الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خريطة الطريق : الانتقام من الانتفاضة

خالد عبدالله

2003 / 5 / 31
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


كاتب عربي يقيم في وارسو

من الصعب، في غمرة التصريحات المتدفقة، أن يرى المرء الأسباب الحقيقية للحدث. فقد أصبح القصد من التصريحات تضليل الناس. وقد كانت هذه سنة السياسيين على الدوام، لكنها أصبحت مدرسة متقدمة الأدوات، ومتطورة الأساليب، وغزيرة الإنتاج. فهي تبهر، وهي تحير، وهي تغرق من يتابع الحدث. وقد كان المثال الأمريكي البريطاني في إعداد العالم لحربهما في غاية البيان. وها نحن نشهد مثالا آخر يبهر بالحركات البهلوانية مثل قدوم بوش إلى المنطقة وقمتيه اللتين سيعقدهما في العقبة وشرم الشيخ، وزيارة الوزراء الأوروبيين لياسر عرفات، وهو يحير لما نسمعه من تصريحات لشارون يحاول الكثير حشو دلالاتها التي يرونها في عقولنا حشوا فاحشا، وهي تغرق لكثرة الزعيق والجعجعة التي تدور حولها.

 ولو جردنا كل ما يدبج حولها من رخيص الكلام و مبتذله لوجدناه لا يخرج عن معان ثلاث:

الأول، يحاول إقناعنا أن الولايات المتحدة التي منعت على مدار العقود الماضية أي حل للقضية الفلسطينية بموجب قرارات الأمم المتحدة، وجدت أن أسلوبها في إدارة المشاكل كان خاطئا. وهي الآن قد ثابت إلى رشدها واكتشفت أن الأسلوب الصحيح يكمن في حل المشاكل لا في إدارتها. وقد رجعت إلى وعيها خصوصا بعد أن أصبحت قوة لا تضارع، وبعد أن أصبحت دول المنطقة تهرع لتلبية طلباتها حتى قبل أن تشير إليهم بالبنان.

الثاني، أن الحركة الصهيونية، وبالذات اللون الشاروني، قد رجعت إليه روحه الإنسانية فبدأ لا يطيق العبء الأخلاقي للهيمنة على الفلسطينيين. ويضيف هنا من يحسنون غزل المعاني ونسج الكلمات أن انقلاب شارون على ذاته مرجعه فشل سياسته. وبهذا فهم يطيبون الطبخة للآكلين حتى تصبح طيبة المذاق.

الثالث، وهو أضعفها، أن الحكومة الفلسطينية الجديدة المقبولة إسرائيليا وأمريكيا قد تنجز ما عجز عنه عرفات. وهذا المعنى من غموضه يستنتجه المرء من ثنايا الحديث أكثر مما يصادفه صراحة.

وهذه المعاني تكاد تصرخ بهزالها. وهي تهزأ بعقول الناس. وهي تقودهم إلى السراب. فالولايات المتحدة لم تعد تتحدث عن نفسها كصندوق حسنات. بل لم يعد يهمها أن تعتبر دولة احتلال في العراق. وهي في كل تصرفاتها الحالية كما الماضية ترى ما تراه إسرائيل في موضوع الحل، بل أن شارون، من بين القوى الإسرائيلية، هو أصدق تعبير عن الرؤية الأمريكية للحل السياسي. ولكن لا بد من تفسير الحركة السياسية الحالية. فخريطة الطريق لها تاريخ، وهي تتحرك في واقع سياسي. والقاصي كما الداني يعرفان أن خريطة الطريق ألجأت إليها الحاجة، وبناء على نصيحة بلير، لبناء مناخ الحرب ضد العراق. وقد كان يمكن لها أن تلقى على قارعة الطريق لو جاء حساب الحقل العراقي على قدر الحساب الأمريكي. لكن أمريكا في معضلة حقيقية، وبالذات في الأجل القصير، من خلال حسابات الانتخابات الأمريكية. ولذلك، فقد قدمت أمريكا تنازلات في مجلس الأمن. ولذلك، فهي تهدد إيران. ولذلك فهي تريد أن تجمع البلدان العربية على تأييدها تأييدا فعالا في العراق. وهي تحتاج إلى إسكات جبهة. وهي تحتاج إلى تقديم ورقة توت للنظام  العربي في الشأن العراقي. فخريطة الطريق هي الطعم، إذ هي بمسماها الطريق تعكس تاريخا أمريكيا تجاه القضية الفلسطينية، السير على طريق لا آفاق له. فطريق مدريد وبعده أوسلو كان ممتدا. وحينما كان العرب والفلسطينيون يسيرون على امتداده كان الإسرائيليون يزرعون على جانبيه مستوطناتهم، ويرسمون خريطتهم الفعلية على امتداد الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تم ذلك وما زال بالدعم الأمريكي السياسي والعسكري والمالي والإعلامي. فليس هناك من حدث يمكن أن يفسر التحرك الأمريكي سوى الحدث العراقي. هذا هو التفسير البديهي، وهذا هو المرمى الحقيقي الذي يراد دفنه تحت أطمار الجعجعة.

وقد كدنا أن نصدق من كثرة التلفيق في تأويل أقوال شارون دعوى الانقلاب الشاروني. بل كاد البعض أن يحول بعض المناضلين إلى أدوات لترويج هذه الكريهة الجديدة. ولسنا هنا في معرض الحديث عن التناقض بين أفعال شارون وأقواله ليس التاريخية بل الجارية والمتلاحقة. وإنما في البلاهة المتناهية في الترويج للجدة في ما قاله شارون. فلو أعرضنا عن التدقيق في الكلمات وسبرنا المعاني، فما هو الجديد؟ الدولة الفلسطينية؟ الاحتلال؟ فشارون ممن عرضوا الدولة الفلسطينية وما زال بشروطه. والاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة ألا يعني ذلك أنهم تحت الاحتلال؟ لكن لم قبل شارون بخريطة الطريق؟ يريد أصحاب نظرية الانقلاب الشاروني غزل معنى مقبول حين يقولون بفشل سياساته في وقف العنف؟ ولكن هذا تفسير جاهل أو مضلل. فليس من أهداف شارون وقف العنف بحد ذاته، كما كان ذلك ديدن الحركة الصهيونية من قبل. العنف يمكن أن يكون مقبولا إذا كان طريقا لتحقيق أهداف. بل أن من تابع سياسة شارون وجد على الدوام إصرارا عجيبا من شارون على إثارة العنف واستجلابه. فأهداف شارون في السيطرة على أكبر ما يمكن من الأرض الفلسطينية من خلال الضم وبناء المستوطنات. وإذا كان لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالعنف فأهلا به. هذا هو ما يريده شارون. لكن شارون على تطرفه رجل سياسي، يعرف كيف يناور. وقد أدرك الحاجة الأمريكية إلى خريطة الطريق. وقد فهم الرسالة حينما اضطر قادة اليهود في أمريكا بالكتابة إلى الكونغرس بتأييدهم لخريطة الطريق. فهؤلاء ما كان يمكن لهم أن يكتبوا هذه الرسالة إلا لمعرفتهم بأنها حاجة ضرورية للسياسة الأمريكية في الوطن العربي. ولذلك، قبل بخريطة الطريق ولكن بعد أن وافقت الولايات المتحدة على تحفظاته. وقبول التحفظات الإسرائيلية هو برهان آخر على ذرائعية الخريطة لا على غائيتها. فلأنها وسيلة لغايات أخرى لم تهتم الولايات المتحدة بالتحفظات بل قبلتها. إذ لو كان تنفيذ الخريطة هو الغاية لما قبلت الولايات المتحدة بالتحفظات، وبخاصة أنها حين وضعتها جعلت في قلبها كل المتطلبات الإسرائيلية.

لكن الوزارة الفلسطينية الجديدة مطلوبة ليس لأن حظها في الحصول على تنازلات من إسرائيل أفضل، أو لأن طاقتها على إعطاء تنازلات أكبر. فلم يتغير الأمر كثيرا في السلطة الفلسطينية، وليست لدى رئيس الوزراء شجاعة وشعبية ياسر عرفات حتى يقدم على أمور لم يقدم عليها عرفات. فالحكومة الجديدة تعكس طبيعة موازين القوى. فحينما بدأت الانتفاضة وعلى امتدادها أصر شارون على مسؤولية عرفات عن كل ما يجري، ثم دخلت أمريكا تأييدا لشارون. فكيف يمكن لشارون إن قبل بالتفاوض مع عرفات أن يبرر كل قاله للإسرائيليين. كما أن أمريكا التي اعتبرت عرفات عقبة كيف يمكن أن تتراجع عن موقفها. إذن لا بد لأحد أن يدفع الثمن، والأضعف هو الذي يدفع الثمن. فالحكومة الجديدة مهمة للبدء بالمسار الجديد، خريطة الطريق، الطويل الذي لا آفاق له. وبعض المسؤولين الفلسطينيين يصدق اللعبة، والبعض الآخر يراها فرصة للانتقام من الانتفاضة، فقد أذهبت بجاهه وبمصالحه. وهو يتصور أن باستطاعته أن يفعل شيئا وإسرائيل تغذي أوهامه. وهذا هو مكمن الخطر أن تنتفخ رؤوس البعض فيظنون أن حكومتهم عظمى لأنها تحمي مصالح دول عظمى.

لكن كيف الخروج من هذا المأزق؟ ليس هناك إلا حل واحد. ولن نصل إليه إلا إذا أدركنا أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبئا كاملا على الشعب الفلسطيني. لقد كانت منذ البداية عبئا لكنه وصل الآن حدوده القصوى. فهي لا تستطيع أن تحمي الشعب الفلسطيني بل أن تقدم له شيئا. كما أنها أصبحت ساترا للاحتلال يتذرع بها في كل ما يعمل، حتى أصبح ما يجري يبدو للعالم أنه صراع بين حكومتين. وإذا قررت السلطة أن تعلن أنها لا تستطيع أن تفعل شيئا وأنها ترحل. حينذاك لن تكون هناك إلا صورة ساطعة للاحتلال ليس فيها غبش، بل أن دعاوي الإرهاب ستتهاوى. هذه هي المسؤولية الحقيقية التي ينبغي على السلطة الفلسطينية القيام بها. إن التشبث بوجود السلطة ليس له إلا معنى واحد هو التشبث بالامتيازات على حساب الشعب الفلسطيني. وذهاب السلطة لا يعني ذهاب المنظمة، بل سيتقوى دور الأخيرة على كل المسارح.
 

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال