الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروط انجاح التجربة التونسية في الثورة والديمقراطية

زهير الخويلدي

2023 / 1 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الثورة هي الحركة في منحنى مغلق حول محور أو نقطة، حقيقية أو متخيلة، تتزامن نقطة رجوعها مع نقطة البداية. أما في علم الفلك فهي حركة مدارية لجسم سماوي يمر عبر نفس النقطة على فترات منتظمة. الثورة المدارية هي الوقت اللازم لأداء هذه الحركة والمقدر بالعودة إلى نجم ثابت، أو إلى نفس الموضع فيما يتعلق بنقطة الاعتدال، أو نسبيًا للشمس والقمر. الثورة الوحشية هي التي يتم رصد سرعة مسارها بواسطة قمر صناعي. ينبغي تحديد الفاصل الزمني بين حالتين من نفس المجتمع وأحياناً يتم الخلط بين الثورة وعمر القابلية للاستغلال؛ أو مع سن التشغيل والجاهزية. في الهندسة تتم الحركة حول محور دوران ثابت بخط، ومستوى، وشكل رياضي. سطح الثورة الذي يكون دليله خطًا مستقيمًا يتقاطع مع محورها الرباعي. صلابة الثورة مرتبط بالحجم مثل الأسطوانة ، المخروط ، الكرة والذي يُفترض أنه يتم إنشاؤه بواسطة دوران مستطيل أو مثلث أو نصف دائرة حول أحد جوانبه أو قطره. في اليكانيكا الثورة هي حركة دائرية يقوم بها جسم حول محوره أو نقطة ثابتة تسمى المركز ؛ ، تشغيل آلة أو محرك . انها في المجال الحضاري حركة واسعة تصف دائرة أو قوس دائرة بالنسبة للثقافات والمجتمعات والدول التي تعيشها. في المجال السياسي الثورة هي شكل ما من الدولة يتم طيها على نفسها عبر الطرق السلمية المدنية ويجب اكمال الطريق في المخطط بواسطة مسار متدرج ليقود من طابق إلى آخر، حتى عندما لا ينعطف بشكل كامل. أما في المجال الاجتماعي فالثورة هي تغيير مفاجئ وعميق في علاقات الناس يشبه التحولات التي تحدث في مجموعة من الظواهر الطبيعية والتغيرات المتتالية التي ميزت سطح الأرض. الثورة الداخلية ضمن سياق خاص فهي ثورة مزاجية في القوى الاجتماعية يتم التعبير عنها من خلال حركة غير عادية في الحالة المزاجية واضطراب الصحة للمجموعات المهمشة غير المنظمة اجتماعيا. تعبر الثورة في المجال المعرفي ودون التفكير في ظاهرة العنف عن تطور الآراء، تيارات الفكر، مناهج العلم والاكتشافات والاختراعات التي أدت إلى اضطراب، وتحول عميق للنظام الاجتماعي والسياق الأخلاقي والعامل الاقتصادي، في وقت قصير نسبيًا ويمكن الحديث في هذا الاطار عن الوعي والتنوير والتثقيف. الثورة السياسية هي الإطاحة المفاجئة بالنظام السياسي للأمة ، وحكومة الدولة ، من قبل حركة شعبية ، في أغلب الأحيان دون احترام للأشكال القانونية ويؤدي إلى تحول عميق في المؤسسات والمجتمع وأحيانًا القيم الأساسية للحضارة .انها الحركة السياسية في حالة فوران دائم، هياج في الحياة اليومية والتي تميل إلى احداث اضطراب عميق ودائم للمؤسسات الثورية من أجل تجنب تصلب الحزب الحاكم في السلطة وتنشيط الحياة المجتمعية والقيام بتسريع الحراك التنموي وتطالب بتغيير المؤسسات السياسية والاجتماعية بوسائل جذرية: أما الثورة الدائمة فهي ترفض الثورة الصغيرة. النظرية التي تنص على أن الثورة، من أجل مجيء دكتاتورية البروليتاريا، يجب ألا تتوقف عندما يستولي الاشتراكيون على السلطة في بلد ما. الثورة الصناعية هي انتقال الاقتصاد من المرحلة الحرفية واليدوية إلى المرحلة الصناعية بفضل الآلات المنشأة في المنسوجات والنقل وتعدين الفحم؛ الفترة المقابلة لهذا الاضطراب، الممتدة من منتصف القرن الثامن عشر في إنجلترا وبداية القرن التاسع عشر في أوروبا القارية، حتى منتصف القرن التاسع عشر. من المعلوم أن الفكر الثوري كان مخزون حي في وجدان الجماهير وعقول النخب في تونس ابان اندلاع الحرك الديمقراطي في أواخر العقد الأول من بداية القرن الواحد والعشرين وأن نجاح القوى الثورية في اسقاط النظام السياسي كان بالاعتماد على هذا العمل النضالي المشترك. لقد كانت الثورة في تونس سريعة وغير منتظرة ولم يبق منها سوى مخاوف وغيوم وصحاري عدمية ومنذ الثورة، تغير المشهد السياسي والاجتماعي بشكل عميق ولا يزال الناس غاضبين وتزداد مطالبهم ولقد وقع إقامة نظام استثنائي الذي قام بإنهاء المسار الديمقراطي التعددي وصارت الحريات تحت التهديد وتم الانتقال من حكم شمولي الى نظام برلماني في ديمقراطية عرجاء ثم تركز حكم رئاسي لنظام شعبوي. بدل توسيع قاعدة المشاركة في إدارة الشأن العام ومقاومة الارتداد والتعويم والفساد وعقلنة الفعل السياسي واتباع أسلوب في الحوار على قاعدة التفاوض الاجتماعي والنقاش العمومي وحلحلة المشاكل المستعصية تم احتكار القرار السيادي والتحدث باسم الثورة من طرف نخبة براغماتية ميكيافيلية تلهف وراء مصالحها الضيقة ومرتهنة للخارج وبعيدة عن الناس وعمدت الى غلق الأبواب واتباع سياسة الهروب الى الامام. بدل تجذير الممارسة الثورية والانتقال بها من الشارع والساحة والميدان الى العقل والإدارة والمؤسسات حصل العكس وتم التشكيك في الحدث الثوري واستبدل البعض الثورة بالانتفاضة والهبة الشعبية والتمرد والعصيان وتم اسقاط من الحساب حقوق الشهداء ونكران جل التضحيات وعدم الاعتراف بالثوار الفعليين. لقد امتدت الثورة في تونس من17-12 -2010الى14-1 -2011ومازالت الاحتجاجات المطلبية متواصلة الى اليوم وبقيت ملامح المستقبل قيد التشييد ولا أحد قادر على التكهن بما ستصير اليه الأمور وكيفية بلوغ الثورة شاطئ الأمان ولقد كانت الثورة في تونس هي العامل الذي أطلق الانتفاضة التي تؤثر اليوم على العالم العربي، لكنها تقدم نفسها على أنها مزيج أصلي من التعبئة الشعبية والحراك الاحتجاجي تحت تأثير وسائل الاتصال. لكن اليوم غابت الاحتفالات وحضرت الطوارئ الاجتماعية وتصاعدت وتيرة التحسر على ما فات من زخم ثوري ومساندة شعبية وطموح شبابي ونسوي نحو التغيير والارتقاء والتقدم المدني. تحتاج بلادنا أكثر من أي وقت مضى للكف عن المشاحنات والمهاجمات بين القوى والمجموعات والتوقف الفوري عن السب والشتم والقذف والتعامل معها كرذائل ونقائص والتسلح بالتنازل الطوعي والاعتذار العلني والتنسيب والنقد الذاتي والتوجه الفعل نحو النقاش العمومي والدخول الفعلي في الحوار السياسي. غير أن أي حوار سياسي مرتقب بين الفرقاء والناشطين ينبغي أن يتم اسناده بقوة مقترحات وحزمة بدائل وبرامج عمل واعدة ومشاريع تنموية متكاملة وخطط انقاذ عاجلة ورؤى اصلاحية جذرية ولن يكن ذلك ممكنا الا باستدعاء التفكير الفلسفي المفيد والتخطيط العلمي والفكر الاستراتيجي والمعرفة الرقمية الناجعة. من الضروري أن تكون تونس للجميع دون استثناء وأن يكون الاتفاق السياسي على أساس القيم والمبادئ التي ناضلت من أجلها الجماهير وأن يتم الانتقال بأسرع وقت الى معالجة المشاكل اليومية ضمن حوكمة علمية وأن يتم تخطي الأزمات المركبة التي تعصف بالثروات الوطنية دون تعويل على العامل الخارجي. فكيف حملت الثورة في تونس الكثير من الأمل للشباب والمعطلين والنساء وسقطت بعد ذلك في الفوضى واشتد التنافس على الغنائم والتنازع على الحكم وتم ترذيل الأيديولوجيا الثورية وتقزيم الفاعل السياسي؟
كاتب فلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - - ١-;-إستحالة الثورة بدون تغيير ملكية أدوات الإنتاج
سعود سالم ( 2023 / 1 / 22 - 10:34 )
عندما ثار محمد البوعزيزي يوم الجمعة 17 ديسمبر2010 احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربتة التي كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وقرر إضرام النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، فإنه بهذا العمل أكد بما لا يدع مجالا للشك وبطريقة مفجعة على حريته المطلقة وعلى كونه غير قابل للإستعباد أو الإهانة والإحتقار أو المساومة من قبل السلطة، وهو أقصى ما يمكن أن تصل إليه الحرية الفردية لتحقيق ذاتها وتأكيدها أمام شراسة السلطة في نفي الفرد وسلبه مقومات وجوده الأساسية. غير أن هذا الحدث يظل عملا .فرديا يائسا ليس بالأول ولا بالأخير


2 - إستحالة الثورة بدون تغيير ملكية أدوات الإنتاج - ٢-;-
سعود سالم ( 2023 / 1 / 22 - 10:36 )
، لولا الظروف الموضوعية التي جعلته يصبح رمزا ومنبعا لغضب شعبي وإجتماعي شامل أدى إلى إشعال انتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، ثم انتقلت الثورة إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين. وكانت مطالب الشعب الغاضب، في البداية هي نفسها مطالب البوعزيزي: الخبز والعدالة والحق في الحياة الكريمة. غير أنه في ظرف أسابيع قليلة، جاء الإسلاميون والليبراليون والرأسماليون وغيرهم من محترفي الكلام السياسي ولحقوا بقطار الثورة، ورغم أنهم ركبوا العربة الأخيرة، إلا أنهم كانوا مزودين بالأبواق القطرية والسعودية وأجهزة الإعلام الغربية، وسرعان ما تمكنوا من إزالة المطالب الشعبية الحقيقية من قاموس الثورة واستبدالها بمفاهيم هلامية فضفاضة مثل: الحرية الديموقراطية وتغيير النواب والشيوخ والإطاحة بالبرلمان أو إسقاط النظام.


3 - - ٣-;-إستحالة الثورة ..
سعود سالم ( 2023 / 1 / 22 - 10:40 )
فالبوعزيزي لم يطالب بالحرية، لأنه كان حرا حتى النخاع، ولم يكن بحاجة إلى تصريح لممارسة هذه الحرية، والشعب الثائر لم يكن يطالب بالحرية، لأنه كان يمارس حريته حتى الموت في الخروج إلى الشارع تحت رصاص السلطة ومدرعاتها، ولم يكن يحتاج إلى تصريح أو مرسوم ملكي أو جمهوري أو إلهي ليشرع حقه في التظاهر أوعدمه، الحرية ممارسة وليست حقا دستوريا قابلا للإستفتاء عليه. مطالب الشعب المسروقة كانت بسيطة وقابلة للتحقيق فورا، الخبز والعدالة والمساواة والحياة الكريمة، مطالب يمكن قياس درجة تطبيقها علميا وفي كل لحظة، مطالب إجتماعية تهم الشعب بأكمله بدون إستثناء.


4 - إستحالة الثورة ...- ٤-;-
سعود سالم ( 2023 / 1 / 22 - 10:42 )
بينما مطالب الحرية والديموقراطية، هي مطالب سياسية تتعلق بممارسة السلطة وتوزيع الأدوار بين قبائل النخبة الحاكمة المعزولة عن الشعب بطبقة كثيفة من الذهب والدولارات والسيارات الفارهة والحسابات المصرفية في سويسرا وأوربا، الذين لم يعرفوا يوما ولن يعرفوا مطلقا معنى أن يحرق شاب نفسه من أجل عربة خضار. في تونس وكذلك في مصر، بعد إنتفاضة الشعبين لم يحصل أي تغيير جذري في هيكل النظامين، لا السياسي ولا الإقتصادي، مجرد تغيير الأسماء وتنظيف الهياكل الإدارية والبيروقراطية من الطبقة الحاكمة السابقة والسماح بالمشاركة لعناصر جديدة وأسر جديدة من البرجوازية في سرقة أموال الشعب بطريقة قانونية.

اخر الافلام

.. غزة: آلاف الإسرائيليين يطالبون بالموافقة على مقترح الهدنة وا


.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل




.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب


.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط




.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟