الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- العرب الجيدون - - العرب الساقطون في خدمة نظام القمع الاسرائيلي

سالم جبران

2006 / 10 / 11
القضية الفلسطينية


عندما قامت إسرائيل عام 1948، بعد الحرب اليهودية –العربية في فلسطين، بقي فيها 160 ألف عربي فلسطيني في الجليل والمثلث والنقب وعكا وحيفا ويافا.
خلال يوم وليلة وجد هؤلاء الفلسطينيون أنفسهم "مواطنين في الدولة اليهودية". وبقدر ما كان ذلك وضعاً حرجاً للعرب الفلسطينيين الذين صاروا مواطنين في إسرائيل. كان ذلك وضعاً حرجاً للدولة اليهودية ومؤسساتها.
بالنسبة للفلسطينيين لم يكن هناك أي التباس في التقييم, فسنة 1948 هي "سنة احتلال" أو "سنة الانهيار" أو "سنة النكبة"، ولم يصدِّق فلسطيني واحد، أنّه فعلاً "مواطن متساوي الحقوق" في الدولة العبرية.


ومباشرة، بعد قيام إسرائيل، بدأت حكومة دافيد بن غوريون، بإقامة جهاز خاص "للعناية" بالعرب. أُقيم نظام حكم عسكري في المناطق العربية، ولم يكن بإمكان أحد أن ينتقل من قرية إلى أُخرى أو يسافر إلى المدينة إلاّ بتصريح خاص من مكتب الحاكم العسكري.
اليهود طلقاء تماماً، والعرب مقيدون بقيود الحكم العسكري. ولكن هذا لم يكن كافياً، وأُقيم جهاز كامل سري لمراقبة العرب، وضبط حياتهم اليومية، سياسياً، واجتماعياً، اختلفت أسماء هذا الجهاز، ولكنه كان بكل وضوح مخابرات خاصة للإشراف على العرب في كل صغيرة وكبيرة.
كان هدف هذا الجهاز متعدد المسارات: تسهيل مصادرة أراضي العرب، محاصرة ومطاردة الحزب الشيوعي الذي بدأ يعمل عملاً سياسياً نضالياً معادياً للحكم العسكري، وضمان تصويت العرب في الانتخابات البرلمانية للحزب الحاكم (المباي/ فيما بعد العمل) وزعانفه من "القوائم العربية" المرتبطة بالحزب الحاكم.
الآن، بعد أكثر من خمسين عاماً كل الوثائق "السرية" لتلك الأجهزة بالإمكان الوصول إليها ومطالعتها، وقد وُضعت عدَّة أبحاث أكاديمية وأبحاث دكتوراة حولها.
صدر في هذه الأيام بالعبرية كتاب "العرب الجيدون" مع عنوان ثانوي:" المخابرات الإسرائيلية. والعرب في إسرائيل: جواسيس ومُشغِّلون للجواسيس، متعاونون ومتمردون، الأهداف والأساليب".
مؤلف الكتاب هو الدكتور هليل كوهن الباحث المتخصص في معهد ترومان في الجامعة العبرية في القدس. وكان قد صدر له كتاب "جيش الأشباح" كما صدر له كتاب "الحاضرون الغائبون" الذي صدر عن مركز الدراسات الفلسطينية في بيروت،أيضاً.
هذا الكتاب، الذي في أيدينا هو وثيقة سياسية مذهلة، صحيح أن العرب يعرفون الحقائق على جلودهم، ولكن قيمة البحث أنّه يعتمد الوثائق، ويصِّح على الكتاب كذلك القول "وشهد شاهد من أهله".
الكتاب يحلل، بتفصيل مثير أكثر من رواية بوليسية، كيف كان رجل المخابرات السرية يتعرف إلى القرية العربية ومشاكلها، ومبناها وتناقضاتها وطوائفها وعائلاتها، ويشتري من بين ضعاف النفوس فيها عملاء، مخبرين ينفذون أوامر رجل المخابرات بالتفصيل.
الآن نعرف،( وقد عرفنا وقتها أيضاً) أن المخبر كان ينقل لسيده ماذا يغني الشعب في الأعراس، ومن حضر محاضرة إميل حبيبي، في القرية، ومن يُحَرِّض ضد الحكومة، ومن يُعَبِىء الناس ضد بيع الأراضي. وحتّى في غرف المعلمين في المدارس كان هناك مخبرون ينقلون كل كبيرة وصغيرة، وكل همسة احتجاجية صدرت عن أحد المعلمين، وهذا من شأنه أن يهدِّد بقاءه في التعليم.
والأخطر من ذلك، شراء الأعوان، كانت مهمة مقاومة حركة المعارضة أو المقاومة التي بادر إليها وقادها الحزب الشيوعي.كانت المخابرات قلقة جداً من تشكُّل ونمو حركة أدبية، شعراً وقصة، ومن تسارع انتشار صحف الحزب الشيوعي ("جريدة الإتحاد" (، و"الجديد" (مجلة أدبية فكرية) و"الغد" (مجلة ثقافية اجتماعية للشباب)، و"الدرب" (مجلة أيديولوجية).
كانت المخابرات تسعى إلى معرفة دقيقة بأسماء كل الذين يحضرون الندوات الشعرية أو المحاضرات، كما كانوا يهتمون أن يعرفوا مَن يحضر الاجتماعات الشعبية السياسية الاحتجاجية التي اعتبروها اجتماعات "تحريضية".
مؤلف الكتاب يعترف، باستقامة، أنّه كان في إسرائيل نظامان: نظام لليهود، (ديمقراطي على الطريقة الغربية) ونظام للعرب هو في الحقيقة نظام احتلال وقمع ومطاردة وانتقام سياسي.
عبر الصراع الشائك والصعب والمليء بالتضحيات تنامى النضال ضد الحكم العسكري وجرى كسر جدار الخوف، وفي نهاية المطاف أُلغي الحكم العسكري رسمياً بتعاون ائتلاف سياسي واسع يهودي عربي في البرلمان.
ولكن يجب القول أنّه مع أنَّ الجماهير العربية لم تعد تخاف، بل تتحدى، ومع أن الحكم العسكري قد انتهى، فإن النظام الازدواجي في إسرائيل ما زال قائماً، ونحس به يومياً، وفي كل مجال، ففي جهاز التعليم مثلاً، هناك رقابة مخابراتية حادة جداً للمدارس العربية، وهناك تدخل من المخابرات في تعيين المعلمين، كما أنّ كُتُب التدريس في المدارس العربية تحت إشراف مباشر جداً من المخابرات، خصوصاً كًتُب تاريخ العرب والإسلام، وخصوصاً أكثر التاريخ العربي الحديث، وهناك تغييب كامل للمأساة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني والنضال الفلسطيني والانبعاث القومي الفلسطيني.
لقد نمت الأقلية الفلسطينية من 160 ألفاً في عام 1948، إلى مليون وربع المليون حالياً. وهي أقلية شابة جداً (أكثر من 60 بالمائة تحت سن الثلاثين)، كما نمت فئة انتلجنسيا مهنية من أطباء ومحامين ومهندسين وهناك شريحة من أساتذة جامعات وحملة شهادات الدكتوراة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية. وكل هذا عَمَّق أزمة النظام العنصري، وجعل من الصعب استمرار ممارسة الإرهاب والقمع كما في الخمسينات من القرن الماضي، والتمييز والحصار والتحييد والعزل وأزمة خانقة للسياسة الحكومية في تعاملها مع شعبنا.
إن هذا الكتاب الوثيقة يقدم صورة واضحة للقمع الوحشي الفظ، في بداية المسيرة، وانهيار هذا القمع واساليبه سنة بعد أُخرى، ومع أن التمييز العنصري ما زال قائماً وعنيفاً، إلاّ أن كل السياسة الحكومية تجاه الأقلية العربية الفلسطينية هي في أزمة.
ومما يزيد هذه الأزمة تعقيداً أن الوعي لحقوق الإنسان وقيم المساواة زاد عالمياً، ومحلياً أيضا، وصار على الحكومة أن تتحايل كالحرباة، لمواصلة التمييز والقمع والخنق، في الظروف الجديدة.
يقول المؤلف في فصل التلخيص: " لم يكن ممكناً دفع الفلسطينيين في إسرائيل إلى نسيان النكبة، حتّى ولو مُنِع المعلمون رسمياً من الكلام عن النكبة في المدارس، لأنّ النكبة لم تكن فقط تُذَكِّراً تاريخياً بل هي حياة يومية ومتواصلة، مصادرات الأراضي، الحكم العسكري، التمييز في الميزانيات، نشيد قومي (للدولة) لا يخاطب العرب في إسرائيل، وكل هذا أبقى الجمهور العربي جمهوراً يعيش النكبة، بلا انقطاع".
علينا أن نقول إن التجربة المأساوية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، كانت شبيهة جداً بحالة اللبنانيين الجنوبيين تحت الاحتلال الإسرائيلي فترة طويلة، وأيضاً بحالة الفلسطينيين في الضفة والقطاع. إن تجربة شعبنا، مثل تجارب كل الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال، فمن ناحية هناك "متعاونون" ضعاف النفوس، وهناك بالمقابل اتساع مستمر للوعي القومي ورفض الاحتلال ومقاومته. وفي آخر الأمر فإن الوعي القومي للشعب المقهور يتغلب في نهاية المطاف على الظلم القومي ويقهره.
هذا الكتاب، مع أنّه مكتوب من موقع الموضوعية الأكاديمية، وأيضاً من وجهة نظر يهودية، فإنّه وسام شرف لشعبنا، الذي بقي في أرضه، تجذَّر وصلُب عوده باستمرار، وازداد وعياً قومياً وثقافياً، وازداد تجربة نضالية أيضاً.
هناك، الآن أيضاً، تمييز وخنق وحصار وممارسات معادية للديمقراطية، ولكن الحصيلة العامة للصراع بيننا وبين نظام الاضطهاد القومي أننا كسبنا المعركة، ونواصل المعركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24