الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يصمت المغيب

فوز حمزة

2023 / 1 / 13
الادب والفن


احتاجت إلى لحظات لتسترد وعيها لتدرك أن الوقت الآن عصر، وليس صباحًا كما ظنت،هذه الحالة كثيرًا ما تمر بها حينما تستيقظ من قيلولتها لتجد الأوقات وقد تداخلت فيما بينها إلى الحد الذي يفقد فيه الزمن ملامحه، وتتماهى ساعاته مع بعضها.
ابتسمت بسخرية، وهي تحاول إيجاد الفرق بين النهار و الليل، بين الصمت المحيط بالأشياء من حولها، و انعكاسه داخلها .. لم تشعر يومًا إلى هذا الحد، لم تكن هي والحياة معًا.
وهي ما تزال مستلقية على الفراش، تذكرت الحلم، لم يكن وجهها الذي رأته في المرآة. حدقت فيه، ارتعبت عندما وجدته رأسًا بثلاثة وجوه لثلاث نساء بعين واحدة و شامة سوداء أعلى الشفة، تساءلت وهي تنظر إلى سقف الغرفة: لماذا أشعر كأنني أتسلق منحدرًا بظهر مقوس؟
كم من الوقت مر عليّ، وأنا أمشي فوقه منحنية؟
صراخ طفلة في الغرفة المجاورة أخرجها من دوامة أفكارها، غطت أذنيها بكفيها كمحاولةً لتجاهل الصوت كما تفعل كل مرة، أنين العجوز القادم من الغرفة الأخرى و رجاؤها اليائس في إسكات الطفلة، جعلها تقف حائرة بين الاثنتين.
الصخب داخلها يشبه صخب أمواج بحر أواخر تشرين.
بحثت عن هاتفها النقال في محاولة يائسة للهرب إلى ذلك العالم الافتراضي عبر حسابها الفيسبوكي. تقويم الهاتف أشار بتاريخ اليوم وهو الرابع من مايو .. يا للمصادفة! إنها الذكرى العاشرة لانفصالها بعد زواج دام ثماني سنوات. اندهشت لأن قلبها لم يعد يحمل أية ضغينة للزوج الذي خانها مع حجارة الأرض و قطط المزابل.
حانت منها التفاتة لصورة زفافها. حاولت استرجاع مشاعرها ذلك اليوم. اليأس من بلوغها الثالثة والثلاثين،هو من دفعها للزواج منه. بقيت تدفع ثمن لحظة الغباء تلك في الاستمرار مع زوج لم يكن العقم وحده من سبب جرحًا لها، بل رفضه الخضوع للعلاج، وإصراره على بقاء الوضع كما هو.
مؤلم حد الصمت حين تدرك أنك كنت شيئًا عابرًا في حياة أحدهم.
الأمل في العثور على زوج آخر، لم يفارقها لحظة، هذه المرة لن تتنازل عن أي شيء تتمناه في الرجل الذي سيشاركها ما تبقى من حياتها.
لا تريد شيئًا سوى أن يقول لها: أريدكِ زوجة لي.
تطلعت نحو النافذة المغلقة.
بدأت الشمس تهبط نحو الزوال والليل الأزرق يزحف على جسد الأرض راسمًا ظلالًا كثيفة مثقلة بأفكار غريبة.
حملتْ فنجان قهوتها السادة لترقب العالم من شرفتها، سحب الدخان الرمادية المنبعثة منِ سيجارتها، وهي تتبدد في الهواء، أشعرتها بقصر الحياة،وأنها يومًا ما ستصبح عاجزة عن مراقبة النجوم. تذكرت ما مضى من عمرها الذي بدا لها كأنه أرجوحة صنعها القدر.
أغلقت باب شرفتها الزجاجي. بدأت ترقب من خلفه العجوز وهي تعنف الطفلةَ لأنها خنقت الطائر ونتفت ريشه، فشلت كل محاولاتها في إنبات بذور الصلح بينهما، كل يوم يمر يباعد المسافة بين الثلاثة ويضع مزيدًا من الصخور بينهما.
شعور بأن الحياة داخلها أصبحت أكثر وحدة، وأكثر إحباطًا.
نظرتْ إلى الطفلة التي أخذتْ تلملم ريش الطائر المنثور وفي عينيها غضب مسلح لكل ما حولها. بدت الشامة أعلى شفتها كبيرة جدًا وسوداء أكثر مما ينبغي.
شعرت بالخوف على نفسها من العجوز التي راحت تشير بعصاها لصور الموتى المعلقة على الحائط كأنها تعدهم ومن نظراتها المتحجرة، تقدح شرر السخط على كل شيء.
استغربت لأن التجاعيد أعلى شفة العجوز أخفت جزءًا من الشامة التي بدت قريبة من لون بشرتها.
تطلعت نحوها،إحساس العجز لم يفارقها وهي تبصر أمام عينيها فشلها في إحلال السلام بين ماكان وما سيكون.
لم تعد الحياة سوى ساحة حرب لهؤلاء الثلاثة.
شعرت باحتضارهما من خلف الزجاج دون إعلان النهاية، ابتعدت عن باب الشرفة لتصطدم بالسياج الحديدي، حانت منها التفاتة نحو القطار البعيد حيث مضى سريعًا، ولم يخلف وراءه سوى دخان أسود سرعان ما بدده الهواء.
حاولت التخلص من ذكريات مغبرة كانت تلازمها طوال الوقت، والكف عن استعادة ذكرى أيام مهدورة.
هربت لتختبئ في ظلمة أفكارها، بينما الخريف تسلل إلى داخلها ليقف على مشارف قلبها، يرقب بخوف هبوط الظلام على مدنها وقراها.
صبت لها فنجانًا آخر من القهوة لتفتح علبةَ سجائر جديدة وتبدأ بعد النجوم .. ارتجاف يدها دعاها لتتطلع إلى عروق يدها الزرقاء التي أخبرتها عن الحياة التي خوت من روادها. مالت برأسها إلى أسفل الشرفة. بدت الأشياء صغيرة بينما العتمة تنعصر بين أخاديدها. نفثت الدخان بقوة من صدرها، لم تجد الكلمات لوصف كيف هو شكل الأشياء حين تصمت.
لم تسعفها عبراتها لتصف كيف هو طعم الصمت وقت المغيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش