الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابة الذات، قراءة في الرغيف الاسود لحسن المصلوحي

فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)

2023 / 1 / 7
الادب والفن


يمكننا التساؤل ونحن على عتبات هذا الكتاب عما إذا كانت الكتابة عن الذات وبالذات في السرديات العربية بصدد التمرد على حدود النص ونوعه من جهة وعلى حدود الكتابة وسقفها من جهة ثانية.
ولعل الإجابة على السؤالين تقتضي الوقوف على جملة من النصوص المندرجة ضمن نفس التصنيف الذي يجدر الوقوف عنده هو الآخر ومن بينها كتاب الرغيف الأسود.
ان استخدام مصطلح كتابة الذات يراد به الاتساع والشمول دون الضيق والتخصيص بتحديد جنس بعينه، فكما اتسع الشعر منذ المعلقات إلى سؤال الذات يتسع النثر أيضا لذات الغرض ومن سعة الجنس الأدبي إلى سعة النوع الأدبي حيث اقتحمت كتابة الذات جملة من النصوص وإن لم تنتم إلى ذات الجنس أو ذات النوع..
في النثر وبالخصوص في الكتابة السردية نقف عند بابين اثنين في كتابة الذات وهما السيرة الروائية أو التخييل السيري أو الرواية السيرية من جهة والسيرة الذاتية من جهة أخرى. أما الأول فهو وكما نرى في تعدد التسميات لا يستقر بل هو في حالة تحول وتحور وتطور دائمة رغم كونه يبقى معتمدا على هذا الخليط بين ما يأتي من الواقع وما يأتي من الخيال ومن التخييل. بل هو كما يقول درويش هلالي بكر في كتابه سير ذاتية تخييلية عربية من " أن هذا النوع من الكتابة يبقى عائما في عالم من الضباب حيث يهرب الكاتب من كتابة السيرة الذاتية إلى كتابة السيرة الذاتية التخييلية والتحرر من عوائق ضرورات السيرة الذاتية ( الشفافية، الصدق والحقيقة)"
ولعل هذا ما يفسر تعدد المصطلحات أيضا في التعاطي العربي مع مصطلح autofiction الفرنسي. وهذا التعدد له ما يبرره على اعتبار أن تعريفا واحدا وشاملا أو تعريبا واحدا وشاملا قد يضيق على هذه الكتابات حتى وإن ظل عمودها الفقري هو التخييل والروائية انطلاقا من حدث ما أو هاجس ما ينتمي إلى ذات الكاتب. ثم إن هذه الكتابات لا توضع على محك الحقيقة ولا الشفافية ولا الصدق بحيث تخضع للتصديق أو التكذيب بينما تخضع للميثاق الوحيد المبرم بين الكاتب ونصه وبين النص وقارئه وهي بناء عالم تخييلي أو خيالي وتحديدا روائي انطلاقا من حدث ما مركزيا كان في حياة الكاتب أو هامشي وعليه بناء عالم روائي والأمثلة كثيرة في حقل الروايات العربية.
وأما الثاني: السيرة الذاتية فهو مكتف بذاته في التعريف بذاته حيث يكون النص سيرة ذاتية يقول فيها كاتبها سيرته ملتزما بالميثاق السيري الذي حدده فيليب لوجون وخاصة فيما يتعلق بالصدق وتوحد الشخوص الثلاثة ( الكاتب والبطل والسارد). وهو ما نجده جليا واضحا في الرغيف الأسود لحسن المصلوحي كما ورد على سبيل المثال في الصفحة 22 من الكتاب. إضافة طبعا إلى وجود مؤشرات أخرى أخرى كثيرة كأسماء الأماكن والشخوص والتواريخ.
وفي هذا الباب تندرج جملة من الانواع كالمذكرات والشهادات والاعترافات. وبما أن السيرة الذاتية كتابة تقتضي التصديق والتكذيب فإن الكاتب ومن خلال كل هذا الاحترام لل"الحقيقة" يسعى بوعي كامل إلى تعرية جانب أو جوانب من الذات من أجل تقديم وثيقة وفية للميثاق المبرم بين النص والقارئ وبين الكاتب والنص وبين النص والوقائع، وتجعل من النص وثيقة حرية بالتصديق.
وبالعودة إلى الرغيف الأسود نستنتج أن لجوء الكاتب إلى المذكرات هو اختيار ذكي يتحرر فيه من كتابة السيرة الذااية الخطية الخاضعة لتسلسل زمن الأحداث المتصاعدة من نقطة (أ) إلى نقطة (ب)، ويلتزم فيه بحرية التداعي والاستدعاء حيث يكون هناك حدث ما في لحظة راهنة يستدعي حدثا ما في لحظة سابقة وينتج نصا في لحظة ثالثة. وبالتالي فهو غير ملزم بالسرد الخطي. وهذا التحرر من السرد الخطي زمنيا يمنح النص السيرذاتي جانبا من التشويق المضاعف حيث أن القارئ يتوغل في النص دون أن يدرك وجهة المذكرة اللاحقة عن سابقتها وبالتالي يتغير الانفعال والتفاعل الوجداني والفكري مع مختلف ما يأتي من سرد وأحداث في الكتاب كله.
استخدم حسن المصلوحي في الرغيف الأسود مستويات عديدة من اللغة. فقد حضرت العربية الفصيحة كلغة حاضنة للمذكرات تخللتها اللهجة المحلية المغربية الكبرى والمتمثلة في تزاوج واختلاط العربية بالفرنسية والاسبانية وهو حالة لغوية منتشرة في بلدان الشمال الافريقي الناطقة بالعربية. إضافة إلى مستوى ثالث في اللغة وهو استخدام الشروح لبعض الألفاظ والكلمات التي قد تعوق عملية التواصل بين النص والقارئ نظرا لإغراقها في المحلية أو المزج اللغوي بين لغتين. وهذا الانشغال بالشروح يعكس وعي حسن المصلوحي الكاتب بصعوبة استخدام اللهجة المحلية في نص أدبي فصيح خاصة وأن لهجات هذه الدول بطيئة في الوصول إلى القارئ.
يستدعي كتاب الرغيف الأسود منذ العنوان سيرة محمد شكري الذاتية الموسومة بالخبز الحافي لا على مستوى اللفظ فقط بل حتى على مستوى الدلالة. فالرغيف/ الخبز كما كان توصيفه بالحافي يصفه المصلوحي بالأسود ليكون شهادة على حقبة زمنية من سيرة الكاتب وسيرة العصر وسيرة المكان والمجتمع بشكل واسع. وهذا الترافد أو التناص قد لا يكون مقصودا ولكنه دليل تراكمات قرائية وتجارب حياتية تكمن خطورتها في استمرار تجاور حالات البؤس والشقاء رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة.
هكذا يكون النص مطية لمحاولة الإجابة على السؤال الأول فيمكن القول في محاولة الإجابة عليه دون أن تكون الإجابة من باب اليقين، أن كتابة الذات تغادر حاضنتها الأساسية المتمثلة في الشعر وتلج من بابه الواسع النثر فتتشكل كما يريد لها كاتبها في تمظهرات عدة كالسيرة الذاتية والتخييل السيري أو السيرة الروائية وغيرها من المصطلحات النقدية التي تقف على خصائص هذه الكتابة وتحاول بالتالي توطينها في الحركة الأدبية العربية بشكل مستقل عن التجارب العربية السابقة وكذلك عن التجارب الغربية.
وأما السؤال الثاني فقد كانت محاولة الإجابة عليه تتمثل في كون هذه النوافذ السردية المطلة على الذات غادرت مرحلة كتاب الأيام لطه حسين حيث الإعلاء من شأن الذات هو المدار، لتدخل مرحلة جديدة مع جملة من النصوص السيرية التي غادرت سقف تمجيد الذات موضوع السيرة الذاتية لتنضوي تحت سقف المكاشفة ومحاولة نقل الذات في كل حالاتها وتجلياتها وتقديم شهادة على كل ما يحيط بهذه الذات داخل ذاتها وخارج ذاتها.
هذا الدخول في مرحلة المكاشفة يحدث نقلة نوعية في سرود الذات ويستعيدها من العمل التمجيدي إلى الفعل المرآتي العاكس ل"الذات مكتوبة في أوضاع مختلفة وأشكال مختلفة" كما يقول فانسون كولونا. دون أن تتحول كتابة الذات إلى اعترافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه