الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتّى لا ننسى جمرة 14جانفي/ تغريدة للثّورة التّونسيّة

الطايع الهراغي

2023 / 1 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"من يهن يسهل الهوان عليه** ما لجرح بميت إيلام"

"من يهن يسهل الهوان عليه** ما لجرح بميت إيلام""
(أبو الطيّب المتنبّي)
"حين يتقدّم العمر بالشّيطان يصبح ناسكا"
( نيكوس كازانتزاكيس)
"الثّورة هي شكل الحرب الوحيد الذي لا يأتي النّصر فيه إلاّ عبر سلسلة من الهزائم"
( روزا لوكسمبورغ)

جانفي التّونسي هو فعلا شهر الجمر،الشّهر الأحمر بامتياز: الإضراب العامّ في ما عُرف بالخميس الأسود 26جانفي 1978/ انتفاضة الخبز 03جانفي 1984/ انتفاضة الحوض المنجميّ 5جانفي 2008/ ثورة الحرّيّة والكرامة 14جانفي 2011 .ككلّ الأحداث العظام التي طبعت تاريخ الشّعوب كان 14جانفي وسيظلّ حدثا مفصليّا في"أيّـام" تونس المعاصرة. لم ينتظر منشورا ولا فرمانا ولا مرسوما.حدثٌ نُقش في المخيّلة العامّة وإلى الأبد .وعبثا تسعى حكومات وحكّام لا دور لهم في المخاض السّياسيّ إلى تحويله إلى مجرّد قوس يسهل غلقه في إطار مساع حثيثة إلى تنميط الذّاكرة وإعادة تشكيل تاريخ البلاد .
من حسن حظّ الشّعوب أنه ثمّة قاض اسمه الزّمن.

01/مـا الثّـورة؟؟
فورة الذّاكرة ساعةَ تدرك أنّ عليها أن تثور على انتكاساتها،أن تتمرّد لتمحو عار هزائمها،أن تشحذ نفسها حتّى لا تتآكل،تتصالح مع ذاتها وتستدعي مكبوتاتها، بها ترتق ما علق من ثقوب وما تراكم من خدوش وما ارتسم من ندوب، تغريدة الذاكرة حين تلتحم بمخزون إرثها،تقتحم عليه قلاعه، تسامره وتحتضنه بحنوّ عجيب غريب، صرخة الجرح الذي يظلّ الدّهرَ يواسي نفسه ويداري الجراح فاغرا فاه ويأبى أن يبرأ ما لم يتمكّن من أن يثأر لنفسه من "حفـلات" جحافل زوّار اللّيل ومداهمات ضيوف ثقال تصالحوا مع غزوات أوّل الفجر.
ترذيل واع ومقصود لمحظور يباح للخاصّة ويُحجّر على العامّة، جواز عبور إلى ضفّة الممنوعات.
لغة تبحث عن بنيها،ولا أحد مؤهّل لأن يفهمها غير من يعرف معنى أن يذوب فيها. لمّا عنها ينآى، يغترب ويبتعد تهزّه إليها لوعة الاشتياق وتخضّه روعة التّذكّر فلا يملك إلاّ أن يزداد بها هياما ومنها اقترابا ،يغالب فيها الشّوق والشّوق دوما أغلب فيطير به الحنين إلى تشكّل بداية البدايات.
الثورة أن تتمثّل كيف يغازل المعنى المغنى،به يتغزّل، وبه يلتحم، وفي ملكوته يوغل فيهيم،أن تدري متى به يصحّ أن يتوحّد،وعلى أجنحته يبغي أن يحطّ الرّحال ليستريح وقد اكتوى ممّا أضنته به محن السّفر عساه يرتوي من لوعة الأسفار، رسمٌ لِما التبس من تشعّب في رحلة عمر الإنسانيّة الطّويل من حدّ الفصل بين الأسى والتّأسّي، ضبط لحدود التّماس بين ما ترسّب من بقايا الأمل بعد كمْ حرب خاسرة وما حفرته الأيّام من ألـــم نُحِت وشما في الذاكرة .
سباق المسافات الطويلة، رحلة الهيام الأبديّ لمّا يسكنك فلا يكون منه فكاك، يتمكّن منك فلا تملك إلاّ أن تذعن طوعا لِما منك رام وأراد،متعة الإبحار في متاهات ما ظلّ دوما غامضا من المسافات في ما عسُر كشفه في الأدغال، نسفٌ لما تلبّد من بليد الأوهام وعنيدها، من ركيك الأحاجي،باهتها وثقيلها. رغبة جامحة في الفصل بين ما ظلّ دوما ثابتا من سحر اللّغة وما كان متهافتا من غبش اللّغو.
مغامرة الرّحلات المضنيّة في الثنايا الملتويّة،مخاتلة للغيوم في يوم غائم،مغامرة ركوب المخاطر لاستكشاف العجيب في ما بين المتن والسّند ممّا غفل عنه شرّاح الحواشي- وما أكثرهم- قصدا وأهمله كتبة البلاطات - وما أعسر عدّهم-عمدا. الثورة -كما الأوطان- في حلّها وترحالها، في محنة غربتها واغترابها،ساعةَ شرودها عن المعتاد ليس لها إلاّ أن تغترب عن غربتها فتجافي من تجرّأ على أن يقتحم عليها أسوارها وقلاعها، فما كان يوما منها، وما كانت يوما منه، تعانق من افتعل كرهها لبعض الوقت بكامل الصّدق ليتعشّقها كامل الوقت بكلّ ما أوتي من التياع.
ثورتك اشتعال لهيب الحبّ لوطن لِعلّة ما تفتقده وأنت فيه،رغم السّنوات العجاف لم ترحل عنه وإنّما كنت ترحل فيه وتسافر منه إليه،فيكون أنّك لم تبرحه. ويكون وطنك حقيبة لا تحتوي غير وردة هي هديّتك لمن تشترط أن يستقبلك يوم العودة،وكتاب مفتوح فيه حجبت مداخل المدينة وأبوابها، وعليه رسمت تضاريس المدينة وأحزانها،عربدات الطّفولة وشرودها، ضحك الصّبايا، ابتسامات الصّباحات وتباشير الفجر،ومفتاح حادّ كالإبر يخزك كلّما سكنك التّوجّس من أن يداهمك في غفلة منك غول النّسيان وارتعبت خوفا على الذاكرة- وليس منها- أن تخون ما تعاهدتما عليه في لحظة بوح هي الصّدق.نشيد يحثّك دوما أن "سنرجع يوما إلى حيّنا"،"سنرجع مهما يمرّ الزّمان"،غزاة إليه نعود.
أنت لست المسافر على أجنحة الوهم. والأعجب منه أنّك ما كنت أبدا على غير سفر.
ما الثّورة؟ وطن يفتّش عن وطن، شهيد يدعوك إلى منادمة في خيمة -عن كلّ الخيام تفرق- يترجّاك أن تتبادلا للحظة(هي الدّهر)بعض الأدوار،تلاغي الأموات ويرثي هو الأحياء،يعلّمك فنون الوصل والفصل بين من بكى بحرقة ومن تباكى بتصنّع. يتلو على مسامعك شدو أسراب الطّيور وهي تتراقص على أنغامه في رحلة أوبتها إلى أوكارها، شهيد يحلو له أن يسترجع معك مجدا ويلقّنك عهدا.
لا تخلو أيّة ثورة من حقد ،ولكنّه في هذه الحالة حقد إنسانيّ بديع.في لحظة يلبس الحقد حلّة جميلة ترتعد لها فرائس السّاسة والسّادة الأغنياء ويرفل فيها اليتامى والأرامل والفقراء.
النّغم الجماعيّ الذي ينتظم فيه النّشاز.رحلة يصبح فيها الحبّ تملّكا مرغوبا.تلتحم فيها الرّغبة المكبوتة بالذاكرة المفقودة.لحظة شاردة منفلتة من دبر التّاريخ، النّشيد الرّسميّ المارق عن مراسيم الدّولة وفرمانات السّلاطين،الاحتفال الجماهيريّ الذي يسخر من قوانين الطّوارئ وهيبة الدولة وقداسة المُلك.
ساعة انتعاش قصوى،فيها تتزاحم الآلام وتتكدّس فتثور على آلامها.في لحظة تندحر الأوهام وتورق الأحلام ،تتراقص ماثلة للعيان،تهزأ الأغلبيّة بعجرفة الأقليّة، يثب التّاريخ ويخطو خطوته العملاقة، تسترجع الشّعارات يريقها،تغادر النّظريّة سماء المجرّد،ينفتح دفتر الحساب،تترجّل الفلسفة من عليائها وتهجر فضاء المتعالي، تنزل إلى ميدان التّحرير ترسم مسافة بين حدّ الغموض وحدّ الوضوح .
تتجمّل المدينة، تلبس أبهى حلّة بها تتزيّن، تطلّق أحزانها وتقيم على الملإ أفراحها،تعلن في المشايخ والقصور أن لا أمير ولا سلطان ولا سيّد ولا ملك ولا مليك،الشّعب يحاصركم من أمام ومن خلف فأين المفرّ؟؟.يتراءى لك شاعر تونس الشّابّي يتمتم في السّرّ كأنّه العلن "لا الأفق يحضن ميت الطّيور **ولا النّحل يلثم ميت الزّهر"،يفاجئك نقيب العمّال محمد علي الحامّي، يذكّرك بأنّه منذ ما يقارب المائة عام كان عاد إلى البلاد بما اعتبره رفيق دربه الطّاهر الحدّاد أفكارا "لا تتّسع لها البلاد". حشاد(سي فرحات) يردّد سمفونيّته المكثّفة "أحبّك يا شعب".الحدّاد في شارع ما من شوارع العاصمة يشدو" يا أيّها الشّعب قم للمجد مقتحما** حرب الحياة. فلا عزّ بلا نصب". دوريش يسّاءل "كيف نشفى من حبّ تونس؟" ، ويبقى السّؤال معلّقا بلا جواب لأنّه هو ذاته الجواب.شيخ المعرّةّ كدأبه دوما يرفض التّسليم ما ينفك يحذّر من سطوة الحكّام وسفالتهم،ألم يقل عنهم "كذب يقال على المنابر دائما ** أفلا يميد لما يقال المنبر؟". لا ملل ولا نحل، لا إمام ولا صدر أعظم، لا فرعون ولا مهدي منتظر، هؤلاء رؤوس الفتنة أشعلوها دوما بــ"قول زور سطّروه".
زمن الثّورة يمكنك أن تخالف أولاد أحمد، وبإمكانك أن تطمئنّ تمام الاطمئنان إلى أنّك ستأمن غضبه وتمرّده هو الذي ما أرضاه يوما العجب العجاب.مات وهو يجزم عن حقّ من أنّنا "ذهبنا جميعا إلى الانتخاب/ ولم ينتخب أحد من نجح"، يمكنك هذه المرّة أن تطلق العنان للأحلام فتكتب على لسانه "ذهبنا جميعا إلى الانتخاب وانتخبنا جميعا من نجح".

02/ عذابــات الثّـــورة
من مكر التّاريخ أنّ الزّمن الثّوريّ هو أيضا له أزلامه،أعاجيبه ،عـرّابوه، مشايخه وسرديّاته .
دونك على ذلك حجّة ودليلا ما يأتيه جيش المفسّرين والشّرّاح من إعجاز وإنجازات تشيب لها الولدان،جحافل المهلّلين والمكبّرين والإعلاء الخرافيّ لهيبة الدولة بأكثر وقاحة ممّا حلم بها ذات يوم الباجي-أحد ديناصورات الحكم البائد- وممّا تبجّح به خلفه الجبالي الحالم بالخلافة السّادسة .
ودونك أحاجي المرتدّين عن قناعات -كانوا يتبّجحون بها أحيانا بدون موجب- باسم واقعيّة فجّة،
عنوانها الأوّل سدّ الطّريق أمام الغوغائيّة والمغامراتيّة،
وعنوانها الثّاني التّمييز بين يمين متطرّف إسلامويّ ويمين مدنيّ حداثيّ لقبول السّيّئ ومبايعة المشرف عليه تجنبا لفداحة الأسوإ.
وعنوانها الثّالث التّصدّي لمنظومة وُسمت بأنّها رمز الخراب ويُروّج إلى أنّها أزيحت من وعن الحكم بقبول هيمنة بديلها الجنيس الذي انبثق من صلبها في فترة النّكد والانسداد لمّا بات التّعايش بين الأصل وجنيسه أكثر مأساويّة من تنكيد الضّرائر.
فيالق المرتدّين عن قناعاتهم والمسكونين بالتّكفير عن خطيئتهم تحت وقع تخميرة لحظة الوعي الذي داهمهم ليلة الفاتح من الخامس والعشرين من جويلية أشدّ هياما بمنجز قيس سعيّد وإشراقاته وافتتانا بمسار جمهوريّة العلوّ الشّاهق من هيام وولع زليخة امرأة العزيز حاكم مصر بالجمال الأخّاذ للنّبيّ يوسف .
يلبس الارتداد جبّة التّعقّل والتّعفّف والتّحذير من المضيّ إلى المجهول، يمضي عنوة إلى اعتناق الأوهام فينعش عقليّة التّسليم بمبايعة منقذ أعلى إليه توكل كلّ السّلطات، شعاره ككلّ الفراعنة قد تتغيّر صياغته ولكنّ جوهره ثابت كما تكشفه لازمة قيس سعيّد "قولوا نعم حتّى لا يصيب الدّولة هرم".
العفويّة خاصّيّة كلّ الثّورات -لحظة اندلاعها- كما تفصح عن ذلك كلّ التّجارب تصبح لعنة ودليلا على مجانيّة الفعل الثّوريّ في غياب جاهزيّة الحوزات الحزبيّة لإعلانها واحتضانها.ذلك ما يفسّر التّردّد الذي لازم كلّ المراحل التي مرّ بها الفعل الثّوريّ في تونس منذ 2011 ،بقطع النّظر عن مدى تجذّره ووضوح رؤى الفاعلين فيه.
الانفلات الذي يصاحب كلّ الثّورات، بحكم تصارع قديم لم يستنفذ بعدُ مدّة صلوحيّته وجديد معالمه ليس واضحة كلّ الوضوح- تحوّل إلى مطيّة ركبها الحرس القديم المطعّم بإفرازات جديدة من الأزلام الجدد لتجميل كلّ المآسي والشّرور التي ارتكبها الحكّام الهواة طيلة عشريّة النّحس الأوّل الممتدّ من 2011من إلى غاية انتصاب قيس سعيّد حاكما أوحد والنّحس الثّاني الذي افتتحه الحاكم بأمره منذ 25جويلية 2021.
تنتعش عقليّة تبرير فشل سياسات الحكم القائم بتحميل الشّنائع للحاكم "الغائب" ويُمرّر إعادة إنتاج القديم ورسكلته تحت عنوان برّاق مخادع ،التّصدّي لأعداء الثّورة ومقاومة الفساد وإجهاض المؤامرات التي تُحاك ضدّ الثّورة والشّعب التّونسيّ وتهدف إلى إرباك الدّولة ورجالاتها.
الاحتجاجات التي فرضت نفسها على أيّام المدّ الثّوريّ وأملت على الجميع الاعتراف بوجاهتها ومشروعيّتها تصبح في عرف "ثوريّيي" الوقت الضّائع عنوان الثّورة المضادّة بعد الاستنجاد كالعادة بنظريّة المؤامرة.
الحقّ كل الحقّ مع زعيم البلاشفة لينيـــن"إذا كانت هناك معركة بين اليمين واليمين سأختار معركتي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze”


.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م




.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه