الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ركام من التقاليد الفاطسة والعادات العتيقة

رياض سعد

2023 / 1 / 15
الادب والفن


بمجرد ان وطأت قدماه أرض المهجر غير ملابسه كلها ؛ بدأ من الملابس الداخلية البيضاء البسيطة وصولا الى خلع ( السترة ) السوداء البالية الكئيبة و التي اختزلت كل معاني الجمود والتحجر والتأخر ؛ اذ أستبدلها بأخرى ماركة من نتاج الصناعة الاجنبية الفاخرة وبألوان زاهية ترجع بالعمر المسروق الى الوراء وتضفي بهجة على الحياة ...

ثم قام بحلق الشارب الطويل و الحق اللحية الكثة بالشارب الذي لا زال يرمز للرجولة في موطنه و صفف شعره الاشعث ... ؛ لأول مرة يشعر بالخفة والانبساط ..!

فكأنه نفض عن شخصه غبار قرون من التاريخ الأسود وعقود من الإرث الاجتماعي المفعمة بالكراهية والحقارة والتفاهة ... , و أزاح عن وجهه أكوام من القمامة وطبقات متكلسة من التشويه والإكراه ..!!

سادهُ شعور بالانعتاق من أغلال العقد البيئية الكثيرة والالتزامات الاجتماعية المرهقة ؛ فهي في بلاده أكثر من الهم في القلب الجريح المُعنى ..

بعدها أنطلق بسرعة الضوء نحو الانفتاح ؛ لعله يقضي ما فاته , ويأخذ نصيبه من متع الوجود وبهجة الكون , اذ كان مشوها ومعاقا , ومشلولا فكريا ونفسيا و روحيا ..

بدأ بمسايرة الزمن و مواكبة الحضارة ومجاراة التطور ؛ بعد سنين طويلة قضاها في الانزواء عن حركة المجتمع الحي , والاعتزال عن الناس , والتقوقع على الذات ..

و أخيرا ها هو يرفض الأفكار المعلبة والتقاليد البالية والرؤى العتيقة , واضحى لا يعترف بأي خطوط حمراء او زرقاء ...

ولسان حاله يقول : الوجود للموجود , والوطن للمواطن , والدنيا لأهلها , واعتقد في قرارة نفسه علاوة على ما سبق بسخافة فكرة كره الحياة والمخلوقات وبغض الوجود والموجودات .. ؛ لذا هجم هجوما عنيفا برغبة الفاتح المنتصر على الحياة ؛ فذاق مختلف الأكلات وشرب ما لذ وطاب من أصناف الشراب , وتعرف على أرقى الماركات العالمية وأشترى بعضها , ومارس الجنس بشتى الطرق الشاذة والعتيقة ... ونبض قلبه بالحب ومن ثم عرف ان الجنس والحب وجها السعادة وقطبا الاستقرار والراحة النفسية ؛ فراح يقدسهما ولا يمارسهما كما كان يفعل سابقا كالبهائم ..

كل المحرمات حُللت وكل الممنوعات اجيزت له , وكل دساتير الكوابح الفكرية مُزقت , والموانع رُفعت , والحواجز تساقطت , والأقنعة المؤدلجة كُشفت ..

انبلج صبحٌ جديدٌ خاليا من أحجار المنظومة الفكرية والسلوكية القديمة ؛ فقد أحالها الى ركام وصيرها الى أكوام , وألقاها في مزبلة الأيدولوجيات العتيقة والرؤى البائدة بالقرب من مقبرة الديناصورات المنقرضة ..

لا حاجة له بعد اليوم الى المواد المستعملة ( السكراب ) فقد تخلص منها والى الأبد , اذ أنها طالما وسخت ثيابه , و نفرت أحبابه ... , فقد عاش الحاضر بكل جوارحه وجوانحه ومشاعره وفكره واستمتع به , وأبصر به اشياءا لم يكن قد رآها من قبل ؛ فقد كان أعور لا يبصر الا بعين الماضوية المتخلفة عن مسايرة ركب التطور الإنساني العظيم ..

أضحى الحاضر شغله الشاغل , اذ نفرت روحه من سيرة الأطلال والتوقف لأجل البكاء والنحيب عليها , بحيث صار ذكر التقاليد السلبية والعادات المتخلفة الاجتماعية والقيم القبلية تُثير في نفسه الاشمئزاز وتشعره بالغثيان ... ؛ وأيقن بان السعادة كل السعادة تكمن في طلاق الماضوية بصورتها السلبية والاقتران بالحاضر الزاهر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي