيل لديه, صار رخيصًا لا فائدة له ولا جدوى منه, ما دام الأمل الوحيد صار فقيدًا, وما دام الريح البسام مفقودًا!
عتبة العنوان:
العنوان: "عشرون ليلة في الأحزان": جملة اسمية مكونة من عدد وزمان وجمع مجرور, والعدد "عشرون" مكتوب باللون الأبيض. والزمان "ليلة" تمييز للعدد وهو مفرد مجرور. والمكان يتمثل في الجمع المجرور "في الأحزان" وهو همٌّ معنوي روحي, وفيه تجسيم وتضخيم لشأن هذه الأحزان. أهوال جاثمة جسيمة حتى صارت مكان الليالي!
وأسفل العنوان اسم المبدع ومضمون الإبداع "عبرات" ودلالة على العاطفة المسيطرة بالديوان: الحزن والبكاء والأسى والأسف والوجد واللوعة...!
ولعل قصيدة "اكتئاب" تدل على هذا العنوان يقول:
عَرفْتُ الحياةَ بدون أليْفْ
ورأسٍ مُطِلٍّ بال قَسَمَاتٍ
أدور وحيدًا على غُرفتي
وأقرأ صورةَ ماضٍ تولّى
فألمس صفحةَ نورِ الليالي
بقلبٍ كئيبٍ ووجْهٍ مُخِيفْ!!
كعفريتٍ جنٍّ بليلِ الخريف
فلا صوتَ يعلو بصوتِ الصَّريف
بسِنَّ ضحوكٍ وريحٍ رفيف
فتنهزُني كَفُّ صَمْتٍ عنيف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما