الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما معنى المال؟ ديفيد جريبر

وليم العوطة
(William Outa)

2023 / 1 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ديفيد جريبر
ما معنى المال؟
المصدر:‏‎ https://theanarchistlibrary.org/library/note-worthy-what-is-the-meaning-of-‎money

ترجمة: وليم العوطة


يؤثّر على كلّ جانبٍ من حياتنا، وغالبًا ما يقال إنّه أصل الشرور كلّها، وتحليل العالم الذي ‏يجعله ممكنًا، أي ما نسميه "الاقتصاد"، شديد الأهمية بالنسبة لنا، حتّى أنّ الاقتصاديين ‏أصبحوا كبار الكهنة في مجتمعنا. ومع ذلك، من الغريب أنّه لا يوجد إجماعٌ، على الإطلاق، ‏بين هؤلاء الاقتصاديين حول الماهية الحقيقية للمال.‏

يراه البعض، في المقام الأول، سلعةً يجري تداولها مقابل سلعٍ أخرى، والبعض الآخر يراه وعدًا، ‏و إقرارًا بالديْن ‏IOU، وبعضٌ يراه مرسومًا حكوميًا، أو ضربًا من قسيمة حصصٍ تموينية. ويراه ‏معظم الناس نوعًا من مزيجٍ فوضوي من كلّ ما سبق. كتب الاقتصاد المدرسية، وهدفها ‏طمأنتنا بأنّ كلَّ شيءٍ تحت السيطرة، تختزل المال إلى ثلاثة أشياء: "وسيلة تبادل" و"مقياس ‏للقيمة" و "مخزن للقيمة". لكنّ المشكلة هنا أنّ الاقتصاديين لا يمكنهم الاتفاق على معنى ‏‏"القيمة" أيضًا.‏
ربما لم يكن هذا مفاجئًا. إذا كان الاقتصاديون هم كبار الكهنة، أليس دور الكاهن التحفّظ على ‏بعض الألغاز الأساسية؟ لا يمكن لأيّ نظام سلطةٍ مطلقةٍ أن ينجح حقًا ما لم يوجد شيءٌ في ‏جوهره يتعذّر على أحدٍ أن يفهمه. يمكن قياس فعالية هذه المقاربة بمدى الصعوبة التي يعانيها ‏منتقدو النظام الاقتصادي الحالي عند محاولتهم التوصّل إلى بديلٍ مقنعٍ عنه. هذا أمر بالغ ‏الأهمية لأنّ الذين يدافعون عن الرأسمالية تخلّوا منذ فترة طويلة عن القول بأنّه نظامٌ اقتصاديٌّ ‏جيّد على نحوٍ خاص، أي لديه إمكانية لخلق سعادة بشرية، أو أمانٍ أو رخاءٍ مشتركٍ على ‏نطاق واسع. الحجة الوحيدة المتبقية لديهم هي أنّ أيّ نظامٍ آخرٍ سيكون أسوأ، أو، وعلى نحوٍ ‏متزايد، لن يوجد نظامٌ آخرٌ ممكن. التحدّي دائمًا هو: أخبرنا بالضبط كيف سيعمل نظامٌ ‏مختلف. هذا صعب على نحوٍ خاصّ طالما نجهل حتّى كيف يعمل هذا النظام [الرأسمالية]! ‏ولو حاول أيّ شخصٍ شرح الرأسمالية المعاصرة لمَن لم يختبرها من قبل، فلن يقدرا على التخيّل ‏أبدًا إمكانية أن تنجح هي أيضًا.‏

لطالما كان المال مشكلة تخصّ الثوّار ومناهضي الرأسمالية. كيف سيبدو المال "بعد الثورة"؟ ‏كيف سيعمل؟ وهل سيوجد أصلًا؟ من الصعب الإجابة على السؤال إذا كنّا لا نعرف ما هو ‏المال بالفعل. وافتراض القضاء عليه بالكامل يبدو طوباويًا وساذجًا. وسيبدو الافتراض بأنّ ‏المال سيبقى موجودًا كما لو كان المرء يعترف بحتمية نوعٍ من السوق. التجربة الفعلية ‏للتجارب الثورية محيّرة، إذ لم يحاول أيّ نظام دولة اشتراكيّ القضاء على المال(باستثناء ‏كمبوديا بول بوت، وهو استثناء غير ملهم بالتأكيد). في الواقع، لم يحاول أحدٌ حتّى القضاء ‏على العمل المأجور.‏
على نحوٍ غير مستغرَب، يمثّل المال، بالنسبة لكارل ماركس، وفي نهاية المطاف، قيمةَ العمل ‏البشريّ، تلك الطاقات التي من خلالها نخلق العالم. كان المال طريقة لقياسها وتقسيمها، على ‏الرغم من أنه سمح في هذه العملية لأولئك الذين يتحكمون في الموارد بممارسة جميع أنواع ‏الحيَل والخداع. وبما أنّ الأنظمة الاشتراكية أصرّت على أنّ العمل مقدّسٌ بالفعل ومصدرُ كلّ ‏قيمة، فقد كان من الصعب عليها ببساطة التوقّف عن دفع أجور الناس مقابل عملهم. كانت ‏الفكرة المعتادة هي الاحتفاظ بالمال، فقط قم بالقضاء على الحيَل والخداع. وحتّى معظم أنظمة ‏المال التجريبية مثل "أنظمة تداول العملات المحلية" (‏local exchanging trading systems‏) ، ‏أو نظام المقايضة ‏trueque‏ الأرجنتيني اتّبعت المبدأ نفسه: تمثل الفواتير ‏chits، سواء أكانت ‏مادية أم إلكترونية، ساعاتٍ من العمل، وجرى إدخال وسائل مختلفة تجعل من المستحيل أن ‏يعمل النظام لأجل الربح: من خلال السماح بالاعتمادات الخالية من الفوائد، على سبيل ‏المثال، أو بالتأكّد من انتهاء صلاحية الفواتير بعد وقتٍ محدّدٍ حتى لا يجري تخزينها أو ‏التلاعب بها.‏

لكن، لا حاجة حاجة للبدء من العمل. يمكن اعتبار المال أيضًا فاتورة ترشيد ‏ration chit‏. إليك ‏قسيمة قابلة للاسترداد ‏redeemable‏ للعديد من الأرغفة، وهنا واحدة للزبدة، وهناك واحدة يمكن ‏مبادلتها مع أيّ شيء...إلخ لهذه العمليات آثار جد مختلفة: لقد تبيّن أن ما يسمونّه "السوق ‏الحرة" هو سوق يجري فيه ترشيد كلّ شيء. وربّما يكون من المستحيل تخيّل مجتمعٍ لا يرشَّد ‏فيه أيّ شيء، ولكن ألن نرغب بأن نجعل [الترشيد] في حدّه الأدنى؟ لذلك نريد حقًا الحدّ من ‏مجال المال: ربما بأن نجعل الضروريات الأساسية متاحة مجانًا، ونوفر قسائم للأشياء الخاصّة ‏بالنزوات، حتى يتمكّن الأشخاص من فعل ما يشاؤون بها ومعهم فواتير، من دون أن يتعرضوا ‏لمشكلات خطيرة. أو ربما، وهذا أفضل، نوفّر الكثير من أنواع القسائم المختلفة.‏

ولكن من الذي سيصدر هذه القسائم؟ أليست سلطة مركزية ما؟ هذه هي المشكلة التالية. بعد ‏كلّ شيء، يوجد تعريف آخرٌ للمال من حيث هو إقرارٌ بالديْن ‏IOU، بما هو الوعد. فالمال هو ‏الطريقة التي ننتج بها الوعود التي يمكن قياسها بدقة وبالتالي تعميمها. ولكن من الذي سيقطع ‏مثل هذه الوعود؟ في النظام الحالي، لا يتعلق الأمر بالحكومة بل بالبنوك، أي البنوك ‏المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو بنك إنجلترا... في نهاية المطاف، من ‏المفترض أن يقوم ما يُسمّى بالـ"الشعب" بتشريع هذه البدعة بأكملها. وتصدر سلطة تكوين ‏الأموال عنّا نحنُ جميعًا، ولكن لا يُفترض بنا أيضًا أن نفهم كيف يعمل كلّ شيءٍ، وذلك ‏لضمان استمرارنا في التعامل مع الديون التي ندين بها في هذه الأموال التي سمحنا ‏للمصرفيين بتحويلها كالسحر إلى التزامات مقدّسة، والتي لا يمكن لأيّ شخصٍ محترم أن ‏يتخلف عنها. إذًا، فالسؤال هو: بمجرد أن نكتشف الأسرار ونفجر كلّ تلك البنوك، من الذي ‏سيقطع مثل هذه الوعود؟ الجميع؟

ليس الأمر غير مسبوق. في وقتٍ ما، حتّى في إنجلترا ، كانت فيه معظم النقود تأخذ شكل ‏رموز صادرة عن أصحاب المتاجر والتجار وحتى الأرامل... وفي مجتمع حرّ حقًا، من يمكنه ‏منع شخصٍ ما من اختلاق أيّ نوع من الفواتير أو القسائم التي يريدها؟ في بعض المدن ‏الصينية، تُستخدم رموز ‏mahjong‏ للعمل كعملاتٍ في الأسواق. لما لا؟ لطالما كانت مقبولة ‏في الكازينو المحلي.‏

سيلعب الناس دائمًا الألعاب. وسيفترض البعض أنّ 12 من هذا الشيء تساوي خمسة من ‏ذلك، وبمجرد أن تقول ذلك، ستحصل على شكل من أشكال المال. ربما يكون الحلّ الأفضل ‏ضمان تمتّع كلّ شخص بحرية إنشاء أيّ نوع من الألعاب التي يستهويها، وهو ما قد يعني ‏على الأرجح انتشارًا لا حدود له لأنواع المال، ولكن أيضًا أنّ الخاسرين لن يرغبوا أبدًا بالتسليم ‏بخسارتهم.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا