الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


48 - مدخل . . الى العقل المتصنم / أجندة الصناعة الامريكية عربيا الجزء الاول : ما وراء الانخداع وعدم الفهم

أمين أحمد ثابت

2023 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ينظرون المفكرون العرب حول ما يخص واقعنا العربي من انهيارات وتشوه اجتماعي . . على رافعة الانقياد التبعي لمراكز النفوذ الغربي على العالم – وهو احدث اتكاء استنطاقي تعتمده القلة منهم – ومنهم من يذهب نحو استقراء تتبعي تحليلي لتاريخ المجتمع العربي – معتقدين واضعين انفسهم في خانة الحياد الموضوعي – كما لو أن المسار التاريخي للمجتمعات العربية طبيعيا . . حتى وإن منيت فيه تلك المجتمعات بالانكسارات أو الارتدادات أو التشوهات ، بينما البقية منهم تنضح استقراءاتهم بتحليلات عاطفية – بين انفعالية تدين وتهاجم أو تتباكى على ما وصلت اليه المجتمعات العربية بعد ما كانت شعوبها بانية لحضارات سباقة عن مختلف شعوب الارض ، وبين مضخمة للتفاخر بالقديم و . . أنه سيأتي يوم – ليس ببعيد – أن تنهض الامة من جديد ليس لمعالجة ما وقعت فيه من سوء خلال حالتها من الغيبوبة التاريخية لزمن طويل ، بل ستنهض لتتقدم مسار التطور البشري ( مجددا !! ) – وحسب وهم هذه المجموعة . . أن تلك الحضارات السامقة في التاريخ التليد . . توسم انسان هذه المجتمعات بإرثيه جينية – أي ابن حضارات اصيلة في التاريخ – ستظهر هذه الجينية المورثة في وقت حين تكشط عن المجتمع تراكمات التشوه المرضي المتكلسة ، فتحتها – أي الاصل للإنسان كمنتج للحضارات - الذي كان مخفيا سيكون ظاهرا على السطح . . نقيا ، وعندها سيدرك العالم حقيقة العرق العربي المبدع العبقري !! – ويهمنا هنا النوع الاول ، أي المستقرئ التحليلي المتكئ على مسألة الانقياد المجتمعي العربي وتطبع عقل انسانه بالوعي الزائف .
هذا النوع من المفكرين والمثقفين بأعداد محدودة ، رغم اتفاقنا معهم من خلال خصوصية مدخلهم لفهم حقيقة الراهن العربي المجتمعي ، إلا أن ما نراه عيبا فيهم – اشبه ما يكون قد اصبح متسلطا على عقولهم ك . . كتسلط على آلية تفكيرهم – انهم قد غرقوا في مستنقع افتراضيتهم المبدئية ( التبعية الانقيادية ) التي ينطلقون منها – في متكرر كتبهم ومقالاتهم ومقابلاتهم واحاديثهم الشفوية الحوارية – حتى حين تجد أن التحليل الاستنطاقي قد اصبح مستوفيا . . نجدهم يعودون مجددا الى نفس المربع الاول من التحليل ولكن بصياغة اخرى و . . هكذا حتى نهاية كل مؤلف – معتقدين مستحدث الصياغة المستدامة كما لو انها تكشف اوجها اخرى مخفية عنا ، فيهيئ لهم من جانب انهم قد اكدوا الافتراضية التي يقفون عليها مسبقا – رغم انها واضحة ومعلومة كوضوح الشمس – وانهم قد استوفوا القضية في هذا المؤلف ، ليلهث كل منهم للبدء في مؤلف كتاب اخر لنفس الموضوعة ولكن بمسمى مغاير ، ويكون جوهر محتواه ومضامينه ليس إلا تكرارا للسابق ولكن بتوظيف لغوي مغاير الاسلوب والادوات المتكأ عليها في النص – للتوضيح ، كلعبة محدودة ادواتها المستخدمة ، يتم تغيير طريقة اللعب فيها بنفس الادوات ، ولكن عبر تغيير افتراضي لرمزية الادوات المستخدمة دلالة عليها – طبعا غير دلالاتها الاصلية في الطريقة السابقة . . وهكذا .
الافتراض بهذا النوع العدي الفردي المحدود المتقدم من المفكرين . . أن يكونوا بعد وصول معرفتهم التحليلية المجردة الى مضامين الظاهرة العربية السائدة مجتمعيا وكاقتراب من جوهرها ، أن يتوقفوا عند عتبة ما وصلوا إليه – لا إعادة لتكرير ما خلقوه من تصور – ليتحرروا ذهنيا من سيطرة افكار جهدهم السابق بمعلوماته واحكامه ، ليغوصوا اكثر عمقا بتأمل مفرط وعصف ذهني بما هو امر اخر يمثل سببا وراء الظاهرة المقروءة بافتراضية اكدوا عليها سابقا ، او لبحث عمق مخفي لوجه او اخر تنكشف من خلاله او خلالها تلك الحقيقة الافتراضية ، بحيث يتكشف من خلال ذلك طابع مسار الظاهرة ك . . كتنبؤ استقرائي لمتحول بنى التشوه للظاهرة وما سيتخلق عنها واقعا . . الخ – وهنا ما نعده مربط الفرس للولوج في اصل موضوعنا هذا .

إن نهج التجريد الذهني المطلق عند هؤلاء المفكرين المعتقدين بعلميتهم الرصينة يجانبون جوهر العلمية ذاته ، حيث يقعون مجددا في دائرة الجدل السفسطي التفلسفي حول من الاصل الاسبق الدجاجة ام البيضة ، وهو وقوع دائم متكرر عند مهتمي الفكر المجرد الناشئ عن تاريخ الفلسفة – حين كانت تمثل اصل المعرفة – والمبنية بهوية مصفوفات بنيوية مجردة بفهمية نظرية متقابلة ضديا او اختلافا – كالليل والنهار ، الخير والشر ، الحب والكره ، الجبن والشجاعة ، السبب والنتيجة . . الخ – ولنرى صحة او خطل حكمنا هذا وذلك عبر سؤال اعتراضي واضح وبسيط : هل التبعية الانقيادية سببا ام نتيجة ، فإن كانت سببا فما هي نتيجته ، وإذا تعد نتيجة فما السبب المؤدي لظهورها ؟ - وهنا سنجد الارباك قد طالهم ليغرقوا في لغو اسهابي مبعثر النهج ، والذي يعود الى اصل مرجعيتهم في التفكير الفلسفي المعتقدين فيه علما .

فالجوهر العلمي في الفكر النظري المجرد – الذي نستنطقه تجريدا ولا يوجد صياغة في أي كتاب مجالي التخصص ، في الطبيعيات والكون او الانسانيات – لا يقوم على اقرار حقيقة موضوعية او مجردة ( مطلقة او ثابتة ) . . في الكون ، الطبيعة ، الوجود الحي ، الواقع المجتمعي ، الذات والوعي ، والتي تكون بإحدى صورتين ( متقابلتين ) – أي أن الحقيقة إما تكون موجبة او سالبة ، سابق أو راهن ، ماضي او حاضر ، حاضر او مستقبل – بل أن الحقيقة ( علميا ) تكون نسبية ، بقدر ما تظهر شبه ثابتة لنا – في وقت او بزاوية فهم – تكون مطبوعة على التغير التحولي من صورة الى اخرى او بعد الى اخر ، ويكون ذلك على الصعيد ( الظاهري الشكلي او المضموني الجزئي او الشكلي والمضموني معا ) – والذي يعني مثلا بمتقابل الخير والشر . . بأنه لا وجود لشر مطلق او لخير مطلق ، وإن كانت القاعدة لفهم الشر بأنه ينتج او يخلف الضر والاذى – بالمعنى الشامل للفظ – فإن رب شر موجود ممارس ينتج خيرا . . والعكس صحيح ، وهو ما يعني اوجه التضاد او الاختلاف لا يعني أن كل وجه هو معبر تام وكامل ومطلق لحقيقة بينما مقابلها حقيقة نوعية اخرى مغايرة في ذاتها مقارنة بالأخرى السابقة – بل أن جوهر العلم قد اثبت ما يقوم عليه نهجا بلا وجود خارج انفسنا حقائق مطلقة ، بقدر ما تعد اوجها متعددة لحقيقة واحدة . . هي ذاتها نسبية او جزئية – مثلا في الألوان فالجزئية التي نعتمدها مثلا بنوع طبيعة مادة الالوان ، فإذا كنا نتحدث عن قوس قزح ، فإن الجزئية من الحقيقة بأن الالوان المتجلية ليست سوى انكسارات موجية لمسار الضوء بأطوال مختلفة ، حيث كل طول موجي يظهر طبيعة اللون المعبر عنه حسيا بصريا بالنسبة لنا ، وإذا كنا نتحدث عن مادة التلوين بمسمى الالوان الزيتية – وتمثل جزئية الحقيقة للوحة المرسومة بكونها رسم زيتي التلوين – أما نسبية الحقيقة لظاهرة الالوان ، فإن كل لون منفرد بذاته ( كحقيقة نسبية خاصة في ذاته ) ، فإنه يكون غير موجود كحقيقة بالنسبة لنا إن لم تكن اعيننا قادرة على إلتقاط الطول الموجي لذلك اللون – وهو امر مثبت علميا بأناس لديهم عيب بصري في عدم القدرة على تمييز ألوان يراها غيرهم ، وايضا ما اثبته علم اعضاء الحس المقارن بيولوجيا ، بقدرة حيوانات كالثديات مثلا على الرؤية الليلية بأشعة اكس وغيرها جاما وهي اطوال موجية ضوئية تفتقر العين البشرية قدرة على التقاطها ، ومثلها استقبال الموجات الكهرومغناطيسية خلال خط الجنب عند الاسماك او عند لسان الثعبان او جلده او حوافر الحيوانات او لواسم القشريات المائية ، أو على الصعيد السمعي للذبذبات تحت الصوتية او فوق الصوتية التي تفتقر اذن الانسان قدرة لالتقاط موجاتها الصوتية – كما يعد كل لون واحد يمتلك حقيقته الخاصة به نسبة لدرجة مختلفة من نفس اصل اللون ، فمثلا الازرق كلون اساسي . . يوجد بصور لونية اخرى كالبنفسجي والسماوي . . الخ ، وتتجسد الحقيقة النسبية للون ان ينتج وجود ألوان عن خلط نوعين او اكثر من الالوان ، وهنا تختلف متجليات الالوان اولا من خلال محدد الالوان الاساسية التي اعتمد في الخليط ، وثانيا على نسب التركيز والتخفيف المستخدمة من كل لون – والمعطى الفهمي المجرد مما سابق علميا ، انه رغم وجود خصوصية صورة لحقيقة ما تختلف عن غيرها ، إلا أنه من جانب اخر لا وجود فعلي لحقيقة ثابتة دائمة ، فكل حقيقة تبدو لنا ثابتة هي اصلا متغيرة في ذاتها تحت عوامل وشروط وظروف وطبيعة آليات مختلفة - أما الحقيقة الثابتة او المطلقة فهي لا توجد سوى في أذهاننا كفكر مجرد تخيلي لا اكثر – وهنا نعود لبحث التساؤل التجريدي حول الانقياد التابع ، فهو قد يكون بدء غرض هدفي نظري مجردا ( ما دام مصدره خارجي او متحكم داخلي ) ، أما حين يحضر متخفيا وراء آلية تنفيذية فاعلة ، يعد عندها الغرض سببا مضمرا غير معلن لأصل نشوء تلك الالية واستخدامها ( بالنسبة للمتحكم ) ، وحين تتحقق الغرضية المخفية تلك على طابع انسان المجتمع . . حين يصبح متطبعا على الانقياد ، فإن طابع الانقياد التابع لإنسان المجتمع ( طوعا او قسرا ) . . يمثل نتيجة لا سببا ، أما حين يكون التطبع بالانقياد الذاتي طوعا لعمومية المجتمع ويتعامل واقعا بملموسية يومية من خلال بنى الموهمات – التي تطبعت عليها قناعاته وتصوراته وفهمه وسلوكه ومواقفه – فإن معبر الانقياد التابع هنا يتخذ صور السبب ، الذي يطبع انسان المجتمع على آليات ممارسته المادية والروحية جوهر ذلك السبب – ومن بين متعرجات التحولات التنقلية بين السبب والنتيجة مجتمعيا ، فإن مميز تلك التحولات لا تدرك حسيا وبشكل واضح إلا حين يكون الانقياد مدموغا بمعرف الظاهرة مجتمعيا – فحين يكون البلد او الوطن او انسان المجتمع عامة او فردا موسوما بالتبعية السلبية كظاهرة بمكون بنيوي ملموس ، فعندها يعرف الانقياد كنتيجة حقيقة نسبية لوجود الذات المجتمعية او الفردية منها ، بينما يكون سببا متحولا عن صفة الظاهرة من خلال الممارسة اليومية الواقعية لتلك الذات تجاه كل شيء في محيطه ويتصل به - وهنا ايضا تفريق اخر ، حين يكون الانقياد التابع سببا عبر آلية تحمل صفته غرضيا بشكل صريح او مخفي ، فإن النتيجة تأخذ معبر الحقيقة بصورتها النسبية بصفات متعددة الابعاد او الجوانب ، ك . . التشوه او الدمار او الانحلال او أي مظهر من المظاهر السلبية او المتضررة اجتماعيا كالفقر او البطالة او استلاب الحقوق . . الخ ، بينما حين يكون التشوه المجتمعي او الدمار الاجتماعي طابعا قيميا للمجتمع والانسان والواقع ، فإنه يتخذ صفة متحولة من النتيجة الى السبب ، بما يفرز نتيجة لصور معبر الحقيقة واقعيا – على الصعيد المادي بمعبر تعميق الدمار والانهيار ، اما على الصعيد المعنوي تعميق للتبعية الطوعية ، وعلى الصعيد المجرد العقلي تعميق تشوه القيم واستلاب الذات اختياريا وتحول انسان المجتمع من التطبع الى طبيعة يعلم بها في قابليته الدماغية للانخداع آليا وبصورة لا ارادية عفوية ، والتعامل بوعيه الزائف التوهمي ( المتشكل عقليا لديه كمعارف وقيم مخدوعة ) مع الواقع بكل ما يحتويه وجودا من العلاقات والمكونات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوى تعليقات على كابلز وفيديو كليبات مع بدر صالح ????


.. خوارزميات الخداع | #وثائقيات_سكاي




.. من هي وحدة عزيز في حزب الله التي اغتالت إسرائيل قائدها؟


.. رئيس التيار الوطني الحر في لبنان: إسرائيل عاجزة عن دخول حرب




.. مراسلتنا: مقتل قائد -وحدة عزيز- في حزب الله باستهداف سيارته