الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة مالي ومماليك مصر: عصور من الانفتاح على إفريقيا

نعيمة عبد الجواد
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي

(Naeema Abdelgawad)

2023 / 1 / 17
الادب والفن


بالرغم من تعاقب الاستعمار والطغيان على قارة أفريقيا، إلا أنها لا تزال بكرًا، وكذلك تاريخها القديم. وقد لا يتوقَّع البعض أنه خلال الحقب التاريخية المختلفة، كانت لدولة مصر أواصر تاريخية مع العديد من الدول الأفريقية التي كان البعض منها في أوج عظمتها ومجدها. ومن تلك الدول كانت ما تسمَّى بإمبراطورية مالي حينئذٍ، والتي هي، بالتأكيد، دولة مالي في العصر الحديث.
تقع دولة مالي في غرب أفريقيا، وتجاور دولًا شقيقة من الوطن العربي، وكذلك دولًا أخرى أفريقية؛ أي أنها همزة الوصل بين عالمين؛ مما صنع منها نقطة تجارية هامة على مدار العصور القديمة. وبالرغم من أن مالي يمر بها نهري النيجر والسنغال، وغنية بالموارد الطبيعية، وخاصة النفيسة منها مثل الذهب واليورانيوم، لكن يعاني شعبها من فقر شديد، ويعيش أغلبهم في المنطقة الجنوبية وخاصة في العاصمة "باماكو" التي يعيش فيها وحدها أكثر من مليوني نسمة.
قديمًا، كانت مالي إمبراطورية في غرب أفريقية عظيمة الشأن، واشتهر حكامها بالثراء الفاحش، واستمرت تلك الإمبراطورية نحو خمس قرون (1226-1670 م). وهناك ثلاثة مصادر قامت بإماطة اللثام عن هذه الفترة، ويأتي على رأسهم "شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله العُمَرِي" المشهور باسم "ابن فضل الله العُمَرِي" (1301-1349) والذي كان مؤرخًا لحكام المماليك في مصر. فلقد قام بزيارة مصر إثنان من أشهر أباطرة مالي، ومن خلال زياراتهم والأحاديث الذين تبادلوها، عمل "ابن فضل الله العُمَرِي" على إماطة اللثام عن عن قوانين وعادات شعب مالي. وأما المصدر الثاني، كان الرحالة العربي "ابن بطوطة" في رحلته لتلك الإمبراطورية عام 1352. في حين أن المصدر الثالث هو "ابن خلدون" الذي ذكر إمبراطورية مالي في كتبه التي صدرت في القرن الخامس عشر. والعامل المشترك فيما بينهم هو التأريخ لهذه الإمبراطورية كان في عصر الإزدهار. بيد أن بعد سقوطها، انقطعت صلات العرب بها، ولم يعد هناك مصدر آخر لمعرفة تاريخها سوى ما يحكيه رواة القصص الشعبي عما حدث بعد سقوط الإمبراطورية وصولًا للاحتلال الفرنسي لها.
ولقد تأسست إمبراطورية مالي على يد الأمير المحارب "سوندياتا كيتا" في الفترة ما بين 1214-م1255 تقريبًا، حيث لا يوجد تاريخًا محددًا لتلك الحقبة. ويذكر التاريخ أن "سوندياتا كيتا" صنع منها أكبر إمبراطوريات غرب أفريقيا. واستمرت تلك الإمبراطورية على مدار نحو أربعة قرون من الزمان (1226-1670م). ولقد بدأت الإمبراطورية كمملكة صغيرة تسمى مملكة ماندينكا Mandinka، وسميت "مالي" نسبة لطريقة نطق هذا الاسم بلغة قبيلة الفولا Fula. وقبل تأسيس إمبراطورية مالي، كان غرب أفريقيا يحكمه ثلاث ممالك قوية، وهي: غانا وماندينكا (مالي) وصونجاي، وكانت هذه الممالك تسيطر على طرق التجارة عبر الصحراء.
ومع سقوط مملكة غانا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، تم تحويل طرق التجارة للجنوب في منطقة السافانا، واستولت إمبراطورية سوسو Sosso على ممالك غرب أفريقيا. لكن استطاع في نهاية الأمر الفارس الأمير الملحمي "سوندياتا كيتا" Sundiata Keita الذي ينحدر من أسرة كيتا Keita Dynasty أن يحرر الشعب المالي من نفوذ إمبراطورية "سوسو"، وبعدها استطاعت إمبراطوريته أن تمد هيمنتها على طرق التجارة عبر الصحراء الغربية بأكملها.
ولقد بدأت صلة إمبراطورية مالي بمصر المملوكية بعد موت "سوندياتا كيتا" عام 1255، حينما تولى حكم البلاد "مانسا ساكورا" الذي كان في الأساس عبدًا بالبلاط الملكي، لكنه استولى على الحكم حينما ضعفت البلاد بعد موت "سوندياتا كيتا"، بالرغم من أنه لا ينتمي إلى أسرة كيتا. وهو بذلك أصبح أول حاكم لإمبراطورية مالي بعد موت "سوندياتا كيتا". ولقد كانت فترة حكمه تتسم بالازدهار؛ لأنه حافظ البلاد وعلى سيادتها في غرب أفريقيا. ومن الجدير بالذكر أنه كان يطلق لقب "مانسا" على حكَّام إمبراطورية مالي، ويعني ذاك اللقب "حاكم" أو "ملك". ولقد حكم "مانسا ساكورا" البلاد في الفترة 1285-1308م. ولقد كتب عنه المؤرخون أنه كان حاكمًا قويًا عمل على توحيد صفوف البلاد. ولقد ذكر سيرته "ابن خلدون" في كتابه الشهير "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر". ولقد اكتسب "مانسا ساكورا" شهرة واسعة بعد قيامه برحلة للحج في مكة. وفي سير الرحلة، سافر إلى مصر ونزل ضيفًا على سلطانها حينئذٍ "الناصر محمد بن قلاوون"، السلطان المملوكي الشهير الذي رحَّب به ضيفًا وطاب مقامه في مصر. إلا أن المنية وافت "مانسا ساكورا" بعد أداءه فريضة الحج في رحلة العودة.
ويذكر "ابن فضل الله العُمَرِي" في كتابه الشهير "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" الذي أرَّخ فيه لمصر المملوكية أن بعد موت "مانسا ساكورا"، عاد زمام الحكم لأسرة "كيتا" مرة أخرى، وتولى عرش الإمبراطورية "موسى كيتا" في الفترة 1312-1341، والذي اشتهر باسم "مانسا موسى". ولا يزال اسمه يتردد حتى الآن في مالي؛ في عهده، كانت البلاد شديدة القوَّة وبالغة الثراء وغنية بالذهب، لدرجة أن رحلة "مانسا موسى" لأداء فريضة الحج لفتت أنظار العالم بأسره. وفي سير رحلته للحج 1324-1326، كانت مصر المملوكية محطَّة رئيسية له حرص على زيارتها ولقاء سلطانها المملوكي "الناصر محمد بن قلاوون". ويذكر أيضًا "ابن فضل الله العُمَرِي" في كتابه أن عطايا "مانسا موسى" لسلطان مصر كانت شديدة السخاء. ومن المفارقات الشهيرة التي أكسبته شهرة عالمية لا نظير لها أنه من أجل توفير نفقات حملة الحج، بادل ما معه من ذهب بنقود مصرية. وتصف المراجع التاريخية أن رحلته تلك كانت أيقونية؛ لأنه بمفرده أحدث تضخمًا في السوق المصرية، فبسببه انهارت أسعار الذهب في مصر لسنوات طويلة من جرَّاء كثرة ما بادله من ذهب مع التجار نظير الحصول على نقود مصرية.
تعكس رحلات حكَّام مالي إلى مصر وجود أواصر وطيدة بين مصر المملوكية وإمبراطورية مالي، سواء بسبب سيطرتهم على الطرق التجارية ففي غرب أفريقيا، أو لأسباب سياسية وثقافية أخرى. وبالطبع كانت تلك الأواصر سببًا في حرص ملوك مالي على زيارة سلطان مصر في مسيرتهم لأداء رحلة الحج. ومن ناحية أخرى، كان ذلك أيضًا سببًا لذِكر ملوك مالي في كتب التاريخ المصرية.
من المُحزن حقًا أن تكون دولة مالي بتلك القوَّة في العصور الغابرة، وتنزلق للمآسي السياسية والاجتماعية والمجاعات في العصر الحديث ولا تزال هيمنة الدول الاستعمارية عليها – سواء القديمة منها أو الحديثة – قائمة وتنهب في ثرواتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته