الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*حُطّي ابنك في كُمّك ولا تعيريه لأمك!

شهربان معدي

2023 / 1 / 11
الادب والفن


من شهربان معدّي

كاتبة للقصّة القصيرة وأدب الطفل.

المقالة منتقاة من كتابي الجديد "لا تترك يدي"

"الكدّ على العيال حسنة" لطالما سمعت هذه الكلمات المُحفّزة من عاملة النّظافة الحكيمة، عندما كنت أتذمر أمامها من ضغوطات العمل والحياة؛ حيث كانت تُشجعني يوميًّا، على المجيء للعمل، ولكن ما زال صوت بكاء ابني يرنّ في أذني حتى هذه اللحظة، عندما كنت أضعه في الحضانة، وأُهرول لعملي وكأنني في سباق مارثون، وصدقًا أقول: أنني نادمة على هذه السنوات التي تعبت فيها كثيرًا من أجل تعزيز أجندة وهميّة، بما تُسمّى "تحقيق الذات" ركضت وراءها كالمجنونة، ولكنها كانت على حساب أطفالي وصحّتهم النفسيّة والجسديّة والعاطفيّة، وكان قلبي يُكاد يذوب عندما كنت أدخل للحضانة، وأرى أطفالاً ما زالوا في "الدمجة" وضعتهم امهاتهن وهرولن للعمل "مثلي" لجنى لقمة العيش الكريم. صحيح أننا في زمن معدنيّ، محض "معك قرش بتساوي قرش" وفيه أجبرت المرأة على الانخراط في سوق العمل، سواء كانت أمًا أو غير متزوجة، ولكن وللأسف الشّديد، هنالك نساء، ميسورات الحال، ممن لا تُمارسّن أية مهنة، وهذا أوجعني أكثر، يرميّن أطفالهن في الحضانة ويعدنّ أدراجهم للبيت، لشرب القهوة مع الجارات أو لتكملة نومة الصّباح.. أو تذهبن لقاعات اللّياقة البدنيّة، وكنت أُعزّي نفسي، عندما أرى هؤلاء الأمهات، وأواسيها بأنني على الأقل، ذاهبة لعملي، وليس من أجل "دواوين القهوة" والقيل والقال.. بالمُقابل؟ كانت والدتي دائمًا تزجرني وتردد بثقة كاملة المثل الشّعبي القائل: حُطّي ابنك في كُمّك ولا تعيريه لأمك! وأنه لا يجوز ترك الطفل، دون السنة الأُولى من عمره في حضانة أحد، خصوصًا إذا كان رضيعًا، "حطّي شُغلك في الخليّة وربّي ابنك سنيّة" أي اتعبي عليه، سنة كاملة، ولطالما حدّثتني النساء المُسنات في أطار عملي معهن، في مركز الشّيخوخة، عن أهل "زمان" حيث كانت المرأة تأخذ الّرضيع معها للحقل والبيدر، ولمواسم الحصاد، تضجعه بجانبها على طُرّاحة قديمة، ولا تفارقه نظراتها طرفة عين "الأرض الّتي تٌربي شعير وقمح بمقدورها أن تُربي الأطفال" وكم حدّثوني عن والدات، داهمتهم آلام المُخاض في الحقل أو كرم الزّيتون، واضطررّن لقطع حبل السُّرة بحجر، والعودة لبيوتهنّ، يحملن الوليد، سالمات، غانمات، بينما بنات اليوم تلدّن في أفخر المُستشفيات، ويتلقيّن أرقى الخدمات، ولكنهنَّ تعانين من امومة منقوصة، طالما يسعيّن لتحقيق ذاتهنّ، وارتقاءهنّ المهنيّ، أو نيّل الكماليّات، على حساب هذه الهبة الإلهية، التي تستحق كلّ التضحية والعطاء، وقد أشرت لذلك في كتابي، دموع لم تسقط، في قصتي التي حفرت في نفوس الكثير من الأمهات، اللّواتي قرأنها واستخلصّن منها العِبَر، وشكروني على ذلك، "جائزة السّماء" موجودة في جوجل.

*حضانة الولد في ألمانيا.

يشدّد علماء النفس على أنّ الأم هي الحاضنة الأُولى لطفلها، وأنه لا يجوز تركه، أو ايداعه في الحضانة، قبل أن يبلغ الثالثة من عمره، وعليها أن تلازمه طيلة هذه الفترة الحاسمة من حياته، لأنه بالنسبة له لا يوجد لأمه بديلا.. مقولة العالم الاجتماعي هايدلبرغ، بينما الأستاذ الكساندر روستوف، طالب بسن قانون يُحرّم على كلّ أم لم يتجاوز ابنها السادسة من عمره، أن تخرج لسوق العمل، وذلك لرعاية الصحة النفسيّة والجسديّة والعاطفيّة لهؤلاء الأطفال، كونهم سيصبحون آباء وأمهات الشعب الألماني في المستقبل.
أما طبيب النساء المعروف، الأستاذ كيرشهوف، فذهب إلى أبعد من ذلك، فطالب بسن قانون لإجبار كلّ أم على البقاء بجانب أولادها في المنزل، حتى يجتاز جميعهم سن الخامسة عشرة. من كتاب "ولدك هذا الكائن المجهول - الدكتور أمين رويحة"

ربما أنه مطلب غير قابل للتحقيق؛ وأنا لست ممن ينادون أن مكان المرأة هو البيت فقط، وأكيد نحن لا نعيش في دولة كألمانيا، دولة غنية، تتكفل بتربية الطفل منذ ولادته، ولا تبخل عليه بجميع متطلبات الحياة وتعطي الأمهات الوالدات منح مالية دسمة، تدعمهنّ في توفير كلّ شيء للطفل، عندنا الأمر مختلف كلّيًا، والواقع حتّم على المرأة أن تخرج للعمل مثل الرجل تمامًا، وأنا لست ممن يعارضون خروج المرأة للعمل، ولكن عليها أن تختار من البداية؛ العمل أو الولد، وكم كنت أتألم عندما أشاهد نساء عاملات، ترمين أطفالهنّ في الحضانة وهم دون الأربعة أشهر، يلفونه بالدمجة ويسلمونه للحاضنة، وتهرولهنّ لعملهنّ، متجاهلات صراخ الطفل الذي ما زال رضيعًا لا يرى شيئًا في الكون، سوى ثدي أمه..

*من وجهة نظري المتواضعة، يجب ألا يغرب عن بال من يرسم منهاج لتكوين عائلة، كان رجلاً أم امرأة، أن الولد ليس حصيلة صدفة، بل هو نعمة ومشروع حياة، وعلى الأم أن تدبر أمرها على أن مكانها بعد ولادة الولد سيكون في "البيت".

*حطّي شغلك في الخلية وربي ابنك سنيّة.

الكثير من الأمهات اللواتي يعملّن خارج البيت، يعتذرن بأنهم يقمّن بتقديم هذه التضحية، في سبيل الولد ورفع مستوى المعيشة، وتأمين متطلبات الحياة للعائلة، ولكن من تبحث عن الكماليات والسيارة الفاخرة، والإكسسوارات، وصبغة الشعر والأظافر والملابس من ماركات عالميّّة واللوك الجديد والستايل الاستثنائيّ، ويقدمن الحجج لأولادهن فيحدثونهن قائلات: أنت تريد درّاجة كهربائية، ومعطف جديد، وأنا أعمل لأجل ذلك! فعليك أن تتحمّل وتتروّى..

الأطفال الصّغار الذين يعيشون بالمشاعر، سيتعاطفون أكيد مع الماما، بينما الأولاد الكبار سيتعلّمون من حجج الماما، أن المادة فوق كلّ شيء..

عوّدوا أولادكم على البساطة وتعوّدوا على ذلك، ساعة صفاء تضمّ كلّ العائلة، تضاهي عمر بأكمله.. إذا ركضت ركض الوحوش.. غير نصيبك ما بتحوش.. لا تعتذروا بالسعي على أرزاقهم.. فبئس الرزق الذي يُربّي أجسامًا معلوفة وأخلاقا مهلهلة ضعيفة.. واعلموا أن من أفضل الصدقات الجارية في هذا الزمن؟ هي دعمكم لأولادكم.. واحتوائكم لهم.

المقالة منتقاة من كتابي الجديد:
لا تترك يدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل