الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة وأزمة الولاء للوطن في العراق

حسني أبو المعالي

2006 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن معظم الأحزاب السياسية والمذاهب الدينية في العراق قد شيعت جثمان عنصرالولاء للوطن، ووارته التراب، وأجهزت على الرمزالجميل الذي يلتف حوله ومن أجله كافة العراقيين ألا وهو حب الوطن، وأحيت بقوة عنصرالولاء لانتماءاتها الحزبية و الطائفية والعنصرية، ناهيك عن التبعية العمياء للعشيرة والأشخاص من أصحاب النفوذ، وما تشهده الساحة العراقية من تردي الواقع السياسي والمذهبي والأمني، يؤكد هذه الحقيقة المرة بأن الوطن هو الغائب الوحيد في ضمير من يمثلون الأمة، فالعربي الشيعي المتطرف لا يفقه من التشيع سوى ولائه للمرجعية الشيعية بأسلوب يفتقد إلى الموضوعية والحكمة حتى لو كان ذلك على حساب الوطن والإسلام، والعربي السني المتطرف لا يدرك أن سنة الرسول " ص " لا تنسجم وشريعة الغاب في التعامل بين الأخوة في الوطن والدين على أسس تعتمد البغضاء والكراهية والسيطرة بالقوة التي تؤدي إلى العنف وبالتالي إلى ضياع الدين والوطن لمجرد اختلاف المذهب " واختلاف الراي لا يفسد للود قضية " أما الاحزاب السياسية العراقية مع احترامي لبعض الأحزاب اليسارية وتاريخها النضالي، فقد انشغل معظمها بالبحث عن المناصب والاستئثار بالكراسي لمصلحة هذا الحزب أو ذاك على حساب مصلحة الشعب والوطن، وحرصت في أدبياتها وفي برامجها على تكريس شعارات جوفاء تتناقض وممارساتها العملية التي تسيئ إلى الوطن وهو مثخن بالجراح ويتخبط الآن بدماء أبنائه، الشيء الذي يتطلب منها كما من الجميع الإيثار والتضحية ولا يختلف الحال مع شركائنا في الوطن وأعني بهم الأخوة الأكراد، وخصوصا العنصريون منهم الذين مازالوا متمسكين بكركوك باعتبارها الجزء المفقود والسليب من الاراضي الكوردية، وكأنها ليست مدينة عراقية، وهم يحكمون العراق الآن عبر رئيسين كرديين يحتلان مركز الصدارة في الوطن أحدهما في بغداد العاصمة والآخر في أربيل، ومع ذلك فإنهم يتعاملون مع أخوانهم العرب من منطلق عدم الثقة، فكيف سيجد الوطن نصيبه من الحب والاهتمام من كل هؤلاء القادة والمسئولين؟
وفي ظل هذه الخيارات اللاوطنية من قبل " عقلاء القوم " تنعدم هنا قيمة الوطن لدى المواطن العادي وتتوارى رمزيته الجميلة ويغيب الضمير الانساني المرتبط بحقوق الوطن وتتلاشى فكرة المواطنة ويصبح القتل عملا مشروعا والسرقة مبررة ويعم الفساد الإداري وتنتشر الفوضى داخل البلاد بدون محاسبة الفاعل، كما يحصل الآن، وتستوي الظلمات بالنور والجلاد بالضحية والمتهم بالبريء، والاحصائيات تشير الى أن المئات من القتلى والجثث المجهولة تذهب يوميا ضحية غياب الضميرالوطني وهذا يعني ان الوطن يموت كل يوم مئات المرات، وتتآكل البنى التحتية بفعل التخريب المتعمد على يد من لا ضمير له، إن الوطن يمثل ضمير المواطن الشريف الذي يعي مقدار وحجم واجباته تجاه وطنه ارضا وشعبا، ومن لا يسكنه الوطن حبا وتضحية من أجله لا يستحق شرف المواطنة، وعجبي كيف يصبح القتل والذبح لغة الحوار عند أناس ينتمون الى وطن سن أولى القوانين في التاريخ؟ وكيف يمسي الاختلاف السياسي والمذهبي والعنصري لديهم سببا في الاقصاء والاغتيالات والتهجير؟
إن المواطنة لا ترتبط بمسقط الرأس فقط ولا بالانتماء لهذا الوطن أو ذاك وإنما هي شعور حقيقي بالانتماء وتعامل صادق بين الموطنين وإحساس مفعم بالحب للوطن ليس باعتباره أرضا فحسب بل الحب لكل ما ينتمي ويتعلق بالوطن من الشجر إلى البشر، ومن الشمس إلى القمر ومن الجبل إلى النهر، والحرص على التضحية من أجلهم جميعا لأن الوطن هنا يمثل جميع هذه العناصر، وهذا الحب لا يولد ولا ينمو أويترعرع ويكبر إلا من خلال تربية حقيقية يشهدها الوطن على كامل ترابه، وتلمسها الأجيال عبر عهود مختلفة، تتبناها عناصر وطنية وشخصيات مخلصة وخيرة، تتضافربالمشاركة مع فعاليات المجتمع المدني لتوضح عن طريق جميع الوسائل المتاحة المعاني الجميلة للانتماء والولاء للوطن، فحب الوطن من الإيمان، كما قالت العرب، ولكن:
" إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا "

لاشك أن الاحتلال الغاصب له اليد الطولى في كل ما يجري في العراق فقد آثرمنذ اليوم الاول لاحتلاله الوطن أن يعمد إلى إشعال الفتنة بين أبناء الوطن من المسلمين عبر تفجير النزعة الطائفية وساهم في خلق شخصيات كاريكاتورية وكارتونية دينية بائسة ومنحها دورا قياديا لا تستحقه وزرع بالمقابل شخصيات أخرى رعناء لتكتمل لعبة المنافسة بين جهلاء القوم على حساب الوطن ومحاولة تقسيمه إلى دويلات يمكن السيطرة عليها، وأبعد عن الساحة السياسية العناصر الوطنية الشريفة لإلغاء دورها الحقيقي، وغيبها بطرق مختلفة تهميشا واغتيالا وبطشا على يد أعوانه من المرتزقة الذين لا يهمهم أمر الوطن والمأساة الكبرى أن تنطلي هذه المؤامرة على رجال الدين ورجال السياسة في العراق الذين غابت عنهم، كما يبدو، أبجدية ما تعلموه من دروس في الوحدة والتضامن لمواجهة الأساليب الاستعمارية المغرضة التي تعتمد على سياسة فرق تسد
ومن جهة أخرى فقد كثر الحديث عن الفيدرالية أو الدولة الاتحادية هذه الأيام في العراق، والفيدرالية هي من النظم السياسية التي تبنتها بنجاح كبيرالكثير من الدول الأوربية وفق شروط تخدم مصالحها الداخلية أولا، ولاشك أن هذا النظام قد حظي بموافقة شعوبها بالاجماع ثانيا، وفوق هذا وذاك أنها دول تتمتع باستقلالية تامة وغير خاضعة للاحتلال ثالثا، ومحاولة تطبيق هذا النظام في العراق في ظل ظروفه الحالية هو بكل بساطة مشروع خياني يقف من ورائه الاحتلال بهدف تقسيم الوطن، ولا يحق لأي مواطن يدعي صدق المواطنة أو أية جهة أو كتلة وطنية أن تتخذ قرارا منفردا بشأنه بدون موافقة جميع أطياف الشعب العراقي، وإلا فإن لعنة الأجيال القادمة ستلاحقهم جيلا بعد جيل
وعربيا لم نشهد حاكما أومسئولا استجاب لنداء الوطن وتنازل عن عرشه من أجل المصلحة العامة إلا في حدود ضيقة جدا شهدها القرن الماضي مع الراحل جمال عبد الناصر في مصرعندما أعلن استقالته بعد هزيمة حزيران ومع الرئيس السوداني السابق سوار الذهب الذي تنازل عن الحكم طواعية ظنا منه أنه سيعطي الفرصة للديمقراطية ان تزدهر في بلاده، هذه الأمثلة النادرة لن تتكرر اليوم ولا أعتقد بان الزمن سيجود بمثلها أوينعم علينا بشخصيات غيرها مرة أخرى، وإذا كان لدينا في كل قرن رجلين يعرفان معنى المواطنة ويضحيان من أجل الوطن، فكم من الزمن سنحتاج لتصبح شعوبنا قادرة على رسم المعاني الصحيحة للمواطنة وترعى مصالح الوطن الضائعة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور