الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يعود للشعر عشاقه ومحبوه؟

عبد الكريم البليخ

2023 / 1 / 17
الادب والفن


هل يمكن أن نقول، وبصوت عال، إنَّ الشعر أو ما صار يُسمى شعراً في هذه الأيام اختلف وزنه وقافيته ولونه، ومزاج الذين كانوا يستسيغونه، ولم يعد يروق للكثير من عشّاقه لأنه لم يَعُد يؤدي الغرض منه. فأيّ شعر وأيّ هذر في غير مكانه أصبحنا اليوم نقرأ، وينشده علينا الشعراء الحديثو الولادة. فالشاعر الجوهرة نزار قبّاني، كان للأسف مثال النكرة بالنسبة لحكامنا العرب الطغاة، وهو المعروف عنه أنّه لم يُهادن يوماً.
هذا نزار الشاعر المثالي، وما قاله سيظل خالداً. ماذا تقولون يا شعراءنا الذين تدّعون بأنكم شعراء. لن ولن تسطيعوا مهما حاولتم أن تجاروا ذلك النجم الألمعي. نعم ذلك النجم الذي صعد بعيداً وكان بحق مثال الثُّريَّا لا يمكن لأيٍّ منكم أن يُجاريه، أو حتى يُنافسه، أو يوازيه. نزار قباني يستحق لقب الشاعر النجيب الذي لا يمكن أن يتكرر.
وفي يومنا الحالي تُطالعنا بين حين وآخر، منشورات لأشخاص باتت تعد بعرف مدوّنيها على أنّها من عيون الشعر، ما يمكن أن يطلقوا على أنفسهم بالشعراء المحدثين، أو شعراء التفعيلة، وهو الشعر الذي تحرّر من الوزن والقافية، ومن أبرز روّاده بدر شاكر السيّاب، محمود درويش، نازك الملائكة، فدوى طوقان، أمل دنقل، صلاح عبد الصبور، عبد الوهاب البياتي، أدونيس، نزار قباني، وغير هؤلاء من المحدثين الجدد بالكاد أن البعض منهم يعرفون كيف يصوغون مفردة شعرية جميلة تبهج القلب، وتفرح الحاضرة ما يعني أنهم يوهمون العامّة على أنهم شعراء، وبصورةٍ خاصة، السذّج منهم، والانغماس في هذه الموهبة ـ المجروحة وتحولهم بين ليلة وضحاها إلى شعراء باتوا يعتلون منصات التتويج ويخالون أنفسهم على أنهم شعراء من طراز رفيع، يُشار لهم بالبنان، ومقدرتهم في إطلاق الشرارة الأولى التي يمكنها أن تقرّبهم من قلوب الناس، واهمين بأنهم سيحققون حظوة ستخلّد تاريخهم كشعراء، وتحقّق مرادهم كمبدعين، والتحليق بطيف أحلامهم لمجرد كتابة بعض المفاهيم والمفردات التي أطلق عليها تسمية مفردات شعرية، وهي في الحقيقة تشبه كل شيء إلّا الشِعر.
وهذا ما صار يُظهر لنا العديد من الشباب والمتصحّفين الذين يكتبون في الصحافة المحلية، وممن يشكلون صلة وصل بين العمل الوظيفي، الذي يتكسّبون منه قوت يومهم، وإبداعهم الشعري، ما دفع البعض ممن يستكتبونهم في صحف رسمية لها أسمها ومكانتها بنشر ما طاب لهم من مواد صحفية لمجرد التمجيد بهم، والتفاخر بإنجازهم، وإجراء الدراسة المطلوبة عن الشعر الذي يقرضون، وما خطته أيديهم وأبدعته، وهو في حقيقة الأمر ما يُشكلُ خطورةً وتصعيداً غير مسبوق بحق فحول الشعر، ومحترفيه... والذين يُعَدّون من روّاده، ومن قاماته المبدعة، والقائمة تطول.
ومنذ فترة قصيرة، جمعتني علاقة غير مباشرة، عبر شبكة التواصل الاجتماعي، مع أحد مدّعي الشعر، وطلب مني إبداء رأيي الشخصي حول مقطع شعري، سبق أن نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعية، وفي الواقع ليس لدي من الخبرة الكافية ما يجعلني قادراً على نقد أو تقييم أعمال الآخرين الشعرية، فاكتفيت بالصمت ولم أدلُ بدلوي تحسباً من أن يكون له موقفاً ما حيال ما سأعلّق عليه، ولكن في قرارة نفسه يعي بأن ما كتب ليس له أية علاقة بالشعر، وبفحوله الذين نذروا أنفسهم في حبّه، وفي انفعالاته وفي تحسين الصورة التي بدت في طور جديد، وأخذت نبضاً آخر ساهمت في تجديده، وإن ظل الأغلبية من الأفراد نبذوا هذا النوع من الشعر الذي لم يكن سوى تجميع صور، وتسويق همّ يومي، وحالة عاشها الشاعر لمجرد موقف ما، ومنهم من أبدع وترك إرثاً يُحسَدُ عليه، وفي هذا من أثبت مكانه بين الشعراء، ومثالهم ما زال أسمه يتداول، وبحب جارف، وإن ارتحل إلى الحياة الدنيا لأنه أطرب الأفئدة، وحلّق بنا بعيداً في عالم من السحر.
وما تناوله البعض، ممن ينشر لهم في الصحف والدوريات العربية الأسبوعية والشهرية، وللأسف، مجرد كلمات تعبّر عن مكنون داخلي، ومن غير اللائق أن نطلق على ما نشر له أية علاقة بالشعر، وهذا مثاله كثير ومتوافر في الصحافة المكتوبة، والكل يعلم، أنّ هذا المجال من فنون الإبداع بات يلُفّه ترّهات معيّنة، وقادر على اختراق القلوب لمجرد سماع كلماته المخملية التي تحاكي الضمير والوجدان، ويختصر الكثير من الرؤية التي يراها الآخرون من البشر، ودون طعم!!
بالمختصر. الشاعر تبقى له حساسيته المفرطة حيال ما يكتنزه من قيم إنسانية، وصور وجدانية. وكما أظن، ويعلم الكثير من أبناء جيلي، وغيرهم، أنّ ذلك يختلف كليةً عن الكثيرين، وتظل دخيلته، لها مزاجها الخاص، ووحده القادر على توظيف ما يجول بخاطره من إبداع شعري يُحقّق الهدف والغاية مما يريد أن يصل به إلى القارئ الذي صار رهيناً ما يقرأ، وما يُرْسَمُ له من صور شعرية بحاجة إلى التقشير بالسيف البتّار حتى يمكن أن يفهمها ويعيها القارئ المتابع الذي صار قادراً على تقييم ما يمكن أن يخدم أكبر شريحة من الروّاد، محبّي الشعر، بصورةٍ عامة، ما يعني انتحار الشعر واغتصابه، والذي سمح لكل من هبَّ ودب أن يتطاول على مبدعيه وروّاده وها هو اليوم يظن أنه صار من عداد الشعراء المجيدين متناسياً أنَّ الدخول في هذا النفق ليس بالأمر الهيّن، وإذا ما عدنا إلى ما شكّله عدد من الشعراء المحدثين، وما تركوا من إرث كبير من طراز نزار قباني وغيره من "الفطاحل"، فهذا يعني أننا نقف أمام قامة كبيرة تستحق الاحترام والتقدير، وليس أمام أناس مجرد أنهم يعشقون الشعر بكل ألوانه ويعتقدون أنهم أصبحوا من كبار صانعيه لمجرد أن كتبَ بيتاً، أو مقطعاً منشوراً في صحيفة، وهذا منه كثير. والأنكى من كل ذلك أن من ممن يدّعون على أنهم شعراء لا يحفظون من قصائدهم شيئاً، في الوقت الذي نعرف فيه أنّ الشاعر في ما مضى كان يقفُ على المنبر متحدياً جماهيره وعشاقه، وتراه مبْرِزاً بقول ما يحلو له من قصائد بدون العودة للورقة.. ولهذا هل يمكن أن نقول إنّ كوكبة ما يُعرف بالشعراء قد ولت؟ ورغم ذلك نقول أن الشعر يظل باقياً لا يمكن بحال أن يزول ولكن يحتاج إلى ذلك الشاعر الأصيل القادر على أن يعيد للشعر هيبته ومكانته وموسيقاه التي تُلزمنا على أن نسمع بإصغاء وحبّ ورغبة، ونتابع بشغف.

كاتب وصحافي سوري
مقيم في النمسا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الرحمن الشمري.. استدعاء الشاعر السعودي بعد تصريحات اعتبر


.. قطة تخطف أنظار الحضور بعد صعودها على خشبة المسرح أثناء عزف ا




.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي


.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 10 يونيو 202