الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل العاشر والحادي عشر رواية لم اشرقت .. لم رجعت

مؤيد عليوي

2023 / 1 / 6
الادب والفن


الفصل العاشر في المقهى اللندني
من الشارع الذي تسكن فيه ديانا، أستقل السومري محمد.. أنكيدو ديانا أحدى بنات عشتارفي لندن، استقل السومري حافلة نقل الركاب إلى شقته، وجلس قرب النافذة التي مسح زجاجها ليمزق بقايا الضباب عنها، فيرى شوارع لندن أمام عينيه وفيها بعض المتسولين الجالسين على أرصفة من الصقيع بكل معنى فلا خبز لهم سوى أن يمدوا أيديهم أمام أعينهم لتتوسل سابلة المارة بالعطاء، كان يتأمل الفقراء وقلبه ينبض بمشاعر التعاطف معهم، وعقله يتساءل هل تاريخ البشرية حقا يقف هنا على عتبة هذه اللحظة التي شاهدتها مرارا كل يوم في لندن؟!، هل يقف التاريخ عند أعتاب أغلبية فقيرة، وأقلية تملك كل شيء، رنَّ محموله الجوال وتكلم هو أولا ،بعد أن شاهد اسم المتصل عليه :
- الو أهلا فرانك
- اين نلتقي ؟
- في شقتي.
ترجّل من باص نقل الركاب امام العمارة الكسنية التي فيها شقته وتناول المصعد اليها، بينما كانت الكراسي والاثاث أمثالها داخل الشقة تشكو البعثرة حول طاولة متوسطة الحجم سطحها هو الآخر مهمل غير مرتب وعليه أطباق طعام متروكة، كانت الطاولة والكراسي قد أخذت مساحة وسط الشقة، فيما كان المطبخ يعج بالأواني غير النظيفة، فتحرك السومري صوب الشبابيك وفتح أفواهها، وملء رئة الجدران بالهواء النقي البارد، وأخذ ينقل الإطباق من الطاولة إلى المطبخ، يغسلها تحت الماء الحار.. ثم عاد إلى مكتبه رتب أوراقه وأعاد الكتب إلى مكانها في مكتبة أبيه، ارتاح قليلا على كرسيه خلف خلف مكتب ابيه في المكتبة، قرأ سورة الفاتحة لوالديه، وشكرهما لأنهما أنجباها، وتركا له هذا الإرث الكتبي، وبينما "دفتره السومري" يقرأ بعض صفحاته، كان فرانك يطرق باب خلوته مع دفتره، استقبله بإشارة مِن يده للدخول مع بشاشة وجهه قاصدا بقاءهما في مسكنه، في حين ضيفه فرانك أصرّ على خروجهما إلى المقهى، فأجبه محمد
- نعم احتاج أن أخرج لأرى لندن من جديد كيف هي في عقلي بعد سفرتي هذه
ابتسم فرانك له بنقاء مع كلمة:(هل بدأنا من الآن)، غمسه محمد مع ضحكة النقية من أعماق قلبه وأدركها بقوله :(لا والله .. أرجو أن تنتظرني لحظة) وحث خطاهُ وهو ذاهب لتغيير ملابسه في غرفة نومه التي تشبه غرفته في بيت عمّه في قلب أحدى مدن الطين والعشق، فيما أخذ صاحبه يتأمل صورة والديّ السومري المعلقة على الجدار عند مدخل الشقة قرب بابها الكبير، قاضيا الوقت في تأملها ومنتظرا محمد السومري، حتى خرجا من الشقة وأوصدا بابها، وفي حديث نزولهما من الشقة كان فرانك يلّح بالسؤال عن قصة الصورة التي فيها رجل وامرأة، ووجه السومري يبتسم وهو لا يجيب صاحبه عن مسألته تلك، حتى هدأ فرانك عن لجّة سؤاله، فغرد صاحبه بالجواب كهديل الحمام بما يحبّ ويتفنن بهديله هذا، كانت هذه الصورة لأمي وأبي قبل زواجهما، وهي أول لقطة تجمعهما في حياتهما المليئة بالنضال وعشق مدن الطين وناسهما، مدن الطين والعشق الممتدة من أعالي الفرات ودجلة، وقد أحتفظ أبي بنسخة منها مثلما احتفظت أمي بنسخة منها، أما تاريخ الصورة فيعودُ الى وقت التقيا أول مرة في مدينة دمشق، وقتذاك كان عمر أمي كما رأيتَ صورتها بنت عشرين سنة وهي من أكراد سوريا، بينما كان أبي أبن خمس وثلاثين سنة وأنت تعرف أنه من مدن الطين والعشق من عرب العراق، ولمّا تزوجا هنا في لندن وهما لاجئينِ فيها، وللندن الفضل في هذا ولا ينكر، قررا أن تكون صورة شبابيهما ولحظة أول لقاء لهما، في هذه الشقة التي اشترياها من تعبهما وكدهما لخمس سنوات متواصلة الليل بالنهار، كانت الصورة بالأبيض والأسود أقلّ كلفة من الصور الملونة وقتها، أما قصة لجوءهما فليست أفضل من قصص اللجوء اليوم، ولستُ أعلم احتمال كان لجوئهما أفضل من حال اللاجئين اليوم، إذ لم تكن الخصخصة الاقتصادية حينها قد خرجت للحياة والتطبيق الفعلي من بطن تاتشر وريغان الى العالم كله، قبل أن تبيع السيدة تاتشر قطاع النقل العام الحكومي هنا في لندن، وتحوّله إلى قطاع خاص،كان فرانك يقود سيارته وهو يستمع بصمت إلى حديث صديقه وهو جالسٌ بجانبه، حتى أوقف سيارته في الكراج القريب من المقهى الذي اختاره محمد، مقهى يفتح التلفاز على القنوات الإخبارية العربية والعراقية، سبق ودخلاه في أوقات فراغهما، وكالمعتاد منهما في حضورهما أليه مثل كل مرة ،أن يجلس الاثنان على طاولة مخصصة لشخصين، وفي يد كل واحد منهما كوبه من الشاي العراقي الذي أعتاد فرانك أن يتناوله في جلوسه مع محمد داخل جوف المقهى الانيق، كان الاثنان مستمتعان بالشاي وهما يستمتعان بانتصار القوات المسلحة العراقية على داعش، حين نقلتْ إحدى الفضائيات خبرا عاجلا عن دخول الفريق الركن عبد الوهاب ألساعدي وقواته الحكومية إلى قلب مدينة الموصل، في ترحيب من أهل الموصل والعراقيينَ والعالم.
*****
إبتسم فرانك فرحا مباركا لمحمد، ومصافحا إياه وقائلا له : ( لقد انتصرتم أيها العراقيون فعلا وبدأ مفعول الحضارة يأخذ دوره، لقد تمّ هذه النصر بمساعدة التحالف الدولي وبريطانيا منه)، أجابه السومري بهدوء وغير مبالاة لزجّه بريطانيا في فرحة انتصار العراقيين، : لقد انتصرنا بفعلنا القتالي على الأرض، نحن العراقيين بناة الحضارة وبمساندة العالم كله، ليقاطعه فرانك مستفهما والحشد الديني؟ قصدك الحشد الشعبي، من أبناء الفقراء وأهل البسطيات والعمال والفلاحين من محافظات الفرات الاوسط والجنوب وبعض المعممين الشيعة، والمتطوعين من العشائر العربية في الموصل والانبار وصلاح الدين، الذين تركوا كل شيء وقاتلوا نيابة عن العالم وسلْم العالمي، وكذلك لا تنس أنت، العاطلين عن العمل بسبب البطالة التي أوجدها صندوق النقد الدولي بشروطه المجحفة على العراق، فكيف لا يساندنا العالم وبريطانيا منه، تأمله فرانك وأكملَ :(سوف يستغله الفاسدون في السلطة، فهم أصلا يملكون السلاح خارج الدولة قبل النصر على داعش، سيكون سلاح التحرير هذا مشكلة على المجتمع العراقي)، اجابه صاحبه بهدوءٍ يقاتلُ : أ ليس أنتَ ممَن يرغبُ أن يبقوا في حكم العراق لجهلهم وجشعهم وعدم وطنية أغلب ساسة النظام الجديد أمثالهم، فالأموال التي ينهبونها تدخل في بنوك لندن وغيرها من مدن الشرق والغرب الرأسمالي، بينما ينام يوميا على أرصفة لندن العشرات من البشر في هذا البرد القاتل، أضف الأغلبية التي تعيش في مستوى غير مقبول، أنها العولمة الاقتصادية ولعبة الثروة التي يكنزها القلّة في كل مكان من العالم، وتذهب أنت وغيرك لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي؟! كم ستحصل مقابل هذا الخروج تحت شعار إعادة المملكة التي لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس؟ ضحك فرانك وهل تريد أن تنافسني فيما أحصل عليه، ليتعجب محمد منه إنّك تقر بالوضع اللاإنساني للناس على أرصفة لندن! كما تقرّ بصحة ما ينشر من مقالات على الانترنت منها : (( أظهرت الأبحاث إن عدم المساواة في الثروة، تعتبر أكثر ضراوة من عدم المساواة في الدخل، حيث يمتلك 10% من الأسر أكثر من النصف بقليل من ثروة المدينة، و50% من الأسر المتوسطة تمتلك 5%، وانخفضت هذه النسبة إلى الثلث بين “2010-2012″ و “2012-2014″، إلى أن وصلت نسبة 5% إلى نسبة 2% في جميع أجزاء بريطانيا))، مما أثر على أرتفاع أجور السكن وقلة فرص العمل وإحجام الناس عن التقاعد، أجابه فرانك (ببرود وماذا أعمل لهم، فأنا أبحث عن فرصتي في النظام العالمي الجديد، وأنت تعرف هذا يا صديقي، ما الجديد الذي عندك؟!!) حينها كان فرانك مريحا ظهره على مسند كرسيه حيث يجلسُ، ويتكلم بثقة مادا يديه على الطاولة التي أمامها، ويديه تعبث بكوب الشاي الفارغ أمامه، يحركه يمينا وشمالا، بينما عيناه منصبّتان باتجاه عيني صاحبه وجليسه الوحيد، خيّم الصمت المطبق على ملامح محمد الذي أختار أن يقوم ليأتي بكوب شاي جديد له، نظر إليه فرانك مجددا سؤاله : ( لم تأتِ لي بكوب شاي معكَ؟!)، نظر محمد اليه : اخدم نفسك بنفسك يا مَن تحب نفسك كثيرا، فأذعن فرانك وهو يبتسم ( هكذا التعامل إذن)، نعم كان جواب السومري حتى تدرك معنى الشعور بالآخرين، لقد قصدتُ أن أعاملك بأنانيتك إتجاه الآخرين أيها الرأسمالي الفنان في جمع المال، كانت كلمات محمد الأخيرة هذه قد قالها بنبرة حادة، ووجهه ينضح بالجديّة وعيناه صوب عيني فرانك الذي غيّم وجهه، ثم عاد وابتسم ابتسامة سرور للمنافسة بينه ومحمد، والتي أخذت منحى أكثر جديّة .
قام فرانك عن كرسيه وراح يهتف مثل المتظاهرين في التلفاز امامه يشمرّ بيديه كلتيهما، ويردد ويكرر: (عمّالي، يساري)، وقد أكمل هتافه هذا باللغة العربية (يا حزب العمال البريطاني توجد تظاهرة غدا لعمال برلين هل نشارك بها؟)، ليختم حركته الممسرحة هذه بالضحك مِن أعماق سرائره، وهو يعود إلى كرسيه، مواصلا كلامه من جلوسٍ، سوى أنه بصوت هادئ تنبع منه العقلانية، كانتا عينا فرانك تتحدثان قبل لسانه، (هكذا هي اليسارية هتاف وتظاهرات بحريتكم تمنحكم إياها ديمقراطية الرأسماليين اليوم)، أنا لستُ من حزب العمال البريطاني، أنا عراقي وأكره ظلم الإنسان لأخيه الإنسان على ظهر هذا الكوكب، وسترى يافرانك كذبة "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لـفوكوياما ، بعد أزمتكم أزمة رأسمال العالمي في سنة 2008 و2009، في حين مازالت تداعياتها عليكم إلى الآن، لقد رجعتم بخفي حُنين كما يقول المثل العربي القديم ،عندما نشر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، كتابه المشهور "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" الصادر سنة 2014 ، مُقرّا ومعترفا بحقيقة ما توصل إليه كارل ماركس اقتصاديا ، أما ديمقراطية اليوم فأوجدتها التكنولوجيا المتطورة للإلكترونيات، وقد أخرج محمد السومري هاتفه المحمول وأشار إليه هذا هو سر استمرار الديمقراطية، متواصلا ببركانه من الكلمات الدقيقة والقوية فكريا وثقافيا، يقذف حممه على عقل بها عقل فرانك، أما الديمقراطية والحرية التي تمنّ بها الرأسمالية الصناعية أو المالية، أقصد هنا مرحلة الإمبريالية في أدارتها للمال العالمي، منّتها على العبيد التي لا فائدة منها، لأن العبودية راسخة في دواخلهم، ولم تنبع الحرية من أعماق نفوسهم، وهنا تصير المفاهيم الرأسمالية الاقتصادية والدعوة الى ديمقراطياتها الكاذبة شبيهة بأيدلوجيات القومية والدين، أو الأيدلوجيات الجامدة بصورة عامة، لأنها قوالب جاهزة والحياة متغيرة بحركتها الدائمة اليومية، تشبهها في النتائج التي لا تفضي إلى ديمقراطية حقّه أو اختيارات فردية لتنتج الحرية فعلا، فالرأسمالية تحاصر الفرد في العالم، برغيف الخبز وفرصة العمل من خلال إدخال أذرعها الاقتصادية عبر صندوق النقد الدولي، فيما تحاصر امريكا قائدة رأسمال العلمي، تحاصر كوبا وفنزويلا وباقي الأنظمة الاشتراكية، مثل حربها على السلع الصينية في الأسواق العالمية، فهل هذه الشعوب بدأت بحرب على أمريكا أو غيرها؟!، ثم عاد السومري إلى هاتفه يلوّح به على الطاولة ويده مستنده إليها، وهو متواصل بكلامه: أما هذا وغيره من التطور في تأريخ البشرية، فهو جهد وعرق الإنسان، وليس لأصحاب الأموال أمثالكم، فبلا عمّال لن تستطيعوا صنع شيء، ثم ضحك محمد بطريقة ساخرة أكثر من سخرية فرانك منه، سكت فرانك وطلب منه تغيير الموضوع، كان محمد قد اكتفى من هزيمة منافسه الفكري والحضاري وزميله في الجريدة، بينما تولدتْ لديه رغبة ثانية وهي مغادرته إلى مسكنه، فاتفقا على مغادرة المقهى بعد نقاشهما الحامي الوطيس، وكلٌّ منهما راضٍ عن نفسه فيما قدّم من أفكار، قاما عن طاولتهما، وبخطوات كلها همة للخروج من المقهى حتى وقفا عند باب المقهى يحاولان المرور منها إلى الشارع، وظهريهما لجهاز التلفاز الذي غيّر عامل المقهى، قناته إلى قناة عراقية تبث بثا حيا لتظاهرات عمال نسيج الكوت المتضامنة مع تظاهرات عمال نسيج الحلة، فيما كان العاجل من سطرين أسفل شاشتها الفضية، يشير إلى خروج تظاهرات غفيرة في العاصمة بغداد والنجف وباقي مدن الطين والعشق العراقي، لتحيّي الجيش العراقي والقوات الأمنية والقوات الساندة لها من الشعب، بالانتصار وتحرير الموصل، وتطالب في الوقت ذاته، بالقضاء على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، الذي كان سببا بوجود داعش في العراق، كان محمد عند باب المقهى قبل مغادرتهما، عندما سمعا صوت المذيعة وهي تعلّق برأيها على الموضوع، فرجع هو إلى مكانه وقد جلس فرانك إلى جواره، جلسا يتابعان التلفاز بتلك الرغبة في نفسيهما وعقليهما، رغبة وفضول الصحفيينَ في حصولهم على معلومة جديدة من استنتاج قد يمر ببالهما..

الفصل الحادي عشر لندن وتوهّجه
سنة 2019 ..
كانت الشابة رئيسة تحرير الجريدة التي يعملان فيها محمد وفرانك، تتابع بنهم القنوات الفضائية الإخبارية لساعات طويلة، فيما آخر شاشة فضية تتابعها أفادت، بأن موجة الحر ستتصاعد في الأيام القادمة، في حين أخذ العالم يستعد لمواجهة الحر القادم من خلال مؤتمرات المناخ الدولية، وبتوفير أفضل الخدمات لشعوبهم، ومازال تردي الخدمات في العراق ومنها الكهرباء، لتتبخر وعود المسؤولين بتوفيرها عند موجة الحر القادمة، مما يزيد الوضع سوءا على المواطنين في العراق، في أجواء من التوتر الإقليمي والدولي، يرافقه غضب شعبي في العراق يطفح على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تردي الخدمات والبطالة و...
أقفلت رئيسة تحرير الجريدة جهاز التلفاز في غرفتها، وقد ملّت من تلك المتابعة، فأسدلت الستار على عينيها الناعستين بطبعهما خلف نظّارتها الطبية، وهي تفكّر وتقلّب الأفكار مثلما تقلب حجرا صغيرا بين يديها الناعمتين الطريتين الممتدتين فوق مكتبها، فتحت عينيها ورمت الحجر البلوري الصغير من يديها، واتصلت بمحررات ومحرري صفحات جريدتها، ورؤساء الأقسام الإدارية فيها، تدعوهم إلى حضور اجتماع الجريدة خلال الساعة القادمة في صالة الجريدة للاجتماعات، واستثمرت هي تلك الفسحة من الوقت، لتثقب بنظرها لائحة تعليماتها الجديدة لكادر جريدتها والعاملين فيها، ولتعدّل بعض سياستها في إدارة الجريدة، حين توهّجت بعقلها الى تلك التعديلات، بعد بحث عنها منذ شهور وقد جاء وقتها المناسب.. وهي تردد هذه الكلمات بصوت أنثوي رخيم لا يخلو من حزم إداري .
زمت أصابعها الناعمة على أوراق قراراتها بشجاعة، لتغادر بحماستها تلك مخلفة غرفتها تعزف على وتر عودتها، متجهة برشاقة طولها وقوة شبابها إلى صالة الجريدة تضرب قدمها بقوة على الارض ليهتز نهديها كموج بحر هادئ تغري الرجال والسناء بالنظر اليها وهي تمشي على بإيقاع منتظم..، دخلت صالة الاجتماع حيث الطاولة الكبيرة ومكان جلوسها عند رأس الطاولة ليكون خلفها شعار الصحافة الذي تختص به جريدتها، حضر فرانك والسومري محمد مع كادر الجريدة، إلى طاولة الاجتماع ولم يكن السومري قد فكّر في جلوسه أين سيكون، لكنه جلس وجها لوجه مقابل فرانك في منتصف الطاولة، نظرت رئيسة التحرير وصاحبة الجريدة الشابة، إلى الجميع وطلبت منهم الانتباه لها، وإنهاء فوضى أحاديثهم الجانبية، ابتسمتْ بتفاؤل والحزم على محياها، قرأتْ لائحة التعليمات التي أصدرتها، والحازمة أكثر من ذي قبل، مُؤكدةً في كلمتها، إنها تريد عملا يزيد من مبيعات الجريدة مع تحليل ومصداقية أكثر من بقية الصحف في العالم، ثم تلتْ أسماء المحررين الجدد لصفحات جريدتها، وعندما زجّت بالصفحة السياسية إلى محمد السومري، التي تختص بأخبار الشرق الأوسط والعراق، سارت فوضى في دخيلة فرانك وسرى على وجهه الامتعاض، وكان محمد يرى ظلام فرانك، بينما صوت نرجس أبنة عمّه، يردد الكلمات:(محمد أهدأ فقط)، ليملأ صوتها مسامع نفسه ويهدأ من روعه، فالتزم الصمت، وراح يلهو بأحد أزار قميصه، حوّل بوصلة وجهه ونفسه حيث رئيسة التحرير وهي تدير جلسة الاجتماع عند رأس الطاولة، فيما تنبهت الرئيسة إلى فرانك يحدّث زميلته بجانبه والامتعاض بادٍ على وجهه، وكلمات أعتراضه القليلة على رئيسة عمله باتت مسموعة لها، حينها قلبتْ زميلته صفحة وجهها عنه إلى الضفة الثانيةوتركته يهذي لوحده ..فتركت الرئيسة قراءة الأسماء، وأنتفضت على فرانك موجهة كلامها له دون ذكر اسمه، مَن لا يستطع أن يواصل معنا كفريق عمل، عليه أن يقدم استقالته الآن، ثم أشاحت بوجهها عنه إلى جميع الحضور كأنه هو جزء من الآخرين، أو أن الجميع يشمله كلامها القادم، لتكمل قولها : أنتم تقبضون رواتبكم كل شهر كما هي، ونسبة مبيعات الصحيفة تقلُّ يوما بعد يوم، علينا إنقاذ المركب وإلا سنغلق هذه البناية ونصبح جميعا ضمن البطالـة في الشارع، أو نبحث عن عمل في صحف أخرى بحسب المقال ومزاجية تلك الصحف في دفع الأجور، أو تتسكعون في شوارع لندن مع المتسولين على أرصفتها، ثم واصلتْ قراءة ما بقي من الأسماء التي صار منها فرانك محررا للصفحة الاقتصادية في شؤون الاتحاد الأوربي، لتختم كلمتها، بأن لا توجد إجازة في عمل الصحفي المحترف، فهل تريدون أن تكونوا محترفين حقا، ثمّة حوافز للعمل الجيد الذي تقدمون سواء في وقت العمل أو الإجازة، أرجو لنا النجاح بوصفنا فريق عمل واحد، شكرا لكم، وقتها حاول فرانك أن يتكلم كما حاول غيره، عندما كانت واقفة بمكانها من رأس الطاولة الكبيرة وظهرها إلى الجميع تهمّ بخطوتها الأولى باتجاه غرفتها، كان شعرها مسدل إلى أسفل كتفيها، وقد أبقت منه ما يتدلى على كتفها ونهدها، فالتفتْ إليه بعنف حركة جسدها الرشيق ليتطاير شعرها من كتفها ويحطّ من جديد، نظرتْ إلى فرانك مِن خلف نظّارتها التي انزلقت إلى أسفل أنفها الصغير، وسألته بهدوء شخصيتها ونبرة صوتها مصداق نظرتها التي تفصح قبل لسانها عن طرده من الجريدة، هل تريد تغيير الصفحة التي أردتَ أن تعمل عليها طوال السنتين الماضيتين، جاءتكَ الفرصة الآن، ماذا تريد أكثر؟!، فسحب نفسه بهدوء الثعلب مبتسما لها شاكرًا إيّاها، بينما كان السومري محمد قد انطلق من غرفة الاجتماع إلى غرفة مكتبه الجديد، ليعيد ترتيبها على وفق ما يريد، غير مبالٍ بفرانك والرئيسة الشابة وحوارهما، وزميلاته وزملائه الذين ظلوا يستمعون لهما، مهتما بعمله الجديد وليغرد بعدها في الجريدة، يطير بين أغصانها، ينتقي عمّن يوّد العمل في فريق عمله من المحررين والمراسلين المختصين بشأن الصفحة التي صارت على عاتقه مهام النهوض بها، ثم طار وحطّ على غصن هاتفه المحمول فهَاتَفَ صاحب العمة السوداء عبد الله النجفي بلندن، وقد أخبره رغبته بزيارته في قادم الأيام، ثم تواصل باتصالٍ سريع خاطف، مع أبي كوكب في العراق، راجيا منه أن يزوّده بكل جديد حتى الأمور الصغيرة مع الصور من خلال التواصل الاجتماعي، وأنه سيتواصل معه فيما بعد، ثم أخذ يجري بعض الاتصالات مع مُوفدي الجريدة الجدد، في العراق ومصر وسوريا ودول الخليج العربي وإيران وتركيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل