الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكونتيسة

صفاء بوالجداد

2023 / 1 / 16
الادب والفن


عشت زمنا غير قصير في البادية ، زمن اختلطت فيه ملوحة دموعي بمخاطي ومذاق التراب.. منزل جدي شاهد على حبكة حكايا طفولتي العجيبة . لطالما حاولت أن أهرب من فخ تاريخي الحافل لكنني كلما جلست وحيدة عادت ذاكرتي لترهقني و تفتح دهاليز واسعة على طفولة لم تترك لي سوى ندوب في الروح والجسد .
كل الأفراد في منزل جدي كانوا محبوبين إلا زوجة عمي وحدها كانت مصدر الشر .. امرأة طويلة القامة .. عيناها جاحظتان ووجهها يلوح بقوسة شديدة تجعل الناظر إليها من بعيد يخالها رجلا .
لم تفوت زوجة عمي فرصة لسبي أو نتف شعري .. او التمييز بيني وبين ابنها بل لطالما نزعت العرائس من يدي ليلعب بها ابنها.
كنا صغارا ننتفض جماعة من الفتيات وجوقة من الذكور لنتجه نحو المقبرة،لم نكن نزعج الموتى كنا فقط نجني ثمار "النبق " ..
لنبات السدر هذا طعم حلو ، غير أن لذته شبه منعدمة .. يشبه الموت تماما لذلك اختار المقبرة موطنا ينمو فيه .
كنا نلتحم أثناء جني الحبات كخلية نحل او كضباط صف.. وسرعان ما يتحول هذا الحب إلى حرب حين نود اقتسام المحصول ، فنتراشق بالكلمات قبل الحجر .. يكثر الضحايا بعد المواجهة هؤلاء شجت رؤوسهم، آخرون نخرت جباههم أو صاروا لوحة مشوهة الملامح . أما أنا فحتى وإن فلتت بجلدي من ساحة الحرب كانت زوجة عمي تشن علي حربا أخرى ، لأن ابنها الذي يكبرني ضُرب .. ما ذنبي يا خالة إذا كان ابنك مخنث لا يفهم كيف تكون الحروب ؟ما ذنبي إن لم يستنتج أن قانون الحجر إما أن تلقي أو يكونوا أول من ألقى ؟ دخلنا مجددا بعد حرب ضروس وما إن رأتني حتى بدأت في الصياح .. ما كان علي سوى أن أرفع صوتي فوق صوتها بصرخة مباغتة .. جعلتها تهرول إلى المطبخ خوفا من جدتي .. قد تكون" لالة فاطيم" جدتي جسر أمان و حب لي لكنها حماة صارمة حتى أمي كانت تخشاها.
اختفى عنف الشريرة الجسدي منذ وجدت الطريقة السحرية ، أن أصرخ كلما رأيت (كسدتها).. لكنها منذ ذلك اليوم انتقلت إلى الحرب البارد فعوضت اسمي بعيشة قنديشة ونشرته بين أهل القرية حتى صار كل أقراني ينودونني به ، لكنه لم يزعجني .. لقد أعطاني قوة سحرية . صرت قادرة على رمي اللعنات ، وصاروا يخشون دعائي عليهم .
أحببت عيشة مولات الغابة في ما بعد وعلمت أنها كانت كونتيسة (قديسة) ..امرأة حاربت الاستعمار البرتغالي مع الرجال .. امرأة فاتنة ،ذكية وشرسة تغوي جنود العدو لتحمي الوطن ، من الجميل ان يكون للمرأة هيبة تبث الرعب في قلب الجميع .
مرت الأيام ، كل من كان طفلا صار شابا جلهم تغير كليا.. إلا انا تعززت طباعي القديمة .. من سوء حظ زوجة عمي أنني لست فقط "باردة القلب" ولا أنزعج بل املك ذاكرة الجِمال .
قصة عيشة قنديشة تطورت حين كبرت وتخصصت في السوسيولوجيا ..اخترت أن أبحث عن الحاجات الروحية لدى المثليين ومايرافقها من أفكار عن الجن وزيارات للزاوايا .. حينها وجدت نموذجا أعرفه جيدا.. ابن عمي ، نعم لقد صار "مثليا" وأمه السبب، لم تلملم جرحه بالتحميرة بل منعته من جني نبق المقابر وحرمته من تعلم الدفاع عن نفسه .. منعته من مدرسة كان سيتعلم فيها أن يكون رجلا أو يموت في سبيل ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??