الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ورد وجود والتابلِت

زهير دعيم

2023 / 1 / 7
الادب والفن


في ساعات عصر أحد الأيام ، أعادت الأمّ جميلة بسيارتها ابنها البكر " ورد " ابن الصّف الرّابع من المدرسة .
فما أن وصلا الى البيت ، حتّى فتح ورد باب السّيّارة وركض صاعدًا الى الطبقة الثانية حيث يسكن مع أهله ، تاركًا باب السيارة مفتوحًا والحقيبة تنام بهدوء في المقعد الخَلفيّ حيث كان جالسًا.
هزّت الأمّ برأسها هزّاتٍ كثيرةٍ ، وهي تحمل الحقيبة وتغلق باب السّيارة وتصعد الأدراج ، لتجد ابنها كما في كلّ يوم ومنذ شهر تقريبًا ، يجلس على الكنبة ويغوص في عالم التابلِت الذي حصل عليه كهدية عيد ميلاده التاسع قبل نحو شهر، وبعد أنْ ألحّ على والديْه إلحاحًا كبيرًا .
وندم الوالدان منذ ذلك الحين وراحا يُفكّران بطريقة تربويّة تُخلّص ابنهما من هذا الجِهاز الجميل !!!
ورد ... ورد... نادت الأُمّ وليس هناك مَنْ يسمع ، فورد مشغول بالتابلِت.
ورد ... ورد ...
عادت الأمّ تنادي لقد بَرَدَ الطّعام يا صغيري !
فقال ورد والتكشيرة تُلوّن وجهه :
لسْتُ جائعًا يا أُمّي ... لسْتُ جائعًا.
بل أنت جائعٌ وأكثر ولكنّ التابلت سرقَكَ مِنّا ومن دروسِكَ .
التهم ورد طعامه بسرعة وقام متظاهرًا بأنّه يريد أن يُحضّر دروسه في غرفته ، فحمَلَ حقيبته والتابلت ودخل الى غرفته وأغلق الباب خلفه.
فنادته الامّ قائلة :
لا تفتح يا صغيري لأحد فأنا ذاهبة لأُحضر اخاك جود الصّغير من الحضانة .
عادت الأم بعد دقائق معدودات من الحضانة وصعدت الأدراج مع صغيرها ابن السّنة والنّصف وهو يلتهم قطعة صغيرة من الشوكولاتة ملفوفة بغلافٍ ورديّ .
ومأ ان فتحت الامّ الباب ، حتى أفلت جود من يدها وركض نحو الشّرفة المُطلّة على الشّارع العامّ ، ورمى باللفافة الورديّة الى الخارج .
فقالت الأمّ بهدوء : لا تفعل هذا مرّة أخرى.. كم مرّة قلت لك يجب ان نرمي النُّفايات في السّلّ المُعدّ لذلك ؟!

وسرعان ما علت وجه الامّ بسمة خفيفة وقالت في قلبها :
وجدْتُها ... وَجدْتُها ...

اقتربت الأمّ من غرفة ورد ووقفت برهةً مُتردّدة ، وأخيرًا أمسكت بمقبض الباب وفتحته على غير عادتها لتجدَ وردًا مُنهمكًا بالتابلت والحقيبة ما زالت مُقفلة ، فنادته بهدوء: ورد ... ورد ..
فلم يسمع كعادته .
وعاد الاب من العمل ، وأخبرته الأُمّ أنّ وردًا ازداد تعلُّقًا بالتابلت وحان الوقت لإيجاد حلٍّ.
فقال الأب : دعيني أتصرّف أنا ، غدًا عصرًا سأعود أنا به من المدرسة وفي الطريق سأقنعه بالتخلّي عنه او بالإقلال من استعماله.

وجاء الغد ؛ وكان يومًا ربيعيًّا جميلًا ومُشمسًا ، وقررت الأمّ أن تعيد ابنها جود من الحضانة على غير العادة وفي ساعات الضُّحى وهي تقول في قلبها : لعلّه يفعلها مَنْ يدري؟ لعلّه يفعلها ؟
وعادت الام بابنها الصغير جود بعد ان انزلت التابلت من على المكتبة ووضعته على الاسكملة الصغيرة .
فتحت الامّ الباب ودخلت الى المطبخ لتُحضّر الطعام وتركت صغيرها يلعب ويلهو ..

وما هي إلّا لحظات حتى دخل جود اليها الى المطبخ مذهولًا وأشار اليها بعفوية طفولية أن تأتي معه نحو الشّرفة المطلّة على الشّارع العامّ.
ونظرت الامّ الى الشارع العامّ ، وقلبها يخفق، وإذا التابلت مرميّ هناك وقد تهشّم أو يكاد، فتنفّست الصُّعداء وضحكت وهي تقول لصغيرها :
ماذا فعلت يا شقيّ ، ماذا فعلت ؟!
وجاءت ساعات العصر و عاد ورد مع ابيه من المدرسة ودخل البيت سريعًا يُفتّش عن التابلت ليجده مُحطمًا ومُكسّرًا ..
فصرخ والدّموع تملأ عينيْه : مَنْ فعلَ هذا ، من فعل هذا ؟
فعانقته الأمّ بحرارة وهي تقول : إنّه اخوك الصّغير .. لا تلمه يا صغيري فهو بعد لا يفهم .
ووقف الاب دهشًا ومشدوهًا .
وما هي إلّا لحظات حتى قُرع جرس الباب ، فأشارت الأم الى ورد الحزين أن يقوم ليفتح الباب ، فقام متثاقلًا وإذا هو أمام شابٍّ يقول له : ورد ... أنت ورد ألسْتَ كذلك ؟!
طوباكَ ونيّالك يا صغيري فهذه دزينة من كتب قصص الأطفال الجميلة طلبتها لك امّك قبل قليل !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال