الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصيان الفكري ورقة أخيرة مع عائلة مبارك

هويدا طه

2006 / 10 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


فجأة وكأنه توارد خواطر بين المثقفين المصريين وبلا سابق ترتيب.. تطالع مقالاتهم.. حوارتهم على مختلف القنوات الفضائية.. نقاشاتهم مع بعضهم البعض.. فتجد حالة واحدة هيمنت على الجميع في لحظة واحدة.. اليأس! مبارك وعائلته ماضون بثقة متناهية.. وبلا هوادة.. في إتمام خطتهم لا للاستيلاء على مصر.. فقد استولوا عليها أصلا منذ ربع قرن.. من وراء ظهر شعبها الذاهل تحت وطأة الحرمان من كل شيء.. وإنما لإتمام إجراءات (حصر ملكية مصر عن بكرة أبيها) في يد العائلة، التوريث التوريث التوريث.. كم (قرفنا) من أنفسنا ونحن نلوك كل لحظة هذا المصطلح المهين! منذ سنوات ونحن على هذا الحال.. لا مبارك مات وورثه ابنه وقضي الأمر.. ولا يئس الرجل وابنه وعائلته من إمكانية تحقق حلمهم.. بسبب (الضجيج) الذي ملأ به مثقفو مصر أجواء البلد والعالم حول رفض التوريث.. ولا نجح هؤلاء المثقفون البؤساء في إثارة شعبهم الذاهل ضد خطة توريثهم كالشاة.. من يد الراعي العجوز إلى يد ابنه الراعي مفتول العضلات.. ولا نجحوا في هز مخطط مبارك.. ولا فضوا أيديهم من لعبة القط والفأر المملة مع عائلة مبارك ولا أي شيء يحدث.. سوى أن استمر الطرفان في خطهما المتوازيين منذ سنوات.. مبارك وعائلته يخطو كل يوم خطوة جديدة نحو تضمين هذا البلد في قائمة ممتلكات.. يرتب أبٌ عجوز مشرف على الرحيل ترتيباته من أجل تركها للعيال لضمان مستقبلهم.. والمثقفون المصريون يلهثون رفضا للتوريث، حالة شلل وعجز طالت.. لا عبرة فيها للصلابة ولا للاستمرار! في ظل ظاهرة غريبة هي ظاهرة (الحرية المتاحة) لكل من يريد أن يسب ويلعن التوريث.. ثأرا لكرامته كإنسان وُلد حرا ويفترض ألا يوّرث.. مناخ عجيب من حرية الكتابة والتعبير فيما يختص بهذا الأمر.. وكأن لسان حال العائلة يَخرج للجميع حاملا رسالة:( عايزين تكتبوا يا كلاب؟ اكتبوا ياكلاب.. اكتبوا ما شئتم وسنفعل ما نشاء!).. لكن الأيام الأخيرة استطاع فيها فريق المثقفين المصريين- وعلى غير ترتيب مسبق- التقدم خطوة.. كانت حتمية إذا نظرنا إلى المقدمات.. هي (خطوة اليأس)!.. تتابع ما كتبوا أو ما قالوا فتجد الواحد منهم يفض يده على طريقة ( أوكيه.. توريث توريث.. بس خلصونا)! على قناة دريم كان الصحفي عادل حمودة ضيفا يتحدث عن الصحافة المستقلة وضجيجها حول التغيير.. ضمن ما كان يتحدث عنه.. قال:" مفيش قوى اجتماعية ورا الصحفيين والـُكتّاب.. مفيش أحزاب.. مفيش طلاب.. سطر واحد مما يكتبه المصريون يُسقط حكومات برّه- مش السطر نفسه- إنما القوة الاجتماعية اللي وراه"، الراجل يئس! وعلى قناة الجزيرة مباشر انصرف مثقفو مصر يتحدثون ويحللون ويقولون الكلام الكثير عن (ذكرى اغتيال السادات).. خلاص.. فضوا أيديهم من مبارك وما إلى ذلك! في الوقت نفسه كان جمال مبارك في برنامج وجهة نظر على التليفزيون المصري يتحدث عن (أحلامه لمستقبل الوطن تحت راية الفكر الشاب)! طبعا المسكوت عنه في هذا الأمر هو أنكم فقط ما عليكم إلا انتظار من أصبحت الكرة في ملعبه.. عزرائيل! عزرائيل الذي يعاند المصريين عائلة وشعبا ومثقفين! لكن الحقيقة أن المثقفين المصريين ليسوا وحدهم من كان حتى وقت قريب (يشكو) من التوريث.. جمال مبارك نفسه اشتكى مر الشكوى من (نفس العلة)! فمنذ فترة قال لفضائية لبنانية عندما سئل عن التوريث:" أطلع أمريكا يقولوا توريث.. أكون في حملة انتخابات الرئيس يقولوا توريث.. أطلع أتحدث عن قضايا الإصلاح يقولوا توريث.. مطلعش أتكلم يقولوا اختفي.. أطلع أتكلم عن الإصلاح السياسي يقولوا تحدث عن قضايا لا دخل له فيها.. مطلعش في الصحافة يقولوا فيه غموض"! لا حول ولا قوة إلا بالله.. حتى أنت تشكو من التوريث؟! لكن هذه الأيام يختلف الأمر.. كف جمال عن الشكوى وكذلك بدأ الـُكتاب الدخول في مرحلة (اللاشكوى).. في معظم صحف مصر كانت هناك تلك الحالة من (التسليم أو شبه التسليم) بأننا جميعا.. فشلة! وحتى هؤلاء المصريون الحالمون المقيمون خارج مصر والذين تصوروا في لحظة أن (حراكا سياسيا) قد انبثق في مصر ليغير عهدها بعد طول سنين.. يئسوا! في مقاله كتب الزميل صاحب الكلمة الدافئة الحانية على مصر فرانسوا باسيلي وعلى صفحات جريدة القدس- التي طالما تحملت منا أحلامنا الكبيرة وتحليقنا بين سحب التغيير.. التي لا تمر أبدا على سماء مصر.. ومع ذلك نستمر في إنهاك الجريدة بأحلامنا- كتب داعيا الجميع إلى نفض أيديهم من حكاية التغيير وخلافه! وحملت كلماته المحملة بالحزن رغبة في الكف عن نطح رأس (تيس التوريث)! والعمل على تنصيب مبارك ملكا رسميا للبلاد وجمال وليا للعهد حتى نتفرغ لأمور أخرى! اختفى الحديث الحالم عن حث الشعب على (العصيان المدني) وكفت برامج الإذاعات والقنوات الفضائية (غير المصرية طبعا) عن مناقشة موضوع (مبارك ونغله)! ولم يعد هناك ذلك (البريق) لهؤلاء المثقفين المصريين الذين طالما عرف عنهم (تفرغهم) لرفض التوريث وتكريسهم أيامهم ولياليهم من أجل رفع اليد بتلك ال (لا للتوريث.. باطل!) تستضيفهم قنوات الجزيرة والعربية والحرة لا ليتحدثوا عن هذه ال (لا).. وإنما للحديث عن العراق وإيران والصومال! لكن.. (خطوة اليأس) هذه يفسرها البعض الذي يجبر نفسه على تجرع (التفاؤل) كدواء مُر لهذه العلة وذاك السقم.. بأنها (الهدوء الذي يسبق العاصفة).. يا له من دواء بالفعل مُر! أو.. لعله (هدوء المفلسين)! إنما قد يكون اليأس مقدمة لرفع الورقة الأخيرة في لعبة مبارك ومثقفي مصر.. ورقة (العصيان الفكري).. إعلان التوقف نهائيا عن الحديث في مسألة التوريث.. فقد اتضح أننا تاريخيا غير قادرين على تفعيل (عصيان مدني) شعبا ونخبا.. فهو يحتاج إلى (شعب يستجيب) و(تنظيم يقود) وما إلى ذلك من أشياء عجائبية تستعصي على الحالة المصرية! فتاريخيا هذا النوع من الشعوب لا يعيش على أرض مصر لأن تربتها غير صالحة لنمو أي (نبتة تمرد).. وهذا النوع من التنظيمات يحتاج إلى قيادات (انقرضت) من تربة مصر! أما العصيان الفكري فهو والله في متناول اليد!.. لا يحتاج إلى شعب قد يخذلك ولا إلى تنظيم قد تشرق الشمس من الغرب قبل أن ينشأ مثله في مصر.. لا يحتاج إلا إلى الاعتذار عن أوهامنا السابقة عن(تغيير احنا مش قدّه)وبعد الاعتذار.. خلينا نحلم على قدّنا، أحلامنا الغابرة.... وداعا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال