الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أفلام الجريمة: الطاووس

دلور ميقري

2023 / 1 / 15
الادب والفن


1
عام 1982، شهد انتاج ثلاثة من أفضل الأفلام المصرية؛ وهيَ " نص أرنب " للمخرج محمد خان، " سواق الاوتوبيس " للمخرج عاطف الطيب، و" الطاووس " للمخرج كمال الشيخ. هذا الفيلم الأخير، سنقوم بدراسته في مقالنا. يجدر بالذكر، أنني قمت قبلاً بتحليل أربعة من أفلام كمال الشيخ: وهيَ " المنزل رقم 13 "، " اللص والكلاب "، " من أجل امرأة " و" الخائنة ".
كمال الشيخ ( 1919 ـ 2004 )، استحق لقب " هيتشكوك مصر "، كون أفلامه تتسم بالغموض والغرابة وتمحورها غالباً حول جريمة من نوع ما. لقد كان انساناً عصامياً، فلم يكمل تعليمه ولا درسَ فن السينما. لكنه استفاد من تجربته الطويلة في المونتاج ( حوالي ستين فيلماً )، لكي يغامر ويُخرج عمله الأول، " المنزل رقم 13 " عام 1952. باكورة أعماله هذا، كان نقلة نوعية في الفن السابع، ودخل ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية مع سبعة أعمال أخرى للمخرج. وقد عزفَ عن الإخراج في السنوات العشرين الأخيرة من حياته، وذلك عندما طغت ما تُدعى ب " أفلام المقاولات " على سينما موطنه.
مؤلف سيناريو فيلم " الطاووس "، هو عبد الحي أديب ( 1928 ـ 2007 )، الذي يُعد من أغزر كتّاب السيناريو في الفن السابع المصري. وسنجد أن أحد سيناريوهاته، لفيلم " باب الحديد "، انتاج عام 1958 ومن اخراج يوسف شاهين، قد حاز على المرتبة الرابعة في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
بحسَب شارة فيلم " الطاووس "، أن قصته لكاتب أجنبي يُدعى ألكس موريسون. لكنني لم أعثر في موقع " ويكيبيديا " الدولي، على أي معلومات عن هذا الكاتب. في المقابل، فإنني شاهدتُ في منتصف التسعينيات فيلماً ألمانياً، يُشبه قصة فيلمنا المصري. ما يعني، أن ألكس موريسون إما هوَ روائي مغمور أو كاتب سيناريو؟
ولكن سواء أكان فيلم كمال الشيخ مجردَ " تمصير " لفيلم ألماني، أو مقتبساً فعلاً عن رواية أجنبية، فإنه يستحق الدراسة بوصفه من أبرع الأعمال السينمائية المصرية، المتمحورة حول حبكة الجريمة

2
شارة فيلم " الطاووس "، أظهرت هذا الطائر الجميل على شكل بروش ذهبي، يحيطه قطع المجوهرات. كذلك كان ثمة خطوط ملونة، تظهر تارة متوازية كسكة الحديد ومتقاطعة تارة أخرى. البروش، هو عقدة حبكة الفيلم كما سنرى. أما الخطوط، فكأنما هيَ مصير بطل الفيلم مثلما يراه بنفسه في توافقه مع البعض وخلافه مع البعض الآخر. الموسيقى، وهيَ مختارات عالمية، كانت ترافق الشارة بأنغام متوترة ومنذرة.
مشهد الافتتاح، ينطبع على الوهلة الأولى منه مانشيتٌ، يفيد بمحاضرة يلقيها د. حسين عبد الرؤوف ( الفنان صلاح ذو الفقار )، المختص بعلم النفس الجنائي. تنتقل الكاميرا إليه بينما هوَ يتكلم أمام حضور يرتدون ملابس رسمية وعادية، فيما يجلس بجانبه الشاب نبيل ( الفنان صلاح رشوان )، الذي يدرس في نفس الجامعة. عقبَ انتهاء المحاضرة، يتكلم الدكتور مع الشاب عن سميحة ( الفنانة رغدة )، التي سافرت في نفس اليوم بجولة علمية نظمتها جامعتها لعدد من العواصم الأوربية. نفهم من الحديث، أن نبيل يرغب بخطبة سميحة، التي هيَ ابنة أخت د. حسين.
المشهد التالي، ينقل لنا تفاصيلَ نقل مُصابَيْن بحادث سيارة إلى عربة اسعاف. أحدهما هو المهندس حمدي ( الفنان نور الشريف )، مع زوجته نادية ( الفنانة ليلى طاهر ). في الأثناء، تتراقص أمام عينيّ المصاب صورةُ سميحة، وهيَ الشقيقة الصغرى لزوجته. نعلم من معلومات البوليس، أن حمدي في الثالثة والأربعين من عمره. نتوقف هنا، لننوه بمكياج الممثل نور الشريف، الذي أظهره بتلك السنّ؛ وكان بالحقيقة أصغر بحوالي سبعة أعوام. وهذا الإجراء، كون الممثلة ليلى طاهر ( مواليد 1942 ) تكبر نور الشريف.
في غرفة العمليات، يحلم حمدي بأنه يطارد زوجته عبر متاهة من الدروب في حديقة عامة، جتى إذا ظفر بها قام بخنقها. ثم تظهر سميحة على الأثر في قاربٍ وسط البحيرة، يقتربُ رويداً من الشاطئ. كانت عارية الساقين، وما لبث حمدي أن عانقها وبدأ بلمس الأماكن الحساسة في جسدها. رمزية هذه اللقطة ـ الحلم ( وهيَ علامة أيضاً )، تمثلت بطرحة العروس، التي على رأس الزوجة: فكأنما رجلها، كان يتمنى لها الموت منذ البداية؛ منذ أن عاشت تحت سقفهما، سميحة، وكانت بعدُ في الثالثة عشرة من عمرها.
مانشيت جديد، يفيد بمرور أسبوع. كذلك علينا التوقف هنا، لإبداء ملاحظة مقتضبة: هذه المانشيتات، فضلاً عن الحلم ( أو الرؤيا ) والعودة إلى الماضي القريب والبعيد، لجديرة حقاً برواية معاصرة. آنذاك، وبحَسَب معلوماتي، لم يكن بعدُ المخرج الهوليوودي الشهير، مارتن سكورسيزي، قد اتخذ نفس هذا الأسلوب في أفلامه الرائعة.
أكثر من مشهد مُستعاد، يبيّن أن نادية كانت تتهم زوجها بعشق شقيقتها الصغيرة. فذات مرة، لمّحت نادية إلى رغبة نبيل في خطبة سميحة. هذه الأخيرة، ردت آنذاك ببراءة أنها لو أرادت اختيار رجل، لفضلت أن يكون ذا شخصية مثل حمدي. كان هذا موجوداً عندئذٍ، ويلوحُ أنه علّق آماله على كلام سميحة. بيد أن التوتر بين الزوجين يتلاشى، ابتداءً من مكوثهما في المستشفى. وفيما امرأته تعافت من صدمة الحادثة، فإنه بقيَ على الكرسي المتحرك. بعد خروجه من المستشفى مباشرةً، يقترح على نادية تمضية بضعة أيام في العزبة. في اليوم التالي، المحدد للسفر إلى العزبة، يأتي نبيل وشقيقته للاطمئنان على المُصاب، فتدعوهما نادية إلى العزبة. حمدي، يطلب من الضيفين أن يسافرا أولاً لأنه مرتبط بموعد مع المكتب الهندسي، الذي يُديره. بعد ذهابهما، يكرر نفس الطلب من زوجته وبنفس الحجة وعلى أن يلحقها في صباح الغد: إنها خطة مُدبّرة، للتخلص من نادية.
المشهد التالي، كان من المفترض أن يكون مثيراً؛ لولا أننا سبقَ وشهدناه، عندما كان ما يزال مجرد رؤيا في ذهن حمدي، أثناء مكوثه في غرفة العمليات. ما لم يكن بحسبان الخطة المُبيّتة، أن نادية ستمر على خالها الدكتور حسين لكي توصيه بأن يكون بجانب زوجها في تلك الليلة. قبل ذهابها، يعطيها خالها بروش الطاووس، الذي كانت قد وضعته عند الصائغ لتصليح دبوسه. يُستهل مشهد الجريمة بسيارة تقطع طريق نادية، فتنزل من عربتها وتود الهرب حين تسمع صوتاً يناديها باسمها: كان حمدي، الذي يمشي نحوها بخطى ثابتة. تسأله ما لو قد شُفيَ، وكيفَ وصل إلى هذا المكان قبلها. لكنه ينقض عليها ويبدأ بخنقها بوساطة منديل، تلفه حول عنقها. بعدئذٍ يدفع سيارتها إلى وهدة في الأرض، وهيَ داخلها.
في ذلك المشهد، أرتكب المخرجُ خطأ فادحاً؛ يتكرر في الحقيقة بأفلام الجريمة، المصرية. فالقاتل، الذي خطط بتلك البراعة لجريمته، ينسى بكل بساطة وضع قفاز بيديه فيما بصماته على عنق الضحية وأغراضها الخاصة وعلى أماكن عديدة في السيارة. إلا أن محقق النيابة، الذي سيظهر فيما بعد، لم يأبه بذلك الدليل؛ وإنما اعتمدَ ـ وفق رؤية صنّاع الفيلم بالطبع ـ على دليل آخر: إن حمدي، أثناء التحقيق، أفاد جواباً على سؤال النيابة، بأن امرأته كانت تضع بروش على شكل طاووس في ياقة فستانها. الكاميرا، تنتقل فوراً إلى د. حسين، لنرى ملامح وجهه وقد ظهرَ عليها أمارات التفكير. بناءً على ملاحظة د. حسين هذه ( مثلما سنعرف في خاتمة الفيلم )، وضعَ محققُ النيابة بدَوره خطة محكمة للإيقاع بالقاتل. الخطة، تعتمد في إمكانية نجاحها على تعاون د. حسين مع سميحة، التي عادت من رحلتها الأوربية.
يُستدعى حمدي مجدداً إلى النيابة، وهذه المرة لكي يستمع إلى أقوال أحد النشالين، الذي أفاد بأنه سرق بروش الطاووس من سيدة كانت تتجول في ساحة المنشية بالإسكندرية. يسافر حمدي إلى تلك المدينة البحرية، ليقابل من ثم رئيس النيابة. هذا، أوهمه بأن نادية نزلت فعلاً بمستشفى في المدينة وكان يبدو عليها أنها تعرضت لصدمة عنيفة: " لكنها غادرت المستشفى إلى مكان غير معلوم ". ينزل حمدي في فندق بالمدينة، وما لبث أن لحقه كلّ من د. حسين وسميحة ونبيل. ينزعج حمدي من وجود هذا الأخير، ولما انفرد بسميحة فإنه صارحها بحبه لها وأن شقيقتها كانت تدرك ذلك وربما أنّ اختفاءها كان للتعبير غضبها من هذه الحقيقة. تشرع سميحة بالبكاء، فيناولها حمدي منديلاً حريرياً لتمسح دموعها. تهتف الفتاة بارتياع، أنه منديل نادية. تعود للفور صورة الزوجة لمخيلة حمدي، هو من خنقها بنفس المنديل: " إنها هنا في الفندق! ". لكنهم في مكتب الإستقبال، يعطونه رسالة من نادية تفيد بعودتها إلى القاهرة.
لعبة إنهاك الأعصاب هذه، تتواصل. في القطار، الذاهب إلى القاهرة، تؤكد سميحة أنها لمحت شقيقتها وهي في الممر. وفي منزله، يُفاجأ حمدي بخاتم زواج نادية، موضوعاً عند مغسلة الحمّام. ثم يلاحق في الشارع، سيدةً تشبه نادية وعليها نفس ملابسها، ثم تختفي في شقة بإحدى العمارات.
المشهد الأخير، يُظهر حمدي وهو ينطلق بسيارته إلى ذلك المكان، الذي ارتكب فيه جريمته، لكي يتأكد ما لو نادية فعلاً على قيد الحياة. كان الوقت ليلاً، وما لبثَ أن نزلَ إلى الوهدة، أين أوقعَ عربة الضحية. تظهر بغتة تلك المرأة، التي لاحقها نهاراً. يصرخ باسمها: " نادية! ". ويكون الجواب، بصوت د. حسين: " نادية ماتت يا حمدي، لأنك أنت من قتلها ". ثم يضيف، بعدما اشتعلت أنوار مشاعل رجال البوليس: " أدركتُ أنك القاتل، عندما قلتَ للمحقق أن نادية كانت تتزيّن ببروش الطاووس؛ مع أنها خرجت من عندي، لتسافر فوراً إلى العزبة ".
أخيراً، يجب ذكر إجادة الفنان القدير صلاح ذو الفقار لدَوره. وهذا ما يقال، بخصوص دَوري نور الشريف وليلى طاهر. أما رغدة، فإنها من نمط بعض الممثلات السوريات واللبنانيات والتونسيات، اللواتي يحظين بأدوار ترفضها النجمات المصريات بسبب المشاهد الحميمة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب