الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تقسَّم دولة متحدة ؟

أحمد فاروق عباس

2023 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


للغرب مشكلة كبيرة مع فكرة الدولة عموماً ، وهو يرى أن ذلك المفهوم يمثل فى هذه المرحلة عقبة في طريق صعوده ، وأن دولاً كالصين وروسيا هى دول أكبر مما يجب ..

وكالعادة يمثل العالم الثالث والعالم العربي في قلبه ميدان التجربة للجديد من أفكار الغرب ومن خططه ..

لقد أصبحت الدولة فى مرمى النيران ، وتعددت وسائل اصطيادها ، ومن تجربتنا المباشرة في السنين الماضية ظهر لنا بعض من تلك الوسائل ..

١ - نشر الأفكار الخلافية ، حتى بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد ، فيكفى أن تذهب إلى بطون الكتب القديمة وتستخرج منها الآراء الغريبة أو الشاذة أو التى ليس عليها إجماع ، وتقم بنشرها على العامة ، وتقدمها لهم بأنها هى الدين نفسه ، ومن خالفها استحق لقب أنه غير متدين أو غير غيور على دينه !! وليس الأمر مجرد اجتهاد رجل معين فى زمن معين !!

وبعد فترة من الزمن ستجد قطعان كثيرة من الناس مشت وراء هذا الكلام الغريب والآراء المهجورة ، ورفعتها إلى درجة أن ترى بأنها هى الدين !! بينما هى آراء أغلبها ضار ويخلف وراءه مشاكل بلا حصر ..

وتحتاج الدولة والمصلحين إلى سنين طويلة لمجرد إقناع الناس بأن تلك الآراء ليست هى الدين ، وانما هى رأى بشر عادى يمكن أن يخطأ ، أو على الأقل هو رأى متفق مع ظروف عصره وليس غيره من العصور ، تغيرت فيها الدنيا والناس والافهام والعلوم ..

٢ - إذا كان فى الدولة أديان متعددة ، الموضوع أسهل ، يكفى أولاً محاولة إبعاد الشعور المشترك بين أهل الديانتين ، وتصعيد أفكار ورجال يغذون بث الفرقة الشعورية والنفسية ، حتى يصل الأمر إلى انكفاء الطائفة الأقل عددا على نفسها ، ثم ياتى دور العنف والإرهاب ليقنعهم بأن الحياة فى هذا البلد وهذه الظروف أصبحت مستحيلة ..

٤ - شيطنة الدولة .. بإقناع أهل الدين الأكثر عددا بأن الدولة تقف في سبيل تقدمه ، وإقناع أهل الدين الأقل عددا بأن الدولة هى سبب مشكلتهم ، وإقناع العلمانيين بأن الدولة متراخية مع المتطرفين ، وإقناع المتطرفين أن الدولة تحابى العلمانيين ، وإقناع الناصريين أن الدولة تحارب تراث عبد الناصر ، وإقناع الساداتيين ان الدولة رجعت إلى انغلاق عبد الناصر ، وإقناع الفقراء أن الدولة ضدهم ، وفى نفس الوقت إقناع الأغنياء أن الدولة ضدهم !!

والنتيجة أن الدولة تصبح متهمة من الجميع ، وما على الجميع إلا إمساك معوله لهدم تلك الدولة ، التى يرى فيها الجميع بأنها صورة الشيطان ، فى حين أنهم هم - كلهم - مجموعات من الملائكة !!

٣ - وإذا كان فى الدولة أعراق متعددة فالموضوع أسهل واسهل ، وليس أكثر من إعادة بعث لغة وثقافة هذه الإعراق تحت لافتة التنوع الثقافي ، فبدلا من ثقافة تجمع الكل ، تصبح لكل عرق ثقافته ولكل طائفة ثقافتها بل لكل منطقة ثقافتها ..
وبما أن مصر شعب واحد ، ففيما يخص هذه النقطة حاولوا خلق تقسيم مناطقى ، فأهل النوبة لابد أن تكون لهم ثقافتهم الخاصة ( مع أنهم مصريون مسلمون ومن أهل السنة مثل باقى المصريين ) وأهل مطروح لابد أن تكون لهم ثقافتهم الخاصة ، وكذلك أهل الواحات ، وكذلك أهل سيناء !!

وطالما ظهرت كتب ودراسات فى الغرب تركز على هذه الأمور ، وهدفها خلق هويات متعددة بدلا من الهوية المصرية الجامعة ..

٤ - ثم تأتى بعد ذلك المطالبة بالديمقراطية فى شعب انقسم إلى مائة طائفة وشعبة ..
والديموقراطية في العالم الثالث تشبه طفل صغير متعلق بلعبة معينة لا يعرف اصلها من فصلها ، ولكن قيل له أنها لعبة جميلة ومسلية ، ولم يدله أحد على مكامن الخطورة فيها ، والنتيجة أن تظهر فئات فى الشعب تنادى بأعلى صوتها : عايزين ديموقراطية .. عايزين ديموقراطية ، ولم يلتفت أحد أن تلك اللعبة المسماة ديموقراطية يلزمها شروط معينة ، منها درجة معينة من نمو قوى الإنتاج تسمح لها بالتنافس على السلطة بوسيلة سلمية ، وشعب متحد على الأهداف والمبادئ الأساسية في حياته ، وليس شعبا منقسما على ذاته فى فهم الدين ودوره ، وأى نظام اقتصادى يتبع ، وفى أى إطار سياسى ينظم جهوده ..

والنتيجة الطبيعية في مثل تلك المجتمعات أن تصبح الديموقراطية داعية لانقسام وتفتت الدولة وليس لوحدتها ، وتجد طوائف كثيرة تطالب بحق تقرير المصير ، وعمل استفتاءات لقول نعم أو لا للبقاء في الدولة ..

أليس ذلك ما حدث فى السودان فى جنوبه ، ومازال يحدث حتى اليوم فى دارفور وفى كردفان ؟
أليس ذلك ما حدث فى العراق ، فيما يخص الاكراد ( لولا الفيتو الإيراني والتركى ) ؟

شدة عظيمة وسنوات صعبة تلك التى يمر بها العالم الثالث ، وهجمة الغرب هنا تعدت مرحلة الإستعمار المباشر أو حتى الإستعمار الاقتصادى الذى تلاه ، إلى مرحلة أكثر ذكاء بمراحل ، لقد دخلنا في مرحلة استعمار العقل ..
حيث يقتل الإنسان نفسه وبلده ودينه بيده ، وهو يظن أنه يحسن صنعا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب