الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة في متاهات الأسر رأفت البوريني

رائد الحواري

2023 / 1 / 15
أوراق كتبت في وعن السجن


رحلة في متاهات الأسر
رأفت البوريني
ما زلت أعتبر ما قالته عائشة عودة في روايتها "أحلام بالحرية": "إن الحديث عن الألم هو ألم إضافي" حقيقة موضوعية، فليس من السهل أن يتحدث الإنسان عما مر به من ألم، لأنه سيستعيد ألمه، فكيف يمكن للأسرى أن يكتبوا تجاربهم في السجون والأسر؟، وكيف يمكن للقارئ ـ الذي يعاني من ضغوطات عديدة وفي زمن القهر والذل ـ أن يقرأ عن أشخاص وأحداث تزيده غما وكآبة؟
هنا يأتي دور الكاتب الأديب الذي يحسن تقديم تلك الأحداث الموجعة، فمن خلال سلاسة اللغة والأحداث، وتقسيم العمل الأدبي إلى محطات لا ترهق القارئ ولا تتعبه، ولمرور السريع على الأحداث القاسية (التعذيب والتحقيق) مع المحافظة على الفكرة، أو استخدام المخففات ـ اللغة الأدبية، المرأة، التخيل عند الحديث عن تلك المراحل القاسية كلها تجعل المتلقي يتناول العمل الأدبي بصورة سهلة وبأقل الأضرار النفسية.
كتاب "رحلة في متاهات الأسر" يمكن للقارئ أن يتناوله في جلسة واحدة، وهذا يشير إلى أن الكاتب "رأفت البوريني" استخدم لغة وشكل وطريقة أدبية جعلت القارئ يستمتع بما قدم له، وبهذا يكون الكتاب قد نحج في جذب القارئ إلى كتابه.
يمكن تصنيف الكتاب "رحلة في متاهات الأسر" إلى المذكرات الشخصية، حيث يبدأ " رأفت البوريني" بالحديث عن دارسته في الأردن، وكيف أنه الحرب الخليج حالت دون ذهاب أسرته إلى الكويت حيث كان يعمل والده، مما أضرهم إلى البقاء في الأردن، وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية عادة إلى فلسطين وتحيدا إلى بلدته "بورين" ليتعرف على ابن عمه "ناظم" أكثر ويشاركه في مقاومة الاحتلال، إلى أن يقع أسيرا وهو على أطراف البلدة، حيث نصبت قوات الاحتلال كمينا لهما.
نلاحظ أن الكاتب يمر مرورا سريعا على مرحلة التحقيق لما فيها التعذيب، وكأنه لا يريد أن يتذكر تلك الأوجاع والآلام، رغم أن فترة التحقيق استمرت لمدة خمسين يوما، وهذا يأخذ القارئ إلى أن هناك ألم (مخفي) لا يريد الكاتب أن يزعجه به، فآثر عدم الخوض في تفاصيله كثيران مكتفيا بحديث العام عن تلك المرحلة.
أما المحاكمة وإصدار الحكم عليه مدة عشرين سنة، فقد استحضر أمه لتكون مساندة له، وكأنه بحضورها أراد أن يزيل حجم الظلم الواقع عليه: "... أقاربي، فقد كنت مشتاقا جدا لرؤيتهم وخاصة والدتي التي لم تغب عن بالي أبدا، حيث كنت دائم التفكير فيها" ص35، وبما أن للأمهات مكانة خاصة عند الأسرى، فقد كان الحكم على رأفت البوريني" لا يزعجه ولا يلقي له بالا، إلا بعد أن فكر بأثره واقعه على أمه: "أصدر القضاة حكمهم بالسجن 20 عاما بحقي ومثلها بحق ابن عمي، وحين نطق القاضي حكمه لم يهتز لنا جفن وبكل صدق دون مبالغة أنشعر بأية مخاوف أو توتر، واعترتني مشاعر الزهو والاعتزاز والفخ وحتى اللحظة لا أعلم سبب ذلك.
...لكن حين كنت في حافلة نقل الأسرى (البوسطة) عائدا للسجن فكرت في أمي وكيف ستتقبل هذا الحكم وأنا أعلم أن مشاعر الأم تكون مختلفة في مثل هذه المواقف" ص36و37، إذن التفكير في الأم كان عامل ضغط على الأسير، وهذا يشير إلى نبله وعلاقته الوطيدة معها، وإلا ما كان ليفكر بوقع الحكم عليها.
وعندما أخبرها عبر الهاتف المهرب عن الحكم: "...وشعرت برجفة صوتها وهي تسألني عن نتيجة المحكمة... بقيت أمي صامتة لا تتحدث ولكنني كنت أسمع صوت أنفاسها ورجفتها. ثم قالت لا تقلق يا ولدي وابق قويا" ص37و38، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد نجد حالة القهر عند الأم، لكنها تتجاوزها بصرعة بعد أن خاطبت "رأفت" لا تقلق وابق قويا، وكأنها من خلال تلك القوة التي منحتها لنفسها حيث استطاعت أن تتجاوز اضطرابها وحزنها وجزعها أعطت ابنها القوة ليواجه سجنه الطويل والمرير، وما كان صمود والثبات "رأفت" ليكون دون موقف الأم الشجاعة.
الكاتب يتحدث في كتابه عن نفسه وعن أهله وعن رفاقه وعن النضالات العديدة التي خاضوها لتحقيق حقوقهم كأسرى، ولم يتم الحديث عن إي أحداث خارج هذا الإطار إلا في "الأم المناضلة: جمر الحقيقة" حيث تحدث أم الأسير "ياسر المشطي" التي كانت تعاني من مرض (فوبيا الأماكن المغلقة) وتأتي لزيارة ابنها حيث تبقى في ساحة السجن وتكتفي بما توصله زوجته لها عن أخباره، وبعد أن سمح ضابط الاحتلال للأسير بخروج إلى بوابة السجن ومشاهدة والدته ولمدة خمس دقائق فقط، والتباعد بينهما مسافة ثلاثة امتار، حدثته قائلة: "سامحني يا ولدي...لن أتمكن من زيارتك بسبب مرضي" تموت الأم في عام 2008، دون أن تستطيع أن تشاهد أو تلتقي بأبنها.
في هذا الفصل أوصل الكاتب مأساة الأسير الفلسطيني، وأوصل وحشية المحتل الذي يمارس الفاشية بكل ما فيها من عنصرية وعدم إنسانية، وهذا الشكل من تقديم يسحب للكاتب، حيث تناول جوانب إنسانية بعيدا عن السياسة وما فيها.
من المخففات التي جاءت في "رحلة في متاهات الأسر" حضور المرأة "نجود" خطيبة الكاتب، فقد جاءت حضورها ملازما لحضور الأم، لهذا عندما تحدث عنها جاءت اللغة ناعمة، بيضاء تليق بهما: "...فصاحبة العيون العسلية سحرتني بجمالها، وطلتها فقد رايتها كالقمر في كامل بهائه، وكالوردة المتفتحة التي تنظر من يقطفها، وكانت كمن تنبهت لنظراتي لها، فظهر على محياها طيف ابتسامة ولمة حجل زادها روعة وجمالا" ص62، فهذه اللغة تليق بالمرأة التي قبلت أن تخطب رجل محكوم بعشرين سنة، وأن تبقى منتظرة إلى أن يحرر، أليس هذه المرأة تستحق أن تقدم بهذه اللغة البيضاء أن اقرن جمالها بخلقها وعطاءها؟
لهذا نجدها تحرص على زيارة خطيبها باستمرار: "وانتظمت خطيبتي الغالية نجود بزيارتي شهريا منذ تشرين أول 2015 وحتى ليوم" ص78، ولا تكتفي "نجود" بهذا بل نجدها تُوصل "رأفت" إلى الآخرين وتعرفهم به، من خلال إنشاء صفحة على الفيس بوك باسم "أحباء الأسير رأفت البوريني" حيث استطاع الكاتب أن يبدأ مشروعه الأدبي من خلال مقالات ومقتطفات يرسلها لخطيبته، وبدورها تنشرها على صفحته، وما ما جاء في لهذا الكتاب من مقتطفات عن تلك البدايات التي كتبها، إلا تأكيدا على دورها في وجود الأديب والكاتب "رأفت البوريني"
الكتاب من منشورات دار أبعاد للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم




.. كل يوم - خالد أبو بكر يعلق على إشادة مقررة الأمم المتحدة بت