الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعجوبة تطوير الذات (مأمون حسن) الأكاديمي المكافح

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 1 / 6
الادب والفن


ينبغي أن يعلم شباب اليوم بمصرنا أن الكفاح في الحياة والحرص على إتقان حرفة أو حرف ليس خاصًّا بالعلماء والأدباء القدامى كالشيخ خالد الجرجاوي وَقَّاد الأزهر الشريف، بل يوجد بيننا في زماننا هذا شباب علماء مكافحون في الحياة، بدأوا حياتهم يتقلبون في حِرف وأعمال يَدَوِيَّة وبَدَنية مختلفة، وشاقَّة! من هؤلاء شاب يُعدُّ من جِينِ الشيخ خالد الأزهري، وأراه امتدادًا له، ومن نفس إقليمه جرجا، تلك البقعة المصرية الصعيدية التي كانت تطلق قديمًا –أيام الشيخ خالد-على ما يُوازي محافظة سوهاج كاملةً أو يزيد! إنه ذلكم الشاب المصري الصعيدي -الإخميمي الجِرْجاوي، حسب التعبير الجغرافي القديم- السوهاجي، الباحث اللغوي الأكاديمي الآن- الدكتور(مأمون علي خلف الله حسن) البالغ عمره خمسة وأربعين عامًا، كلُّها كفاح وجهاد، حيث وُلِد في نجع كمال الدين، من قرية الكُولَة، التابعة لمركز إِخْمِيم، بمحافظة سُوهاج، فبدأ في هذا النجع يمارس الفِلاحة مع والده كعادة أهل الريف، واستمرّ يمارسها بين الحين والآخر حتى قُبيل حصوله على الدكتوراة، ثم انتقل إلى العمل في قرى كثيرة بمركز إخميم، حيث عمل مدة عامين عاملاً في أحد مشاريع الدولة المصرية لتربية الدواجن، وبعد ذلك سافر إلى القاهرة فعمل في مدينة الشروق -فترةَ إنشائِها- ضمن عمّال شركة لإزالة مُخَلَّفات البناء من المباني المُحدَّد بيعُها، ثم عمل عاملاً في مجال نِجارة التسليح ومعها العمل في حِدادة التسليح، ثم عمل بسوهاج في مشاريع الدولة لتوصيل المياه للقرى؛ فقد كان يقوم بالحفر في الشوارع لتوصيل مواسير المياه رفقة آخرين، ثم سافر إلى دولة ليبيا وتنقَّل هناك بين العمل في مجالات البناء المتعددة: عامل بِناء، عامل خَرَسانة، عامل نِجارة، عامل حِدادة، عامل حفر قواعد بِناء، عامل تحميل مواد البناء- الطوب، الرمل، والزلط... إلخ- كما عمل مساعد كهربائي، ثم عمل بائعًا في أحد محلات العاصمة الليبيّة- طرابلس-، ثم عمل في قرية سياحية بوصفه مساعدًا لكهربائي... وكان ذاك السفر يتكرر أثناء فترات العطلة الدراسية للجامعة...
ولم يستمر الشاب المصري الصعيدي(مأمون) على حالته العُمَّالية هذه، بل إنه قد حدث له تَنَمُّر-كالذي حدث للشيخ خالد الجرجاوي!-من قِبَل أحد الطلاب، وعيَّره بالجهل وعجزه عن الالتحاق بالثانوية العامة، وأنه من أبناء الدباليم! حيث كان من طلاب دبلوم التجارة سنة1996م!
إضافة إلى أنه رزق بأم عظيمة كانت سببا في ترقيه وتطوره، يقول أخونا وحبيبنا مأمون ساردا دورها النبيل فيه:
كانت أمّي-شفاها الله وعافاها- تنظر إليّ وأنا في الدبلوم المتوسّط ثم تقول بلهجتها الصعيديّة القويّة: "يا واد، أنا شايفاك دكتور؛ فكيف (يعني) تبقى أنت معك دبلوم بس؟!" وما زال حالها معي هكذا بين لومٍ وتشجيعٍ حتى أرجعتني لمقاعد الدراسة طالبًا في الصف الأولى الثانوي وعمري قد تجاوز العشرين...ثمّ مرّت الأيام الجامعيّة حتى جاء يوم فأخبرتني مبتهجةً ونحن في شهر رمضان المبارك: زارتني في المنام امرأةٌ بثياب بيضاء، ثم قالت لي: أبشّرك بأنّ ولدك مأمون سيصبح دكتورا مثل الدكتور ... وذاك قبل عشر سنوات من حصولي على الدرجة! هي الأمّ التي إيمانها بك يعدل إيمان أمّة، بل يفوق، وخذلانك لها كانهيار سدّ مأرب؛ يقضي على كل مزهرٍ في نفسها!
فأخذ أخونا المأمون بأسباب التطوير الذاتي؛ فقد قرر تطوير نفسه في التعليم، والوصول إلى تعليم أعلى من هذا التعليم المتوسط! فعمل على الالتحاق بالثانوية العامة بنظام المنازل، وما زال يجاهد فيها سنواتٍ عديدة، حتى حصل عليها بمجموع عالٍ، يَزيد على سبعين في المائة؛ ليُؤَهِّله إلى الالتحاق بالتعليم الجامعي منتظمًا في كلية دار العلوم بجامعة المنيا، حتى حصل فيها على الليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية سنة 2009م، ثم واصل تطوير نفسه إلى الدرجات العلمية الأعلى؛ فحرص على الالتحاق بالدراسات العليا في كلية دار العلوم بجامعة المنيا، فحصل على دبلوم الدراسات العليا في تخصص البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن، سنة 2010م، ثم أعد موضوعًا لنيل درجة الماجستير، بعنوان: (التأويل البلاغي للحياة الأولى والموتة الثانية في القرآن الكريم) ليحصل على درجة الماجستير سنة2016م، ثم أعد موضوعه (الأفعال الكلامية في السرد القرآني لأنباء الأمم السابقة: دراسة تداولية)؛ ليحصل على درجة الدكتوراة من كلية دار العلوم بجامعة المنيا سنة2022م)...
ثم كان استقرار ذلكم الشاب بوطنه مصر والعمل في مجال التعليم الخاص حتى اللحظة الآنية، ومن ثم استحق بجدارة أن يعمل مدرسًا ثم مشرفًا ثم مُوجِّهًا للُّغة العربية والتربية الإسلامية، مدة عشر سنوات (2011-2020م) بإحدى المدارس الدولية للُّغات، كما عمل أستاذًا جامعيًّا في مركز علمي مرموق خاص بالقاهرة لتعليم العربية للناطقين بغيرها، وهو نائب تحرير لمجلة دولية علمية مُحَكَّمة بإحدى الدول الآسيوية، وهو عضو ومُحكَّم بمجلتين تابعتين لجامعة محمد خيضر بسكرة، وجامعة وهران بدولة الجزائر، وهو الآن يؤدي دوره العلمي والثقافي مُشَرِّفًا مصرنا: يُفيد ويُنير، يتطور ويُطوِّر، وينشر الوعي المصري الوسطي المستنير، وله أبحاث علمية بعد شهادة الدكتوراة، منشورة في مجلات علمية دولية مُحَكَّمة...
فما أجملها من كفاحات لهؤلاء الأفذاذ! وما أجمله من تطوير للنفس والحياة والأحياء!... وإن هذه السِّيَر الطيبة لعلمائنا لتذكرُنا بقول أمير الشعراء، رضي الله عنه:
سعيُ الفتَى في عيشِه عبادهْ وقائدٌ يهديهِ للسعادةْ
لأنَّ بالسعي يقومُ الكونُ واللهُ للساعينَ نعمَ العونُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي