الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سواق الأوتوبيس: الإنسان والضباع الضارية

دلور ميقري

2023 / 1 / 16
الادب والفن


1
عاطف الطيب، مخرج فيلم " سواق الأوتوبيس "، إنتاج عام 1982، يُعد أحد أبرز صانعي الموجة الجديدة في السينما المصرية؛ وكان منهم محمد خان وخيري بشارة ورأفت الميهي وداود السيد وغالب شعث وعلي عبد الخالق. لقد تبنى هؤلاء الواقعية النقدية، فقدموا مجموعة من أفضل الأعمال السينمائية، وفي فترةٍ بدأ فيها الفن السابع في مصر يتدهور في السبعينيات، ومن ثم يتصحر مع نهاية عقد التسعينيات، وذلك بهيمنة ما يُدعى ب " أفلام المقاولات ".
فيلم " سواق الأوتوبيس "، كان بالأساس فكرة محمد خان؛ وهوَ كاتب قصته. لكنه أعطى القصة لصديقه عاطف الطيب، بسبب انشغاله ذلك العام بإنجاز فيلم " نص أرنب ". جدير بالذكر، أنه في هذا الفيلم الأخير، ظهرَ عاطف الطيب ممثلاً مع خيري بشارة. في بداية عقد الثمانينيات، أسس الطيب وخان " جماعة الصحبة "، مع السيناريست بشير الديك والمونتير ناديا شكري، وذلك بهدف إنتاج أفلام واقعية جيدة. غير أنهم لم يتمكنوا سوى من انتاج فيلم واحد، " الحريف " بطولة عادل إمام، الذي فشل تجارياً.
عاطف الطيب ( 1947 ـ 1995 )، تخرج من المعهد العالي للسينما ـ قسم الإخراج. عمل بعد تخرجه كمساعد مخرج مع مدحت باكير في عدد من الأفلام، من بينها " دعوة للحياة ". خدمته الطويلة في الخدمة العسكرية الإلزامية، وخوضه في خلالها حربيّ الاستنزاف وأكتوبر، أثرت فيه بعمق وانعكست فيما بعد على بعض أعماله السينمائية؛ خصوصاً فيلم " البريء " من بطولة أحمد زكي، والذي كان نجمَ خمسة من أفلامه الأخرى. كذلك عمل عاطف الطيب كمساعد مخرج لعدد من الأفلام العالمية، التي جرى تمثيلها في مصر، وكان منها فيلم " جريمة على النيل "، إنتاج عام 1978، عن قصة لأجاثا كريستي. بدأ عاطف الطيب عمله كمخرج بإنجاز فيلم " الغيرة القاتلة "، عام 1982، وكان تنويعاً معاصراً على مسرحية " عطيل " لشكسبير. في خلال حياته القصيرة، قدّم عاطف الطيب 21 فيلماً، دخل ثلاثة منها في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وكان منها " سواق الأوتوبيس "، الذي حل في المرتبة الثامنة.
بشير الديك ( 1944 )، كاتب سيناريو " سواق الأوتوبيس "، تعاون مع المخرج عاطف الطيب في عدة أفلام. والمعروف أيضاً، أنه كون ثنائياً ناجحاً مع محمد خان وقدما خمسة أفلام. كذلك كتب سيناريو عدة مسلسلات، منها " الطوفان " للمخرج خيري بشارة.

2
أغنية فنان الشعب المصري، سيد درويش، التي تمجد " الصنايعية "، كانت موسيقاها ترافق شارة فيلم عاطف الطيب. قبل ذلك، يظهر مشهد لبطل الفيلم نور الشريف ( بدَور حسن السائق )، وكان قد أفاق من النوم على صوت المنبه. كانت الساعة الرابعة صباحاً، حيث نهض أولاً كي يغطي طفله الصغير. عندما أرادت زوجته ميرفت ( الفنانة ميرفت أمين ) أن تحضر له الفطور، فإنه يقول لها أنه سيتناوله في الشغل. هذا المشهد الأول، له دلالة عن العلاقة الدافئة بين الزوجين، وذلك قبل أن تعصف بحياتهما قضية ورشة الخشب، التي يمتلكها والد حسن ( الفنان عماد حمدي )؛ وهيَ عقدة حبكة الفيلم.
المشهد الثاني، نتابع فيه حسن أثناء عمله كسائق لحافلة عمومية ( أوتوبيس ). أزمة المواصلات، تتضح جلياً في هذا المشهد. في خلال سير الأوتوبيس، يقوم رجل عديم الضمير بنشل محفظة امرأة عاملة، فأخذت هذه تنتحب وتصرخ عن ضياع دخل شهر كامل. هذه الحادثة، ستتكرر في المشهد الأخير من الفيلم؛ وسنتكلم عنه في حينه.
الشقيقة الصغرى لحسن، تخبره عندما صعدت معه في الأوتوبيس أن والدهما وقع مريضاً بعدما تسلم إنذاراً من مصلحة الضرائب بدفع مستحقات عشر سنوات. يُفاجأ حسن بحجم المبلغ ( عشرون ألف جنيه )، ما جعله يدوس على الفرامل. زوج شقيقته، عوني ( الفنان حسن حسني )، يتبيّن أنه هوَ من كان يماطل في دفع الضرائب، بصفته مدير الورشة، وفي الوقت نفسه، كان يسرق الخشب ويبيعه لحسابه الخاص بدون علم والد حسن. هذا الشخص الجشع، يرفض دفعَ حتى قسم من المبلغ المطلوب للضرائب، وتؤيده زوجته في ذلك برغم علمها بما سيحل بوالدها لو لم يتم تأمين المبلغ في خلال شهر واحد.
شقيقتا حسن الكبيرتان، كانتا بنفس الأخلاق. يتجه أولاً بسيارة الأجرة، التي كان يعمل عليها مساءً، إلى مدينة بورسعيد، أين تقيم شقيقته سميحة ( الفنانة نبيلة السيد ). هناك يُبدي دهشته من منظر شقتها، التي حولها زوجها المدعو البرنس ( الفنان وحيد سيف ) إلى مخزن بضائع يتاجر بها. كان واضحاً أن حالتهم المادية ممتازة، لكنهم يقدمون الأعذار لكي لا يسهموا في مساعدة والد حسن. أما الشقيقة الكبرى فوزية ( الفنانة علية عبد المنعم )، فإن زوجها الغني كان أكثر جشعاً. مع أنه مُدين بنجاح تجارته لمال حميه، إلا أنه يرفض مساعدته بدفع قسم من مبلغ الضرائب. في المقابل، يَعرض على حسن مشروعَ إزالة الورشة، لإشادة عمارة سكنية بمكانها. ثم يتحجج بموعد الصلاة، لينهي المناقشة، ويدعو زوجته للحاق به. هذه، تقول لشقيقها: " وأنت؟ ألا تريد أيضاً أن تصلي؟ ". ينظر حسن إليها ملياً، وما لبث أن غادر بيتهم.
النار، تنتقل هذه المرة إلى بيت حسن. ذلك جرى بعدما أخبر زوجته بنيته بيع سيارة الأجرة، لكي يُساعد في تخليص والده من مأزقه. هنا تتدخل والدة امرأته ( الفنانة زهرة العلا )، لتذكّرها بأن زوجها باع مصاغها في سبيل شراء السيارة للعمل عليها وتحسين أحوالهم المادية. أساساً، كانت الأم تكره حسن منذ البداية، وفضّلت أن تتزوج ميرفت من ابن خالتها. هذا الأخير، كان قد عاد من الكويت وينوي العمل في الاستثمار. يقنع ميرفت بدراسة اللغة الإنكليزية في معهد خاص، بهدف إلحاقها بالعمل كسكرتيرة لصديق له يُدير أحد البنوك الخاصة. حياة أسرة حسن، بدأت إذاً تتقوّض جنباً لجنب مع الكارثة، التي ستحل بأهله.
ولكن هيَ ذي شقيقة أخرى لحسن، وفاء ( الفنانة صفاء السبع )، ترجع أيضاً من إحدى الدول الخليجية، أين كان يعمل زوجها بالتدريس. الزوج، كان صديقاً حميماً لحسن من أيام خدمتهما في الجيش. كلا الزوجين، يتفقان على المساهمة بانتشال والد حسن من أزمته المالية؛ بأن يصرفا النظر عن شراء شقة. الصديقان، ما لبثا أن ذهبا إلى المحكمة كي يقابلا رفيقهما وكيل النيابة ( الفنان محمد كامل ). ثم التقوا برفيق رابع، فاتجهوا جميعاً بسيارة حسن إلى منطقة الأهرامات كي يستعيدوا ذكريات الحرب. هذا، كان مشهداً رمزياً باعتقادي؛ عن دوام حالة بؤس الشعب المصري منذ أيام الفراعنة.
مع مساهمة الأصدقاء الثلاثة بمبالغ من المال، فضلاً عن إمكانية بيع السيارة، يلوح الأمل في نفس حسن بأن أزمة والده في طريقها للحل. لكن ميرفت، تضع زوجها أمام اختيار الطلاق لو أنه باع السيارة. ويقع الطلاق فعلاً. المحامي، الذي استشاره حسن، أخبره أن مصلحة الضرائب وافقت على تقسيط المبلغ بشرط دفع نصفه في مدة محددة. يعرض الأمر على والده، ويقول هذا أنه سيبيع المنزل لسداد ذلك المبلغ. في الأثناء، كان ثمة رجل كهل ( الفنان محمد شوقي ) يتردد على والد حسن، عارضاً عليه مبلغ العشرين ألف جنيه ـ المطلوب لمصلحة الضرائب ـ كمهر لابنته الصغيرة. هذا الكهل، كان قد قضى نصف عمره في السجن بقضية تجارة المخدرات. لكن حسن كان قد وعد مساعده، الشاب الجامعي، بشقيقته الصغيرة، والتي كانت تحبه.
ما عتمَ والد حسن أن أصيبَ بنوبة قلبية، عندما علم بأن بناته الثلاث الكبيرات يعتزمن رفع دعوى قضائية ضده بسبب نيته بيع البيت، فما لبث أن توفيَ. مشهد اجتماع أولائي البنات وأزواجن الجشعين مع باقي أفراد الأسرة، فيما كان الأبُ مستلقٍ على الكرسي فاقداً الحياة ـ كان من أقوى مشاهد الفيلم: لقد أظهرَ حالة النفاق من خلال تمثيل الحزن، بينما البواطن سعيدة؛ لأن بيع المنزل، عقبَ وفاة الأب، سيعني أن ينال هؤلاء حصتهم من المال.
المشهد الأخير في الفيلم، يتكرر فيه حادثة نشل إحدى السيدات. النشال، يقفز من الأوتوبيس ويجري في الشارع. فيقوم حسن باللحاق به، ويأخذ بتوجيه اللكمات إليه، صارخاً مع كل لكمة: " يا أولاد الكلب! ". هذا المشهد، يذكّر المرء بخاتمة فيلم المخرج التركي الكردي، يلماز غوني، " القطيع "، المنتج في سبعينيات القرن الماضي، عندما قام البطل بخنق أحد الرجال في السوق لأنه سخرَ من حزنه على امرأته المتوفية للتو: كلا البطلين، كان يعبّر عن رفضه للوضع الإجتماعي السائد، وذلك من خلال إفراغ غضبه بأحد ضحايا هذا الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر